تأملات في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام
سامي المحمد
1436/12/04 - 2015/09/17 11:04AM
تأملات في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام 6/10/1436هـ
الحمد لله الذي يقضي بالحق ويحكم بالعدل ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، يقدّر الأمور بحكمة، ويحكم بالشرائع لحكمة وهو الحكيم العليم ، أرسل الرُسل مبشرين و منذرين ، وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وليقوم الناس بالقسط ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما. أما بعد
قال الله تعالى {إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفا ولم يك من المشركين} النحل وقال عزوجل {واتخذ الله إبراهيم خليلا} وقال صلى الله عليه وسلم ( إنني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل , فإن الله اتخذ إبراهيم خليلاً , ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ) رواه مسلم.
عباد الله:
إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليل الرحمن , في حياته وقصته الكثير من المواقف وفيها الكثير من العبر والفوائد ومن هذه القصص ما ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة الصافات {وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين , ربي هب لي من الصالحين , فبشرناه بغلام حليم , فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين , فلما اسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا , إنا كذلك نجزي المحسنين , إن هذا لهو البلاء المبين , وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين , سلام على إبراهيم , كذلك نجزي المحسنين , إنه من عبادنا المؤمنين} الصافات
معشر المسلمين :
هذه القصة وقعت بينا أب وابن , بينا إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام , وكان اسماعيل عليه السلام أول أولاده {فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني اذبحك}. والسعي هو السن مابين السبع إلى ثلاثة عشر تقريباً.
ها هو الشيخ الكبير إبراهيم عليه السلام المقطوع من الأهل والقرابة المهاجر من ارضه ووطنه هاهو يرزق في كبره وهرمه بغلام طالما تطلع اليه , وهاهو مايكاد يأنس به ويبلغ معه السعي ويرافقه في الحياة حتى يرى في منامه أنه يذبحه , والأمر شاق ورؤيا الأنبياء حق فهو لا يطلب منه أن يرسل ابنه الوحيد إلى معركة ولا يطلب منه أن يكلفه بأمر تنتهي به حياته , إنما يطلب منه أن يتولى ذبحه بيده لم يتردد عليه الصلاة والسلام ولم يسأل ربه لم يارب أذبح ابني الوحيد ؟ ولا يلبي هذا الأمر وهو منزعج أو مضطرب أو جزع بل هو الرضى والاستسلام لربه عزوجل {إن إبراهيم لحليم أواه منيب}.
إبراهيم عليه السلام يعرض ما رآه على ابنه فلا يأخذه بغتة أو على غرة , إن ربه يريد فليكن ما يريد , وابنه ينبغي أن يعلم ويأخذ الأمر طاعة ورضى واستسلاماً لا قصراً واضطراراً لينال هو أيضاً أجر الطاعة والاستسلام {فانظر ماذا ترى} هذا العرض ليس للاستشارة ولكن لينظر مدى قوة تحمله لهذا الأمر العظيم.
عبد الله :
تأمل هذا الخطاب الرفيق {يابني} وتأمل الجواب بعده {يا أبت افعل ما تؤمر}.
هكذا رحمة ورفق والجزاء من جنس العمل كان إبراهيم عليه السلام يخاطب والده وهو مشرك {يا أبت} وهاهو الابن يتلطف بأبيه {يا أبت} في مودة وقربى فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده , بل لا يفقده أدبه ومودته بل ويحثه على تنفيذ أمر الله بقوله {افعل ما تؤمر} فلم تكن أي موافقة بل شجعه وذكره بأن هذا أمر الله تعالى , انظر لأدب الابن كذلك مع الله سبحانه وتعالى ومعرفة حدود القدرة والطاقة في الاحتمال مع الاستعانة بالله على ضعفه وعجزه {ستجدني إن شاء الله من الصابرين}.
{فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين} استسلما لأمر الله تعالى الأب والابن عليهما الصلاة والسلام وصرع إبراهيم اسماعيل على الأرض ليذبحه عندها أتى النداء من أرحم الراحمين ممن هو أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا {وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا}.
معشر المسلمين :
هذا هو الإسلام في حقيقته ثقة وطاعة وطمأنينة ورضى وتسليم وتنفيذ , وهنا كا إبراهيم وإسماعيل قد أديا وحققا الأمر والتكليف ولم يكن باقياً إلا أن يذبح اسماعيل ويسيل دمه وتزهق روحه وهذا لا يعني شيئا عند الله بعد أن اسلم إبراهيم و اسماعيل أمرهما لله رب العالمين واستَجَابا له فكان من رحمة الله أن يفدي اسماعيل عليه السلام قال الله تعالى {وفديناه بذبح عظيم} فنقل الأمر من ذبح الولد إلى ذبح الكبش وصار هذا الذبح عظيماً من جهة أنه كان فداء لإسماعيل عليه السلام ومن جهة أنه من جملة العبادات الجليلة ومن جهة أنه كان قرباناً وسنة إلى يوم القيامة.
عباد الله :
المتأمل في قصة إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما الصلاة والسلام يجد فيها المعنى الحقيقي للإسلام والعقيدة الإسلامية , إنه الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله , قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : وليس مجرد الاقرار كافياً بل لابد من قبول وإذعان , والدليل على أن مجرد الاقرار ليس بكاف لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن عمه أبي طالب أنه في النار , ذلك مع أنه مؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم مصدق به يقول في لاميته المشهورة :
لقد علموا أن ابننا لا مُكذَب لدينا ولا يعنى بقول الأباطل
لكنه والعياذ بالله لم يقبل هذا الدين ولم يذعن له , وكان آخر ما قال:إنه على الشرك على ملة عبد المطلب
عباد الله :
قال الله تعالى{واتخذ الله إبراهيم خليلا}. قال ابن القيم رحمه الله : ولما اتخذه ربه خليلا والخلة هي كمال المحبة وهي مرتبة لا تقبل المزاحمة وكان قد سأل ربه أن يهب له ولداً صالحا , فوهب له اسماعيل فأخذ هذا الولد شعبة من قلبه , فغار الخليل على قلب خليله أن يكون فيه مكان لغيره امتحنه بذبحه ليظهر سر الخلة في تقديم محبة خليله على محبة ولده فلما استسلم لأمر ربه , وعزم على فعله وظهر سلطان الخلة في الإقدام على ذبح الولد إيثاراً لمحبة خليله على محبته فسح الله ذلك عنه وفداه بالذبح العظيم.
نسأل الله أن يرزقنا إيماناً كاملا ويقيناً خالصاً ولساناً ذاكرا وقلب خاشعا أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ، وله الحمد في الآخرة ، وهو الحكيم الخبير , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الموت والحياة ليبلوكم أيُّكم أحسن عملاً ، وهو العزيز الغفور ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، البشير النذير والسراج المنير ، صلى الله عليه وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور وسلَّم تسليماً. أما بعد
عباد الله :
مع ما سبق ذكره يتبين لنا في الأضاحي وعلاقتها بالتضحية :-
إبراهيم عليه الصلاة والسلام أبو الحنفاء وشيخ الأنبياء ضحى بالكثير استجابة لأمر الله تعالى ورغبة فيما عنده وكان صلى الله عليه وسلم كما قيل : قلبه للرحمن , وولده للقربان , وبدنه للنيران , وماله للضيفان . والأضحية سنة إبراهيم عليه الصلاة السلام جددها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتضحيات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة أيضاً فحين أعلن دعوته صلى الله عليه وسلم رمته الدنيا عن قوس واحدة , فتحمل لأجل ذلك جفاء القريب , وعداء الصديق , أُخرج من مكة وهي أحب الديار اليه مُهاجراً إلى الله وجاهد في الله حق جهاده , بل إنك لا تكاد ترى مما روي عنه صلى الله عليه وسلم شيئاً استقل به لحظِ نفسه إنما هو هم الدعوة ينام ويقوم معه , والأضحية بما فيها من دفع المال واختيار الافضل والذبح تُذكر المسلم بالتضحية لدين الله وبأن التضحية لا تعني القيام بأقل الواجب بل المطلوب استفراغ الجهد , والصدق مع الله في استفراغه , بحيث لا يكون هناك فرصة لجهد وعمل يقدر عليه ثم يظل قاعداً متخاذلاً.
عباد الله :
إن من يعرف الدنيا على حقيقتها يرى أنها جهاد وتضحيات , إما من أجل الدنيا ذاتها , أو من ما هو اغلى من الدنيا وزخرفها ( الجنة ورب النضر ) ومن لا يضحي من أجل رفيع الأمور داسته الرذائل واحتوشته الشرور
خُض غِمار الهوُل غوصا إنما لُؤلُؤ التِيجَانِ في بَحرِ المنايا .
إنما الدُنيا جِهادٌ من يَنم يوماً دَاستُه اقدامُ الرزايا .
معشر المسلمين : وصَف الله تعالى ما جرى لإبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام بالابتلاء بقوله تعالى {إن هذا لهو البلاء المبين} فلماذا الابتلاء ؟ قال ابن القيم رحمه الله تعالى : وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به إلى أجل الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون اليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان وكان ذلك الجسر لكماله : كالجسر الذي لا سبيل إلى عبورهم إلى الجنة إلا عليه , وكان الابتلاء عين المنح في حقهم والكرامة فصورته صورة ابتلاء وامتحان وباطنه فيه الرحمة والنعمة , فكم لله من نعمة جسيمة ومنة عظيمة تُجنى من قطوف الابتلاء والامتحان. نسأل الله أن يجعلنا عند البلاء من الصابرين وعند النعماء من الشاكرين عباد الله : اعلموا أنكم في عشر مباركات فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد قال صلى الله عليه وسلم " خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إِله إلا اللَّهُ وحده لا شريك له ، له المُلك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " رواه الترمذيّ ، وحسنه الأَلباني . ومن لم يكن حاجا فإِنه يشرع له صيام يوم عرفة ، ففِي ذلك الأَجر العظيم ، فقد قال ،صلى الله عليه وسلم ، عندما سئل عن صيام يوم عرفة : (أحتسب على الله أن يكفر السَّنَةَ التِي قبله ، والسَّنَةَ التِي بعده) رواه مسلم.
الحمد لله الذي يقضي بالحق ويحكم بالعدل ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، يقدّر الأمور بحكمة، ويحكم بالشرائع لحكمة وهو الحكيم العليم ، أرسل الرُسل مبشرين و منذرين ، وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وليقوم الناس بالقسط ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما. أما بعد
قال الله تعالى {إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفا ولم يك من المشركين} النحل وقال عزوجل {واتخذ الله إبراهيم خليلا} وقال صلى الله عليه وسلم ( إنني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل , فإن الله اتخذ إبراهيم خليلاً , ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ) رواه مسلم.
عباد الله:
إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليل الرحمن , في حياته وقصته الكثير من المواقف وفيها الكثير من العبر والفوائد ومن هذه القصص ما ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة الصافات {وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين , ربي هب لي من الصالحين , فبشرناه بغلام حليم , فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين , فلما اسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا , إنا كذلك نجزي المحسنين , إن هذا لهو البلاء المبين , وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين , سلام على إبراهيم , كذلك نجزي المحسنين , إنه من عبادنا المؤمنين} الصافات
معشر المسلمين :
هذه القصة وقعت بينا أب وابن , بينا إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام , وكان اسماعيل عليه السلام أول أولاده {فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني اذبحك}. والسعي هو السن مابين السبع إلى ثلاثة عشر تقريباً.
ها هو الشيخ الكبير إبراهيم عليه السلام المقطوع من الأهل والقرابة المهاجر من ارضه ووطنه هاهو يرزق في كبره وهرمه بغلام طالما تطلع اليه , وهاهو مايكاد يأنس به ويبلغ معه السعي ويرافقه في الحياة حتى يرى في منامه أنه يذبحه , والأمر شاق ورؤيا الأنبياء حق فهو لا يطلب منه أن يرسل ابنه الوحيد إلى معركة ولا يطلب منه أن يكلفه بأمر تنتهي به حياته , إنما يطلب منه أن يتولى ذبحه بيده لم يتردد عليه الصلاة والسلام ولم يسأل ربه لم يارب أذبح ابني الوحيد ؟ ولا يلبي هذا الأمر وهو منزعج أو مضطرب أو جزع بل هو الرضى والاستسلام لربه عزوجل {إن إبراهيم لحليم أواه منيب}.
إبراهيم عليه السلام يعرض ما رآه على ابنه فلا يأخذه بغتة أو على غرة , إن ربه يريد فليكن ما يريد , وابنه ينبغي أن يعلم ويأخذ الأمر طاعة ورضى واستسلاماً لا قصراً واضطراراً لينال هو أيضاً أجر الطاعة والاستسلام {فانظر ماذا ترى} هذا العرض ليس للاستشارة ولكن لينظر مدى قوة تحمله لهذا الأمر العظيم.
عبد الله :
تأمل هذا الخطاب الرفيق {يابني} وتأمل الجواب بعده {يا أبت افعل ما تؤمر}.
هكذا رحمة ورفق والجزاء من جنس العمل كان إبراهيم عليه السلام يخاطب والده وهو مشرك {يا أبت} وهاهو الابن يتلطف بأبيه {يا أبت} في مودة وقربى فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده , بل لا يفقده أدبه ومودته بل ويحثه على تنفيذ أمر الله بقوله {افعل ما تؤمر} فلم تكن أي موافقة بل شجعه وذكره بأن هذا أمر الله تعالى , انظر لأدب الابن كذلك مع الله سبحانه وتعالى ومعرفة حدود القدرة والطاقة في الاحتمال مع الاستعانة بالله على ضعفه وعجزه {ستجدني إن شاء الله من الصابرين}.
{فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين} استسلما لأمر الله تعالى الأب والابن عليهما الصلاة والسلام وصرع إبراهيم اسماعيل على الأرض ليذبحه عندها أتى النداء من أرحم الراحمين ممن هو أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا {وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا}.
معشر المسلمين :
هذا هو الإسلام في حقيقته ثقة وطاعة وطمأنينة ورضى وتسليم وتنفيذ , وهنا كا إبراهيم وإسماعيل قد أديا وحققا الأمر والتكليف ولم يكن باقياً إلا أن يذبح اسماعيل ويسيل دمه وتزهق روحه وهذا لا يعني شيئا عند الله بعد أن اسلم إبراهيم و اسماعيل أمرهما لله رب العالمين واستَجَابا له فكان من رحمة الله أن يفدي اسماعيل عليه السلام قال الله تعالى {وفديناه بذبح عظيم} فنقل الأمر من ذبح الولد إلى ذبح الكبش وصار هذا الذبح عظيماً من جهة أنه كان فداء لإسماعيل عليه السلام ومن جهة أنه من جملة العبادات الجليلة ومن جهة أنه كان قرباناً وسنة إلى يوم القيامة.
عباد الله :
المتأمل في قصة إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما الصلاة والسلام يجد فيها المعنى الحقيقي للإسلام والعقيدة الإسلامية , إنه الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله , قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : وليس مجرد الاقرار كافياً بل لابد من قبول وإذعان , والدليل على أن مجرد الاقرار ليس بكاف لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن عمه أبي طالب أنه في النار , ذلك مع أنه مؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم مصدق به يقول في لاميته المشهورة :
لقد علموا أن ابننا لا مُكذَب لدينا ولا يعنى بقول الأباطل
لكنه والعياذ بالله لم يقبل هذا الدين ولم يذعن له , وكان آخر ما قال:إنه على الشرك على ملة عبد المطلب
عباد الله :
قال الله تعالى{واتخذ الله إبراهيم خليلا}. قال ابن القيم رحمه الله : ولما اتخذه ربه خليلا والخلة هي كمال المحبة وهي مرتبة لا تقبل المزاحمة وكان قد سأل ربه أن يهب له ولداً صالحا , فوهب له اسماعيل فأخذ هذا الولد شعبة من قلبه , فغار الخليل على قلب خليله أن يكون فيه مكان لغيره امتحنه بذبحه ليظهر سر الخلة في تقديم محبة خليله على محبة ولده فلما استسلم لأمر ربه , وعزم على فعله وظهر سلطان الخلة في الإقدام على ذبح الولد إيثاراً لمحبة خليله على محبته فسح الله ذلك عنه وفداه بالذبح العظيم.
نسأل الله أن يرزقنا إيماناً كاملا ويقيناً خالصاً ولساناً ذاكرا وقلب خاشعا أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ، وله الحمد في الآخرة ، وهو الحكيم الخبير , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الموت والحياة ليبلوكم أيُّكم أحسن عملاً ، وهو العزيز الغفور ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، البشير النذير والسراج المنير ، صلى الله عليه وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور وسلَّم تسليماً. أما بعد
عباد الله :
مع ما سبق ذكره يتبين لنا في الأضاحي وعلاقتها بالتضحية :-
إبراهيم عليه الصلاة والسلام أبو الحنفاء وشيخ الأنبياء ضحى بالكثير استجابة لأمر الله تعالى ورغبة فيما عنده وكان صلى الله عليه وسلم كما قيل : قلبه للرحمن , وولده للقربان , وبدنه للنيران , وماله للضيفان . والأضحية سنة إبراهيم عليه الصلاة السلام جددها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتضحيات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة أيضاً فحين أعلن دعوته صلى الله عليه وسلم رمته الدنيا عن قوس واحدة , فتحمل لأجل ذلك جفاء القريب , وعداء الصديق , أُخرج من مكة وهي أحب الديار اليه مُهاجراً إلى الله وجاهد في الله حق جهاده , بل إنك لا تكاد ترى مما روي عنه صلى الله عليه وسلم شيئاً استقل به لحظِ نفسه إنما هو هم الدعوة ينام ويقوم معه , والأضحية بما فيها من دفع المال واختيار الافضل والذبح تُذكر المسلم بالتضحية لدين الله وبأن التضحية لا تعني القيام بأقل الواجب بل المطلوب استفراغ الجهد , والصدق مع الله في استفراغه , بحيث لا يكون هناك فرصة لجهد وعمل يقدر عليه ثم يظل قاعداً متخاذلاً.
عباد الله :
إن من يعرف الدنيا على حقيقتها يرى أنها جهاد وتضحيات , إما من أجل الدنيا ذاتها , أو من ما هو اغلى من الدنيا وزخرفها ( الجنة ورب النضر ) ومن لا يضحي من أجل رفيع الأمور داسته الرذائل واحتوشته الشرور
خُض غِمار الهوُل غوصا إنما لُؤلُؤ التِيجَانِ في بَحرِ المنايا .
إنما الدُنيا جِهادٌ من يَنم يوماً دَاستُه اقدامُ الرزايا .
معشر المسلمين : وصَف الله تعالى ما جرى لإبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام بالابتلاء بقوله تعالى {إن هذا لهو البلاء المبين} فلماذا الابتلاء ؟ قال ابن القيم رحمه الله تعالى : وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به إلى أجل الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون اليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان وكان ذلك الجسر لكماله : كالجسر الذي لا سبيل إلى عبورهم إلى الجنة إلا عليه , وكان الابتلاء عين المنح في حقهم والكرامة فصورته صورة ابتلاء وامتحان وباطنه فيه الرحمة والنعمة , فكم لله من نعمة جسيمة ومنة عظيمة تُجنى من قطوف الابتلاء والامتحان. نسأل الله أن يجعلنا عند البلاء من الصابرين وعند النعماء من الشاكرين عباد الله : اعلموا أنكم في عشر مباركات فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد قال صلى الله عليه وسلم " خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إِله إلا اللَّهُ وحده لا شريك له ، له المُلك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " رواه الترمذيّ ، وحسنه الأَلباني . ومن لم يكن حاجا فإِنه يشرع له صيام يوم عرفة ، ففِي ذلك الأَجر العظيم ، فقد قال ،صلى الله عليه وسلم ، عندما سئل عن صيام يوم عرفة : (أحتسب على الله أن يكفر السَّنَةَ التِي قبله ، والسَّنَةَ التِي بعده) رواه مسلم.