تأملات في سورة الحجرات «7»العصبية

أمير محمد محمد المدري
1438/04/26 - 2017/01/24 07:21AM
تأملات في سورة الحجرات «7»العصبية

الحمد لله الذي نشر بقدرته البشر و صرف بحكمته وقدر، وابتعث محمداً إلى كافة أهل البدو والحضر فأحل وحرم وأباح وحضر، وابتلاه في بداية النبوة بمدارات من كفر، فدخل دار الأرقم فاختفى واستتر إلى أن أعز الله الإسلام برجال كأبي بكر وعمر، فصلوات الله عليه وعلى جميع آله وأصحابه الميامين الغُرر وعلى تابعيهم بإحسان على السنة والأثر صلوات الله عليه ما هطلت الغمائم بنعم المطر وهدلت الحمائم على أفنان الشجر
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى الذي أكرمكم بإنزال القرآن وخصّكم بشرفِ أعظم كتبه، قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف: 44]، أي: شرف لك ولقومك. وقال تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة: 16].
عباد الله: يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57].
اليوم نقف وإياكم مع اللقاء السابع من سورة الحجرات، سورة الأخلاق، سورة الآداب، سورة الأخوة سورة تربي المسلم على أن يكون عف اللسان عف الجوارح عف القلب ومع النداء الرباني الأخير في هذه السورة المباركة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13].
ذلكم هو الميزان الشرعي للتفاضل بين الناس، جاءت الأحاديث والآيات تؤكد ذلك، ففي سنن الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة فقال: «يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّة«حمية» الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: بَرٌ تقيٌّ كريمٌ على الله، وفاجر شقي هَيِّنٌ على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب»، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [رواه أبو داود والترمذي]. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: «الْعُبِّيَّة الْكِبْر وَالنَّخْوَة».
وقال لأبي ذر رضي الله عنه: «انظر، فإنك لست بخير من أحمر ولا أسودَ إلا أن تفضله بتقوى» [رواه الإمام أحمد]
عباد الله:، عقيدة التوحيد تجمعنا ودار الإسلام تؤوينا، لا فخر لنا إلا بطاعة الرحمن، ولا عزة ولا كرامة إلا بالإيمان، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
معاشر المصلين، قضية اجتماعية، بسببها انتشرت البغضاء، ومنها نبعت الأحقاد، ولأجلها رُفعت الشعارات الشيطانية، وتعددت الحزبيات العنصرية، ووجدت رواجاً عند ضعاف الإيمان واستغلها الأعداء أبشع استغلال.
لم تدخل في مجتمع إلا فرّقته، ولا في صالح إلا أفسدته، ولا في كثير إلا قللته، ولا في قوي إلا أضعفته، ما نجح الشيطان في شيء مثلما نجح فيها.
إنها العصبية المقيتة بأنواعها، إنها الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب، إنها الفخر بالأرض والتراب، إنها الفخر بالعِرق واللون.
روى البخاري أن أبا ذر وبلال يرضي الله عنها تغاضيا وارتفعت أصواتهما في مجلسٍ، فإذا أبو ذر ا يعيّر بلالاً بأمه، قال له: «يا ابن السوداء! » كلمة غريبة خرجت من أبي ذر ا ليست من الإسلام في شيء، وهل في شريعة الإسلام أحمر وأسود وأبيض؟ من هو الكريم عندنا؟ ومن هو المعظّم في هذه الملة؟ (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13]، إننا لا نُعرف بألواننا، ولا بأجناسنا، ولا بلغاتنا، ولا ببلداننا، إنما نُعرف بلا إله إلا الله، وبمقدار عبوديتنا لله q. سمع بلال هذه الكلمة من أبي ذر: يا ابن السوداء، فغضب رضي الله عنه وقال له: والله لأرفعنّك إلى خليلي، ورفع أمره إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فغضب المصطفى غضباً شديداً وقال لأبي ذر: «أعيّرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية».
عباد الله:، يقول الله تعالى ذامّاً أهل الحمية لغير الدين: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) [الفتح: 26]، وجاء في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية».
وعن سهل بن سعد قال: مر رجل على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا؟ » فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حريّ إن خَطَبَ أن يُنْكَحَ، وإن شَفَعَ أن يُشَفَّعَ، فسكت رسول الله، ثم مر رجل آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما رأيك في هذا؟ » فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريّ إن خَطَبَ أن لا يُنْكَحَ، وإن شَفَّعَ أن لا يُشَّفع، وإن قال أن لا يُسْمَعَ لقوله، فقال رسول الله: «هذا خير من ملءِ الأرض مثل هذا» [متفق عليه].
أيها المؤمنون، إن خصالاً من خصال الجاهلية لا زالت موجودة بين الناس، فعن أبي مالك الأشعري ا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربعٌ في أمتي من الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة» [رواه مسلم].
أيها الإخوة، وتأمّلوا كيف طبّق الصحابة هذا الميزان الشرعي في التفاضل: لقي نافع بن عبد الحارث عمر بعُسْفَان، وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: فلان بن فلان، قال: ومَن فلان بن فلان؟ قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلفتَ عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله q، وإنه عالم بالفرائض، فقال عمر: أما إن نبيكم قد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين» [رواه مسلم].
وقال الحسن البصري رحمه الله: حضر أناسٌ بابَ عمر وفيهم سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب والشيوخ من قريش، فخرج آذِنُه فجعل يأذَن لأهل بدر كصهيب وبلال وعمار، فقال أبو سفيان: والله، ما رأيت كاليوم قط! يأذن لهذه العبيد ونحن جلوسٌ لا يَلْتَفِتُ إلينا، فقال سهيل بن عمرو: أيها القوم، إني والله لأرى ما في وجوهكم، فإن كنتم غضابًا فاغضبوا على أنفسكم، دُعي القوم «أي إلى الإسلام» ودُعيتم، فأسرعوا وأبطأتم، أما والله لَمَا سبقوكم به من الفضل فيما يرونَ أشدّ عليكم فوتًا من بابكم هذا الذي تنافسون عليه. قال الحسن: صدق والله، لا يجعل الله عبدًا أسرع إليه كعبد أبطأ عنه.
وصدق الله القائل: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر: 37]
فإما أن يتقدم العبد بالطاعة والإيمان والقران والذكر والكلمة الطيبة وطاعة الوالدين إلى الجنة وأما أن يتأخر بالمعصية والظلم والذنوب إلى النار.
فيا من تطعنُ في الأنساب وتفتخر بالأحساب، يا من حقّرت الناس واستنقصتهم، ألا تعلم حقيقتك؟! ألا تعلم أن أوّلك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وتحمل في بطنك العذرة؟! (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) [المرسلات: 20]. فعلام الكبرياء وعلام التعالي.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13].
عباد الله: لو كان الأصل والجنس والنسب اعتبار في الإسلام ما أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً الحبشي الزنجي الأسود ا وأرضاه أمره أن يرقى على سطح الكعبة المعظمة ليصدع بالأذان وتحته أشراف العرب وشاراتهم وذلك في الفتح الأعظم وذلك عندما دخل سيدنا المصطفي رسول الله مكة فاتحاً.
زينب بنت جحش القرشية الهامشية. زوّجها رب العالمين من مولى رسول الله زيد بن حارثة، زوّجه منها من فوق سبع سماواته، فكان ذلك إعلاناً ربانياً سماوياً بإلغاء العنصريات والقوميات والقبليات وبتحريم التفاخر بالآباء.
ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالدوافع للنكاح قال: «تُنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» [البخاري «5090»، ومسلم «1466»]. فمن تزوجها لحسبها فعسى أن يطغيها، ومن تزوجها لمالها فعسى أن يشقيها، ومن تزوجها لجمالها فعسى أن يؤذيها.
عباد الله: إن الواجب على الأب الصالح أن يجتهد كلّ الاجتهاد في البحث والسؤال والتحرّي بكل وسيلة ممكنة، يسأل هذا، ويسأل ذاك، يسأل عن صلاحه وصلاته وأخلاقه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « «إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»، سأل الحسن البصريرحمه الله رجل فقال: يا إمام لمن أزوج ابنتي قد كثُر خُطّابها؟. فقال: زوّجها التقي الذي إذا أحبها أكرمها وإذا كرهها لم يُهنها.
وقال صلى الله عليه وسلم: «الناس لآدم وحواء طف الصاع لم يملأه إن الله لن يسألكم عن أنسابكم ولا أحسابكم يوم القيامة إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، أي أن أصلكم كلكم يرجع إلى أصل وأب واحد؛ ولهذا يناديهم يا بني آدم في قوله: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ) [يس: 60] وفي قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) [الأعراف: 31].
(يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا) [الأعراف: 26]، (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ) [الأعراف: 27]؛ ليدخل فيه جميع البشر.
صدق الله وصدق رسوله المصطفي بهذا الميزان الرباني وهذا المقياس النبوي هو الذي حكم بتفضيل بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي على أبي لهب العربي القرشي الهاشمي عم رسول الله وما ذاك إلا لأن هؤلاء الأعاجم آمنوا بالله واتقوه ونصروا الله ورسوله وذلك العربي القرشي الهاشمي كفر وفجَر بمبادئ هذا الدين الرباني وموازينه ومقاييسه.
ولا محاباة فيها ولا مداهنة وإلا فمقام القربى من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أولى المقامات لأن ينفع صاحبه أن ينفع ذلك المشرك الذي نزل فيه قرآن يتلى إلى يوم القيامة بذمه والدعاء عليه، وذلك لأنه لا محاباة ولا مداهنة في موازيين هذا الدين الرباني ومقاييسه.
عباد الله: من فتح بيت المقدس؟ إنه صلاح الدين الكردي ومن جاهد الصليبين؟ إنه نور الدين محمود زنكي التركماني، ومن شاعر الإسلام؟ إنه محمد إقبال الهندي، ومن صاحب اصح كتاب بعد القرآن؟ إنه البخاري من بخارى.
إن هذا الدين يسع الناس جميعًا ولا يضيق عن أحد مع اختلاف أجناسهم وألوانهم وأصولهم أنسابهم، الإسلام يسعهم جميعاً ولا يضيق عن أحد. وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة والنعمة المسداة أرسل رحمة للعالمين لجميع العالمين أرسل للناس كافة على اختلاف أجناسهم وألوانهم وشعوبهم وقبائلهم هو رحمة للجميع ورسالته للجميع ودين الله الإسلام هو دين يسع الجميع وتنصهر فيه جميع القبائل والشعوب والأجناس والأعراف متساوين في ذلك بين يدي الله لا يتفاوتون إلا بالتقوى هذا مبدأ أساسي من مبادئ هذا الدين العظيم الكريم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف: 158].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد أن لا اله إلا الله تعظيماً لشانه، واشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى اله وأصحابه وجميع إخوانه.
وبعد عباد الله:
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن ناساً من أصحابه تنازعوا فقال قائل منهم: يا للمهاجرين وقال قائل منهم: يا للأنصار، فخرج سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته غاضباً يجر ردائه فقال: « أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم دعوها فإنها منتنة».
وفي مجتمعانا قسّموا الناس إلى خطوط فهذا خط كذا وهذا خط كذا، ونسوا أن الله قد بعث سيدنا المصطفي صلى الله عليه وسلم للقضاء على العنصريات الجاهلية والعصبيات المنتنة العصبية القبلية، الغضب للقبيلة والقتال للقبيلة والحب والبغض للقبيلة بالحق وبالباطل، كما قال أحدهم:
وهل أنا إلا من غُزيّة إن غوت
غويتُ وإن ترشد غُزيّة أرشد

العصبية الطائفية فهذا شيعي وهذا سُني وهذا زيدي وهذا حنبلي...
العصبية الحزبية قال قائلهم:
آمنتُ بالحزب رباً لا شريك له
وبالعروبة ديناً ما له ثاني

العصبية القومية العصبية الوطنية فالحب على أساس المواطنة، فمن كان من وطنك تحبه سواءً كان مسلماً أو فاسقاً أو كافراً، في حين لا تحمل هذا الشعور تجاه أخ مسلم من غير بلادك ولو كان من أتقى الناس.
قال قائلهم:
بلادك قدّمها على كُل ملةٍ
حبوني ديناً يمنح العرب وحدة
سلامٌ على كفرٍ يوحد بيننا
ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم
وسيروا بجثماني على دين برهم
ذو أهلاً وسهلا بعده بجهنم

ما الحل إلا أن ننطلق جميعاً بقلبٍٍ واحد وأخوة إيمانية قوية ونقيم بدلاً منها صرح الإيمان الذي يجتمع تحت لوائه جميع المؤمنين إخواناً متحابين تربط بينهم رابطة واحدة وشيجة واحدة وهي رابطة الإيمان ووشيجة الإسلام.
أن نكون جميعاً يداً واحدة وقلباً واحدا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ننصر المظلوم ونمنع الظالم: (أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة: 22]، نجتمع ونتوحد ونلتقي من أجل الله ولدين الله فهذا لا يسمى تحزب ولكن نصرة وأخوة واعتصام بحبل الله قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا) [آل عمران: 103]..
هاهو المصطفي صلى الله عليه وسلم منذراً أمته بقوله عليه الصلاة والسلام: «لينتهين أقوام عن تفاخرهم بآبائهم أو ليكونُن أهون على الله من الجعلان» [حسن، أخرجه أحمد «2/361»].
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: انتسب رجلان على عهد رسول الله فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان، فمن أنت لا أُم لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انتسب رجلان على عهد موسى ×، فقال أحدهما: أنا فلان ابن فلان حتى تسعة، فمن أنت لا أُم لك؟ قال: أنا فلان ابن فلان ابن الإسلام، قال: فأوحى الله إلى موسى عليه السلام: أن هذين المنتسبين، أما أنت أيها المنتمي إلى تسعة من النار، فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة».
فالذل والهوان والتشتت والانقسام والتقاتل والتناصر كما كانوا يفعلون في الجاهلية قبل الإسلام. هذه هي العقوبة الإلهية للذين أعرضوا عن مبادئ الإسلام الخالدة الرفيعة السامية. مبادئ المساواة وميزان التقوى والأخوة الإيمانية الإسلامية التي تجمع بين سائر المسلمين علي اختلاف أجناسهم وألوانهم هذه هي العقوبة الإلهية لمن ذهبوا يجرون لاهثين وراء العنصريات الجاهلية المنتنة.
عباد الله: من أراد أن يكون أكرم الناس فليتق الله فإن أكرمكم عند الله أتقاكم.
من أراد أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يدي الله أوثق مما في أيدي الناس.
من أراد أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، فإن من يتوكل على الله فهو حسبه
والتقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية.
تقوى الله أن يُعبد فلا يكفر ويُذكر فلا ينسى ويُشكر فلا يُكفر.
عباد الله: والله أن أحسابنا وأنسابنا وأصولنا لا تقدمنا بين يدي الله قيد أنملة وما يعزنا ويرفعنا عند الله إلا أعمالنا الصالحة وأخلاقنا الحسنة.
عباد الله: إن الأخوة الإسلامية تفوق جميع الصلات والقرابات تتجاوز بذلك الحدود الجغرافية والروابط الأرضية: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان»، «المسلم أخو المسلم»، هذا هو الشعار الذي يجب أن يُرفع، ومن أجله يحب، ومن أجله يعادى.
أيها الآباء، أيها المربون، اتقوا الله في أنفسكم لا تُنْشِئُوْا صغاركم على التعصب والافتخار لغير الإسلام، بل ربّوهم على المبادئ الكريمة والخصال الحميدة التي دعانا إليها ديننا القويم.
اللهم أصلح القلوب والأعمال وأصلح ما ظهر منا وما بطن، واجعلنا من عبادك المخلصين. اللهم إنا نعوذ بك من الغواية والضلالة، اللهم ثبتنا على دينك، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم أصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى، وزينا برحمتك بالبر والتقوى واجعلنا من عبادك المهتدين. اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المرفقات

تأملات في سورة الحجرات-االجزء السابع.doc

تأملات في سورة الحجرات-االجزء السابع.doc

المشاهدات 1084 | التعليقات 0