تأخر نزول الغيث

مبارك العشوان 1
1439/05/29 - 2018/02/15 19:18PM

الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبينَا مُحمَّدٍ وآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلى يَومِ الدِّين.

أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، واعلَمُوا أنَّهُ جَلَّ وعَلَا يَبْتَلِي بِالسَّرَّاءِ والضَّرَاءِ، والشِّدَّةِ والرَّخَاءِ، والغِنَى والفَقْرِ، والخَصْبِ والجَدْبِ؛ الخَلْقُ خَلْقُهُ، وَالمُلْكُ مُلْكُهُ، وَالأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ لهُ، فَلَهُ الحَمْدُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ.

خَزَائِنُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ عِندَهُ، وَمَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ بِيَدِهِ، يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ؛ فَلَا مَانِعَ لِمَا أعطَى، وَيَمْنَعُ مَنْ يَشَاءُ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ؛ ولهُ فِي ذَلِكَ الحِكْمَةُ البَالِغَةُ،: { لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }الشورى12 يَعْلَمُ تَعَالَى مَا يُصْلِحُ عِبَادَهُ، وَمَا يُفْسِدُهُم: { وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } الشورى 27

عِبَادَ اللهِ: تَعْلَمُونَ - رَحِمَكُمُ اللهُ ـ مَا ابتُلِينَا بِهِ مِنْ تَأَخُّرِ الغَيثِ عَلَى هَذِهِ البِلَادِ؛ وَنَحنُ فِي مِثلِ هَذِهِ الحَالِ أحْوَجَ مَا نَكُونُ إِلَى مُرَاجَعَةِ أنْفُسِنَا، مَا الَّذِي غَيَّرْنَا حَتَّى غَيَّرَ اللهُ مَا بِنَا؛ { ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال53

وقال سبحانه: { إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } الرعد 11 يَقُولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: { إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ } مِنَ النِّعْمَةِ وَالإِحْسَانِ وَرَغَدِ العَيْشِ { حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } بِأَنْ يَنْتَقِلُوا مِنَ الإِيمَانِ إِلَى الكُفْرِ، وَمِنَ الطَّاعَةِ إِلَى المَعْصِيَةِ، أَوْ مِنْ شُكْرِ نِعَمِ اللهِ إِلَى البَطَرِ بِهَا؛ فَيَسْلُبُهُمُ اللهُ عِنْدَ ذَلِكَ إِيَّاهَا.

نَعَمْ عِبَادَ اللهِ؛ بِالمَعَاصِي يَتَعَرَّضُ النَّاسُ لِسَخَطِ اللهِ، فَتَزُولُ النِّعَمُ، وَتَفْجَأُ النِّقَمُ، وَتَتَحَوَّلُّ العافيةُ.

بِذُنُوبِ العِبَادِ يُبتَلَونَ بِالأَعَاصِيرِ، وَالزَّلازِلِ، وَالفَيَضَانَاتِ، يُبتَلَونَ بِالسِّنِينِ المُهْلِكَةِ، وَالأَمْرَاضِ المُسْتَعْصِيَةِ، وَغَلَاءِ الأَسْعَارِ، وَفَسَادِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، وَخَرَابِ الدِّيَار.

فِي عَهْدِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ: كَانَتِ الْغُيُومُ تَجِيءُ وَتَذْهَبُ وَلَا تُمْطِرُ، فَيَقُولُ مَالِكٌ: ( أَنْتُمْ تَسْتَبْطِئُونَ الْمَطَرَ وَأَنَا أَسْتَبْطِئُ الْحِجَارَةَ، إِنْ لَمْ تُمْطِرْ حِجَارَةً فَنَحْنُ بِخَيْرٍ ).

الجُرْأَةُ عَلَى حُدُودِ اللهِ، وَالتَّفَلُّتُ مِنْ شَرِيعَةِ اللهِ، وَالتَّمَادِي فِي مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ سَبَبٌ لِكُلِّ بَلَاءٍ وَفِتْنَةٍ، وَمُؤْذِنٌ بِعَذَابٍ ألِيمٍ؛ { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيــــمٌ } النور 63

عِبادَ اللهِ: وَإِذَا تَسَاكَتَ النَّاسُ عَنِ المُنْكَرَاتِ، وَتَوَاطَؤُا عَلَيهَا، وَتَرَكُوا الأمرَ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ؛ كَـانَ الأمْرُ أشَّدُّ، وَالخَطَرُ أعْظَمُ، وَأوشَكَ أنْ يُؤخَذُوا بِعُقُوبَةٍ تَعُمُّ وَلَا تَخُصُّ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّــمَ: ( إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغيِّرُوهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ ) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.

لِيَبْدَأْ أَحَدُنَا بِنَفْسِهِ، وَلْيَسْعَ فِي زَكَائِهَا وَصَلَاحِهَا؛ فَيَحْمِلَهَا عَلَى الطَّاعَةِ، وَيَكُفَّهَا عَنِ المَعْصِيَةِ:

ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا ... فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ

ثُمَّ لْيَجْتَهِدْ فِي صَلَاحِ أَهْلِهِ وَمَنْ تَحْتَ رِعَايَتِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم  6

ثُمَّ يَسْعَى فِي صَلَاحِ مَنْ حَولَهُ، وَهَكَذَا حَتَّى يَكَونَ المُجْتَمَعُ كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } التوبة 71  

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ ... وَأقُولُ مَا تَسْمَعُونَ...

الخطبة الثانية: 

الحَمْدُ لِلهِ... أمَّا بَعْدُ: وَقَد عَلِمْتَ أخِي المُسْلِمُ أنَّ المَعَاصِي سَبَبٌ لِتَأَخُّرِ المَطَرِ؛ فَلَا تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ كَثْرَةِ الأَمْطَارِ فِي بَعْضِ البِلَادِ الكَافِرَةِ، وَلَا بِمَا تَسْمَعُ مِمَّنْ يَقُولُ: إنَّهُ لَا عِلَاقَةَ بَينَ المَعَاصِي وَتَأَخُّرِ نُزُولِ المَطَرِ.

أَلَا فَاقْرَأ كَلَامَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَدَبَّرْهُ؛ فَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ أوْضَحَ البَيَانِ؛ يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } الأعراف 182ـ 183 يَقُولُ ابنُ كَثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابَ الرِّزْقِ وَوُجُوهَ الْمَعَاشِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَغْتَرُّوا بِمَا هُمْ فِيهِ وَيَعْتَقِدُوا أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } الْأَنْعَامِ44ـ 45؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: { وَأُمْلِي لَهُمْ } أَيْ: وَسَأُمْلِي لَهُمْ، أُطَوِّلُ لَهُمْ مَا هُمْ فِيهِ { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } أَيْ: قَوِيٌّ شَدِيدٌ. أ هـ .

وَيَقُولُ تَعَالَى: { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ، نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُـرُونَ }المؤمنون 55ـ 56

وَيَقُولُ تَعَالَى: { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُــمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } آل عمران 178

عِبَادَ اللهِ: وَقَدِ ابتُلِينَا بِتَأَخُّرِ الغَيثِ فَإِنَّهُ لَا مَلْجَأَ لَنَا إِلَّا إِلَى رَبِّنَا، لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إلَّا إِلَى اللهِ، وَهُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ  البَرُّ الرَّحِيمُ، الغَنِيُّ الكَرِيمُ، يُجِيبُ السَّائِلِينَ، وَيَكْشِفُ الضُّرَّ عَنِ المُضْطَرِّيْنَ، سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَينِ.

فَلْنَدعُ رَبَّنَا بِقُلُوبٍ حَاضِرَةٍ، لِنَدعُ رَبَّنَا وَنَحنُ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةٍ،  لِنَدعُهُ تَعَالَى وَنُلِحُّ فِي دُعَائِنَا.

وَلْنُكْثِرْ مِن اسْتِغْفَارِهِ، وَلْنُبَادِر بِالتَّوبَةِ النَّصُوحِ إليهِ؛ يُعْطِنَا مِنَ الخَيْرَاتِ، وَيكَشْفِ عَنَّا الكُرُبَات: { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ }52هود

ثُمَّ لْتَحْرِصُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى الحَلَالِ، وَأَدَاءِ زَكَاةِ الأموَالِ، وَلْتَقُومُوا بِشُكْرِ النِّعَمِ؛ يَحْفَظْهَا اللهُ لَكُمْ وَيَزِدكُمْ.

صِلُوا أَرْحَامَكُم؛ يُبْسَطَ لَكُم فِي أرْزَاقِكُمْ، تَآمَرُوا بِالمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوا عَنِ المُنْكَرِ، تَوَاصَوا بِالخَيرِ، أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم، تَرَاحَمُوا يَرْحَمْكُمْ رَبُّكُم، أَحْسِنُوا إِلَى ضُعَفَائِكُم؛ يُحْسِنِ اللهُ إِلَيْكُم؛ فَرِّجُوا عَنْ المَكْرُوبِينَ؛ يُفَرِّجِ اللهُ كُرُوبَكُم، يَسِّرُوا عَلَى المُعْسِرِينَ؛ يُيَسِّرِ اللهُ أُمُورَكُم.

أَحْسِنُوا العَمَلَ لِلهِ جَلَّ وَعَلَا، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا ...

اللهُمَّ أعِزَّ الإسلَامَ والمُسلِمِينَ...

اللهُمَّ أنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أنْتَ، أنْتَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ؛ أَنْزِلْ عَلَينَا الغَيثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ.

اللَّهُمَّ اسْقِنَا وَأَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا وَأَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا وَأَغِثْنَا.

اللهُمَّ لَا تًؤَاخِذْنَا بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِينَا، وَلَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا.

لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّا كُنَّا مِنَ الظَّالِمِينَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّا كُنَّا مِنَ الظَّالِمِينَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّا كُنَّا مِنَ الظَّالِمِينَ.  

عِبَادَ اللهِ:  إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدْلِ ...   فَاذكُرُوا اللهَ ...

 

المشاهدات 1389 | التعليقات 0