بين يوسف ومحمّد عليهما السّلام! ..أحمد بن عبد المحسن العسَّاف
الفريق العلمي
ما أعظم القرآن، وأقوى إعجازه؛ ففيه آيات تتحدّى، ومعاني تتجدّد، وتدبر لا ينقطع منذ أن نزل، وحتى يرتفع، وكم ترك الأوّل للآخر.
وإنّ حاجتنا للالتصاق بهذا الكتاب العزيز تتعاظم لحظة إثر لحظة، سواء على المستوى الفردي، أو المجتمعي، أو العملي، ومن الخذلان أن ننأى عنه، أو نزهد فيه.
وقبل أيام كتبت مقالة عن المشتركات بين هجرة نبي الله الكليم موسى، وهجرة نبينا محمّد -عليهما الصّلاة والسّلام-، وأقف اليوم مع المشتركات الكبرى بين قصّتي ابني العم، النّبي الكريم يوسف حفيد إسحق بن إبراهيم، والنّبي الكريم محمّد حفيد إسماعيل بن إبراهيم، عليهم جميعًا أتمّ الصّلاة، وأزكى التّسليم.
أمّا يوسف -عليه السّلام-، فقد حسده إخوانه، وحالوا بينه وبين أبيه، وأخرجوه من بلدته، ثمّ حاولوا قتله، وكانوا سببًا في بيعه بثمن بخس، ومعاناته من العمل في بيت عزيز لاه وامرأة فاتنة شغوفة؛ ولذا ابتلي من خلف الأبواب المغلقة، بمكر نسوي، وكيد الملأ، فسجن ظلمًا ونسي في معتقله، إلى أن أراد الله خروجه من محبسه منصورًا، يشهد الجميع بطهارته وزكاته، ثمّ ساق إليه إخوته وهم في أضعف حال، ومكنّه منهم، بيد أنّه يعفو ويصفح، ويقول لا تثريب عليكم، ويرفع من قدرهم، ويخرجهم من لواء العوز ومرارة الحاجة، ويكون سببًا في جمع شمل تبعثر.
وحدثت أمور مشابهة لسيّد ولد آدم، نبينا محمّد -عليهما الصّلاة والسّلام-، حيث حسدته قريش واستكثرت اختصاصه بالوحي، وتفرّده بالنّبوة، ثمّ اجتهدت في الحيلولة بينه وبين النّاس، وأنزلوا به وبمن آمن معه أقسى صنوف الأذى والعذاب المادي والمعنوي، وتفنّنوا في تشويه صورته وصورة المؤمنين معه، وأخيرًا تجرّأوا على التّخطيط لقتله، ودبّروا أمرهم خلف أسوار منيعة، لكنّ الله أنجاه؛ فأجبروه على الهجرة، ليعود إلى مكة فاتحًا بعد ثمانية أعوام من إخراجه، حيث يتسامى بخلقه القرآني العظيم، فيعفو عن أعدائه، ويطلق قومًا لم يتركوا شرًا إلّا فعلوه معه، ويقول لا تثريب عليكم.
وكان منطق إخوة يوسف، وساكني القصر المصري، يركن إلى القوّة والكثرة وامتلاك زمام الأمر، تمامًا كما صنعت قريش استنادًا لعددها وتاريخها وحضورها بين القبائل وفي أطراف الجزيرة العربيّة وتخومها، بيد أنّ القدر والتّدبير بيد الله، يجري الأمور كما يشاء، ولا يعلم أحد عن عجائب المخبوء، وخفايا المكتوب حتى تقع، ولله في خلقه شؤون.
ومن الموافقات أنّ نبينا صلّى الله عليه وسلّم جاء بدين مهيمن، وأوحي إليه كتاب خالد، وأمر بتبليغ شريعة خاتمة، ومن ضمن سور القرآن سورة كاملة باسم النّبي الكريم يوسف -عليه السّلام-، تسلّي المحزون، وتنفس عن المكروب، وتبقي ذكر الكريم متداولًا للأبد، وتجعل من قصّته أحسن القصص، وأغزرها في الفوائد والإشراقات.
ومن شريعة محمّد -عليه السّلام- الآذان المرفوع خمس مرّات يوميًا، وفيه شهادة تملأ الخافقين برسالته، فضلًا عن الصّلوات وفيها التّحيات له، والصّلاة والسّلام عليه، فسبحان من أخلد ذكر هذين النبّيين الكريمين ابني العم، مع أنّهما رحلا من دنيا النّاس دون أولاد يحملون الاسم، ويبقون على السّلالة من جهة الأب، والأمر لله وهو عليه هيّن.