بين مشروعين.. إيراني منظم وسني مشرذم // دـ أحمد موفق زيدان

احمد ابوبكر
1436/03/28 - 2015/01/19 05:54AM
[align=justify]خلال تغطيتي الإعلامية للجهاد الأفغاني في فترة الثمانينيات التقيت مستشار الرئيس الفرنسي جاك شيراك لمكافحة "الإرهاب" ودار حديث عن الجماعات الجهادية السنية والشيعية، وسألته من باب الفضول لماذا تتعاملون مع الجماعات الشيعية ولا تتعاملون مع السنية، فردّ علي أما الأولى فلديها مرجعية في طهران ودمشق تستطيع أن تضبط تحركاتها، بينما الحركات السنية فليس لديها مرجعية واحدة، وحين تتقدم إحداها تقدماً طفيفاً تبدأ بتهديد البيت الأبيض والوعد بتحرير الأقصى، فكيف يمكن التعامل معها؟!

أدركت طهران منذ البداية أهمية الأرض فعززت قوتها بعد الثورة الإيرانية، وحشدت أتباعها ومؤيديها من الطائفة الشيعية في أنحاء العالم، فكانت الحوزات الشيعية بقم وطهران مقرات لتصدير الثورة الإيرانية، وبينما كان الحوثيون وشيعة الخليج وأفغانستان وباكستان وأفريقيا الوسطى يتدفقون على تلقي تعاليم الثورة الإيرانية، ثم تلقي التدريب في معسكرات حزب الله ومعسكرات سورية، كانت الحركات الإسلامية مطاردة وملاحقة في أوطانها، أما بعض الأنظمة العربية والإسلامية فإما كانت تتقرب إلى طهران أو تقف عاجزة عن مواجهتها بسبب حالة الاحتراب الداخلي التي تعيشها مع شعبها أو معارضتها السياسية، وكانت مثل هذه الحالة تصب في الطاحونة الإيرانية.

وفي ظل الافتقار إلى المظلة السياسية الحكومية القادرة على توظيف الشباب وحماسهم وتحركاتهم خدمة لمشروع سني موحد، وبتفشي حالة اللاثقة بين الأنظمة والشعوب التي انفجرت لاحقاً على شكل تسونامي الربيع العربي، ظهر حجم البون الشاسع ليس بين الأنظمة والشعوب فحسب، وإنما بين الحركات الإسلامية المعتدلة التي تسيّدت المشهد الإسلامي على مدى عقود وبين جيل شبابي لا يثق بهذه الحركات بل يراها المسؤولة عما وصلت إليه الأوطان، وأنها الوجه الآخر للأنظمة المستبدة، كونها دعمتها بشكل أو بآخر، أو صمتت عليها، أو لم تقاومها ..

المرجعيات السياسية والثقافية والإسلامية في العالم العربي للأسف إن لم تكن جزءًا من الأنظمة فقد عجزت على مدى عقود في أن تكون بديلاً عنها، وهو ما أفقد الشباب الثقة بهذه المرجعيات، ولذا سعى جيل الشباب من الحركات الجهادية المتمردة إلى تقديم مرجعياته الخاصة به، فكانت مرجعيات حديثة الأسنان ومجهولة مجتمعياً لكنها مقبولة للطبقة المتمرد ليس لعلميتها وتبحرها بالعلم، وإنما لأنها تخدم أجندته المتمردة على النظام بكافة أشكاله وتفرعاته، وهو ما زاد الشُّقة بين معسكرين دفع المعسكر السني ثمنه، إذ إنه غدا "ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ"، فهو خلاف بين الحكومات والمعارضة، وداخل المعارضة ذاتها إسلامية وغير إسلامية، وبين المعارضة الإسلامية السياسية المعتدلة وبين حركات جهادية متمردة رأت في المشروع التصالحي والديمقراطي فشلاً اتضح برفض العالم نتيجته في الجزائر وفلسطين ومصر وغيرها، بالمقابل كان المشروع الشيعي تجسده مرجعية شرعية وسياسية واحدة، وكان يتقدم مجتمعياً عبر تقديم خدماته لكسب أتباعه، في حين كانت معظم الدول السنية في واد وشعوبها في واد آخر، وكانت الحركات الإسلامية المعتدلة في غالبها تصب في صالح المشروع الإيراني، حتى وجدت نفسها فجأة على مفترق طرق، فإما أن تكون مع أمتها السنية أو مع مصالحها الإيرانية، ودخل الجميع في احتراب عسكري أو سياسي أو شرعي لا فرق وهو ما عزز المشروع الإيراني أكثر فأكثر..

ثمة مثال مهم ينبغي ذكره في التجربة الأفغانية وهو أنه حين تقاطعت مصالح الدول العربية مع الحركات الإسلامية في طرد السوفييت من أفغانستان أثمرت وحدة المشروع بشكل لافت في طرد الشيوعية من أفغانستان، فتقاطر الأنصار العرب وغير العرب لنصرة الشعب الأفغاني وقدم الشيخ الشهيد عبد الله عزام مثالاً رائعاً في تقنين مشاركة الشباب بأن يكونوا ضمن الأحزاب الأفغانية وألا يخالفوهم حتى في قضية رفع الأيدي بالصلاة كون أتباع المذهب الحنفي لا يرفعون أيديهم في الصلاة، وهو ما جعل الشعب الأفغاني يستذكر تلك الأيام الجميلة حتى الآن في مشاركة واستشهاد آلاف الشباب العربي نصرة لهم، لكن بالمقابل حين افترقت المصالح تشتت المشروع وتفرق القوم.

بالعودة إلى ما ذكرته في البداية نقلاً عن المستشار الفرنسي فإن افتقار المشروع السني إلى مظلة حكومية سياسية، قادرة على حمايته من آلة القتل والتدمير والخراب الهمجية في العراق والشام واليمن على مدى سنوات، دفعه إلى التلطي والاحتماء بجماعات إسلامية متمردة قد توفر له بعض أشكال الردع، وزاد الطين بلة عجز الدول السنية حتى على توفير الحماية لملايين المهاجرين السوريين وغيرهم من عاديات البرد والثلج، وهو ما زاد حالة الإحباط لدى الشعوب في عجز الدول عن مواجهة المشروع الإيراني الذي يستهدفهم في دول عدة..

أخيراً مقاربة قد تكون قاسية ولكن قد تنطبق على ما يجري في الشام والعراق، فإن نظام نجيب الله الشيوعي الأفغاني لم يسقط إلا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بعامين..فهل سيسقط النظامان المواليان لإيران بعد انهيار الأخيرة خاصة مع انهيارات أسعار النفط الذي ضرب اقتصاد البلدين في مركز عصبه..
[/align]
المشاهدات 974 | التعليقات 0