بين كاترينا وساندي أمة لا تتعظ

د مراد باخريصة
1433/12/20 - 2012/11/05 07:05AM
قبل أيام شاهدنا وشاهد العالم بأسره آية من آيات الله الباهرة وجندياً من جنوده العظام إنه الإعصار المدمر الذي ضرب السواحل الشمالية الشرقية لأمريكا المجرمة التي سبت رسولنا صلى الله عليه وسلم وسخرت به وداست كتاب الله في سجونها وزنازينها وحمت اليهود بلا حدود وأبادت أفغانستان ودمرت العراق ونشرت الإجرام وبثت الفتنة في كل أرجاء العالم ونهبت خيرات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وأعادتها لهم صواريخ وقنابل تدك بها رؤوسهم وبيوتهم وأشرفت على أعظم السجون الإرهابية السرية منها والعلنية فسلط الله عليهم هذه الكوارث المهلكة والزلازل المدمرة والأعاصير المروعة {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}.
في أيام قليلة خسرت أمريكا أكثر من خمسين مليار دولار واضطر المرشحان الأمريكيان إيقاف دعايتهما الانتخابية وتوقفت حركة الطيران في مدن كانت تعج سماؤها بالطائرات وشلت حركة النقل وأصبحت شوارعهم المزدحمة بالبشر خالية من البشر وأعلن عبدهم المطاع حالة " الكارثة الكبرى " وتهدمت أسوارهم وسدودهم التي كانوا يظنون أنها مانعتهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا فالله لا يَظلم والمجرم لا يُترك {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} في لحظات انغمرت مدن تحت الأرض وغرقت في الماء وذهبت أموال وثروات أدراج الرياح.
كل هذا حصل بسبب بسيط إنه الريح العاصف الذي أهلك الله به قوم عاد وشتت به الأحزاب في غزوة الخندق {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا} واليوم يضرب الله به أمريكا راعية الصليب فلم تستطع بقوتها وتقدمها العلمي والتكنولوجي أن تقف أمام قوة الجبار ولم تستطع طائراتهم إنقاذهم بسبب الرياح الشديدة التي دمرت المباني الشاهقة والفنادق العالية وسحقت كل من في طريقها من بشر أو حجر وتركت كثيراً منهم عالقين في المنازل ومحاصرين في بعض الأماكن بسبب المياه الهادرة والأشجار المتساقطة والرياح الشديدة التي عرقلت فرق الإنقاذ وحالت بينهم وبين الوصول إلى المصابين وعطلت خطوط الكهرباء وأوقفتها عن المدن والبيوت ولا زالت كثير من المدن مقطوعة عنها الكهرباء حتى هذه اللحظة وعرّضت الرياح الآلاف المباني للخطر ودمرت المنتجعات والأراضي ولا زالت خسائرهم كل يوم في ازدياد وخاصة مع انتشار الأوبئة والأمراض في تلك الولايات التي وقع فيها الإعصار.
الله أكبر إنها السنن هذا هو جزاء الاستهزاء والسخرية برسول الله صلى الله عليه وسلم هذه عاقبة الظلم الحاصل منهم لملايين البشر الذين اكتتوا بنارهم ومارسوا ضدهم صنوف التشريد والإهانة والإذلال فأذلهم الله وأخزاهم وشردهم فأصبحوا لاجئين محاصرين قد امتلأت أجوافهم رعبا وملئت قلوبهم خوفاً وأصبحوا يمدون أيديهم ويطلبون المساعدة من غيرهم ويبحثون عن المواطير والمولدات الكهربائية وتصطف سياراتهم أمام المحطات للبحث عن الوقود وفاقم الإعصار من أزمتهم الاقتصادية إنها دعوات المظلومين " واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ".
فياسبحان الله الذي جعل الدولة الأقوى في العالم والأغنى في العالم تمد يدها إلى دول صغيرة لا ترى على الخارطة إلا بالمجهر وتصيح بأعلى صوتها أنقذونا أنقذونا ورآهم العالم أجمع وهم يهيمون إلى غير وجهة فلا قوتهم تنجيهم ولا أبراجهم العالية تؤويهم وبين غمضة عين وانتباهتها أضحت أوطانهم موحشة وديارهم خاوية وأطلالهم بالية {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}.
لم تنفعهم بوارجهم التي مخرت البحار والمحيطات ولا طائراتهم التي سحقت المستضعفين والأبرياء ولا صواريخهم التي أرهبت العالم فما أعظم قوة الله وما أشد بطشه وما أسرع عقابه وما أشد عذابه وما أضعف البشر أمام قوته وقدرته جل جلاله وعز كماله يقول الله سبحانه وتعالى {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} ويقول {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
عباد الله:
إن هذا الإعصار العظيم والطوفان الكبير كشف هشاشة العظم الأمريكي وظهر أنه عظم هش قابل للتحطيم والتهشيم والانكسار السريع وفضح الله الدولة العظمى على الملأ وظهر ضعفها وتفاهتها لكل الناس فهل نفعتها أقمارها الصناعية؟ وهل استطاعوا أن يردوا بأس الله عنهم وهم يرونه عبر أجهزتهم المتطورة وهو يقترب من سواحلهم؟ لم يستطيعوا أن يدفعوا هذا العقاب الرباني أو يحولوا مساره أو يخففوا من حدته لأن الله قال {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} وقال {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
إن الله جل جلاله وعز كماله يريد أن يعلم أمريكا درساً لكي تنتهي عن كبريائها وتكف عن ظلمها وغطرستها وعدوانها وإهانتها لشعائر الله وسبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكي تعلم أنها هي والكون كله عبيد لله وأن الله قادر على أن يهلكم في لحظة واحدة فخوفهم الله بآياته وأنذرهم بالنذر { وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} ولكن يبدو أن القوم لازالوا في غيهم سادرون وفي ظلمهم مستمرون لا يفقهون ولا يعقلون ولا يتعظون.
لقد أصابهم قبل هذا الإعصار الذي أسموه إعصار ساندي إعصار كاترينا الذي حاصر الساحل الأمريكي وعصف بمدينة نيواورليانز برياح سرعتها 257 كيلو متر في الساعة الواحدة واعتبر ذلك الإعصار من أشد العواصف في تاريخ أمريكا وكلفهم 26 ميار دولار وقد وقع الإعصار في تلك المدينة في يوم كانوا سيعقدون فيه مؤتمراً ضخماً يضم مائة وخمسين ألف شاذ يعني مائة وخمسين ألف لوطي من جميع أنحاء أمريكا فجعل الله عاليها سافلها وأمطرهم بتلك الرياح الهادرة والأمواج العاتية والعواصف المزلزلة فلم يتعظوا بكاترينا ولم ينتهوا عن غيهم بعد وقوعه فعاقبهم الله بإعصار ساندي الذي كانت خسائره ضعفي خسائر كاترينا والغريب أنهم يسمون هذه الأعاصير بأسماء النساء النواعم عندهم فذاك إعصار أليشا وذاك سموه كاترينا وهذا أسموه إعصار ساندي وهذه كلها أسماء نساء فقلوبهم معلقة بالشهوات والمومسات والزانيات والمهرجانات التي ينظمها الفساق واللوطيين بمباركة الدولة والمسئولين فعاقبهم الله بهذا العقاب الأليم والعذاب الشديد {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}.
الخطبة الثانية:
عندما وقع هذا الإعصار في تلك الولايات الأمريكية وعندما انقطع التيار الكهربائي وغابت عنهم كاميرات المراقبة تحول كثير من أبناء تلك الحضارة المزيفة إلى لصوص وقطاع طرق وسرق يغيرون على البيوت مع غارة الإعصار وينهبون البنوك ويسرقون المحلات التجارية ويغتصبون الفتيات القاصرات تحت تهديد السلاح ورأينا من لجأ إلى الانتحار تعبيراً عن اليأس والضياع وعدم تحمل الصدمة فهذه هي أمريكا وهذه هي الحضارة الأمريكية وهذه هي الديمقراطية المزعومة بمجرد غياب الدولة أو الدوريات أو الكاميرات تدب الفوضى وتبدأ الغوغاء فلو انقطعت الكهرباء عندهم ساعة واحدة لسمعت عجباً عجاباً من حالات السلب وأخبار النهب التي تطال كل شيء حتى المستشفيات وملاجئ العجزة وكبار السن.
عباد الله:
لقد أمرنا الله عزوجل أن نسير في الأرض وننظر كيف كان عاقبة المكذبين لأن ذلك مما يزيد الإيمان بقدرة الله وعظمته ويثبت المؤمن ويبعث في قلبه اليقين بالله الذي يمسك السموات أن تقع على الأرض ويدبر الكون ويصرفه ويديره وهو القادر على نصر أوليائه وتأييدهم بجنوده لهلاك أعدائه {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ}.
فإن كان هؤلاء الكفار يظنون أن الطبيعة هي وراء هذه الكوارث فليقهروها وإن كانوا يظنون أن رب الطبيعة لهم بالمرصاد فكيف لهم بمحاربته وأنى لهم بالصمود أمام قوته وجبروته {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.

تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرف في وجهه قالت: يا رسول الله، إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية؟! فقال: يا عائشة، ما يُؤمنِّي أن يكون فيه عذاب! عُذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا: هذا عارض ممطرنا" رواه البخاري ومسلم.
المرفقات

بين كاترينا وساندي أمة لا تتعظ.doc

بين كاترينا وساندي أمة لا تتعظ.doc

المشاهدات 1742 | التعليقات 0