بين عام فات وعام هو آت.. بادروا بالأعمال فتنا ..

الغزالي الغزالي
1433/12/24 - 2012/11/09 00:02AM
بين عام فات وعام هو آت.. بادروا بالأعمال فتنا .. 09/11/2012
الْحَمْدُ للهِ، اللهم لك الحمد أنت الملك القدوس السلام، تجري الليالي والأيام، وتجدد الشهور والأعوام، نحمده تعالى ونشكره على أن هدانا للإسلام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل شهر ذي الحجة خاتمة شهور العام، ونشهد أن نبينا محمدا عبده و رسوله سيد الأنام، وبدر التمام، ومسك الختام، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الأئمة الأعلام، وصحابته البررة الكرام، وعلى أنبياء الله ورسله العظام، ومن تبعهم بإخلاص واستقامة ما تعاقب النوروالظلام.. ثم أَمَّا بَعْدُ: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى فإن تقواه عليها المعوَّل، وعليكم بما كان عليه سلف الأمة والصدر الأول، واشكروه على ما أولاكم من الإنعام وطوَّل، وقصروا الأمل، واستعدوا لبغتة الأجل، فما أطال عبدٌ الأمل، إلا أساء العمل، يأَيُّهَا لَّذِينَ ءامَنُواْ تَّقُواْ للَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ، وَتَّقُواْ للَّهَ إِنَّ للَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ . عباد الله! أيام، وينصرم من العمر عام، عام هجري ينصرم بعُجَرِه وبُجَره، بخيره وشره، وحلوِّه ومرِّه، حسنِه وقبيحِه، طيِّبِه وخبيثِه، تزلزلت فيه عروش، وتزعزعت فيه أنظمة، وانقشعت عن بعض الوجوه أقنعة، ازداد عامة الفقراء فيه فقرا، وازداد عامة الأغنياء غِنىً. انتهى عام؛ صلى فيه من صلَّى، وزكّى فيه من زكى، وحجّ من حج، وصام من صام. انتهى عام؛ وكفر فيه من كفر، وعصى من عصى، وأساء من أساء، وقتلَ من قتل، وظلمَ من ظلم، ونامَ فيه عن الخير من نام، وقام من قام. انصرمت سنةٌ شهباءُ، شوهد فيها بعين العلم، والحكمة والعقل، أمورٌ كانت محظورةً، فأصبحت - لرضا الغرب والشرق عنها- محظوظةً، كُثر المصفِّقون، وازداد المصفِّرون؛ كثُرَ المصفِّقون على سفك الدماء، وازداد المصفِّرون على زهق الأرواح وقتل الأبرياء، وشارك المصفقين والمصفرين أهلُ الخرابِ والدمار، كما قال تعالى عن اليهود: { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ}، فصار خرابُ الاقتصاد، ودمارُ الممتلكات، العلامةَ المميَّزةَ لمن أراد أن يطالب بحقٍّ أو يرد ظلما، زعموا!! أما المنظمون أوالمنظِّرون فجاؤوا يُهرعون، والصيادون في الماء العكر والنتن يهرولون، وعدوُّنا الماكرُ من وراء الجميع كالقطِّ متربِّصٌ، والفرحةُ تكاد تقتل قلبَه المتحمِّس، على هذه الإنجازات السريعة، التي لم يبذلْ فيها جهداً يُذكر، فهي له لقمةٌ سائغة، يتلمَّظُ لالتهامها في أيَّةِ لحظة، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}. أما العامُ الجديد 1434هلالية أو هجرية؛ فماذا ينتظر الأمةَ فيه؟ وما الذي ستجده وتلاقيه؟ {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ؟}. هل سيزول الظلم عن المستضعفين؟ أم هل ستخف وطأة المستبدين؟ وهل ستُحرَّر أراضي المسلمين من المغتصبين؟ وهل سترفرف رايةُ الحريةِ على أرض فلسطين؟ ويطلق سراح كل المسجونين والمعتقلين؟ نسأل الله ذلك! أم هناك أمرٌ آخرَ ينتظر هذه الأمة؟ ففي هجرة النبي المصطفى من مكة، خلَّف وراءه الظلم والاضطهاد، والقهر للمؤمنين والاستذلال والاستبداد، وأقبل على عامه الأولِ الجديد، فكان ينتظر الأمّةَ آنذاك النصرُ والتمكين، والرفعةُ والعزة للمؤمنين، وصدحت المآذنُ بنداء التوحيد: الله أكبر الله أكبر، وتوحَّدت بالتوحيد القبائلُ المتقاتلةُ المتناحرة؛ الأوسُ والخزرج، وذلَّت للمسلمين يهودُ وفارسُ والروم، وسائرُ الدول المجاورة. أما اليوم فماذا ينتظر هذه الأمة؟ حسبما رأينا وشاهدنا، وبأُذن العقل استمعنا، وبعينِ الحكمةِ أبصرنا، وبلسان الشرع نطقنا، ( ما لا يبشر بالخير) فكان الذي ينتظر هذه الأمّةَ ما أخبر عنه النبي فيما ثبت عنه، وهو واقع لا محالة. منها فتنٌ عصيبةٌ، وأمورٌ عجيبة غريبة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا" مسلم. "بادروا بالأعمال فتنا" جمع فتنة وهي الامتحان، ويطلق على المصائب وعلى ما به الاختبار، -هذه الفتن- ( كقطع الليل المظلم) .. أي وقوع فتنٍ مظلمةٍ سوداء، والمراد الحث على المسارعة بالعمل الصالح قبل تعذُّره، أو تعسُّره بالشغل عما يحدث من الفتن المتكاثرةِ، والمتراكمةِ كتراكم ظلام الليل، ثم وصف نوعا من شدائد الفتن بقوله : ( يصبح الرجل) فيها ( مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا) .. وهذا لعِظَمِ الفتن؛ يتقلُّب الإنسان في اليوم الواحد هذه الانقلابات، ( يبيع أحدهم دينه بعَرَضٍ من الدنيا قليل) أي بقليل من حطامها.. هذا وما أشبهه من أحاديث الفتن من جملة معجزاته الاستقبالية، التي أخبر أنها ستكون بعده، وكانت وستكون]. فيض القدير. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ، أَوِ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ" رواه مسلم. وَكَانَ قَتَادَةُ إِذَا قَالَ: ( وَأَمْرَ الْعَامَّةِ)، قَالَ: ( أَمْرَ السَّاعَةِ). قَالَ كُلْثُومٌ: ( وَخُوَيْصَةُ أَحَدِكُمُ الْمَوْتُ، وَأَمْرُ الْعَامَّةِ الْفِتْنَةُ). "بادروا بالأعمال ستا" أي أسرعوا بالأعمال الصالحة قبل وقوع هذه الفتن الست.. وقال القاضي: أمرهم أن يبادروا بالأعمال قبل نزول هذه الآيات، فإنها إذا نزلت أدهشت وأشغلت عن الأعمال، أو سُدَّ عليهم بابُ التوبة وقبول العمل.. منها( طلوع الشمس من مغربها) فإنها إذا طلعت منه لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، ( والدخان) أي ظهوره ( ودابة الأرض، والدجال) أي خروجهما، سُمِّي به -أي بالدجال-؛ لأنه خَدَّاعٌ ملبِّس، ويغطي الأرضَ بأتباعه، من الدجل وهو الخلط والتغطية،.. ( وخويْصة أحدكم) تصغير خاصة بسكون الياء،.. والمراد حادثة الموت التي تخص الإنسان، وصُغِّرت لاستصغارها في جنب سائر العظائم؛ من بعث وحساب وغيرهما، وقيل: هي ما يخص الإنسان من الشواغل المقلقة من نفسه وماله، وما يهتم به، ( وأمر العامة) القيامة، لأنها تعمُّ الخلائق، أوالفتنة التي تعمي وتصم، أو الأمر الذي يستبد به العوام، وتكون من قِبَلِهم دون الخواصّ..] أهـ فيض القدير. ومن الفتن ما يكون في الأمة، وهو تمحيص لها وابتلاء، من قلاقلَ واضطراباتٍ، وتقاتلٍ ومنازعاتٍ، ويرفع عنها المسخ والقذف ونحو ذلك، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: « إِنَّ عُقُوبَةَ هَذِهِ الأُمَّةِ السَّيْفُ، ومَوْعِدَهُمُ السَّاعَةُ، وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ». المعجم الكبير للطبراني، وصحيح الجامع. قال المناوي: [ (عقوبة هذه الأمة) في الدنيا (بالسيف) أي يقتل بعضهم بعضا في الدنيا بالسيوف، فلا يُعذَّبون بخسف ولا مسخ، كما فعل بالأمم السابقة؛ رحمةً من الله بهم، وشفقةً عليهم]. وعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : « أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ، وَالزَّلازِلُ، وَالْقَتْلُ». سنن أبي داود، وصحيح الجامع. " أمتي هذه" أي الموجودين الآن؛.. وهم قَرنُه ، ويحتمل إرادةُ أمة الإجابة، ( أمةٌ مرحومة) أي جماعة مخصوصة بمزيد الرحمة، وإتمام النعمة، موسومة بذلك في الكتب المتقدمة، ( ليس عليها عذابٌ في الآخرة) بمعنى أن من عُذِّب منهم لا يحسُّ بألم النار؛ لأنهم إذا دخلوها أميتوا فيها،.. (إنما عذابها في الدنيا الفتن) التي منها استيفاء الحدِّ ممن يفعل موجبه، وتعجيلُ العقوبةِ على الذنب في الدنيا، أو الحروب والهرج فيهما بينهم.. ( والزلازل) جمع زلزلة وأصلها تحرك الأرض واضطرابها.. ثم استُعملت في الشدائد والأهوال.. (والقتل والبلايا) لأن شأن الأمم السابقة يجري على طريق العدل، وأساسِ الربوبية، وشأنُ هذه الأمةِ يجري على منهج الفضل والألوهية، فمن ثمَّ ظهرت في بني إسرائيل النياحةُ والرهبانية، وشرع عليهم في شريعتهم الأغلال والآصار، وظهرت في هذه الأمة السماحة والصديقية، ففُكَّ عنهم الأغلالُ، ووضِع عنهم الآصار..]. فيض القدير. لقد استخف الناس بالدماء، ولم يحترم القرآن، فاتخذ مزامير، وصار الحكمُ والمسئوليةُ تجارةً، وتَسلَّطَ على الناس السفهاء، وقُطِّعت الأرحام.. لقد دعا الصحابي الجليل عبس أو عابس الغفاري، على نفسه بالطاعون عندما رأى بعض هذه الفتن في بعض بني أمية، وهي إمارة السفهاء والصبيان، عَنْ عُلَيْمٍ، -بالتصغير هو: ابنُ قُعير الكندي.. كما في تبصير المنتبه بتحرير المشتبه لابن حجر- قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عَلَى سَطْحٍ، مَعَنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ، قَالَ يَزِيدُ: لا أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَبْسًا الْغِفَارِيَّ، وَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ فِي الطَّاعُونِ، فَقَالَ عَبَسٌ: ( يَا طَاعُونُ! خُذْنِي)، ثَلاثًا يَقُولُهَا، فَقَالَ لَهُ عُلَيْمٌ: لِمَ تَقُولُ هَذَا؟! أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ : " لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ، فَإِنَّهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ عَمَلِهِ، وَلا يُرَدُّ فَيُسْتَعْتَبَ". فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: " بَادِرُوا بِالْمَوْتِ سِتًّا: إِمْرَةَ السُّفَهَاءِ، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ، وَبَيْعَ الْحُكْمِ، وَاسْتِخْفَافًا بِالدَّمِ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَنَشْوًا يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ، يُقَدِّمُونَهُ يُغَنِّيهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُمْ فِقْهًا" مسند أحمد، وصحيح الجامع. نسأل الله تعالى السلامة والعافية في ديننا ودنيانا، ونعوذ به من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.. (آمين) وَأقُولُ قَوْلي هَذَا..

الْحَمْدُ للهِ، الذي يسر لنا الأسبابَ المانعةَ من الضلالِ والافتتان، ووضَّح لنا الفتنَ وبين لنا الأسبابَ التي نتحصَّنُ بها أعظم بيان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك المنان، ونشهد أن محمدا عبدُه ورسوله المصطفى من بني عدنان، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه صلاة مستمرة باستمرار الزمان.. أَمَّا بَعْدُ، عبادَ اللهِ! إن في أحاديث النبي ، وسيرته الشريفة من المواقف المليئة بالدروس والعبر، والتي تتجدد؛ مما يوجب على محبي هذا النبي الكريم أن يبذلوا جهدهم في استنباط تلكم الدروس، ويبينوا ما انطوت عليه من عبر، وتقديمها لعموم الأمة؛ ليقتبسوا من نورها، ويهتدوا بهديها. ومن تلكم المواقف: ما رواه الشيخان، عن حذيفة بن اليمان، قال: كنا مع رسول الله ، فقال: « أحصوا لي كم يلفظ الإسلام؟، قال: فقلنا: يا رسول الله! أتخاف علينا ونحن ما بين الستمئة إلى السبعمئة؟ قال: " إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا"، قال: فابتلينا، حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً». إن هذا الحديث مع كونه قليل الكلمات، ويحكي قصة قصيرةً، إلا أن له دلالات إيمانية وفقهية وتربوية، نقف معها باختصار: أولاً: إن الحق لا يعرف بكثرة أتباعه: فهؤلاء الستُمئة أو السبعمئة، إذا ما قارنت عددهم بعدد الكفار في الجزيرة، فضلاً عن بقية الكفار في العالم لوجدتَ البون شاسعاً! وفي هذا درسٌ ـ أيضاً ـ في عدم الاغترار بالكثرة، وخاصةً في أزمنة الفتن، واختلاط الحابل بالنابل، وتبدُّل المفاهيم عند كثير من الناس. والموفق من يطلب الأقوى والأصح منهجاً وقولاً وعملاً، ولا يكون ذلك إلا باقتفاء منهج الحق، وهدي رسول الخلق! ومما يتصل بهذا الدرس، أن الإعجاب بالكثرة لذاتها قد يعاقب عليه الإنسان، كما استنبط ذلك بعض العلماء. ثانياً: إن حال الرخاء والقوة لا تدوم: فهذا حذيفة الذي مات في أول خلافة علي ، أي: سنة 36 هـ ـ يقول: فابتلينا، حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً! وكأنه يشير بذلك إلى الفتنة المحزنة الخبيثة التي تبناها البغاة على أمير المؤمنين عثمان ! وحذيفة يقول هذا وهو لم يدرك زمن الحجاج، الذي أهان من أهان.. وحصلت منه مواقف لا تليق بأصحاب رسول الله ! ويقول هذا، على الرغم من أنه كان أحد الذين أوردوا على النبي السؤال ـ حينما طالبهم بعدّ المسلمين: أتخشى علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟ وهذا درسٌ عظيم في اغتنام أوقات الأمن، والصحة والفراغ للقيام بكل ما يمكن من صالح الأعمال الخاصة والمتعدية، فإن الإنسان لا يدري ما الذي يستقبله من أمور. وفيه درسٌ للمؤمن ولمن تحت يده ممَّن تولى تربيتهم: في الاستعداد للمتغيرات التي لا يملك الإنسان أمامها خياراً، ولا يملك أمامها إلا الصبر، والسعي في إصلاح ما يمكن إصلاحه، أو يأتيه أمر الله وهو ثابت على ما يحب الله ويرضاه. ومن أعظم الزاد لهذه الأحوال: التربية الجادة وقت الرخاء. ولهذا كان النبي يهتبل ويستغل الفرص، ويغتنم المناسبات؛ لتربية أصحابه على المتغيرات التي ستواجههم؛ ليكون تلقيها أيسر من مفاجآتها، ولعل من أشهر تلك المواقف خطبته الشهيرة التي خاطب فيها الأنصار بعد غزوة حنين، حين وجد بعض الأنصار في نفوسهم من عدم إعطائهم من الغنائم ـ فقال لهم: « إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» متفق عليه. ومما هيأهم له النبي : أن الدنيا ستفتح عليهم، وحذَّرهم من الافتتان بالدنيا، وخصَّ بعضهم ممن يتوقع أن يجد شدة أكثر من غيره كما سبق في خطابه للأنصار . إن الحالة التي يعيشها الناس اليوم عامة، من الانغماس الشديد في الترف، والانهماك في توافه الأمور، وسفاسفها لا تبشر بخير، وآثار الترف على الأمة في تاريخها وحاضرها لا يخفى، وإن لم تكن هناك وقفات جادة في التربية ـ بدءاً من المنزل ومروراً بالمسجد والمدرسة ـ فقد تخرج أجيال يحتاج المربون معها إلى جهودٍ مضاعفة في إزالة هذه الآثار السيئة. ومن قرأ في تاريخ الأندلس فسيدرك هذه الحقيقة، وأن انغماس الأمة في الترف كان من أسباب سقوط الدول، والتاريخ شاهد لا يكذب. أما من قرأ القرآن فإنه سيجد أن الترف لم يذكر في القرآن إلا مذموماً في ثمانية مواضع، بل هو بوابة مشرعة إلى النار، فهل يعي المربون والمصلحون هذا المعنى؟ وهل يعي الشباب هذه الحقيقة؟ حقيقة أن السرف من دواعي الترف، وأن الترف من أسباب التلف. وفي الوقت ذاته، ففي الحديث إشارة إلى اغتنام حالة النشاط والفرصة المواتية قبل تغير الحال في نفسك، أو في الظروف التي من حولك. كم من شاب وشيخ كبير في السن سوَّف في التوبة وسوَّف وسوَّف حتى فاجأه الموت وهو لم يصنع شيئاً! كم من شاب قال: سأطلب العلم.. سأفعل وأفعل، ومضى الوقت ولم يصنع شيئاً! وكم من شاب من أصحاب الطموحات، ضاعت عليهم الأوقات، بالأماني الكاذبة! وما أجمل أن نجعل حديث اغتنام الفرص نُصب أعيننا: « اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك». ثالثاً: مشروعية الإحصاء: فقد بوّب البخاري على هذا الحديث بقوله ـ في كتاب الجهاد ـ " باب كتابة الإمام الناس" ففيه أصلٌ شرعي للإحصاء، الذي يترتب عليه أمورٌ كثيرة في التخطيط، كما هو معلوم في موضعه، وتزداد الحاجة له، كلما قوي أثر الجهة التي يطبق عليها الإحصاء، كما في الجهات العسكرية، والتعليمية والصحية. وهذا وإن كان من أمور العادات التي أصلها الحلّ، ولا تفتقر لنص خاص، إلا أن وجود أمثال هذه الأحاديث تجعل المؤمن يزداد يقيناً بشمولية الإسلام لشؤون الدنيا والدين. أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه، والبصيرة فيه.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ.. اَللّـهُمَّ لك أسلمنا، وبك آمنا، وعليك توكلنا، وإليك أنبنا، وبك خاصمنا، وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا.. اللهم يا علام الغيوب، إنا نشكو إليك كثرة العيوب، وثقل الذنوب، وشدة الخطوب، وعظم الكروب، وخبث السرائر، وفساد الضمائر، فعاملنا بعفوك وغفرانك، وسح علينا سحائب إحسانك، ولا تؤاخذنا بجرائرنا وجرائمنا يا أرحم الراحمين. اللَّهُمَّ يا حفيظ يا لطيف، نسألك لطفا في جميع الحالات والحركات، وحفظا من كل البليات والعاهات والآفات، وأعنا على جميع الطاعات، والمسارعة إلى الخيرات، والجد في الأعمال الصالحات، يا عالم الخفيات، ويا قاضي الحاجات. اللَّهُمَّ اجعل لنا من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية. اللَّهُمَّ يا ساتر الحال لا تكشف لنا الحال، وبارك لنا في الأعمار والأعمال والعيال. يا عالم السر منا، لا تهتك السرعنا، وعافنا واعف عنا، وكن لنا حيث كنا. اللَّهُمَّ جمل أحوالنا، وسدد أقوالنا، وأصلح أعمالنا، وطهر قلوبنا، وحسن أخلاقنا، وطيب ووسع أرزاقنا، وأمن مستقبلنا. اللَّهُمَّ متع بلدنا وسائر بلاد المسلمين بطمأنينة الأمن، واجعلها في هالة السعادة واليمن، واحفظ دينك المتين، بحفظك المنيع الحصين، وانصر حماته بنصرك المبين، واجعل شريعته في كنفك المكين.. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن.. ربنا آتنا في .. (آمين).. عبادَ اللهِ! اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
المشاهدات 2499 | التعليقات 1

هذه - إخواني الأعزة - مساهمة مني بمناسبة نهاية العام الهجري.. نسأل الله حسن الختام..