بين زهرة الخشخاش وزهرة الإيمان

بين زهرة الخشخاش وزهرة الإيمان

حسين عبد الحي

على الفور انتقل النائب العام في مصر لمكان الحادثة، حادثة سرقة لوحة: "زهرة الخشخاش" بمتحف محمود خليل بالجيزة، وهي لوحة للفنان الموصوف بالعالمية: "فان جوخ" الهولندي الذي انتحر في عام 1890، وتوالت التحريات على عين وسمع القيادات العليا، فشُدِّدت الرقابة في المطارات والموانئ للتضييق على سارقي اللوحة الأثرية، بل وتمّ القبض على "وكيل وزارة الثقافة" ومعه أربعة آخرون لحين الانتهاء من التحقيقات والتحريات!

نعم، إنها "زهرة الخشخاش" الأثرية.. ولم يتأخَّر الإعلام بكلّ أشكاله في مصر عن متابعة القضية الأكبر في مصر، ورصد بعض رجال الأعمال مليون جنيهًا لمن يأتي باللوحة.. وطالبت المعارضة بإقالة وزير الثقافة ومساءلته.

في حين تنكَّرَ الإعلام التغريبي المُموَّل بالمال الطائفي لحادثة خطف "زهرة الإيمان".. "كاميليا شحاتة زاخر"، التي أسلمت لله ربّ العالمين طوعًا، فتواطأ الأمن والكنيسة على خطفها، وصمتت جمعيات حقوق الإنسان والمرأة، وألجمت الأفواه بالورق الأخضر لحين صدور الأوامر من الأسياد في الخارج.. ولم تعقب القيادات التي أفزعتها سرقة لوحة من الورق أو القماش ببنت شفة!

ولقد نظر ابن عمر -رضي الله عنهما- يومًا للبيت الحرام، قبلة المسلمين، وأوّل بيتٍ وُضع للناس في الأرض.. فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك؟ والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك" [أخرجه الترمذي وابن حبان وغيرهما، وروي مرفوعًا من حديث ابن عمرو عند ابن ماجه].

المؤمن أعظم حرمة عند الله تعالى من بيته الحرام! لا من "زهرة الخشخاش" الورقيّة القماشيّة الوهميّة!

لأيّ شيء تتواطأ أمّة من السياسيين والإعلاميين والحقوقيين على امرأة ضعيفة لا ذنب لها إلا أنها آمنت بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ودخلت دين الإسلام طوعًا وحبًّا؟

لقد اقتص عمر رضي الله عنه من سبعة من أهل صنعاء اشتركوا في دم غلام، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعًا" [أخرجه البيهقي وغيره]، فماذا وقد تمالأ هؤلاء جميعًا عن قتل مسلمة، فهل ننتظر عقاب الله من السماء وقد غاب سلطانه عن أرض مصر؟

سكوت مرّ أو قَلْب للأحداث والحقائق: في حين تغلي قلوب قوم من المؤمنين على مهزلة خطف مسلمة وإلحاق صنوف العذاب بها.. يصرّ أناس اعتادوا استغفال الجماهير على الصمت المطبق، أو الحديث المختلق الكذب، وتظل أسئلة أهل الإيمان صواعق تذهب بأسماعهم، وتبقيهم خُشُبًا مسنّدة.

أين ذهبت كاميليا؟ ولماذا لا تُخْرَج للناس فتروي قصتها إن لم تكن أسلمت؟ ولماذا توقفت مظاهرات النصارى المطالبة بالعثور عليها؟ وماذا عن شهادة المسلمين الذين رافقوها في رحلة إسلامها؟ وما الجواب على الوثائق التي ظهرت حديثًا تثبت إسلامها، وبعضها رسمية؟

أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة.

واجبنا نحو كاميليا وأخواتها: يجب أن تبقى قضية كاميليا حاضرة في الواقع وعلى الحدث، حتى لا توارى التراب كما وقع لوفاء قسطنطين وقضيتها من قبل.. يجب إذن أن تدوم صرخاتنا، وألا ينقطع عملنا وتكفّ أيدينا.

كما يجب أن نفهم أن أزمة كاميليا وأخواتها في مصر لها دلالات أكبر من حجمها بكثير.. فنحن إذن أمام كنيسة لها سطوة وقوة ونفاذ في الواقع، كما أننا أمام نظام ضعيف يستمد بقاءه من تحقيق مخططات عدوّه! كما يجب أن نفهم أن كلّ القوى المفترض فيها الحيادية في الدول المدنيّة! من إعلام وحقوقيين.. تلك القوى قد اتضحت معالم ولائها وضوحًا لا يبقي غموضًا أو إلباسًا.

تلك بعض تداعيات الأزمة التي يجب ألا نغفل حقيقتها ومآلاتها علينا كمسلمين في بلد كبير تسعى قوى خارجية وداخلية لقلْب أوضاعه تمامًا.

عود إلى الخشخاش: أما زهرة الخشخاش فلتتوارَ في "الزبالة" التي ملأت شوارعنا وطرقنا.. أو لتذهب مع ملايين الدولة التي أنفقت على جراحات التجميل للسادة المسؤولين وزوجاتهن.. أو لتعتصم مع المعتصمين ليل نهار على أرصفة الوزارات والمحاكم.. أو لتخرج في مظاهرات النصارى تطالب الأمن بعدم التقاعس عن ردّ المخطوفين والمخطوفات! أو لتمت كما يموت كلّ يوم رجال ونساء وأطفال من السرطانات والوباءات المختلفة.

"
ثورة" زهرة الخشخاش أكبر أضحوكة في مصر العجائب، فكم ذا بمصر من المضحكات.. ولكنه ضحك كالبكا!

وزهرة الإيمان: وأما زهرة الإيمان أو أسيرته.. فلتصبر ولتحتسب حتى يقوم العباد لربّ العالمين فتأخذ بقاتليها وتقول يا ربِّ! سل هؤلاء فيم قتلوني؟

المصدر: لجينيات
المشاهدات 1979 | التعليقات 1

هذا استكمال لسيمفونية الصمت التي تنتهجها بلادنا إزاء كل حدث من شأنه أن يسبب حرجًا لها، بل صارت الدولة تواجه مشكلاتها بالصمت لأنها لا تدري كيف تفعل في مواجهة كنيسة هي دولة داخل الدولة، تؤيدها أكبر الدول الغربية في لاعالم وتشنع على النظام المصري من حين لآخر بسبب وبدون سبب لتستخدم التشنيع فزاعة لإخافة النظام والضغط عليه لتحقيق مزيد من المكاسب على حساب "الأقلية" المسلمة في مصر.. المسلمون في مصر "أقلية"، ليست أقلية عددية نعم، ولكنها أقلية من حيث الحقوق والدافاع عن الحريات، ولنا ان نقارن بين تظاهرتين أجريتا: الأولى دبرها النصارى في المنيا لاستعادة كاميليا، فتحركت على اثرها كل القوى الامنية بحدها وحديدها، لاسترجاعها بالباطل، والثانية في القاهرة أمام مسجد النور أقامها المسلمون لاستعادتها بالحق، وهو ما لم يهز شعرة في راس اي مسؤول مصري.. فبالله، من منا الأقلية ومن الأكثرية؟!