بين النفس والعقل ( 3 ) " تزكية النفس "
حسام بن عبدالعزيز الجبرين
بين النفس والعقل (3) " تزكية النفس "
1 / 5 / 1441هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .
إخوة الإيمان : كان حديثنا الجمعة الماضية حول النفوس و بعض شهواتها ، وحديثنا اليوم عن تزكيتها
فالجنة جعلها الله جزاء لمن زكى نفسه ؛ قال سبحانه : {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى }طه76
والتزكية لها معنيان : الأول التطهير وإزالة الخبث ، والثاني نماء الخير فيها .
والنفس - عباد الرحمن - تزكو بالفعل الطاعات وترك المعاصي والتوبة منها . وقد جاء في بعض العبادات خاصة النص على التزكية فيها ؛ ففي الصدقة قال سبحانه {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا }التوبة103 وفي ذكر الله والصلاة قال سبحانه {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى .وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى }الأعلى14،15 وفي غض البصر والعفاف قال تعالى {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ }النور30
عباد الله : ومن المهم ذكر وسائل لتزكية النفس والتغلب على طبائعها وشهواتها ومن أهمها :
قوة الإيمان ؛ فالإيمان إذا كان قويا فإنه يضبط اندفاع النفس ويحول بينها وبين التغلب على العقل ، لأن المؤمن يوقن بحق الله عليه في أمره ونهيه .
ومن وسائل التغلب على النفس : العلم والخبرة ؛ فإنهما كابحان لجماح الشهوات النفسية وكلما كان الإنسان أعلم بعواقب شهواته كان أقوى على حرمان نفسه من تلك الشهوات !
ومن وسائل تزكية النفس : محاسبتها ، ومن مأثور أقوال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه : " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و زِنوا أنفسكم قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم " ومما يعين على محاسبة النفس ومخالفة هواها إذا خالف الحق معرفته أنه كلما اجتهد في مجاهدتها اليوم استراح غدا ومعرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس !
و من أعظم ما يعين على التغلب على النفس : الدعاء والاستعانة بخالق النفس أن يزكيها ويقي شرها ، وفي الأدعية النبوية : " اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا " رواه مسلم .
وقالَ أبو بَكرٍ يا رسولَ اللَّهِ مُرني بشيءٍ أقولُه إذا أصبحتُ وإذا أمسيتُ قالَ : " قل اللَّهمَّ عالمَ الغيبِ والشَّهادةِ فاطرَ السَّمواتِ والأرضِ ربَّ كلِّ شيءٍ ومليكَه أشهدُ أن لا إلَه إلَّا أنتَ أعوذُ بِك من شرِّ نفسي ومن شرِّ الشَّيطانِ وشِركِه قلْهُ إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ وإذا أخذتَ مضجعَكَ " ( أخرجه أحمد و النسائي وأبو داود والترمذي )
ويقول في خطبة الحاجة : " ونعوذُ باللهِ مِن شُرورِ أنفُسِنا وسيِّئاتِ أعمالِنا " .
ومن أعظم الأسباب لتزكية النفس : البيئة الطيبة والرفقة الصالحة ؛ ففي حديث الذي قتل مائة نفس وتاب قال له العالِم : " انْطَلِقْ إلى أرْضِ كَذا وكَذا، فإنَّ بها أُناسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فاعْبُدِ اللَّهَ معهُمْ، ولا تَرْجِعْ إلى أرْضِكَ، فإنَّها أرْضُ سَوْءٍ " (مسلم) و ثمامة بن أثال رُبِط في سارية المسجد وهو كافر وقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " مَاذَا عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ فَقالَ: عِندِي يا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وإنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ علَى شَاكِرٍ، وإنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ تُعْطَ منه ما شِئْتَ " ثم قال سأله اليوم الثاني مثل ذلك وأجاب بمثل جوابه وفي اليوم الثالث كذلك فقال النبي عليه الصلاة والسلام أطلقوه فأطلقوه ، ثم ذهب إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل وجاء فأعلن إسلامه ! لقد عاش قبيل إسلامه في بيئة طيبة إيمانية في المسجد حيث الصلاة والأذان والذكر والقرآن والدعاء ونحو ذلك .
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها واستغفروا الله إنه كان غفارا
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد :
أيها الأحبة : فغذاء الجسد : الطعام والشراب ، وغذاء الروح : الإيمان والذكر ؛ وأعظمه القرآن ولذا – والله أعلم - سمى الله القرآن روحا كما في قوله تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} الشُّورَى52
و قال عز وجل {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }الرعد28 أما حين تكون النفس خالية معرضة عن ذكر الله فإنها تشقى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً }طه124
ومن رحمة الله وحكمته أن شرع للعباد التوازن وعدم تحميل النفس ما لا تطيق " إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ " ( البخاري)
أيها الأحبة : و الإنسان مأمور بالحفاظ على قرار نفسه وسلامتها من الأعراض السيئة كالغضب والحزن الذي لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة ، وقد جاء في القرآن مواضع كثيرة تنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ }آل عمران176 {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ }يونس65 {وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ }لقمان23 و نُديت مريم { أَلَّا تَحْزَنِي }مريم24 وأخبر سبحانه عن مقصد الشيطان من النجوى {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا }المجادلة10 واستقرار النفس نعمة ؛لأن كمال أداء العقل والجسد مرتبط بذلك ! ولذا استوجب ذهاب الحزن شكر الله على ذلك {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ }فاطر34 واستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الحزن كما في الصحيح ، ورغب النبي عليه الصلاة والسلام من وحشي قاتل عمه حمزة أن يغيب عنه ؛ لئلا يجدد عليه حزنه والله أعلم .
ومن حزن ولم يقترن بحزنه محرم لا يأثم كمن يحزن على المصائب ؛ كما في الحديث : " إن اللهَ لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا – وأشار إلى لسانه – أو يرحم " أخرجه الشيخان .
ومنه قوله تعالى : {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ }يوسف84
قال ابن تيمية رحمه الله : "وقد يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه، ويُحمد عليه، ويكون محمودًا من تلك الجهة، لا من جهة الحزن، كالحزين على مصيبة في دينه، وعلى مصائب المسلمين عمومًا، فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير، وبغض الشر وتوابع ذلك، ولكن الحزن على ذلك إذا أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد، وجلب منفعة، ودفع مضرة منهي عنه " الفتاوى ( 10 / ص 16 )
والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
وخالفِ النفسَّ والشيطانَ واعصهما وإنْ هُما مَحضاكَ النُّصحَ فاتهمِ
وَلا تُطِعْ منهما خَصْماً وَلا حَكمَاً فأنْتَ تَعْرِفُ كيْدَ الخَصْمِ والحَكمِ
أسْتَغْفِرُ الله مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ لقد نسبتُ به نسلاً لذي عقمِ
وبعد عباد الله صلوا وسلموا على خير البرية ..
المرفقات
بين-النفس-والعقل-3
بين-النفس-والعقل-3