بين المفتي والمستفتي

ناصر محمد الأحمد
1435/11/14 - 2014/09/09 02:34AM
بين المفتي والمستفتي
17/11/1435ه
د. ناصر بن محمد الأحمد

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله..
أما بعد: أيها المسلمون: الفتوى: لها شأن عظيم في الإسلام، جعله الله في أهل الاختصاص وذلك لعِظَم أثرها وسموِّ مكانتها.
الفتوى: نُطْقٌ بمراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم في النوازل والأحكام المتعلقة بدين الناس ودنياهم.
الفتوى: توقيع وإمضاء عن رب العالمين، وحين يتأمَّل العاقل البصير واقع بعض الفتاوى المعاصرة، فإن غيرته وصدق إيمانه لا بد أن يُسِيلا الدمع من عينيه ويعتصرا الألم في قلبه، لِمَا آل إليه حال جزء من الفتيا المعاصرة وما طرأ عليها من عوارض وتغيرات، حيث تلاحقت الفتاوى التي تسعى إلى اختيار رخصة يتخلص بها المستفتي من الحكم الشرعي، وبدلاً من أن يكون الترجيح معتمداً على قواعد وأصول شرعية منطلقة من البحث عن مراد الشارع، أصبح كثير من الفتاوى يعتمد على اختيار الترخيص والتيسير كأساس وأصل للاختيار الفقهي. ولقد تسابقت وسائل الإعلام في إظهار شخصيات معينة لم يكن ظهورها نابعاً من مكانتهم العلمية ولا حضورهم الشعبي، ولا من أي اعتبار سوى موافقة فتاواهُم واختياراتُهم للأهواء والرغبات الشخصية. فبرزت الفتاوى التي يطير بها المنحرفون والمستهترون بالأحكام الشرعية ويذيعونها في كل مكان، ويتخذونها ستاراً لتمرير الانحرافات الفكرية والسلوكية. كل هذا وغيره أحدث حالة من الاضطراب والحيرة والشتات لدى فئة ليست بالقليلة من عامة الناس، فأخذوا يتساءلون في قلق، عن سبب معقول لما يرونه من اختلالٍ في أمر الفتيا، وتفاوتت مواقفهم تجاه هذا الأمر، ولئن بقي أكثرهم على تعظيمه للفتيا واحتياطه لدينه، إلا أن الانحراف ما زال مؤثراً في غيرهم وفي ازدياد.
أيها المسلمون: إن الفتيا في الأحكام الشرعية وإن كانت في الحقيقة رأياً واختياراً من المفتي، إلا أنها ليست مجرد رأي ووجهة نظر واختيار محض، بل هي كلام في دين الله، وتوقيع عن رب العالمين، ودلالة يقول بها المفتي للناس: إن الله تعالى يرضى لكم أن تفعلوا كذا وتتركوا كذا. وسيقف المفتي بين يدي رب العالمين ليُسائله عن ذلك، فهو مقام رهيب لو استحضره المفتي لارتجف قلبه فَرَقاً وخوفاً من رب العالمين، ولَخشي أن يكون مشمولاً بقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) حيث قرن اللهُ القول عليه بغير علم بالشرك والفواحش والبغي التي هي من الجرائم الكبرى، ليعلم القائل في دين الله أي خطر يقتحمه حين يفتي في دين الله، ويكون حذراً من وقوعه في هذا النهي العظيم. ولعظم هذا الباب وشناعة الانحراف فيه كان سبباً لإحجام سلف هذه الأمة عن الفتيا، واستعمالهم لأقصى غايات الحَيْطَة والحذر في موضوعاته. يقول عبد الرحمن بن أبي ليلى: "لقد أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم أحد يُحدِّث بحديث إلا ودَّ أنَّ أخاه كفاه الفتيا" أخرجه الدارمي في سننه. بل كانوا يستشعرون الخوف من الله وعذابه والنار حتى في المسائل الاجتهادية التي ليس فيها نص شرعي ظاهر. يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "من سرَّه أن يقتحم جراثيم جهنم، فَلْيقض بين الجدّ والإخوة" أخرجه البيهقي في السنن الكبرى. والجراثيم: جمع جرثومة، وهي: التراب الذي تَسْفيه الريح.
يقولون هذا مع كونهم أعلم الناس بشأن الحلال والحرام، وأقربهم لإصابة مراد الله في القضايا، مع ما هم عليه من ورع وتقى وديانة، وما ذاك إلا لإدراكهم لخطورة هذا الباب واستشعارهم لمقام المفتي متحدثاً عن رب العالمين.
واليوم تأمّل في عشرات الفتاوى في قضايا خطيرة جداً، تتعلق بالاختلاط والابتعاث وعمل المرأة، ناهيك عن فتاوى تنهد لها الجبال فرقاً في أبواب السياسة الشرعية الخطيرة ليس لها خطام ولا زمام.
أيها المسلمون: إن اختلال الفتيا أو اتسامها بالضعف والفساد، خسارة لجميع الناس: حكاماً ومحكومين، علماء ومتعلمين، مفتين ومستفتين، ولن يستفيد منها أحد إلا ذوو المناهج الفكرية المنحرفة الذين يسوؤهم بقاء الحكم الشرعي وبيانه، وأما من عداهم فبقاء الفتيا في شرفها وعِزِّها وصيانتها عن العبث والاستغلال ضرورة لنا جميعاً، ومسؤولية علينا جميعاً، يجب أن نتواصى بها ويذكِّر بعضنا بعضاً فيها.
نذكر المستفتي بواجبه الشرعي في موضوع الاستفتاء، وأن الحكم على الحادثة المسؤول عنها لا ينتهي بصدور فتيا من أحد بجواز أو منع، بل يجب أن يتذكر أن المسؤولية والحساب يوم القيامة سيكون عليه، فعليه أن يحتاط لدينه ويختار في استفتائه من يثق بدينه وعلمه، ولا يعتمد على المنصب الرسمي للمفتي، وأن يراعي اطمئنان قلبه لأمر هذه الفتيا، فهو أعلم الناس بما يَحْتفُّ بمسألته من قرائن وأحوال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطَّلع عليه الناس" رواه مسلم.
وَلْيتذكر المستفتي أيضاً أن أَخْذه للفتاوى بطريق الانتقاء والاختيار يكشف عن نقصٍ وضَعْف يُخشَى أن ينحدر فيه المستفتي إلى ما حذَّر منه سليمان التيمي رحمه الله حين قال: "إنك إن أخذت برخصة كل عالم، أو زلة كل عالم، اجتمع فيك الشر كله".
ونذكر المفتي بأن الواجب الشرعي والأمانة العظمى متعلقان في عنقه للقيام بنصرة أحكام الشريعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن دوره لا يصح أن يقف على مجرد انتظار سائل له ليجيب عنه، بل تكليف الأمانة يوجب عليه أن يصدع بالحق، ويجلِّي الحكم في النوازل والقضايا التي يحتاجها الناس ويبحثون عن الإجابة عنها وإن لم يسألوا ابتداءً، وهذا واجب الجميع، غير أنه في حق العالم المفتي أعظم وجوباً وأقوى إلزاماً.
ويجب على المفتي أيضاً الحذر من استغلال فتاواه واتخاذها جسراً تُمرَّر على ظهره حالات التفريط في الواجبات الشرعية، وشيوع الانحرافات السلوكية والفكرية التي يسعى لها كثير من المنحرفين في مجتمعاتنا، خصوصاً ممن لهم ظهور في القنوات الفضائية، عليهم الحذر أكثر من مقدمي البرامج الذين يسعون للإثارة الإعلامية وإحراج المفتي، وتصيد هفواته. ومن العقل والديانة والواجب الشرعي أن يكون المفتي فَطِناً لتلك المحاولات، يقظاً لئلا يكون من حيث يشعر أو لا يشعر سبباً لمرور كثير من المحرمات الشرعية من خلال فتيا قد تكون مقبولة أو لها وجه شرعي، غير أن صحة الفتيا بشيء لا تجيز القول به مطلقاً من غير اعتبار لحال الزمان والمكان، ومن دون مراعاة منه لكيفية التعامل مع هذه الفتيا، ومن المؤسف أن يتمكن المفسدون من نَشْر فسادهم الفكري والسلوكي من خلال تصديرهم لبعض المفتين الذين يعطون من خلال آرائهم الفقهية ستراً وحفظاً لمرور هذا الانحراف والفساد.
أيها المسلمون: ولابد من تربية أجيال المسلمين على تعظيم الفتيا في دين الله، وترهيبهم من الخوض فيه بغير علم، وتجلية منهج السلف الصالح في أمر الفتيا وخطرها، والتركيز في هذا المقام على الناشئة المتعلمة: من طلاب العلم الشرعي في المعاهد والكليات والجامعات الشرعية، حتى ينشأ طالب العلم منذ صغره على إقدار الفتيا حق قَدْرها والرهبة من وُلُوجها ولو بحق، فضلاً عن التهاون بها أو تحقيق أغراض سيئة من خلالها.
وهناك ضرورةٌ لتكاتف العلماء والفقهاء والمختصين في العلوم الشرعية على القيام بواجبهم تجاه موضوع الفتيا، والاجتهاد في بذل الوسائل والأسباب المعينَة على حفظ مقام الفتيا والرفع من قَدْرها وضبط مسيرها من الانزلاق والاستغلال. والفتيا في هذا العصر أحوج ما تكون إلى الجهد الجماعي والمؤسسي الذي تجتمع فيه كلمة فقهاء المسلمين في كل بقاع العالم الإسلامي، أو في معظمه إن لم يتيسر الكل، على كلمةٍ سواءٍ وقول بيِّن ينصر أحكام الشريعة ويُظهِر الحق لعموم الناس، وهذا لا يكون إلا بإنشاء الروابط العلمية، والمجامع الفقهية التي تجمع علماء المسلمين، وتقرِّر الأحكام الشرعية في كافة النوازل، ولا تكون مرتبطة بجهة معينة حتى لا تحرف مسيرتها، ويكون لها الاستقلالية الكاملة حتى تؤدي رسالتها.
نسأل الله جل وتعالى أن يتحقق الخير على يد العلماء العاملون المخلصون لهذه الأمة، وأن يسدِّد خُطاهم، ويكلل جهودهم بالتوفيق والسداد، حتى تُصان الفتيا من استغلال المنحرفين، وتأويل الجاهلين، وكيد الشهوانيين.

بارك الله ..


الخطبة الثانية:
الحمد لله ..
أما بعد: أيها المسلمون: كما أن هناك إرجاء في المعتقد لمن لم يتحرر لديه منهج أهل السنة والجماعة في هذا الباب، فإن هناك من لديه إرجاء في فكره في بعض الجوانب وإن كان سليم المعتقد، هذا المرض أصاب بعض من يتصدر للفتوى اليوم، وهذه بعض الصور من الإرجاء في الفتوى إن صح التعبير:
من ذلك: عدم التصريح بالأحكام الشرعية: فيتهرب مَنْ أصيب بهذا المرض من قول: حرام، أو كفر، أو شرك، لِمَا هو كذلك بالنص الشرعي، ويستبدل هذه الألفاظ الشرعية بأخرى مبتدَعة هي أخفُّ حدَّة ووطأة بزعمه على مخالفيه أو الناس عموماً، فيقول: الأَوْلَى تَرْكه، مع علمه بحرمته، أو فيه خلاف، مع أن الخلاف مطروح وغير معتَبَر، فيوحي إلى سامعه أن الأمر سهل ميسور.
ومن ذلك أيضاً: عدم استخدام المصطلحات الشرعية: فلا تجد في قاموسه كلمة: كفَّار، أو فسَّاق، أو منافقون، فهؤلاء لا يعيشون على الأرض، وكأنهم لدى من أصيب بهذا المرض العضال تاريخ مندثر ذهب وولَّى، ولا يظن ظانٌّ بأن المطلوب هو إقحام مثل هذا في الكلام إقحاماً. لا، ليس هذا المراد، بل المقصود: هو التولي عن استخدام هذا المصطلح الذي هو شرعي دلَّت عليه النصوص إلى غيره، فيستخدم: غير المسلمين، أو الآخر، أو يستخدم أهل التقصير، لمن هم رؤوس الضلالة والفجور في الأمة. ولا يخفى أن المصلطح الشرعي هو الذي لا يُطلَب به بدلٌ، ولا عنه حِوَلٌ، لدقة معناه، وعمق مرماه. وقد تكلم أهل العلم كابن تيمية رحمه الله وغيره في أهمية التمسك بالمصطلح الشرعي وأنه يزيل كثيراً من الإشكال.
ومن صور الإرجاء في الفتوى: الذلة على الكافرين، والكبر على المؤمنين: وهم بهذا يعارضون مراد الله تعالى حين حكى حالَ أهل الإيمان فقال: (أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ وحين أمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم فقال: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ) ولكن أهل الإرجاء الفكري في الفتوى تجد لديهم تمام التودد للكفار والزنادقة ولين الخطاب والتسامح معهم، مع غلظة وشدة وجفوة واستعلاء مع إخوانهم من أهل الإيمان.
ومن الصور: كَتْمُ بعض النصوص الشرعية: تلك التي فيها الوعيد والتهديد، أو التي يتوهَّمون شِدَّتها وعنفها كالحدود، فيحاولون تجنُّب ذِكرِها تماماً، والتنصُّل منها، وكأنها غير موجودة أصلاً، مع إبرازهم في المقابل للنصوص الشرعية في الوعد والتسامح والعفو، وقد خاطب الله تعالى أهل الكتاب فقال: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
ومن الصور: محاولة الوقوع على نقطة التقاء مع أصحاب المذاهب: فيكون أحدهم صامتاً ساكتاً ردحاً طويلاً، والأمة حوله تئن من أعدائها المختلفين في مشاربهم ومذاهبهم، وكلٌّ منهم ينهشها نهشاً، وهو لا يحرك ساكناً، فإذا رأى قولاً لصاحب فكر منحرف أو مذهب هدَّام بادر لإعلان الموافقة، وتعاضُدِ الفكرة، وهو في هذا كله يغض الطَّرْف عن الانحرافات الكفرية أو البدعية أو الهدّامة، فلا ينبه الناس عليها، فيكون عند ذلك الغش الذي يتسرب لعموم المسلمين: أن الشيخ فلان وافق فلاناً فهو على الخير، فنال تزكية لدى عوام الناس، فلا يمسُّه بعد هذا نكير، إلا وصاح الناس في المنكِر عليه باطلَه أخذاً بتزكية من أصيب بالإرجاء من قَبْلُ.
ومن صور الإرجاء في الفتوى: الإكثار دوماً من ذكر الخلاف والرخص: إن ذكر الرخصة للناس وتخفيفَ المشقَّة عليهم واجب شرعي، فإن الدين دين يُسْر، لكن أن يكون هذا بكثرة، ويكون المراد من ذكر الخلاف دوماً هو نقض الشريعة، وتخيير العامة، وإثارة شكوكِ من لا خَلاقَ له من دينٍ أو علمٍ بأن الشريعة متناقضة، فهذا جناية على الدين، ومهما كان مراد صاحب الإرجاء الفكري في هذا التيسير على الناس، فقد أخطأ حين جنح للإرجاء دون التيسير، ودعا الناس للزندقة بتخييرهم بين أمور الدين، التي يصير بها المرء أخيراً ليس على دين الإسلام، فإن من له حظ من علم يعلم أنه لا يحق لمسلم التخيُّر بين أقوال أهل العلم لهوى في نفسه، بل عليه التقليد إن كان جاهلاً، واتباعُ الدليل إن كان عالماً.
ومن الصور: غياب الفِطنة، ومحاولةُ تأصيل الأفكار الهدامة شرعاً: إن من لازِم الخنوعِ والمسكنةِ الفكرية، وعدمِ الاعتزاز بالشرع الإسلامي في جميع مناحي الحياة، أن يصبح هذا المصاب بالإرجاء الفكري، مسوِّغاً لمشاريع التيارات المنحرفة، مسبغاً عليها مظلة شرعية، خادعاً بها الراعي والرعية، فيسألونه أو ربما تبرع هو محتسباً لبيان حكم عمل المرأة مثلاً، وأنه كشرب العسل، مع أن أهل الأهواء لا يريدون عمل المرأة لذاته، بل لما وراءه من إخراج المرأة المسلمة، وإفسادها، وهل جادل أحد من أهل العلم في عملها مع الضوابط، حتى يَحتسِبَ هذا المصابُ بالإرجاء الفكري لبيان الحكم؟. وما علم هذا المسكين أن غيره ممن كذا حاله رُمِي بعد إتمام الغرض منه، وكَثُر ذامُّوه وقلَّ حامدوه أو عُدِمُوا، وأعظم من هذا: أن الله هو الذي مَدْحُه زَينٌ وذمه شينٌ.
"من ابتغى رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عليه الناس، ومن ابتغى سخط الله برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس".

اللهم ..
المرفقات

553.zip

المشاهدات 1957 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا