بين المسجد والقرآن 2 ـ 9 ـ 1444هـ
عبدالعزيز بن محمد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
· (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
· (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
· (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أيها المسلمون: مُؤمِنٌ أَفاضَ اللهُ عليهِ فَضْلاً، شَرَحَ للإسلامِ صَدْرَه، وأَنارَ بالتَّقْوَى قَلْبَه، أَعانَهُ عَلى الخيرِ ولليُسْرَى يَسَّرَهُ، وحَبَّبَ إِليهِ الإيمانَ وبالجَنَّةِ بَشَّرَه.
مُؤْمِنٌ يَرْجُو لِقاءَ رَبِه.. فلا يَشْغَلُهُ عَن الاسْتِعْدادِ للقاءِ اللهِ شَاغِل، ولا يَصْرِفُهُ عنه صارِفْ.. لا تَصْرِفُهُ شهوةٌ عَنْ شَرِيْعَة، ولا يَقْعُدُ بِهِ هَوىً عَن فَرِيْضَة، لا يُسْلِمُ قيادَ النَّفسِ للهَوى، ولا يُرْخِيِ زِمامَها للشَّهَوات.
عَبدٌ للهِ مُتَذلِّل. ما أَبصَرَ طَرِيقاً للمَغْفِرَةِ إلا طَرَقَه، ولا سَمِعَ داعياً إِلى الرَّشادِ إِلا أَتَاه. دُعِيَ إِلى الخَيْرِ فَلَبَّى، ونُودِيَ إِلى الفلاحِ فأَجابْ.
فَرَضَ اللهُ عليهِ الصِّيامَ فَصَام.. كَفُّ نَفْسَهُ عَن الشهواتِ، وأَمْسَكَها عَن المُفَطِّرات.. فالنَّفْسُ تَهوى، وهُوَ للنفسِ يَرْدَعُ. قَدَّمَ أَمْرَ اللهِ على مُرَادِه. وآثَرَ طَاعَةَ اللهِ على هَواه. فلَهُ من اللهِ أَكْرَمَ وَعْدٍ، ولَهُ عِندَ اللهَ أَجْزَلَ جَزاءَ، في الحديث قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ، فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ) رواه البخاري ومسلم
ودُعِيَ إِلى الصلاةِ فَصَلَّى.. حَفِظَ الفَرَائِضَ والنوافِلُ زادَها. زادُ التَّقِيِّ عِبادَةٌ وثَباتُ. إِلى المساجِدِ آثارٌ لَهُ حُفِظَتْ. خُطُواتٌ لا تُنْسَى، وحَسَناتٌ لا تَضَيْعْ، كَفَّاراتٌ ودَرَجات. (أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ) رواه مسلم
في المساجِدِ لَهُ آثارٌ باقِيَةٌ، وأَعْمَالٌ رَاقِيَةُ، لَهُ إِلى المَسَاجِدِ غُدُوٌّ ورَوَاح. والمَساجِدُ بُيُوتُ اللهِ، وهِيَ للتقيِّ مأَوى، وللعابِدِ مُسْتَراح {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ* لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ.. وإِذا رُفِعَ المكانُ، رُفِعَ مَنْ كانَ مُخلِصاً للهِ فيه.
بُنِيَتِ المَساجِدُ لأَمرٍ عَظِيم.. والجَزَاءُ مَوفُورٌ عِندَ اللهِ لِمَنْ بَنَاهَا «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا للهِ بَنَى اللهُ لَهُ في الجنَّةِ مِثْلَه» رواه البخاري ومسلم بُنِيَتِ المَساجِدُ.. لِيُعْبَدَ فيها اللهُ ويُذْكَرْ، ويُقَدَّسَ فيها ويُشْكَرْ. في رِحَابِ المساجِدِ تُتْلَى الآياتُ، وَبَيْنَ جَنَبَتِها تَكْثُرُ السَّجداتُ. فيها العِلْمُ يُنْشَر، وفيها الشريعةُ تُشُهَرْ، فِيْهَا لِلْوَعْظِ وَقْعٌ، وفيها للذِّكْرِ أَثَرْ. فِيْها يُعَلَّمُ القُرآنُ، وفيها تُرَبَّى النفوسُ على الإِيمان.
المسَاجِدُ مَحَطُّ السَّكِيْنَةِ ومُتَنَزَّلُ الرَّحَمَات، في الحديثِ قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ) رواه مسلم المساجِدُ أَحبُ البِقَاعِ إلى الله، وأَطْهَرُها، عَن أَبي هُريرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (أَحَبُّ البِلَادِ إلى اللهِ مَسَاجِدُهَا) رواه مسلم
فَمَنْ اطْمَأَنَّت نَفْسُهُ إِلى المساجِدِ، وحافَظَ على فرائضِ اللهِ فيها، وقَضَى النَّفيسَ من أَوقاتِهِ بينَ جَنَبَاتِها، نال الكرامَةَ الكُبْرَى، وأَدْرَكَ الفوزَ الأَكيد.. في حديثِ السَّبْعَةِ الذينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ :(وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ) متفقٌ عليه
في المَسَاجِدِ يَحْفَظُ المسلمُ قَلْبَه، ويُؤَدِيْ فَرْضَه، وللصائِمِ في المسجدِ وِقايَةٌ مِن الصَّوارِفِ، وعَونُ على القُرُبات. ولَهُ فيه نأَيٌ عَنِ الفِتَنِ، وصدودٌ عَن المُلِهيات.
وللمساجِدِ أَحْكَامٌ يَجِبُ أَن لا تُغْفَل، وآدابٌ يَجِبُ أَن لا تُهْمَل: لا تُنْشَدُ فيها ضَالَّةٌ، ولا يُعقَدُ فيها بيعٌ، ولا تُصَيَّرُ مَيْدانٌ للخصُومَات. تُنَزَّهُ المساجِدُ عَن كُلِّ مُسْتَقْذَر، ويُنهى عن دُخولِها مَنْ لَه رائِحَةٌ مُؤْذِيَة، عَن ابنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنه أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ) رواه البخاري ومسلم وتُؤَخذُ الزينةُ عِندَ غِشْيَانِ المَسَاجِدِ للصلوات، بذاكَ نَزَلَتْ مِنْ رَبنا الآيات: {يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}
وللمسَاجِدِ تَحِيَّةٌ.. وتَحيَّةُ المسَاجِدِ صَلاةٌ : (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المسْجِدَ فَلا يَجلِسْ حتى يصلِّيَ ركعتَين) رواه البخاري ومسلم فَهَنِيْئاً لِمَن بَنى للهِ مَسْجداً وشَيَّدَه، أَو صَانَهُ وتَعَاهَدَه. هنيئاً لِمن ارتادَ المساجِدَ للصلواتْ، وأَلِفَها في الجُمَعِ والجَماعَاتْ. طابَ عَمَلُ مَنْ للهِ أَخْلَصْ {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}.
والصَّائِمونَ لَهُمْ قُلُوبٌ تُرَفْرِفُ بالتَّقُوى، وأَفْئِدَةٌ تُعْمَرُ بالإِيمان. القُرْآنُ لَهُمْ جَلِيْس، لَهُ يَتْلُونَ، ولآياتِهِ يَتَدَبَرَون. القُرْآنُ هُو الفُرْقان، وفي شَهِرِ رَمَضَانَ أُنْزِلْ {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} (وَكانَ جبريلُ يلقاهُ ـ أَي يَلقى رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ــ في كلِّ ليلةٍ من شَهرِ رمضانَ فيدارسُهُ القرآنَ) رواه البخاري ومسلم قَرَاءَةُ القُرآنِ أَفْضَلُ الذكرِ، وتَدَبُرُهُ يَمْلأُ القَلْبَ نُور.
وتَعَلُّمُ القُرآنِ وتعلِيْمُه مِنْ أَشْرَفِ القُرَبِ. وطِباعَةُ المَصاحِفِ وإِيْقَافُها مِن أَعظَمِ الحَسَنات. مالٌ أُنفِقَ على القُرآنِ.. مالٌ نَامٍ، وتِجارَةٌ رابِحَةٍ. كَمْ نَالَ الثَّوَابَ.. أَقْوَامٌ على خدمَةِ كتابِ اللهِ قَائِمُون. يُمَهِّدُنَ الطريِقَ لِكُلِّ تَالٍ، ويُيَسِّرُونَ الدَّروبَ للحافِظِين. مَعْلَمٌ مِنْ أَشْرَفِ المعالِمِ في الأَرضْ.. لُه أَثَرٌ في الآفاقِ تَمَدَّدَ، ولَهُ نورٌ في الأَقطارِ أَضاء.. مُجَمَّعُ طِباعةِ المُصْحَفِ الشريفِ في مدينةِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عُقودٌ من الزمَنِ، يَفِيْضُ على الأُمةِ عَطاءً ثَمِيناً. يَطْبَعُ كِتابِ اللهِ بِكُلِّ عِنايَةٍ وارتِقاءَ. وها هو القُرْآنُ بَيْنَ أَيْدِينا وفي مَساجِدِنا. كَمْ حَفِظَ القُرآنَ بِسَبَبِهِ مِنْ حَافِظٌ، وكَمْ تلاهُ مِنْ تَالٍ، وكَمْ قَامَ بِه مِنْ مُتَهَجِّد. ضاعَفَ اللهُ لِمَنْ أَسَّسَ وساهَم.
والمسْلِمُ الطَّموحُ يَسْعى لِيُبْقِيْ لَهُ في الصالِحاتِ أَثَراً.. يَطْبَعُ مُصْحفاً ويُوقِفَه، أَو يَشْتَرِيهِ ويُهِدِيَه.. ومَنَصَّةُ الإِحسانِ طَرِيقٌ للمُحْسِنِيْن، يُخفِيْ العَبْدُ مِنْ خِلالها عَمَلَه، ويُحَقِّقُ في بَذلِ المالِ أَمَلَه.
ومُتَعَلِّمُ القُرآنِ ومُعَلِّمُه.. خَيرُ الأُمةِ، وأَبَرُّها (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرآنَ وعَلَّمَه) رواه البخاري
فَكُنْ لأَهلِ القُرآنِ خَيرُ سَنَد. ومُدَّ لَهُم من العطاءِ بِلا مَنّْ
بارك الله لي ولكم..
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون
أيها المسلمون: صائِمٌ أَخْلَصَ للهِ.. فهو مُنقادٌ لِشَرْعِهِ، مُسْتَقِيْمٌ على أَمْرِه. صَائِمٌ للهِ كما أُمِرْ، صامَ إِيماناً واحتِساباً.. فهو مَسْرُورٌ بِعبادَتِه، مُسْتَبْشِرٌ باستِجابَتِه. لا يَمُنُّ على رَبِهِ بِعبادَتِه، بَلْ يَسْتَشْعِرُ مَنَّةَ للهِ عليه أَن هَداهُ للإسلامِ، وعلى الطاعةِ أَعانَه.
صائِمٌ أَخْلَصَ لله.. مُتَخَلِّقُ بأَخلاقِ المُحتَسِبِين، مُلْتَزِمٌ بآدابِ الصائِمين. يَعْلَمُ أَن الصيامَ قُرْبَةٌ لله.. فَلا يَخْلِطُهُ بإِثْمٍ، ولا يُدَنِّسُهُ بِسُوءِ، لا يَجْهَلْ ولا يتَعَدَّى، ولا يُسْتَفَزُ ولا يُسْتَثار. عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (الصيامُ جُنَّةٌ ، فإذا كان أحدُكم صائمًا فلا يَرفُثْ ولا يَجهلْ، فإنِ امْرُؤٌ شاتَمَه أو قاتَلَهُ فَليَقُلْ إنِّي صائمٌ) رواه البخاري ومسلم
صائِمٌ.. مُدْرِكٌ أَنَّ للصيامِ حِكْمَةٌ، وأَعَظَمُ حِكْمَةٍ للصيامِ تَحْقِيْقُ التَّقْوى. ومَنْ عُمِرَ قَلْبُهُ بِتَقْوى اللهِ أَفْلَح. يَسْتَحضِرُ الصائمُ مراقَبَةَ اللهِ له، وأَنَّه مُطَّلِعُ عليهِ في سِرِّهِ وجَهْرِه، فلا يأَكُلُ أَكْلَةً، ولا يَشْرَبُ شَرْبَةً، ولا يَدنو مِن مُفَطِّرٍ ولَو كانَ في مكانٍ خالياً. وتلكَ هِيَ التَّقْوى، وَلَولا التَّقوى لما أَمسَك، ولولا استشعارُه مُراقبَةَ اللهِ لَهُ لما كَفّْ.
ومِن جَلالِ الصِّيامِ.. أَنَّهُ يُهَذِّبُ الأَخلاقَ لا يُفسِدُها، ويُهَدِّئُ الطِباعَ لا يَسْتَثِيْرُها، فقَلْبُ الصائِم مُخْبِتٌ لله مُتواضِع، راجٍ للمغفرَةِ مُتَطَلِّع. عَنْ أَبِيْ هُريرة رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ لم يَدَعْ قَوْلَ الزُّوْرِ والعَمَلَ بِهِ والجَهْلَ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَه) رواه البخاري
ويَتَقَوَّى المُسْلِمُ على صِيامِهِ بالسَّحُور.. وطَعامٌ يَتَقَوَّى بِهِ المسلمُ على العبادَةِ، طَعامٌ مُبارَك. روى البُخَارِيُّ ومُسْلِمُ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) رواه البخاري ومسلم
وكما يَقْضِي المُسْلِمُ نهارَهُ بالصيامِ.. مُحافِظاً على صَلَواتِه، قائِماً بأَداءِ واجِباتِه، فإِنَّ لَهُ في الليلِ نافِلَةٌ وقُرْبَة.. صلاةُ تَهُجدٍ وقيامُ، عَنْ أَبِيْ هُريرة رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري ومسلم يُصَلِّي التراويحَ معَ إِمامِه.. فلا يَتَأَخَرُ عَنه، ولا يَنْفَتِلُ حتى يَنتهي. فَيُكتَبَ لَهُ قيامُ لَيلَة. عَن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) رواه الترمذي
إِنه شَهْرٌ المغانِمِ ومُضاعَفَةُ الأُجُور، إِنَّهُ مَوسِمُ مَنْ طَلَبَ اللهَ والدارَ الآخِرَة، فَقَوِيَ باللهِ يَقِيْنُه، وحَسُنَ باللهِ ظَنُّه، واجتَهَدَ في العَمَلِ وأَحسَنَ ما اسْتَطاع. {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}
اللهم قَوَّ إِيماننا، وأَعنا على ذِكْرِك وشُكْرِك وحُسنِ عبادَتِك
اللهم اجعلنا من عبادك الفائزين..
المرفقات
1679568385_بين المسجدِ والقرآن 2 ــ 9 ــ 1444.docx
منصور بن هادي
جعلها الله في موازين حسناتك
تعديل التعليق