بين الكرم والإسراف-14-3-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري(مختصرة/للجوال)
محمد بن سامر
بين الكرم والإسراف-14-3-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
حُكِيَ أنَّ رَجُلًا سَألَ حاتـمًا الطَّائيَ فقالَ: يا حاتمُ هل غلبَكَ أحدٌ في الكَرَمِ؟ قالَ: نعم، غلامٌ يَتيمٌ مِن طَيِّءٍ، نزلتُ بفنائِه، وكانَ له عشرُ مِن الغنمِ، فذبحَ إحدَاها، وأحسنَ طبخَها، وقدَّمَها إليَّ، وكانَ فيما قدَّمَ إليَّ الدِّماغُ، فتناولتُ منه فاستطبتُه، فقلتُ: طيِّبٌ واللهِ، فخرجَ مِن بينِ يَديَّ، وجعلَ يذبحُها واحدةً واحدةً، ويقدِّمُ إليَّ الدِّماغَ وأنا لا أعلمُ، فلمَّا خرجتُ لأرحلَ رأيتُ حولَ بيتِه دمًا كثيرًا، وإذا هو قد ذَبحَ الغنمَ كلَّها، فَقُلتُ له: لم فعلتَ ذَلكَ؟ فقالَ: سُبحانَ اللهِ، تَستطيبُ شيئًا أملكُه فأبخلُ عليكَ به، إنَّ ذلك لسُبَّةً قبيحةً على العَربِ.
فقالَ يا حاتمُ: فما الذي عوَّضتَه؟ قال: عوَّضتَه ثَلاثَ مَئةِ نَاقةٍ حَمراءَ، وخَمسَ مَئةِ رَأسٍ مِن الغَنمِ، فقيلَ: أنتَ إذًا أَكْرَمُ منه، فقالَ: بل هو أكرمُ، لأنَّه جَادَ بكلِّ ما يـَمْلِكُهُ، وإنـَّما جُدتُ بقليلٍ مِن كثيرٍ.
إخواني: هذه صُورةٌ من صُوَّرِ الكَرمِ، الذي تَبَاهى العَربُ من أَجلِه، وسُطِّرتُ الأشعارُ في أَهلِه، وضُرِبَ به الأمثالُ، وتـَمادَحَ فيه الرِّجَالُ، وهَل سَادَ من سَادَ، ومَلَكَ البلادَ والعبادَ، إلا بالكرمِ والشَّجاعةِ.
لَوْلا المَشَقّةُ سَادَ النّاسُ كُلُّهُمُ*
الجُودُ يُفْقِرُ وَالإقدامُ قَتَّالُ
في الجَاهليةِ كَانَ الكَرمُ للشُّهرةِ والذِّكرِ، والمَدحِ والفَخرِ، كَمَا قالَ الغلامُ لحاتمٍ الطَّائِيِ في سَبَبِ كَرَمِهِ: إنَّ ذلك لسُبَّةً قبيحةً على العربِ، فهو يُريدُ أن يَدفعَ عن نَفسِهِ مَذَمَّةِ العَربِ، ولذلكَ وقعَ في كَرمِهم الإسرافُ والعطَبُ.
وأما في الإسلامِ فقد قالَ الرسولُ-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ"، فَأصبحَ الكَرمُ عبادةً للهِ جليلةً، فيه الأجرُ والإيمانُ والفَضيلةُ، إذا خَلا من الرِّياءِ والمُباهاةِ والإسرافِ، واحتُسِبَ فيهِ الأجرُ في إكرامِ الأضيافِ، ولكنَّ العَجَبَ كلَّ العَجبِ، عِندمَا يَكونُ هذا الخُلُقُ الكريمُ، لا يُرادُ به وجهُ اللهِ العظيمُ.
إخواني: إنَّ اللهَ-سُبحانَهُ-كريمٌ يُحبُّ الكُرماءَ، ويُعوِّضُهم في الدُّنيا قبلَ الآخرةِ من واسعِ العَطاءِ، يقولُ ابنُ القَّيمُ-رحمَه اللهُ-: "ومَن وَافَقَ اللهَ في صِفَةٍ مِن صِفاتِه، قَادتْهُ تلكَ الصِّفَةُ إليه بِزِمَامِه، وأدْخَلَتْهُ على رَبِّـه، وأدْنتْهُ مِنهُ، وقَرَّبَتْهُ مِن رَحمتِهِ، وصَـيَّرَتْهُ مَحْبَوبًا لهُ، فإنَّهُ-سُبحانَهُ-رَحيمٌ يُحِبُّ الرُّحَماءَ، كَريمٌ يُحِبُّ الكُرَماءَ".
ولذلك كانَ أكثرُ النَّاسِ كَرَمًا أكثرَهم إيمانًا، فقد كَانَ عَطاءُ الرسولِ-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-للهِ-تعالى-، وترغيبًا في دينِه، وتأليفًا لقلوبِ النَّاسِ إليه، فَقَد أَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ-رضيَ اللهُ عنهُ-يومَ كانَ كافرًا-أعطاهُ مِئَةً مِنْ النَّعَمِ، ثُمَّ مِئَةً، ثُمَّ مِئَةً، قَالَ صَفْوَانُ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-مَا أَعْطَانِي وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَسلَمَ صَفوانُ وحَسُنَ إسلامُهُ، وهذه نتيجةُ الكرمِ إذا كانَ خَالِصًا لوجهِ اللهِ-تعالى-.
تَعَوَّدَ بَسْطَ الكَفِّ حتَّى لو أنـَّهُ*
ثناها لِقَبْضٍ لم تجِبْهُ أَنامِلُهْ
تـراه إذا مـَا جِـئتَهُ مُتـهلِّلًا*
كأنَّك تُعطيهِ الذي أَنتَ سَائِلُهْ
ولو لم يَكنْ في كَفِّهِ غَيرُ رُوحِهِ*
لجَادَ بها فليتقِ اللهَ سَائِلُهْ
هُو البَحْرُ من أيِّ النَّواحي أَتَيتَهُ*
فلُجَّتُهُ المعروفُ والجُودُ سَاحِلُهْ
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فعِندَما نَقرأُ الأرقَامَ في دِراسةِ المَسحِ المَيدانيِ، التي أجرتْهَا الهيأةُ العَامةُ للأمنِ الغِذائيِّ، وفيها أنَّ نِسبةَ الفَقدِ والهَدرِ في الغِذاءِ بَلَغتْ ثلاثةً وثلاثينَ بالـمئةِ، بتَكلُفةٍ سَنويَّةٍ تُقدَرُ بِنحو أربعينَ مليارَ ريالٍ، نَجِدُ أننا أَمامَ طَعامٍ يُهدَرُ، ونِعَمٍ لا تُشكَرُ، فَالمُبَاهاةُ بِصَرفِ الأموالِ الطَّائلةِ في المَطَاعمِ والبيوتِ والولائمِ، وتَصويرِها للرِّياءِ والسُّمعةِ والفخرِ، لَيستْ للهِ ولا في اللهِ، لأنَّ اللهَ هو القائلُ-سبحانَه-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، كيفَ نُسْرِفُ ونُبَّذِرُ والملايينُ من إخوانِنَا المسلمينَ يموتُونَ من الجُوعِ والحِصارِ، وآخرونَ دونَ مَأوى ولا دَارٍ، وآخرونَ لا يَجدونَ قِيمةَ الإيجارِ.
فَيَا مَنْ أَنعمَ اللهُ عَليهِ، كُلْ أَنتَ وَأَهلُكَ مَا يَكفيكُم دُونَ تبذيرٍ ولا إسرافٍ، وأَكرمْ مَنْ جَاءَكَ من الضيوفِ بِالمَعروفِ، ثُمَّ اصرفْ ما فَاضَ وزادَ على الفُقراءِ والمساكينِ، والأيتامِ والأراملِ والـمُحتاجينَ، شاكرًا لنعمةِ ربِّ العالـمينَ، وإياكَ أن تكونَ أنتَ وغيرُك سَببًا لِتَبديلِ أمنِنا خوفًا، ورِزقِنا جوعًا، قالَ-سُبحانَه-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِـمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، فنحنُ سَـمِعْنا من أجدادِنا قِصصَ الجوعِ والخوفِ التي عاشوها في البِلادِ، وأخشى أنْ تتكررَ تلكَ القِصَصُ بِكُفْرِ الأَبْنَاءِ والأَحْفَادِ بنعمةِ ربَّ العبادِ.
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ أَعِنَّا على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسْنِ عِبادتِك.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ يا شافي اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ والـمسالـمينَ.
اللَّهُمَّ اِكْفِنَا والمسلمينَ بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأَغْنِنـَا بفضلِكَ عَمَّنْ سِواكَ.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ ورَحْـمَتِكَ فإنَّهُ لا يـَمْلِكُها إلا أنتَ.
اللَّهُمَّ اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه.
اللَّهُمَّ أنتَ حسبُنا ونِعْمَ الوكيلُ، عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم.
اللَّهُمَّ انصرْ المسلمينَ وجنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1695908973_بين الكرم والإسراف-14-3-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1695908973_بين الكرم والإسراف-14-3-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf