بين السفر والسياحة - مشكولة - PDF + DOC
عبدالله اليابس
بين السفر والسياحة الجمعة 17/1/1445هـ
الحَمْدُ للهِ أَعَزَّنَا بِالتَّوحِيدِ وَالسنَةِ، وَأَنْعَمَ عَلَينَا بِالكِتَابِ وَالحِكْمَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، بَعَثَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ الـمُشْرِكُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بَعَثَهُ اللهُ بِالدَّعْوَةِ إِلَى التَّوحِيدِ، وَالنِذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ، فَدَعَا إِلَى اللهِ وَحْدَهُ، وَجَاهَدَ الـمُشْرِكِينَ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ؛ حَتَّى أَقَامَ اللهُ بِهِ الدِّينَ ، وَقَمَعَ بِهِ الـمُشْرِكِينَ، فَصَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيهِ صَلَاةً وَسَلامًا دَائِمِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ.. فَمُنْذُ دُخُولِ الإِجَازَةِ الصَّيْفِيَةِ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَحْزِمُونَ حَقَائِبَهُمْ وَأَمْتِعَتَهُمْ، رَغْبَةً فِي السَّفْرِ هُنَا أَوْ هُنَاكَ، سَعْيًا فِي طَاعَةٍ، أَوْ تَرْوِيحًا عَنِ النَّفْسِ، وَتَنْفِيسًا عَنِ الأَهْلِ بَعْدَ عَامٍ دِرَاسِيٍ طَوِيْلٍ، يَنْتَشِرُ الـمُسَافِرُونَ شَرْقًا وَغَرْبًا فِي أَرْضِ اللهِ الوَاسِعَةِ، وَلِكُلِّ مُسَافِرٍ قِصَةٌ وَحِكَايَةٌ.
يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُوَ الذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} قَالَ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} هُوَ أَمْرُ إِبَاحَةٍ، وَفِيهِ إِظْهَاُر الاِمْتِنَانِ، وَقِيلَ: هُوَ خَبَرٌ بِلَفْظِ الأَمْرِ، أَيْ: لِكَي تَمْشُوا فِي أَطْرَافِهَا وَنَوَاحِيْهَا، وَآكَامِهَا وَجِبَالِهَا).
قَالَ الِإمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
تَغَرَّب عَنِ الأَوْطَانِ فِي طَلَبِ العُلا *** وَسَافِر فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوائِدِ
تَفْرِيجُ هَمٍّ وَاِكتِسَـابُ مَعيشَـةٍ **** وَعِلْمٌ وَآدَابٌ وَصُحْبَةُ مَاجِـدِ
نَعَمْ.. لَا شَكَّ أَنَّ لِلْأَسْفَارِ فَوَائِدَ.. كَمَا أَنَّ لَهَا مَعَايِبَ أيْضًا..
وَقَدْ عَارَضَ أَبْيَاتَ الشَّافِعِيِ السَّابِقَةِ القَاضِي الطَرْطُوسِيُّ رَحِمَهُمَا اللهُ فَقَالَ:
تَخَلَّفْ عَنِ الأَسْفَارِ إِنْ كُنْتَ طَالِبًا *** نَجَاًة فَفِي الأَسْفَارِ سَبْعُ عَوَائِقِ
تَنَكُّرُ إِخْوانٍ وَفَقْدُ أَحِبَّةٍ *** وَتَشْتِيتُ أَمْوَالٍ وَخِيفَةُ سَارِقِ
وَكَثْرَةُ إِيحَاش ٍ وَقِلَّةُ مُؤْنِسٍ *** وَأَعْظَمُهَا يَا صَاحِ سُكْنَى الفَنَادِقِ
السَّفَرُ مِنْ مُتَعِ الدُّنْيَا.. قَالَ الـمَأْمُونُ: لَا شَيءَ أَلَذُّ مِنَ السَّفَرِ فِي كِفَايَةٍ وَعَافِيَةٍ، لِأَنَّكَ تَحِلُّ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَحِلَّةٍ لَمْ تَحِلَّ فِيهَا، وَتُعَاشِرَ قَوْمًا لَمْ تَعْرِفْهُمْ.
وَمَا هِيَ إِلَّا بَلْدَةٌ مِثْلَ بَلْدَتِي *** خِيَارُهُمَا مَا كَانَ عَوْنًا عَلَى دَهْرِي
الحَرَكَةُ وَلُودٌ، وَالسُّكُونُ عَاقِرٍ كَمَا قِيْلَ، وَقَالَ حَكِيمٌ: إِنَّمَا سُمِيَ السَّفَرُ سَفَرَاً لِأَنَّهُ يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ.. إِذَا كَانَ لِلسَّفَرِ هَذِهِ الأَهَمِيَّةُ التِي رَأَيْتُمْ فَبَيْنَ يَدَيْكُمْ بَعْضَ الوَصَايَا:
الوَصِيَةُ الأُوْلَى: السَّفَرُ لِلْسِيَاحَةِ تَرَفٌ لَا ضَرُورَةُ.. وَالـمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ السَفَرُ لِلْسِيَاحَةِ لِلْجَمِيْعِ، فَمَنْ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَوَقْتِهِ وَصِحَّتِهِ فَأَمْرُهُ فِي سَعَةٍ، أَمَّا مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ وَقْتُهُ أَوْ صِحَّتُهُ فَلَيَكْلَفْ مِنَ العَمَلِ مَا يُطِيْقُ، وَلَا يُكَلِّفْ نَفْسَهُ مَا لَا تُطِيْقُ.
وَأَسْوَءُ مِنْهُ حَالَاً مَنْ يَسْتَدِيْنُ لِأَجْلِ سَفَرِ السِيَاحَةِ َأُسْبُوعًا أَو اثنِينِ، ثُمَّ يَمْكُثُ أَشْهُرًا يُسَدِّدُ فِي دَيْنٍ لِأَمْرٍ كَمَالِيٍ لَا ضَرُورِيٍّ.
الوَصِيَةُ الثَانِيَةُ: تَذَكَّرْ أَخِي أَنَّ رَبَّكَ فِي بَلَدِكَ هُوَ رَبُّكَ فِي سَائِرِ البُلْدَانِ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَيكَ لَا تَخْفَى عَلَيهِ خَافِيَةٌ.
مَنِ اِسْتَهَانَ بِنَظَرِ اللهِ تَعَالَى إِلَيهِ كَانَ مُسْتَحِقًا لِلْعُقُوبَةِ.
رَوَى اِبنُ مَاجَه وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ ثَوْبَان رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ مَولَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَأَعلَمَنَّ أقْوامًا مِن أُمَّتي يَأتونَ يَوْمَ القِيامةِ بحَسَناتٍ أمْثالِ جِبالِ تِهامةَ بِيضًا، فيَجعَلُها اللهُ عَزَّ وجَلَّ هَباءً مَنْثورًا). قالَ ثَوْبانُ: يَا رَسولَ اللهِ، صِفْهم لنا، جَلِّهم لنا، ألَّا نَكُونَ مِنْهُم وَنَحْنُ لَا نَعلَمُ، قَالَ: (أَمَا إنَّهُمْ إِخْوانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأخُذونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأخُذونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوامٌ إِذَا خَلَوا بمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا).
إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا سَافَرَ لِيَعْصِيَ اللهَ جَلَّ وَعَلَا فَإِنَّ الإِثْمَ لَا يَتَوَقَّفُ فَقَطْ عَلَى الـمَعَاصِي التِي يُقَارِفُهَا فِي سَفَرِهِ، لَا.. بَلْ إِنَّ سَفَرَهُ كُلُّهُ مَعْصِيَةٌ يَأْثَمُ عَلَيهَا، حَتى قَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي الـمُسَافِرِ سَفَرَ الـمَعْصِيَةِ: أَنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ بِرُخَصِ السَّفَرِ مِنْ جَمْعٍ وَقَصْرٍ وَفِطْرٍ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى ذَلِكَ.
الوَصِيَّةُ الثَالِثَةُ: اِحْرَصْ كُلَّ الحِرْصِ أَلَّا يَنْقَضِي عَلَيكَ هَذَا الصَّيفُ إِلَّا وَقَدْ زُرْتَ فِيهِ تِلْكَ البِقَاعَ الطَّاهِرَةَ فِي مَكَّةَ الـمُكَرَّمَةِ، وَأَدَّيتَ العُمْرَةَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَينَا فِي هَذِهِ البِلَادِ أَنْ جَعَلَ بَيْتَهُ الحَرَامَ قَرِيبًا مِنَّا، وَالوُصُولَ لَهُ سَهْلٌ مَيْسُورٌ، فَلَا رُكُوبَ لِلْبَحْرِ وَلَا اِنْتِظَارَ تَأْشِيرَةٍ أَوْ قُرْعَةٍ، وَلَا خَوْفًا مِنْ وُعُورَةِ الطَّرِيقِ أَوْ أَمْنِهِ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ عَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرةِ؛ فَإِنَّ مُتَابَعةً بَيْنَهُمَا يَنْفِيانِ الذُّنُوبَ وَالفَقْرَ، كَمَا يَنْفِي الكِيرُ الخَبَثَ).
الوَصِيَةُ الرَّابِعَةُ: إِذَا سَافَرْتَ لِخَارِجِ الـمَمْلَكَةِ فَتَذَكَّرْ أَنَّكَ سَفِيرٌ لِبَلَدِكَ، وَسَفِيرٌ لِدِينِكَ.. خَطَؤُكَ يُوصَمُ بِهِ كَافَّةُ أَهْلِ هَذِهِ البِلَادِ، وَصَوَابُكَ وَإِحْسَانُكَ يُوصَفُونَ بِهِ أَيْضًا، فَارْسِمِ الصُّورَةَ الحَسَنَةَ، وَتَمَثَّلْ أَخْلَاقَ الإِسْلَامِ، وَلَا تُغَادِرْ مَكَانًا إِلَّا وَقَدْ وَضَعْتَ فِيهِ بَذْرَةَ خَيْرٍ، تَرْجُو أَنْ تَلْقَى بِهَا اللهَ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الـمَعْرُوفِ شَيْئًا.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرآَنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَقَيَّومُ السَّمَاوَات وَالأَرَضِين، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَنَا عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ..
أَمَّا الوَصِيَةُ الخَامِسَةُ لِلْمُسَافِرِينَ: لَا تَكُنْ أَنَانِيًا.. نَعَمْ.. لَا تَكُنْ أَنَانِيًا.. تُسَافِرُ وَتَسْتَمْتِعُ.. وَلَا تَجْعَلُ لِأَهْلِكَ نَصِيبًا مِنْ ذَلِكَ، رَوَى اِبنُ مَاجَه وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي).
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، لِيَأْخُذَ إِحْدَاهُنَّ مَعَهُ فِي سَفَرِهِ.
أَهْلُكَ لَهُمْ أَحَاسِيسُ وَمَشَاعِرُ، وَنُفُوسُهُمْ لَا شَكَّ تَنْكَسِرُ إِذَا عُدْتَ مِنْ سَفَرِكَ وَبَدَأْتَ بِسَرْدِ القَصَصِ وَالحِكَايَاتِ التِي قَابَلْتَهَا فِي سَفَرِكَ، أَوْ رَأَوا الصُّورَ التِي اِلْتَقَطْتَهَا فِي رِحْلَتِكَ، تَنْكَسِرُ نُفُوسُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا، فَلَا تَبْخَلْ عَلَيهِمْ، وَاِجْعَلْ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ نَصِيبًا وَجُزْءً، وَتَعَبَّدِ اللهَ تَعَالَى بِذَلِكَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ.. إِذَا سَافَرَ الإِنْسَانُ وَاِنقَطَعَ أَيَامًا حَنَّ إِلَى وَطَنِهِ، مَعَ أَنَّ وَطَنَهُ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ جَمَالَاً مِنَ البَلَدِ التِي سَافَرَ إِلَيهَا.
اِعْتَلَّ سَابُورُ ذُو الأَكْتَافِ وَكَانَ أَسِيرًا بِبِلَادِ الرُّومِ، فَقَالَتْ لَهُ بِنْتُ الـمَلِكِ: مَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: شَرْبَةٌ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ، وَشَمَّةٌ مِنْ تُرَابِ اِصْطَخْر، فَأَتَتْهُ بَعْدَ أَيَامٍ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ وَقَبْضَةٍ مِنْ تُرَابٍ، وَقَالَتْ لَهُ: هَذَا مِنْ مَاءِ دِجْلَة َوَهَذِهِ مِنْ تُرْبَةِ أَرْضِكَ، فَشِرَبَ وَاِشْتَمَّ بِالوَهْمِ فَنَفَعَهُ مِنْ عِلَّتِهِ:
بِلَادٌ أَلِفْنَاهَا عَلَى كُلِّ حَالَةٍ ***وَقَدْ يُؤْلَفُ الشَيءُ الذِي لَيْسَ بِالحَسَنْ
وَنَسْتَعْذِبُ الأَرْضَ التِي لَا هَوَا بِهَا ***وَلَا مَاؤُهَا عَذْبٌ وَلَكِنَّهَا وَطَنْ
وَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُ الإِنْسَانِ مَعَ وَطَنِهِ، فَإِنَّ لَنَا وَطَنًا فَارَقْنَاهُ وَلَمْ نَرَهُ، وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُرِيَنَا ِإيَاهُ، إِنَّهَ الجَنَّةُ: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَويكُمْ مِنَ الجَنَّةِ}..
وَإِنْ ضَاقَتْ الدُّنْيَا عَلَيكَ بِأَسْرِهَا ***وَلَمْ يَكُ فِيهَا مَنْزِلٌ لَكَ يُعْلَمُ
فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا ***مَنَازِلُنَا الأُولَى وَفِيهَا الـمُخَيَمُ
وَلَكِنَّنَا سَبْيُ العَدُوِ فَهَلْ تَرَى *** نَعُودُ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلِّمُ
فَالَّلُهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَنَازِلَ الأَبْرَارِ فِي أَعَالِي الجِنَانِ، وَنَسْأَلُكَ الفِرْدَوسَ الأَعْلَى مِنَ الجَنَّةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيْ كُلِّ وَقْتٍ وَحِيْنٍ، وَأَكْثِرُوا مِنْهَ فِي هَذَا اليَومِ الجُمُعَةِ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالـمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِرْكَ والـمُشْرِكِيْنَ، وَاِحْمِ حَوْزَةَ الدِّيْنِ، وَاِجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنَّاً وَسَائِرَ بِلَادِ الـمُسْلِمِيِنَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا، وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاِجْعَلْ وَلَايَتَناَ فِي مَنْ خَافَكَ وَاِتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُسْلِميْنَ وَالـمُسْلِمَاتِ، وَالـمُؤْمِنيْنَ والـمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدَعَواتِ.
عِبَادَ اللهِ.. إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى، وَيَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ وَالـمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1690986483_بين السفر والسياحة 17-1-1445.docx
1690986484_بين السفر والسياحة 17-1-1445.pdf