بينكم مودة ورحمة
عبدالعزيز بن محمد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
· (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
· (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
· (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيُّها المُسْلِمُون: تُشَيَّدُ بُيُوْتٌ، وَتُبْنَى مَنَازِلُ، وَتُعْمَرُ دُوْر {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} سَكَناً.. تَسْكُنُ فِيْهَا النُّفُوْسُ وَتَطْمَئِنّ، وَتَأَوِيْ إِلَيْهَا الأَجْسَادُ وَتَرْتَاح. مَسَاكِنُ تَتَرَبَّى فيها أُسَرٌ، وَيَتَرَعْرَعُ فيها رِجالٌ، ويُصْنَعُ فيها أَجْيَال. مَسَاكِنُ.. تُسْتَرُ فِيْهَا أَسْرَارٌ، وَتُحْفَظُ فيها أمْوَالٌ، وَتُحْمَي فيها حُرُمات. وَلَيْسَ لِلنُّفُوْسِ سَكِيْنَةٌ مَا لَمْ تَكُنْ المَسَاكِنُ بِالتُّقَى عَامِرَة.
ولا تَطِيْبُ المساكِنُ إلا بِطِيْبِ سَاكِنِيْها. يَطِيْبُ الزوجانِ حِيْنَ يَهْتَدِيَانِ بِهَدْيِ القُرْآنِ، ويَأَتَلِفانِ حِيْنَ على البِرِّ والمَعْرُوفِ يسْتَقِيْمانِ. تُرَفْرِفُ السعادةُ بَيْنَهُما، هُما لِبَعْضِهِمَا سَكَنٌ وهُما لِبَعْضِهِما سِكِينةٌ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
وَالحياةُ الزَّوْجِيَّةُ والآصِرةُ الأُسْرِيَّةُ مِنْ أَقْوَى الرَّوَابطِ وأَمْتَنِهَا، أُقِيْمَتْ عَلَى أَصْدَقِ عَهْدٍ، وَأُنْشِئَتْ عَلَى أَغْلَظِ مِيْثَاقٍ {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} حياةٌ زوجيةٌ أَقَامَ نِظَامَها شَرْعُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِيْن، لِتَبْقَى عَلَى أَكْرَمِ حَالٍ، وَأَطْيَبِ عَيْشٍ، وأحْسَنِ مُنقلَب. {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}
حَيَاةٌ زَوْجِيَّةٌ هِيَ نَوَاةٌ لِشَجَرةٍ تَمْتَدُّ غُصُوْنُها، وَتَتَشَعَّبُ فُرُوُعُها، وَتَتَجَذَّرُ عُرُوقُها، وتَحْلُو تَمَرَتُها ويَطِيْبُ ظِلالُها. حَيَاةٌ زوجيةٌ رُسِمَتْ مَعَالِمُ العَلاقةِ فِيْها وُفْقَ شَرِيْعَةٍ رَبَّانِيَّةٍ. وفُصِّلَتْ فِيْهَا الحُقُوْقُ وُفْقَ حِكمةٍ إلهية، بُيِّنَتْ فيها الحُدُودُ وجُلِّيَتْ فيها الوَاجِبَات. الحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ طُمَأَنِيْنَةٌ لِلزَّوْجَيْنِ، وَفِطْرةٌ لِلجِنْسَيْن، فلا يَزْهَدُ في الزَّوَاجِ مِنَ الجِنْسَيْنِ مَعَ القُدرةِ عليه سِوِي، ولا يَتَوَرَّعُ عَنْهُ مِنَ المُتَنَسِّكِيْنَ فقيه، خَيرُ البَرِيَّةِ قالها: (أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي) متفق عليه قَوَّمَ الإسْلامُ العَلاقَةَ الزَّوْجِيَّةَ وَهَذَّبَها، أَرْشَدَ الزَّوْجَيْنِ إِلى ما فيهِ صَلاحُ أَمْرِهِما، فأَمَرَهُما بِحسْنِ العِشْرَةِ، وصِدْقِ المَوَدَّةِ، وكَرِيْمِ الإِحسانِ، والتَواصُلِ بالمعَرْوف {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
حَمَى الإِسْلامُ حُقُوْقَ الزَّوْجَيْنِ فَأَعْطَى لِكُلِّ ذِيْ حَقٍّ حَقَه، فَلا تَجاوُزَ ولا اعْتِداءَ، ولا ظُلْمَ ولا جَوْر، يَحْفَظُ كُلٌ مِنْهُما لِصَاحِبِه الحَقَّ الذي وَهَبَهُ اللهُ لَه. يُقَابِلُ كُلٌّ مِنْهُما صَاحِبَهُ بِأَكْرَمِ الوَفاءِ وأَصْدَقِ الإِحْسان. وأَكْمَلِ المَوَدَّةِ وأَتَمِّ الرَّحْمَة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}
(العَلاقَةُ الزَّوْجِيَةُ) رُكْنٌ مِنْ أَرْكانِ الحَياةِ البَشَرِيَّةِ، فِطْرَةٌ مِنْ أَعْمَقِ الفِطَرِ السَّوِيَّة. بِطِيْبِ تْلكَ العَلاقَةِ تَطِيْبُ حَياةِ الزَّوْجَيْن، وبِنَكدِها تَفْسُدُ مَلَذَّاتِ الحَياةِ.
تُحْمَى الحَياةُ الزَّوْجِيَّةُ أَبْلَغُ حِمايَة، فَلا يُكْفأُ وِعاؤُها أَمامَ أَيِّ خِلافٍ، ولا يُهْدَرُ قَدْرُها أَمامَ أَدْنَى رَغْبَة.
كُلُّ مَتَاعٍ وَزُخْرُفٍ في الحَياةِ سَرِيْعٌ أُفُولُه، َلَكِنَّما الحَياةُ الزَّوْجِيَّةُ سَقْفٌ يَمْتَدّ، ورُكْنٌّ يَشْتَدّ، وذُخْرٌ بِهِ المرءُ ــ بَعْدَ اللهِ ــ يَعْتَد. (الحَياةُ الزَّوْجِيَّةُ) مِنْ أَثْمَنِ المَكاسِبِ، ومِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ. ومُسارَعُةُ الزَّوْجِ إِلى إِيْقاعِ الطَلاقِ عِنْدَ أَدْنَى سَبَب. أَو مُطَالَبَةُ الزَوْجَةِ لِزَوْجَها بالفِراقِ عِنْدَ أَدْنَى طَلَب. جُرأَةٌ لا يَبْتَدِرُ إِليْها مَنْ لَهُ عَقْلٌ رَشِيد.
قَرارُ التَّعَجُّلِ بِإِيقَاعِ الفِرَاقِ مِنْ أَخْطَرِ القَرارَاتِ، يَجُرُّ على صَاحِبِه أَشَدَّ وأَقْسَى الحَسَرات. وَلَرُبَّمَا تُتَجَرَّعُ الحَسَرَاتُ بَعْدَ عُقُوْدٍ مِنَ الزَّمَنْ.
الخِلافَاتُ الزَّوْجِيَّةُ لَنْ يَخْلُوَ مِنها بيتٌ، كما الأجسادُ تَنْتابُها العِلَلُ، وعِلاجُ الخلافاتِ الزَّوْجِيَّةِ كَعِلاجِ الأَمْرَاضِ الجَسَدِيَّةِ، تُدَاوىَ بما يُصلِحُها، ولا يُلْجَأُ إلى استئصَالِ العُضْوِ المُصابِ إِلا حِيْنَ لا يُرْجَى شِفاؤُه. وَكما أَنَّ اللهَ شَرَعَ الزَواجَ لِحِكْمَةٍ، فَقَدْ شَرَعَ الطَلاقَ لِحِكْمَةٍ، {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} وما أَدْرَكَ نُبْلَ العَواقِبِ إِلا مَنْ رَكِبَ مَرْكَبَ الصَّبْرِ. ومَنْ اسْتَسَاغَ مَرارَة الدَّواءِ لَبِسَ ثَوبَ العَافيَة، ومَنْ تَجاوزَ عَنْ يَسِيرِ الهَفَواتِ تَخَطَى أَشْواكَ الأَلَم. ومَنْ دَفَعَ أَشَدَّ الضَرَرَيْنِ بِأَدْنَاهُما نالَ مِنَ الخَيْرَيْنِ أَعلاهُما، ومَنْ اسْتَوْصَى بامرأَتِهِ خَيْراً نَالَ خَيْراً. ومَنْ طَمِعَ في الكَمالِ لَمْ يَنَلْ هَناءَ العَيْش. وفي الحَدِيْثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ) مُتَفَقُ عليه وفي روايَةٍ لِمسْلِمٍ (وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا) ومَنْ رَعَتْ حَقَّ اللهِ في زَوْجِها آثَرَها اللهُ. ومَنْ رَعَى حَقَّ اللهِ في زَوْجَتِهِ أَكْرَمَهُ الله.
عِبادَ الله: وَفِيْ زَمَنِ سَطْوَةِ الإِعْلامِ وَشَرَاسَةِ هَجْمَتِهِ، وفي زَمَنِ اتِّساعِ دَائِرَةِ تأَثِيْرِ بَعْضِ وَسائِل التَواصُلِ وانْتِكاسِ بَعْضِ سَدَنَتِها. تَصَدَّرَ للرأَيِ مَنْ قَلَّ قَدْرُه، وتَوَجَّهَ للتَوْجِيْهِ مَنْ جُهِلَ أَمْرُه، وأَظْهَرَ المَشَورَةَ مَنْ فَقَدَ مِقْوَدَها، خَاضُوا غِمارَ بَحْرٍ لا يُحسِنُونَ الوُقُوقَ على شاطِئِه. وحَلَّقُوَا بِطائِرَةٍ لا يُتْقِنُونَ هُبُوطَها. فَشَتَّتُوا حَياةَ أَزْواجٍ، ومَزَّقُوا أَوْصالَ أُسَرٍ، أَحْدَثُوا في البُيُوتِ آلاماً، وأَوْقَعُوا فِيها جِراحاً، وأَحَلُّوا بِها مُصابا. لَمْ يَرْدَعْهُم عَنِ التَّخْبِيْبِ خَوفٌ، ولَمْ يَحْجِبهُم عَنْهُ وَرَعٌ، ولَمْ يَعْصِمْهُم عَنْهُ إِيْمانٌ ولَمْ تُهذِّبْ أَخْلاقَهُم تَقْوَى. تَخْبِيْبٌ بَينَ أَزْواجٍ أَمَرَ اللهُ أَنْ يُسْعَى بالإِصلاحِ بَيْنَهُما {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}
تَخْبِيْبٌ بالتَّصْرِيحِ تارَةً، وبالتَّعْرِيْضِ تَارَة. بِتَحْقِيْرٍ قِوامَةِ الرَّجُلِ تَارَة، وبِازْدِراءِ مكانَتِه في الأُسْرَةِ تَارَة. تَسْفِيْهٌ لدَرَجَتِهِ التي أَنْزَلَهُا للهُ إِياها، حَتَى لَمْ يَكُن لَهُ في مَقامِ القِوامَةِ مَقام {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}
تَخْبِيْبٌ باسْمِ النُّصْحِ والإِصْلاح {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ} بارك الله لي ولكم..
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون
أيها المسلمون: الحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ فِطرةٌ وشَرِيعة {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} وَإِنَّ أَفْهاماً تُصَادِمُ هذهِ الفِطْرَةَ وتَسُنُّ العَقَباتِ أَمامَ تَيْسِيْرها.
وإِنَّ أَقْلاماً تَنْشُرُ الشُّبُهاتِ أَمامَ مَكانَةِ الحَياةِ الزَّوْجِيَّةِ وأَمامَ تَوْقِيْرها. وإِنَّ أَصْواتاً تَصِفُ الحَياةَ الزَّوْجِيَةَ بأَوْصافٍ تُزَهِّدُ الزَّوْجَيْنِ بها. لَـهِيَ أَصْواتٌ حُجِبَ عَنْها نُورُ الوَحِيِ، ولَهِيَ أَقلامٌ مِدادُها مِنْ وَحِيِّ الشَّياطِيْن، تُعَارِضُ أَمْرَ اللهِ لِعِبادِه {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
أَمْرٌ بالإِعانَةِ على تَزْوِيْجِ الأَيامَى. والأَيامَى كُلُّ امْرأَةٍ لا زَوْجَ لَها، وكلُّ رَجُلٍ لا زَوْجَةَ لَه. أَمَرَ اللهُ بإِعانَتِهِم على الزَّواجِ، لِما فيهِ لَهم مِنْ مَصالحَ في الدُّنْيا والدِّيْن. ثُمَّ أَعْقَبَ هذا الأَمْرَ بالبُشرَى والتَّطْمِيْنِ {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
إِنَّ الزَّواجَ عِبادَةٌ.. تُحْمَى بِهِ العِفَّةُ، ويُصانُ بِهِ العِرْضُ، ويُحْفَظُ بِهِ الفَرْجُ، ويُغَضُّ بِهِ البَصَرُ، ويُوهُبُ بِهِ الوَلَدُ، وتُرَفْرِفُ بِهِ زِيْنَةُ الحَياةِ. فَبُعْداً لِقَومٍ لا يَعْقِلُون {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}
ومَنْ أَدْرَكَ شَرَفَ هذهِ الحَياةِ الزَّوْجِيَّةِ، أَرْخَصَ كُلَّ عَارِضٍ مِنْ زِيْنَةِ الحَياةِ قَدْ يُفْسِدُها، مَنْ أَدْرَكَ قِيْمَةَ الحَياةِ الزَّوْجِيَةِ، فَداها بِكُلِ مَا دُونَها.
وما أَفْسَدَ الحَياةَ الزَّوْجِيَّةَ وما أَوُهَنَ وِثَاقَها، وما شَتَّتَ كَثِيْراً مِن الأُسَرِ وما عَجَّلَ فِراقَها، مِثْلُ شَغَفِ المَرأَةِ بِطَلَبِ الوَظِيفَةِ والمالِ في أَماكنَ تَخْتَلِطُ فيها بالرِّجالِ. سُلُوكٌ يأَبَى الأَبِيُّ مِن الأَزْواجِ أَنْ يقْبَلِ بِه. وتَأَبَى الكَرِيْمَةُ من النِساءِ أَنْ تُقْدِمَ عَلِيْه. وإن تَصْوِيْرَ الزَّواجِ بأنه مُتْعَةٌ مجردةٌ، وأَنَّ هَذِهِ المتْعَةَ يُمكِنُ للفتاةِ أن تستغني عنها إذا تعارَضَتْ مَعَ مُتَعٍ أُخرى في الحياةٍ المعاصِرةِ، مِن حُرِّيَّةٍ وَانْفِلاتٍ وَسِيَاحَةٍ وَوَظِيْفَةٍ وَعَمَل. إِنَّ ذَلِكَ تَصْوِيرٌ مُضَلِّلٌ عَاقِبَتُهُ النَّدَم.
وَلَئِنِ اسْتَنْكَفَ الشَّابُ وَالفَتَاةُ عَنِ الزَّوَاجِ في رَيْعَانِ شَبَابِهما، ثمَّ خَاضُوْا غِمارَ الحَياةِ فُرادى، فَلَسَوْفَ تَرْسُو بهما رِيَاحُ الهوى عَلى شواطئِ الحَسَرَاتِ.
حين تُوَلِّيْ عنهما نَضَارَةُ الشبابِ، وتَحِلُّ بهما عوامِلُ التعريةِ، وَيَبِيْنُ فيهما الضعفُ، وَتَظْهُرُ فيهما الحاجةُ. تُدْرِكُ الفَتاةُ أَنَّها كَانَتْ تَسِيْرُ خَلفَ سَرَابٍ خَادِع.
تَقَدَّمَت بها السنينُ، فَلَم ترَ حولَها ولداً يُوَاسِيْها، ولا زوجاً يُسَلِّيْها، ولا أُسرةً تَحُفُّ بِها. بِيْعَ هذا كُلَّهُ بثمنٍ بَخْسٍ أيامَ زَهْرَةِ الشَّبابِ في مَزادِ المَاكِرين.
اللهم ألِّفْ بينَ قلوبِ عبادِك المسلمين، واكفهم شر الفتن..
المرفقات
1727408339_وجعل بينكم مودة ورحمة 24ـ 3ـ 1446هـ.docx
منصور بن هادي
جزاك الله خير الجزاء
تعديل التعليق