بيتٌ مُطمئنٌ
عنان عنان
1435/12/22 - 2014/10/16 20:23PM
( بيتٌ مطمئنٌ )
( الخطبةُ الاولى )
فأمَّا بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فَمنِ اتقى اللهَ، وقاهُ، وأكرمَهُ بالسعادةِ وأولاهُ، ومَنْ أعرضَ عَنْ طَاعتهِ، خَسِرَ دُنياهُ وأُخْراهُ،
قَالَ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً( [الأحزاب: 70-71].
وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ وَلَكِـنَّ التَّقِـيَّ هُوَ السَّـعِيدُ
عِبادَ اللهِ: جعلَ الاسلامُ إقامةَ البيتِ على هدى ورحمةٍ وسعادةٍ، يَجدُ فيهِ الزوجُ والزوجةُ والاولادُ، الراحةَ والاطمئنانَ والسعادةَ، يَجدونَ فيهِ الحُبَّ والعِطفَ والتسامحَ والمؤدةَ والُفةَ والرحمةَ والوئامَ، والبيوتُ المطمئنةُ، هيَ مِنْ أياتِ اللهِ العجيبةِ، وذكرى للعقولِ الرزينة،
)وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( [الروم:21].
عِبادَ اللهِ: إنَّ البيتَ المُسلمَ، أمانةٌ في عُنقِ الزوجينِ، فإنِ إستقاما على منهجِ اللهِ قولاً وعملاً، وراقبا اللهَ في السرِ والعلنِ، وتزينا بِجمال التقوى ظاهراً وباطنا، كانَ هذا البيتُ، بيتاً مُطمئناً، مليئاً بالسعادةِ والحُبِّ والرحمةِ، وتَدخلُهُ الملائكةُ، وتفرحُ بِدخولهِ، أمَّا إنْ خلا البيتِ مِنْ تقوى الله، ومراقبةِ اللهِ في السرِ والعلن، فعندها سيكونُ البيتُ، بيتاً مَليئاً بالهمِّ والغمِّ والمشاكلِ، ويسكُنُهُ الشياطينُ، ويعبثونَ فيهِ فَساداً.
فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ r : «أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
عِبادَ اللهِ: مِنْ حياةِ البيتِ المسلمِ المُطمئنِّ وسعادتهِ ولّذَّتهِ، أنْ يُردَّ أمرُهُ إلى اللهِ ورسولِهِ، عندَ كُلِّ خِلافٍ، وفي كُلِّ أمرٍ صغيرٍ أو كبيرٍ، وَكُلٌ ما فيهِ يرضى ويُسَّلِمُ لأمرِ اللهِ ورسولِهِ، ) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً( [الأحزاب:36]،
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ وسَعادتِهِ ولَذَّتِهِ، ذِكرُ اللهِ، وقِراءةُ القرءانِ في البيتِ، وَتَنويرِها بالتسبيحِ والتهليلِ،
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ( [ الرعد: 28].
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ:«لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]،
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ : الْبَيْتُ إذَا تُلِيَ فِيهِ كِتَابُ اللَّهِ اتَّسَعَ بِأَهْلِهِ وَكَثُرَ خَيْرُهُ وَحَضَرَتْهُ الْمَلَائِكَةُ ، وَخَرَجَتْ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ ، وَالْبَيْتُ الَّذِي لَمْ يُتْلَ فِيهِ كِتَابُ اللَّهِ ضَاقَ بِأَهْلِهِ ، وَقَلَّ خَيْرُهُ وَتَنَكَّبَتْ عَنْهُ الْمَلَائِكَةُ وَحَضَرَهُ الشَّيَاطِينُ . {مصنف بن أبي شيبة}
وعن عَنْ اللهِ بِنِ مسعودٍ قَالَ: الْبَيْتُ الَّذِي لَا يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ كَمَثَلِ الْبَيْتِ الْخَرِبِ الَّذِي لَا عَامِرَ لَهُ . {مصنف بن أبي شيبة}.
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، الصلاةُ فيهِ، الزوجُ والاولادُ يُصلونَ صلاةَ النَّافلةَ فيهِ، والزوجةُ والبناتُ، يُصلونَ الفريضةَ والنَّافلةَ فيه،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ: «اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ t قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ]،
فهذهِ الاحاديثُ تَدلُّ على مشروعيةِ الصلاةِ بالبيتِ وإحياءِها، وتَنويرِها بالذكرِ والتسبيحِ والتهليلِ،
وإذا خَلتْ البيوتُ مِنْ ذِكرِ اللهِ وقِراءةِ القرءانِ، صارتْ قُبوراً مُوحشةً، وإنْ كانتْ قُصوراً مُشيدةً، وصارت سَكَناً ومَرتعاً لِشياطينِ، سُكانُها موتى القلوبِ، وإنْ كانوا أحياءَ الاجسادِ،
وَأَرْوَاحُهُمْ فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِهِمْ وَأَجْسَادُهُمْ قَبْلَ الْقُبُورِ قُبُورُ
ومِنْ حياةِ البيتِ المسلمِ المطمئنِّ، حَصانةُ الفِطرةِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ {اخرجه مسلم}.
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، تعاونُ الافرادُ على الطاعةِ والعبادةِ، فإذا ضَعِفَ إيمانُ الزوجِ، تُقويهُ الزوجةُ، وإذا ضَعِفَ إيمانُ الزوجةِ، يُقويهُ الزوج، تعاضدٌ وتكاملٌ وتناصرٌ،
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ rيُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا أَوْتَرَ قَالَ: قُومِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِr: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ].
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، أنْ يُعلِّمَ الرجلُ زوجتَهُ وأولادَهُ القرءانَ، فما أجملَ أنْ يقرأ الرجلُ على زوجتهِ وأولادهِ القرءانَ، ويُعلِّمَهُم معانيّهُ،
ما أجملَ أنْ يُحفِّظَ الرجلُ زوجتَه وأولادَهُ القرءانَ، أنء يَجعلَ لهم حوافزَ وجوائزَ، فمثلاً يقولُ لهمْ: إن حفظتمْ جُزءّ كذا، لكمْ جائزةُ كَذا،
ما أجملَ أنْ يُعلِّمَ الرجلُ زوجتَهُ وأولادَهُ، فقهَ الطهارةِ واحكامَ الصلاةِ، ومسائلَ الحَلالِ والحرامِ،
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ( [التحريم:6]، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: «حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُعَلِّمَ أَهْلَهُ».
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، الحياءُ، فما أجملَ أنْ يَزرعَ الرجلُ الحياءَ والحِشمةَ في قلوبِ زوجتهِ وبناتهِ وأبنائهِ، فلا يَليقُ بالرجلِ المُسلمِ، أنْ يُدَخِلَ على بيتهِ، ما يخَدِشُ ويَهتِكُ سِترَ الحياءِ، كالاغاني الماجنةِ، والافلامِ الخَليعةِ، والمسلسلاتِ الفاضحةِ المُهتكةِ لِلِحياءِ،
قالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً ، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " {اخرجه البخاري ومُسلمٌ}.
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، أنَّ أسرارَهُ محفوظةٌ، وَخِلافَتهِ مَستنورةٌ، لا تُفشى، ولا تُستقصى،
فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
ومنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، التعاونُ في شؤونِ البيتِ، فما أجملَ أنْ يتعاونَ الرجلُ مع زوجتهِ وأبنائهِ على شُغُلِ المنزلِ، وليسَ فيها عيبٌ، بأنْ يقومَ الرجلُ بِخدمةِ زوجتهِ، ومساعدتِها في شؤونِ البيتِ، فهذا مما يؤدي إلى الحُبِّ والموءدةِ والوئامِ بينَ الزوجينِ، ولنا في أعمالِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أُسوةٌ حَسنةٌ، فَحِينَ سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ أَجَابَتْ:«كَانَ بَشَرًا مِنْ الْبَشَرِ يَفْلِي [أَيْ: يُنْقِي] ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ]، وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ].
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، بسيطٌ في كُلِّ جوانبهِ وماديتهِ، بعيدٌ عَنِ الاسرافِ في المأكلِ والمشربِ
.قال تعالى : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، أنْ يحيا الرجلُ زوجتَهُ وأولادَهُ، حياةً طيبةً هنيئةً كريمةً، فلا يَبخلُ عليهم، فإنَّ هذه الصِفةَ مذمومةٌ في الرجلِ،
وليعلمْ الرجلُ، أنَّ أفضلَ الدينارِ الذي يُنفقهُ، دينارٌ يُنفقهُ على أهلهِ.
بارك الله لي ولكمْ في القرءانِ العظيمِ، ونفعني اللهُ واياكمْ بما فيهِ مِنَ الاياتِ والذِكرِ الحكيمِ، اقولو قولي هذا واستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليهِ، إنَّهُ هو التوابُ الرحيمُ.
( الخطبةُ الثانية )
أمَّا بعد فاتقوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وعمروا بُيوتَكم بطاعةِ الرحمنِ، وطهروها مِنْ نَزغاتِ الشيطانِ، تُفلحوا في دُنياكم وأُخراكم، وترضوا بذلك مولاكم،
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ( [التوبة: 119].
ومِنِْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المطمئنِّ، يقومُ عل قواعدٍ ثابتةٍ في السكينةِ والرحمةِ والموءدةِ والهدوءِ، بعيدٌ عَنِ الضَوضاءِ ورفعِ الاصواتِ، شِعارُهُ قولُ اللهِ تعالى: {واغضُضْ مِنْ صوتِك إنَّ أنكرَ الاصواتِ لَصوتُ الحميرِ}.
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المطمئنِ، أنْ يعلمَ الرجلُ أنَّ لِزوجتهِ عليهِ حقاً، وهيَ كذلكَ، ومِنْ هذه الحقوقِ، العِشرةُ بالمعروفِ،
قالَ تعالى: {وعاشروهنَّ بالمعروفِ}، أنْ يتكلمَ معها بأجملَ العباراتِ المؤثرةِ اللطيفةِ اللينةِ، التي تَنسجُ الحُبَّ والموءدةَ والرحمةَ، أنْ يتزينْ لها كما يطلُبُ منها تتزينُ لهُ،
قالَ ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما: {كُنتُ أتزينُ لِزوجتي كما كانتْ تتزينُ لي}
وقال صلى الله عليه وسلم : « أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خيارهم لنساءهم »[رواه الترمذي وقال حسن صحيح].
ومِنْ حياةِ البيتِ المُطمئنِّ: التجاوزُ عَنِ العيوبِ، فلا احدَ على وجهِ الكونِ مُكملٌ، فالكمالُ لله سبحانه وتعالى، فكلُّنا عندنا عيوب، وما منا احدٌ يخلو مِنَ العيوب، فإنْ كَرِهتَ مِنْ زوجتك شيئاً، ارضى عنها بشيءٍ آخرَ،
قال صلى الله عليه وسلم ( لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ) رواه مسلم ومعنى لا يفرَكْ اي لا يبغضُ مؤمنٌ مؤمنةً.
عِبادَ اللهِ: في ظِلِّ هذه المعاني، يقومُ البيتُ المسلمُ المُطمئنُّ السعيدُ، عامراً بِذكرِ اللهِ والصلاةِ والقرءانِ، منورٍ بالتسبيحِ والتهليلِ والشُكرِ والتحميدِ،
تُظللهُ المحبةُ والوئامُ، وتنشأُ الذريةُ الصالحةُ، فتكونُ قُرةَ عينٍ للوالدينِ، ومصدرَ خيرٍ لهما في الدنيا والاخرةِ، وهذا هو جزاءُ العملِ الصالحِ في الدنيا،
.قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[النحل:97]
عِبادَ اللهِ: إنَّ السعادةَ في الدنيا، لا تتحققُ بتوفرِ المسكنِ الفاخرِ، والاثاتِ الفاخرةِ، والالبسةِ الثمينةِ، إنَّما السعادةُ تتحققٌ بتقوى الله، ومراقبتهِ في السرِ والعلنِ، وأنْ يَنظرَ كُلاً مِنَ الزوجينِ على الزواجِ، على أنَّهُ عِبادةٌ، يتقربُ بِها إلى الله، ويؤدُّها بإتقانٍ وإخلاصٍ.
عبِادَ اللهِ: إنَّ البيتَ الذي لا يُغرسُ فيهِ مبادئَ الايمانِ، ولا يستقيمُ على منهجِ القرءانِ، لا تَعيشُهُ المحبةُ والوئامُ،
البيتُ الذي لا يَستقيمُ على إنضباطِ الدين، لا يسكُنُهُ عقلٌ رَزينٌ،
اللهمَّ أصلح بيوتَنا وأزواجَنَا وذرياتَنا وشبابَنا وبناتَنا وجميعِ المسلمينَ
اللهمَّ أنزلْ على بيوتِ المسلمينَ الهُدى والنورَ، واعصمها مِنَ البلايا والشرورِ،
ربنا هبْ لنا مِنْ أزواجنا وذرياتنا قُرةَ أعينٍ واجعلنا للمتقينَ إماماً
اللهمَّ وفقنا لِطاعتك وطاعةِ نبيك محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وطاعةِ مَنْ أمرتنا بِطاعتهٍ عملاً بِقولكَ: {يايها الذينَ امنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي الامرِ مِنكمْ}
وصلِّ اللهمَّ وبارك على سيدنا مُحمدٍ وعلى آلهِ واصحابهِ أجمعينَ."
( الخطبةُ الاولى )
فأمَّا بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فَمنِ اتقى اللهَ، وقاهُ، وأكرمَهُ بالسعادةِ وأولاهُ، ومَنْ أعرضَ عَنْ طَاعتهِ، خَسِرَ دُنياهُ وأُخْراهُ،
قَالَ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً( [الأحزاب: 70-71].
وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ وَلَكِـنَّ التَّقِـيَّ هُوَ السَّـعِيدُ
عِبادَ اللهِ: جعلَ الاسلامُ إقامةَ البيتِ على هدى ورحمةٍ وسعادةٍ، يَجدُ فيهِ الزوجُ والزوجةُ والاولادُ، الراحةَ والاطمئنانَ والسعادةَ، يَجدونَ فيهِ الحُبَّ والعِطفَ والتسامحَ والمؤدةَ والُفةَ والرحمةَ والوئامَ، والبيوتُ المطمئنةُ، هيَ مِنْ أياتِ اللهِ العجيبةِ، وذكرى للعقولِ الرزينة،
)وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( [الروم:21].
عِبادَ اللهِ: إنَّ البيتَ المُسلمَ، أمانةٌ في عُنقِ الزوجينِ، فإنِ إستقاما على منهجِ اللهِ قولاً وعملاً، وراقبا اللهَ في السرِ والعلنِ، وتزينا بِجمال التقوى ظاهراً وباطنا، كانَ هذا البيتُ، بيتاً مُطمئناً، مليئاً بالسعادةِ والحُبِّ والرحمةِ، وتَدخلُهُ الملائكةُ، وتفرحُ بِدخولهِ، أمَّا إنْ خلا البيتِ مِنْ تقوى الله، ومراقبةِ اللهِ في السرِ والعلن، فعندها سيكونُ البيتُ، بيتاً مَليئاً بالهمِّ والغمِّ والمشاكلِ، ويسكُنُهُ الشياطينُ، ويعبثونَ فيهِ فَساداً.
فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ r : «أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
عِبادَ اللهِ: مِنْ حياةِ البيتِ المسلمِ المُطمئنِّ وسعادتهِ ولّذَّتهِ، أنْ يُردَّ أمرُهُ إلى اللهِ ورسولِهِ، عندَ كُلِّ خِلافٍ، وفي كُلِّ أمرٍ صغيرٍ أو كبيرٍ، وَكُلٌ ما فيهِ يرضى ويُسَّلِمُ لأمرِ اللهِ ورسولِهِ، ) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً( [الأحزاب:36]،
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ وسَعادتِهِ ولَذَّتِهِ، ذِكرُ اللهِ، وقِراءةُ القرءانِ في البيتِ، وَتَنويرِها بالتسبيحِ والتهليلِ،
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ( [ الرعد: 28].
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ:«لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]،
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ : الْبَيْتُ إذَا تُلِيَ فِيهِ كِتَابُ اللَّهِ اتَّسَعَ بِأَهْلِهِ وَكَثُرَ خَيْرُهُ وَحَضَرَتْهُ الْمَلَائِكَةُ ، وَخَرَجَتْ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ ، وَالْبَيْتُ الَّذِي لَمْ يُتْلَ فِيهِ كِتَابُ اللَّهِ ضَاقَ بِأَهْلِهِ ، وَقَلَّ خَيْرُهُ وَتَنَكَّبَتْ عَنْهُ الْمَلَائِكَةُ وَحَضَرَهُ الشَّيَاطِينُ . {مصنف بن أبي شيبة}
وعن عَنْ اللهِ بِنِ مسعودٍ قَالَ: الْبَيْتُ الَّذِي لَا يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ كَمَثَلِ الْبَيْتِ الْخَرِبِ الَّذِي لَا عَامِرَ لَهُ . {مصنف بن أبي شيبة}.
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، الصلاةُ فيهِ، الزوجُ والاولادُ يُصلونَ صلاةَ النَّافلةَ فيهِ، والزوجةُ والبناتُ، يُصلونَ الفريضةَ والنَّافلةَ فيه،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ: «اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ t قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ]،
فهذهِ الاحاديثُ تَدلُّ على مشروعيةِ الصلاةِ بالبيتِ وإحياءِها، وتَنويرِها بالذكرِ والتسبيحِ والتهليلِ،
وإذا خَلتْ البيوتُ مِنْ ذِكرِ اللهِ وقِراءةِ القرءانِ، صارتْ قُبوراً مُوحشةً، وإنْ كانتْ قُصوراً مُشيدةً، وصارت سَكَناً ومَرتعاً لِشياطينِ، سُكانُها موتى القلوبِ، وإنْ كانوا أحياءَ الاجسادِ،
وَأَرْوَاحُهُمْ فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِهِمْ وَأَجْسَادُهُمْ قَبْلَ الْقُبُورِ قُبُورُ
ومِنْ حياةِ البيتِ المسلمِ المطمئنِّ، حَصانةُ الفِطرةِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ {اخرجه مسلم}.
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، تعاونُ الافرادُ على الطاعةِ والعبادةِ، فإذا ضَعِفَ إيمانُ الزوجِ، تُقويهُ الزوجةُ، وإذا ضَعِفَ إيمانُ الزوجةِ، يُقويهُ الزوج، تعاضدٌ وتكاملٌ وتناصرٌ،
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ rيُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا أَوْتَرَ قَالَ: قُومِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِr: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ].
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، أنْ يُعلِّمَ الرجلُ زوجتَهُ وأولادَهُ القرءانَ، فما أجملَ أنْ يقرأ الرجلُ على زوجتهِ وأولادهِ القرءانَ، ويُعلِّمَهُم معانيّهُ،
ما أجملَ أنْ يُحفِّظَ الرجلُ زوجتَه وأولادَهُ القرءانَ، أنء يَجعلَ لهم حوافزَ وجوائزَ، فمثلاً يقولُ لهمْ: إن حفظتمْ جُزءّ كذا، لكمْ جائزةُ كَذا،
ما أجملَ أنْ يُعلِّمَ الرجلُ زوجتَهُ وأولادَهُ، فقهَ الطهارةِ واحكامَ الصلاةِ، ومسائلَ الحَلالِ والحرامِ،
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ( [التحريم:6]، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: «حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُعَلِّمَ أَهْلَهُ».
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، الحياءُ، فما أجملَ أنْ يَزرعَ الرجلُ الحياءَ والحِشمةَ في قلوبِ زوجتهِ وبناتهِ وأبنائهِ، فلا يَليقُ بالرجلِ المُسلمِ، أنْ يُدَخِلَ على بيتهِ، ما يخَدِشُ ويَهتِكُ سِترَ الحياءِ، كالاغاني الماجنةِ، والافلامِ الخَليعةِ، والمسلسلاتِ الفاضحةِ المُهتكةِ لِلِحياءِ،
قالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً ، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " {اخرجه البخاري ومُسلمٌ}.
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، أنَّ أسرارَهُ محفوظةٌ، وَخِلافَتهِ مَستنورةٌ، لا تُفشى، ولا تُستقصى،
فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
ومنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، التعاونُ في شؤونِ البيتِ، فما أجملَ أنْ يتعاونَ الرجلُ مع زوجتهِ وأبنائهِ على شُغُلِ المنزلِ، وليسَ فيها عيبٌ، بأنْ يقومَ الرجلُ بِخدمةِ زوجتهِ، ومساعدتِها في شؤونِ البيتِ، فهذا مما يؤدي إلى الحُبِّ والموءدةِ والوئامِ بينَ الزوجينِ، ولنا في أعمالِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أُسوةٌ حَسنةٌ، فَحِينَ سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ أَجَابَتْ:«كَانَ بَشَرًا مِنْ الْبَشَرِ يَفْلِي [أَيْ: يُنْقِي] ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ]، وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ].
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، بسيطٌ في كُلِّ جوانبهِ وماديتهِ، بعيدٌ عَنِ الاسرافِ في المأكلِ والمشربِ
.قال تعالى : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المُطمئنِّ، أنْ يحيا الرجلُ زوجتَهُ وأولادَهُ، حياةً طيبةً هنيئةً كريمةً، فلا يَبخلُ عليهم، فإنَّ هذه الصِفةَ مذمومةٌ في الرجلِ،
وليعلمْ الرجلُ، أنَّ أفضلَ الدينارِ الذي يُنفقهُ، دينارٌ يُنفقهُ على أهلهِ.
بارك الله لي ولكمْ في القرءانِ العظيمِ، ونفعني اللهُ واياكمْ بما فيهِ مِنَ الاياتِ والذِكرِ الحكيمِ، اقولو قولي هذا واستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليهِ، إنَّهُ هو التوابُ الرحيمُ.
( الخطبةُ الثانية )
أمَّا بعد فاتقوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وعمروا بُيوتَكم بطاعةِ الرحمنِ، وطهروها مِنْ نَزغاتِ الشيطانِ، تُفلحوا في دُنياكم وأُخراكم، وترضوا بذلك مولاكم،
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ( [التوبة: 119].
ومِنِْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المطمئنِّ، يقومُ عل قواعدٍ ثابتةٍ في السكينةِ والرحمةِ والموءدةِ والهدوءِ، بعيدٌ عَنِ الضَوضاءِ ورفعِ الاصواتِ، شِعارُهُ قولُ اللهِ تعالى: {واغضُضْ مِنْ صوتِك إنَّ أنكرَ الاصواتِ لَصوتُ الحميرِ}.
ومِنْ حياةِ البيتِ المُسلمِ المطمئنِ، أنْ يعلمَ الرجلُ أنَّ لِزوجتهِ عليهِ حقاً، وهيَ كذلكَ، ومِنْ هذه الحقوقِ، العِشرةُ بالمعروفِ،
قالَ تعالى: {وعاشروهنَّ بالمعروفِ}، أنْ يتكلمَ معها بأجملَ العباراتِ المؤثرةِ اللطيفةِ اللينةِ، التي تَنسجُ الحُبَّ والموءدةَ والرحمةَ، أنْ يتزينْ لها كما يطلُبُ منها تتزينُ لهُ،
قالَ ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما: {كُنتُ أتزينُ لِزوجتي كما كانتْ تتزينُ لي}
وقال صلى الله عليه وسلم : « أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خيارهم لنساءهم »[رواه الترمذي وقال حسن صحيح].
ومِنْ حياةِ البيتِ المُطمئنِّ: التجاوزُ عَنِ العيوبِ، فلا احدَ على وجهِ الكونِ مُكملٌ، فالكمالُ لله سبحانه وتعالى، فكلُّنا عندنا عيوب، وما منا احدٌ يخلو مِنَ العيوب، فإنْ كَرِهتَ مِنْ زوجتك شيئاً، ارضى عنها بشيءٍ آخرَ،
قال صلى الله عليه وسلم ( لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ) رواه مسلم ومعنى لا يفرَكْ اي لا يبغضُ مؤمنٌ مؤمنةً.
عِبادَ اللهِ: في ظِلِّ هذه المعاني، يقومُ البيتُ المسلمُ المُطمئنُّ السعيدُ، عامراً بِذكرِ اللهِ والصلاةِ والقرءانِ، منورٍ بالتسبيحِ والتهليلِ والشُكرِ والتحميدِ،
تُظللهُ المحبةُ والوئامُ، وتنشأُ الذريةُ الصالحةُ، فتكونُ قُرةَ عينٍ للوالدينِ، ومصدرَ خيرٍ لهما في الدنيا والاخرةِ، وهذا هو جزاءُ العملِ الصالحِ في الدنيا،
.قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[النحل:97]
عِبادَ اللهِ: إنَّ السعادةَ في الدنيا، لا تتحققُ بتوفرِ المسكنِ الفاخرِ، والاثاتِ الفاخرةِ، والالبسةِ الثمينةِ، إنَّما السعادةُ تتحققٌ بتقوى الله، ومراقبتهِ في السرِ والعلنِ، وأنْ يَنظرَ كُلاً مِنَ الزوجينِ على الزواجِ، على أنَّهُ عِبادةٌ، يتقربُ بِها إلى الله، ويؤدُّها بإتقانٍ وإخلاصٍ.
عبِادَ اللهِ: إنَّ البيتَ الذي لا يُغرسُ فيهِ مبادئَ الايمانِ، ولا يستقيمُ على منهجِ القرءانِ، لا تَعيشُهُ المحبةُ والوئامُ،
البيتُ الذي لا يَستقيمُ على إنضباطِ الدين، لا يسكُنُهُ عقلٌ رَزينٌ،
اللهمَّ أصلح بيوتَنا وأزواجَنَا وذرياتَنا وشبابَنا وبناتَنا وجميعِ المسلمينَ
اللهمَّ أنزلْ على بيوتِ المسلمينَ الهُدى والنورَ، واعصمها مِنَ البلايا والشرورِ،
ربنا هبْ لنا مِنْ أزواجنا وذرياتنا قُرةَ أعينٍ واجعلنا للمتقينَ إماماً
اللهمَّ وفقنا لِطاعتك وطاعةِ نبيك محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وطاعةِ مَنْ أمرتنا بِطاعتهٍ عملاً بِقولكَ: {يايها الذينَ امنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي الامرِ مِنكمْ}
وصلِّ اللهمَّ وبارك على سيدنا مُحمدٍ وعلى آلهِ واصحابهِ أجمعينَ."
المشاهدات 4390 | التعليقات 4
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
بارك الله في الاخوة المعجبين بهذه الخطبة أسأل الله أن تكون خالصةً لوجهه الكريم
بورك فيك شيخ عنان وكتب الله أجرك على هذه الخطوات الحثيثة وهذه الجولات الميدانية الرائعة والكتابات القيمة زادك الله نفعا ومزيدا من الحضور والمشاركة في زوايا أخرى.
جرادي جرادي
شكر الله لكم وزادكم علما ورفعة
تعديل التعليق