بيت في الجنة

المهذب المهذب
1437/02/08 - 2015/11/20 05:40AM
هذه الخطبة فكرتها مستفادة من خطبة للشيخ : عبدالله الطريف ، قمت بإعادة صياغتها وترتيبها وتهذيبها ، والإضافة عليها ...

بيتٌ في الجنَّة
8/2/1437
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِيراً .."يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ".
أما بعد. أيها الإخوة المؤمنون: إن مما يحلُم به كلُّ رجلٍ في هذه الحياة، أن يمتلك بيتاً يسترُه من الناس، ويُؤيه هو وأولادُه.. وربما سمَّوه بيتَ العمر.. وكم يشقى طالبوه في هذه الحياة لِيَبنُوه! بل وكم يخسرون من المال والجهد ليمتلكوه!!
نعمةُ البيوت من نعم الله الكبيرةِ التي امتنَّ بها على عباده؛ فقال سبحانه: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ"؛ سكناً في الدور والقصور ونحوها، تُكِنُّكم من الحرِ والبردِ، وتستركم أنتم وأولادُكم وأمتعتُكم، وتتخذون فيها الغرفَ والبيوتَ التي هي لأنواعِ منافعِكم ومصالحِكم، وفيها حفظٌ لأموالِكم وحُرَمِكم، وغيرِ ذلك من الفوائد المشاهدة..
وهذا البيتُ لم يأتِ هكذا، بل أضنى صاحبَه بناؤُه، وبذل في عِمارته وتحسينه الفكرَ والمال، وما أن يسكنه بانيه بعد هذا العناءِ والتعب، إلا ويطرأ عليه طارئُ التبديل والتغيير!
ومن الناس من يولد ويموت ولم يمتلك بيتاً، مع أنه عاش في هذه الدنيا عشراتِ السنين!!
كلُّ هذا العناء في تحصيل هذه البيوت وهي معرَّضةٌ للبِلى والزوال، والحرق والهدم، والتشقق والتصدع، وان سلمت هذه البيوتُ فلن يسلم أصحابُها من الموت والبلى، قال الله تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ".
أيها الإخوةُ المؤمنون: لنقفْ هنا.. وننظرْ هناك.. هناك في الآخرة.. بيوتٌ أحسن اللهُ وصفَها؛ فيها من سحر المساكن، وجمال القصور ما لا يخطر على البال، ولا يبلغه الخيال، فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذُّ الأعين؛ قال رسولُ الله : " الْجَنَّةُ بِنَاؤُهَا لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ، وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ، مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ، وَيَخْلُدُ لَا يَمُوتُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ". إنه بناءٌ مرصّعٌ بالذهب والفضة، وما بين اللبنتين مسكٌ أذفر؛ أي: شديدُ الريح، إنها بيوتٌ لا يشوبُ نعيمَها بؤس، ولا يعتريها فسادٌ ولا تغيير.
ومع هذا المقام الرفيع، فإن ربي تبارك وتعالى قد يسّر لعباده سُبلَ تحصيلِ هذه البيوت؛ فلا قرضَ ولا دين، ولا همَّ ولا غم! أتاح اللهُ لجميعِ عبادِه امتلاكَها، وأبان لهم طُرُقَ الوصولِ إليها، وجعل ثمنَ ذلك أعمالاً صالحةً يسيرة على من يسرَّها الله عليه:
فمن ذلك: بناءُ المساجد، أو المساهمةُ في بنائها؛ قال : "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ". ورغب رسول الله  في بناء المساجد والمساهمةِ فيها ولو كانت قليلة؛ فقال: "مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّة". والقطاة: طائرٌ معروف، ومَفحص القطاة: الموضع الذي تضع فيه بيضَها.
ومن شارك في بناء مسجدٍ كان له من الأجرِ على قدْر مشاركتِه، وقال بعضُ العلماء: ظاهرُ الحديث أنه لو اشترك جماعةٌ في بناء مسجد، بحيث كان نصيبُ كلِّ واحد منهم مَفحصَ قطاةٍ، بنى الله له بيتاً في الجنة، وفضل الله تعالى واسع.
ومن الأعمال التي تكون سبباً في بناء البيوت في الجنة: تركُ المراء، وتركُ الكذب، وحسنُ الخلق، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقَهُ". الله أكبر! لقد ضَمِن النبيُّ  بيتاً في ربض الجنة -أي: أدناها- لمن ترك الجدال وإن كان الحقُّ معه، وبيتاً في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وبيتاً في أعلى الجنة لمن حسن خلقه، فطوبى لهم.
ومن الأعمال التي تُبنى بها البيوتُ في الجنة: صلاةُ ثنتي عشرةَ ركعةً في اليوم والليلة. قَالَ رسولُ الله : "مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ"، قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ . وهي: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الفَجْرِ"، فما أيسرَ العمل! وما أعظمَ الأجر! وما أكثرَ المفرّطين!
ومن الأعمال: الصبرُ على موت الولد؛ قال رسولُ الهي : "إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي: فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ".
أعوذ بالهُ من الشيطان الرجيم: "وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".
اللهم وفقنا للحسنات، وجنبنا السيئات، وأدخلنا الجنة، وهب لنا فيها خيرَ المساكن وأعلاها..
وأقول قولي هذا وأستغفر الهو لي ولكم ...


الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المؤيدَ ببرهانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد:
فاتقوا الهث عباد الهش، "وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ".
من أراد أن يجمّل بيوته بالأشجار والنخيل، فليحرص على الإكثار من ذكر اله ؛ قال رسول الهَ : "من قال سبحان اله العظيمِ وبحمده؛ غُرست له نخلةٌ في الجنة".
وقال : "من قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، غَرس اللهُ له بكلِّ واحدةٍ منهنَّ شجرةً في الجنة".
وقال : "لقيتُ إبراهيمَ ليلةَ أُسريَ بي، فقال: يا محمد، أقرئ أمّتك منّي السلام، وأخبرهم أن الجنةَ طيبةُ التربة، عذبةُ الماء، وأنها قيعان، وأن غراسَها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".
هذه بيوتُ الجنة، وهذا غرسُها، "لمثل هذا فليعمل العاملون" "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".
فاعمل لِدَارِ البَقَا رِضْوَانُ خَازنُهَا * * * الجَارُ أحْمَدُ والرَّحمنُ بَانِيْهَا
النَّفْسُ تَطْمَعُ في الدَّنْيَا وَقَدْ عَلِمَتْ * * * أَنَّ السَّلامَةَ مِنْهَا تَرْكُ مَا فِيْهَا
لا دَارَ لِلْمَرْءِ بَعْدَ المَوتِ يَسْكُنُهَا * * * إِلا التي كانَ قَبْلَ المَوْتِ يَبْنِيْهَا
فَمَنْ بَنَاهَا بِخَيْرٍ طَابَ مَسْكَنُهُ * * * وَمَنْ بَنَاهَا بِشرٍّ خَابَ بِانِيْهَا
ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى المَعْصُومِ سَيِّدِنَا * * * أَزْكَى البَرِّيةِ دَانِيْهَا وَقَاصِيْهَا
صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ...
المرفقات

876.doc

877.pdf

المشاهدات 1941 | التعليقات 0