بيت العنكبوت

تركي بن عبدالله الميمان
1445/03/05 - 2023/09/20 12:59PM

خطبة الأسبوع



بَيْتُ العَنْكُبُوْت







إعداد: قناة الخطب الوجيزة
https://t.me/alkhutab
















الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَهِيَ الزَّادُ والعَتَادُ، لِيَومِ المَعَادِ وَالتَّنَادِ! قال U: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَاب﴾.
عِبَادَ الله: مِنْ عَلَامَاتِ العَقْلِ النَّافِعِ: التَّفَكُّرُ في أَمْثَالِ القُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ لا يَفْهَمُهَا إِلَّا العَالِمُونَ، وَلا يَتَدَبَّرُهَا إِلَّا الرَّاسِخُونَ! قالَ بَعضُ السَّلَفِ: (مَا مَرَرْتُ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ لَا أَعْرِفُهَا؛ إِلَّا أَحْزَنَنِي! لِأَنِّي سَمِعْتُ اللهَ يَقُولُ: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ﴾)().
وَمِنْ أَمْثَالِ القُرْآنِ البَدِيْعَةِ: قَوْلُهُ U: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ العَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ العَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾().
قال ابنُ كَثِير: (هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ لِلْمُشْرِكِينَ فِي اتِّخَاذِهِمْ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللهِ -يَرْجُونَ نَصْرَهُمْ وَرِزْقَهُمْ، وَيَتَمَسَّكُونَ بِهِمْ فِي الشَّدَائِدِ- فَهُمْ كَبَيْتِ العَنْكَبُوتِ فِي ضَعْفِهِ وَوَهَنِهِ، فَلَوْ عَلِمُوا هَذَا الحَالَ؛ لَمَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ، وَهَذَا بِخِلَافِ المُسْلِمِ المُؤْمِنِ؛ فَإِنَّهُ مُسْتَمْسِكٌ ﴿بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾)().
والمُؤْمِنُِ يَعْلَمُ عِلْمَ اليَقِيْنِ: ﴿أَنَّ القُوَّةَ لِلهِ جَمِيعًا﴾، وأَنَّ (قُوَّةَ البَشَرِ) مَهْمَا بَلَغَتْ؛ فَهِيَ في (مِيزَانِ اللهِ) وَاهِنَةٌ ضَعِيْفَةٌ هَزِيْلَةٌ: كَخُيُوطِ العَنْكَبُوتِ()، قَابِلَةٌ لِلْزَّوَالِ بِنَفْخَةِ هَوَاء! ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾. قال ابنُ عَاشُور: (العَنْكَبُوتُ تَتَّخِذُ لِنَفْسِهَا بَيْتًا، تَحْسَبُ أَنَّهَا تَعْتَصِمُ بِهِ؛ فَإِذَا هُوَ يَسْقُطُ وَيَتَمَزَّقُ بِأَقَلّ تَحْرِيكٍ! وَهُوَ تَمْثِيلٌ بَدِيعٌ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ القُرْآنِ!)().
وَكُلُّ مَنْ اتَّخَذَ مَعَ اللَّهِ وَليًّا يُوَالِيهِ وَيَتَّكِلُ عَلَيْهِ فِي حَاجَاتِهِ (مِنَ الأَحْيَاءِ أو الأَمْوَاتِ)؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ! كَمَا أَنَّ بَيْتَ العَنْكَبُوتِ لَا يَقِيهَا حَرًّا وَلَا بَرْدًا()؛ وَلِهَذَا وَبَّخَ اللهُ (عُبَّادَ القُبُورِ) بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾.
وَمِنْ بُيُوتِ العَنْكَبُوتِ: مَا يُقَدِّمُهُ الكُفَّارُ مِنْ أَعْمَالٍ خَيْرِيَّةٍ؛ فَإِنَّهُمْ يُجْـــزَونَ عَلَيْهَا في الدُّنيا، وَلَكِنَّهَا تَتَبَدَّدُ في الآخِرَةِ؛ لِأَنَّهَا أَعْمَالٌ لم تَقُمْ عَلى أَسَاسِ التَّوْحِيدِ للهِ، وَالمُتَابَعَةِ لِرَسُوْلِهِ ﷺ! ﴿وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَنْثُورًا﴾.
وَكَمَا أَنَّ أَضْعَفَ البُيُوتِ: هُوَ بَيْتُ العَنْكَبوتِ؛ فَإِنَّ الإِنْسانَ أَضْعَفُ ما يَكُونُ: حِينَ يَتَّخِذُ وَلِيًّا يَتَعَلًّقُ بِهِ. وَكُلَّمَا زَادَ تَعَلُّقُهُ بِالمَخْلُوقِ؛ زَادَهُ ذَلِكَ ضَعْفًا! قال U: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾. قال ابْنُ القَيِّم: (مَنْ اتَّخَذَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا يَتَعَزَّزُ بِهِ؛ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إِلَّا ضِدّ مَقْصُوْدِهِ(). والتَّعَلُّقُ بِالسَّبَبِ دُونَ المُسَبِّبِ: كَالتَّعَلُّقِ بِبَيْتِ العَنْكَبُوتِ! وَهَذَا يُوجِبُ لِلْعَبْدِ التَّعَلُّقَ بِاللهِ دُونَ الأَسْبَاب، فَالأَسْبَابُ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ؛ فَالِالْتِفَاتُ إِلَيْهَا بِالكُلِّيَّةِ: مُنَافٍ لِلتَّوْحِيدِ، وَإِنْكَارُهَا بِالكُلِّيَّةِ: قَدْحٌ فِي الشَّرْعِ وَالحِكْمَةِ)().
وأَعْظَمُ النَّاسِ خِذْلانًا: مَنْ تَعَلَّقَ بِغَيْرِ اللهِ! فَهُوَ كَمَثَلِ المُسْتَظِلِّ مِنَ الحَرِّ وَالبَرْدِ، بِبَيْتِ العَنْكَبُوتِ، وَأَوْهَنِ البُيُوتِ! وَأَسَاسُ الشِّرْكِ، وَقَاعِدَتُهُ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا: هو التَّعَلُّقُ بِغَيرِ اللهِ! وَكُلُّ مَنْ تَعَلَّقَ بِغَيْرِ الرَّحْمَنِ؛ فَإِنَّ مَصِيْرَهُ الخِذْلَان!
قال تعالى: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾(). قال ﷺ: (مَنْ تَعَلَّقَ شيئًا؛ وُكِلَ إليه)().
قالَ شَيْخُ الإِسْلَام: (مَا رَجَا أَحَدٌ مَخْلُوْقًا، أو تَوَكَّلَ عَلَيْهِ؛ إِلَّا خَابَ ظنُّهُ فِيْهِ!)().
وَمِنْ بُيُوتِ العَنْكَبُوتِ: خَوَاطِرُ العِصْيَانِ، الَّتِي يَنْسِجُهَا الشَّيْطَانُ في قَلْبِ الإِنْسَانِ! فَهِيَ بِمَثَابَةِ بِنَاءِ العَنْكَبُوتِ؛ وَلِذَلِكَ يُزِيْلُهَا الذِّكْــرُ، وتَقْطَعُهَا الاِسْتِعَاذَةُ! قال I: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾.
قال النَّوَوِي: (إِذَا عَرَضَ لَهُ الوَسْوَاسُ؛ فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللهِ فِي دَفْعِ شَرِّهِ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الخَاطِرَ مِنْ الشَّيْطَانِ؛ فَلْيُعْرِضْ عَنِ الإِصْغَاءِ إِلَى وَسْوَسَتِهِ، وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَطْعِهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا)().
وَمِنْ بُيُوتِ العَنْكَبُوتِ: سَكْرَةُ الاِنْبِهَارِ بِـ(عُلُومِ الكُفَّارِ)، وَعَدَمُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ النَّافِعِ وَالضَّار؛ فَيَقَعُ بَعْضُ النَّاسِ فَرِيْسَةً سَهْلَةً، في شَبَكَةِ الهَزِيْمَةِ النَّفْسِيَّةِ، وَاحْتِقَارِ العُلُومِ الإِسْلَامِيَّةِ، أَمَامَ العُلُومِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَالحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ! وقد قال ﷻ: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾.
قال الشَّنْقِيطِيُّ: (وَمِنْ أَعْظَمِ الفِتَنِ الَّتِي ابْتُلِىَ بِهَا ضِعَافُ العُقُولِ مِنَ المُسْلِمِينَ: إِتْقَانُ الكُفَّارِ لِصِنَاعَاتِ الدُّنْيَا، فَظَنُّوْا بِذَلِكَ أَنَّهُمْ عَلَى الحَقِّ المُطْلَق! وَأَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ تِلْكَ الصِّنَاعَات: أَنَّهُ مُتَخَلِّفٌ! وَهَذَا جَهْلٌ فَاضِح، وغَلَطٌ فَادِح)().
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
عِبَادَ الله: مَهْمَا انْتَفَشَ البَاطُلُ وَانْتَفَخ، وتَظَاهَرَ بِالقُوَّةِ والاِنْتِصَار؛ فَهُوَ أَوْهَنُ مِنْ بَيْتِ العَنْكَبُوتِ!
وَسُنَّةَ اللهُ الَّتِي لا تَتَخَلَّف: أَنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِين، وَأَنَّ النَّصْرَ لِلْمُؤْمِنِيْنَ! ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾.
وَلا يَقَعُ المُسْلِمُ أَسِيرًا في شَبَكَةِ الشَّهَوَاتِ، وَلا يَتَعَلَّقُ بِخُيُوطِ الشُّبُهَاتِ: إِلَّا إِذَا كانَ خَفِيفَ العِلْمِ والصَّبْرِ! ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ﴾. قال ابنُ تَيْمِيَّةُ: (بِالصَّبْرِ: تُتْرَكُ الشَّهَوَاتُ، وَبِاليَقِيْنِ: تُدْفَعُ الشُّبُهَات)().
* * * *
* ​اللَّهُـــمَّ أَعِزَّ الإِسْـلامَ والمُسْـلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
* ​اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
* ​اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفّـِقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُـــذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْـــبِرِّ والتَّقْوَى.
* ​عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* ​فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
* * * *

إعداد: قناة الخطب الوجيزة
https://t.me/alkhutab

المرفقات

1695203979_ بيت العنكبوت (للطباعة).pdf

1695203979_ بيت العنكبوت (للهاتف) .pdf

1695203979_بيت العنكبوت (وورد).doc

المشاهدات 896 | التعليقات 0