بيئتنا حياتنا وكيف رعها الإسلام

عبد الله بن علي الطريف
1444/05/28 - 2022/12/22 23:03PM

بيئتنا حياتنا وكيف رعها الإسلام 1444/5/29 هـ

أيها الإخوة: أشكروا الله على ما أولانا من نعمٍ عظيمة؛ فإن ذلك من التقوى، ومن أعظم هذه النعم بعد خلقنا أنه استخلفنا في هذه الأرض، وقد عد نبي الله صالح عليه السلام الاستخلاف في الأرض من منن الله على قومه في معرض دعوته لهم قال الله تعالى عن ذلك: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) [هود:61] قال الشيخ السعدي: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ) أي: خلقكم فيها (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) أي: استخلفكم فيها، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، ومكنكم في الأرض، تبنون، وتغرسون، وتزرعون، وتحرثون ما شئتم، وتنتفعون بمنافعها، وتستغلون مصالحها، فكما أنه لا شريك له في جميع ذلك، فلا تشركوا به في عبادته.

والاستخلاف في الأرض هو ما يطلق عليه علماء الجغرافيا والطبيعة الآن الوسط البيئي..  والبيئة عندهم هي: الوسط المكاني الذي يعيش فيه الإنسان، أو يرتاده بما يضم من مخلوقات الله تعالى الطبيعية من جبال وسهول ورمال وبحار وأنهار وما فيها من نبات وشجر وحيوانات وغيرها، أو ما يحدثه البشر من تحسينات، يتأثر بها الإنسان ويؤثر فيها.

ومِنَّةُ الله تعالى تتجلى بأنه هيأ لهم وسطاً يعيشون فيه، وخلق لهم ما يصلح به حياتهم، ووضع في الأرض والكون ما يكون سبباً في سعادتهم وسهولة عيشهم، فخلق السماوات والأرض وما فيها من آيات يقول سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ* وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ* وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:32، 34] وقال: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ* يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ* وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:10، 14]

واستِخْلفُ اللهِ للإنسان في الأرض ليعمرها، ويحافظ عليها ويتعبد لله تعالى فوقها يقول سبحانه: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:30] قال الشيخ السعدي رحمه الله في معنى قوله: (إِنِّي أَعْلَمُ) من هذا الخليفة (مَا لا تَعْلَمُونَ)؛ لأن كلامكم بحسب ما ظننتم، وأنا عالم بالظواهر والسرائر، وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة، أضعاف أَضْعَافَ ما في ضِمْنِ ذلك من الشر..

والخلافة في الأرض تقتضي تمام المسؤولية، والتصرف فيها تصرف الأمين بأن يستثمر خيراتِها، ويحافظ عليها، يتعامل معها برفق وأسلوب رشيد، ولم يجعل الله الإنسان مالكاً لها يتصرف فيها بأنانية، ويدمرها من أجل مصالحه الذاتية المؤقتة، أو لمجرد العبث الخالي من المسؤولية، بل ينتفع بها الحي الآن ومن بعدهم الأجيال القادمة إن شاء الله، ولو أفسدها الأجداد وعبثوا بها لم نجد ما ننتفع به الآن، ولا ما نستمتع به.

أيها الإخوة: والإسلام يدعو للمحافظة على البيئة، وهو دين الإيمان بالقيم الإنسانية الرفيعة، وينهى بل يشدد بالنهي عن تلويث البيئة والتعامل الجائر معها ويعده منافياً لتعاليمه، فقد دعا إلى تجنيبها كلِ جَوْرٍ أو تلويث قَالَ ﷺ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبِرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ» رواه أبو داود عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ» رواه الطبراني عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وحسنه الألباني.. أي جاز لعنه إذا لم يكن معينا أما إذا كان معينا فالأصح عدمه، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ» رواه مسلم وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

ولم يقتصر الإسلام على النهي عن التلويث والإفساد في البيئة، بل حث كل من وجد أذاً وقدر على إزالته أن يزيله، وجعلَه جزءاً من الإيمانِ وسبباً للمغفرة ودخول الجنة فقَالَ ﷺ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا يُؤْذِيهِمْ، كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهِ حَسَنَةً، وَمَنْ كُتِبَ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةٌ، أَدْخَلَهُ بِهَا الْجَنَّةَ» رواه أحمد والطيالسي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني. وقَالَ ﷺ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَذَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ» رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وفي رواية لمسلم «مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ» وفي أخرى وقَالَ ﷺ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ» وعنده كذلك: قَالَ أَبُو بَرْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَنْتَفِعُ بِهِ، قَالَ ﷺ: «اعْزِلِ الْأَذَى، عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ»..

أحبتي: هل بعد هذا الحث والوعيد مُتْسَعٌ لمسلم بأن لا يبالي أين رمى المخلفات.! ولو لم يكن هذا الوعد والوعيد منه ﷺ لعُدَّ ملوثي البيئة مخالفين للذوق والأدب فكيف وهم مخطئون آثمون!

ونهى الإسلام عن الإسراف عموماً فقال تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31] والإسراف يكون في استعمال، والكهرباء، واستهلاك الموارد، وفي الطعام والشراب، وذبح ما يؤكل لحمه من الطيور والأنعام بأن يقتصر فيه على الحاجة.

أيها الإخوة: وحث الإسلام على الزرع والغرس لما فيه من الخير وتطييب الأجواء

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا» رواه أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وهو صحيح الاسناد.

وَعَنْ أُمُّ مُبَشِّرٍ امْرَأَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَأَنَا فِي حَائِطٍ فَقَالَ: «يَا أُمَّ مُبَشِّرٍ أَلَكِ هَذَا؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ: «مَنْ غَرَسَهُ؟ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ؟» قُلْتُ: مُسْلِمٌ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتْ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ» رواه مسلم وأحمد وذكره في الجامع الصحيح للسنن والمسانيد. اللهم اجعلنا ممن يستمع القول ويتبع أحسنه وصلى الله وسلم...

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: هذا أجر من غرس وزرع، فما بال أناسٍ يفسدون ما أنبته الله من العشب والكلاء بسيارتهم ودراجاتهم النارية روحة وجيئة بلا هدف، ويفحطون فيها، وكأن أحدهم قد استأجر لحرث الأرض! لقد أفسد هؤلاء الغطاء النباتي فأصبحت البراري القريبة مجدبة لا تنبت.! وكسَّروا الأشجار وقطعوها بلا مبرر مع منع ذلك من الجهات الرسمية، وحُرم الناس من الاستمتاع بجمال الخضرة، وأصحاب المواشي من الرعي فيها.. ثم ما يترتب على هذه التصرفات غير المسؤولة وغير المفيدة من حوادث راح ضحيتها أنفس، أو حدثت بسببها إصابات بالغة من كسور أو جروح، وربما فقد بعضهم الوعي وبقي ميتا بين الأحياء، وصار خسارة وعالة على أهله ووطنه..  

وقريب من هؤلاء من يوقدون النار بالأشجار أو يجورون في الاحتطاب ويشعلون النار في أي مكان دون النظر للتعليمات الرسمية في ذلك...

أيها الإخوة: ومما يجب التفطن له العناية بمجاري السيول وأماكن تجمعها من الأودية والتلاع والمسايل، والمحافظة عليها نظيفة وخالية من الحواجز والمباني، فما عند الله من الخير وما يرسله من الغيث لا حدود له، ولا تنسينا أيام القحط وقلة الأمطار أيام كثرتها وتداركها..

ومن الأخطاء التهاون بالنزول إلى الأودية والشعاب وهي تتدفق، أو خوضها بالسيارات، لما يترتب على ذلك من أخطار وهلاك، وفي كل عام تنقل وسائل الإعلام حوادث الغرق، بسبب تهاون بعض الناس ومجازفتهم، أو مغامرتهم، وعدم تفكيريهم بالعواقب. وربنا يقول محذراً: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة:195] ومن الإلقاء باليد إلى التهلكة تغرير الإنسان بنفسه بسفر مخوف، أو محل مسبعة أو حيات، أو يصعد شجرا أو بنيانا خطرا، أو يدخل تحت شيء فيه خطر أو يقطع وادياً جارفاً ونحو ذلك، فهذا ونحوه، ممن ألقى بيده إلى التهلكة. ويُنهى عن النوم بالشعاب ومجاري السيول: قال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله: لا يبيت الإنسان في مجاري السيول، لأن السيول قد تأتي بدون شعور، فيكون في ذلك ضرر؛ ولهذا نهي عن الإقامة فيها...   

 

المشاهدات 3384 | التعليقات 0