بناء اليقين في نفوس المؤمنين

الشيخ السيد مراد سلامة
1441/02/10 - 2019/10/09 17:32PM
Smiley face
بناء اليقين في نفوس المؤمنين
الشيخ
 السيد مراد سلامة

أما بعد:

اليقين أيها الأحباب - هو التصديق الجازم . ويعرف اليقين بآثاره في الأعمال ، فمن شهد زورا ، أو أكل مال الناس بالباطل ، لا يمكن أن يكون إيمانه قائما على اليقين .([1])

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب اليقين عن محمد بن معشر اليربوعي، قال: قال علي للحسن ابنه، رضي الله عنهما: كم بَين الإيمان واليقين. قال: أربع أصابع. قال: بين. قال: اليقين ما رأته عينك، والإيمان ما سمعته أذنك وصدقت به. قال علي: أشهد أنك ممن أنت منه، ذرية بعضها من بعض. ([2])

واليقين ذكر البعض أنه الإيمان كله؛ قال بعض السلف: “الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله”. قال ابن القيم -رحمه الله-: “اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد”، وباليقين تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمّر العاملون، وعن الحسن: أن أبا بكر خطب الناس فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يا أيها الناس! إن الناس لم يعطوا في الدنيا خيراً من اليقين والمعافاة” وسنده رجال الصحيح.

اعلم علمني الله و إياك: أن القران الكريم تحدث عن اليقين في غير ما آية من آياته فقال الحق سبحانه و تعالى { الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) البقرة }

 فعلق سبحانه الفلاح والهداية باليقين فطرق كلها مسدودة إلى الهداية إلا من سلك طريق أهل اليقين فانه يكون من جملة المهتدين المفلحين، وخصه سبحانه بعد الإيمان لأنه الحامل الذي يدفع العبد إلى الرغبة والرهبة فيه يحقق العبد مقام التقوى و الإحسان و الهداية و التوكل و بدونه يظل المرء في ريبه يتردد

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن منزلة اليقين: "هو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافسَ المتنافسون، وإليه شمَّر العاملون، وعملُ القوم إنما كان عليه وإشاراتُهم كلُّها إليه، وإذا تزوَّج الصبر باليقين وُلد بينهما حصول الإمامة في الدين. قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24].

وخصَّ سبحانه أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين، فقال وهو أصدق القائلين: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) [الذاريات:20].

وخصَّ أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالَمين، فقال: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة:4، 5].

وأخبر عن أهل النار أنهم لم يكونوا من أهل اليقين، فقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) [الجاثـية:32].

فاليقين روح أعمال القلوب التي هي روح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصِّدِّيقية، وهو قُطب هذا الشأن الذي عليه مداره".اهـ.([3])

كيف نبني اليقين في نفوس المؤمن

أولا اليقين بقدرة الله تعالى

اليقين في قدرة الله تعالى وأنه لا يعجزه شيء في الأرض و لا في السماء و انه الذي أبدع هذا الكون على غير مثال سابق و لقد تحدث القران الكريم في غير ما آية من آياته عن بيان قدرة الله تعالى

إنها قدرة الله، يا إخوة! إن من يحاول أن يصل بعقله إلى حدود قدرة الله كمن يحاول أن يكلف نملة أن تنقل جبلاً من مكان إلى آخر، إن قدرة الله لا حدود لها: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [يس:82]، { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [آل عمران:59]

قل للطبيب تخطفته يد الردى*** يا زاعماً شفا الأمراض من أرداك
قل للمريض نجا وعوفي بعدما*** عجزت فنون الطب من عافاك
قل للصحيح يموت لا من علة ***من بالمنايا يا صحيح دهاك
قل للبصير كان يحذر حفرةً ***فهوى بها من ذا الذي أهواك
بل سائل الأعمى خطاً وسط الزحا ***م بلا اصطدام من يقود خطاك
وسل الجنين يعيش معزولاً بلا راع ***ومرعى ما الذي يرعاك
وسل الوليد بكى وأجهش بالبكا ء*** لدى الولادة ما الذي أبكاك
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه *** فسله من ذا بالسموم حشاك
واسأله كيف تعيش يا ثعبان ***أو تحيا وهذا السم يملأ فاك
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت ***شهداً وقل للشهد من حلاك
 إنه الله!! { قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا } [مريم:21]، انتهى الأمر وقدره الله عز وجل.
كن عن همومك معرضاً ***ودع الأمور إلى القضا
وانعم بطول سلامة ***تسليك عما قد مضى
فلربما اتسع المضيق ***وربما ضاق الفضا
الله يفعل ما يشاء ***فلا تكن متعرضا
 { قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } [مريم:21] فهو الذي خلق الخلق، خلق آدم يوم خلقه بلا ذكر أو أنثى، بلا أب أو أم!! الأمر لا يحتاج إلى تفلسف أو تعمق على الإطلاق: { قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا } [مريم:21]، لا جدال فيه ولا نقاش ولا نزاع، فاطمأنت العذراء الطاهرة، وانشرح صدرها، واطمأنت نفسها وسكن فؤادها، وعلى الفور نفخ جبريل في جيب درعها -أي: في أعلى القميص- فحملت بأمر ربها: { وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ } [التحريم:12].

قصة : في إحدى الكليات بدوله عربيه وقف احد الطلبة ممسكا بساعته محدقا بها ويقول ان كان الله موجودا فليمتني بعد ساعه ,,,وكان مشهدا عجيبا شهده الطلاب و الأساتذة في الكلية ومرت الدقائقعجلى وحين اتمت الساعة دقائقها انتفض الطالب بزهو وتحدي وهو يقول لزملائه : أرأيتم لو كان الله موجودا لأماتني وانصرف الطلاب ومنهم من وسوس له الشيطان وفيهم من قال ان الله أمهله لحكمه وفيهم من هز رأسه وسخر منه إما الشاب فذهب إلى أهله مسرورا وكأنه اثبت بدليل عقلي لم يسبقهاحد إن الله غير موجود وان الإنسان خلق هملا لا يعرف ربه وليس له ميعاد ولا حساب ,,,ودخل إلى منزله وإذا والدته قد أعدت الطعام وإذا والده قد اخذ مكانه علىالمائدة ينتظره ,,, وهرع الولد إلى المغسله ليغسل يديه ووجهه ثم نشفهما بالمنديل فإذا به يسقط على الأرض جثة لا حراك لها فقد سقط ميتا وقد اثبت الطبيب الشرعي في تقريره أن موته كان بسبب دخول ماء إلى أذنه والمعروف علميا إن الحمار إذا دخل في أذنه ماء يموت وقد أبى الله أن لا يموت إلا كما يموت الحمار

اليقين بوعد الله تعالى و بنصره

اعلم علمني الله و إياك : أن الله تعالى وعد عباده المؤمنين بالنصر و التمكين و إظهار كلمته فمن آمن بذلك الوعد  و أيقن به حقق الله تعالى له وعده يقول الله تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) [النور/55-57]}

عن عدي بن حاتم قال بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال يا عدي هل رأيت الحيرة قلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيئ الذين قد سعروا البلاد ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فليقولن له ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك فيقول بلى فيقول ألم أعطك مالا وأفضل عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم قال عدي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اتقوا النار ولو بشقة تمرة فمن لم يجد شقة تمرة فبكلمة طيبة قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج ملء كفه )([4])

 [آل عمران:139] تدبروا قول رب العالمين: { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [الصف:8-9].

اليقين في الرزق

اعلم علمني الله و إياك : أن من أسماء الله تعالى الرزاق فهو الذي يرزق جميع الكائنات و لا فرق بين مسلم و لا كافر فمن اليقين، اليقين بما  عند الله تعالى من رزق فالله تعالى قد تكفل برزق جميع الكائنات حتى أهل الكفر و العصيان يقو ل الله تعالى {﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ هود الآية( 6: 7 )}

قال الإمام الغزالي -رحمه الله - الرزاق هو الذي خلق الأرزاق والمرتزقة وأوصلها إليهم وخلق لهم أسباب التمنع بها والرزق رزقان ظاهر وهى الأقوات والأطعمة وذلك للظاهر وهى الأبدان وباطن وهى للعارف والمكاشفات وذلك للقلوب والأسرار وهذا أشرف الرزقين فان ثمرتها حياة الأبد وثمرة الرزق الظاهر قوة الجسد إلى مدة قريبة الأمد والله تعالى هو المتولي لخلق الرزقين والمتفضل بالإيصال إلى كلا الفريقين ولكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وغاية حظ العبد من هذا الوصف أمران ، احديهما أن يعرف حقيقة هذا الوصف وانه لا  يستحقه إلا الله تعالى فلا ينتظر الرزق إلا منه ولا يتوكل فيه إلا عليه

 كما روى عن حاتم الأصم انه قال له رجل من أين تأكل فقال من خزانته فقال الرجل يلقى عليك الخبز من السماء فقال لو لم تكن الأرض له لكان يلقيه من السماء فقال الرجل أنتم تقولون الكلام فقال لم ينزل من السماء إلا الكلام فقال الرجل أنا لا أقوى لمجادلتك فقال لان الباطل لا يقوم مع الحق .

عن عبد الله قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )([5])

فالرزق مقدر معلوم، والإنسان في بطن أمه لم يكتمل بناء أو تشكيلاً، فلا يزيد رزقه عند خروجه على ما كتب ولا ينقص. روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: (( إن روح القدس (4) نفث (5)في روعي (1) أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ))([6]).

قال شقيق رحمه الله كما لا تستطيع أن تزيد في خلقك ولا في حياتك كذلك لا تستطيع أن تزيد في رزقك فلا تتعب نفسك في طلب الرزق)([7])

**كمال القدرة والحكمة : قال أبو بكر محمد بن سابق

فكم قوى قوى في تقلبه ** مهذب الرأي عنه الرزق ينحرف
وكم ضعيف ضعيف في تقلبه ** كأنه من خليج البحر يغترف
هذا دليل على أن الإله له ... في الخلق سر خفي ليس ينكشف

حكى انه سئل بعض العلماء ما الدليل على أن للعالم صانعا واحدا قال ثلاثة أشياء . ذل اللبيب . وفقر الأديب . وسقم الطيب

اليقين في حفظ الله

اعلم علمني الله و إياك : أن من مواطن اليقين بالله رب العالمين اليقين أن الله هو الحافظ الحفيظ الذي يكلأ عباده و يحفظهم   و الله من أسمائه الحفيظ قال الله تعالى : { إن ربي على كل شيء حفيظ}[8] و اعلم أن (للحفيظ) معنيان:

أحدهما: أنه قد حفظ على عباده ما عملوه من خير وشر وطاعة ومعصية، فإن علمه محيط بجميع أعمالهم ظاهرها وباطنها، وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ، ووكل بالعباد ملائكة كراماً كاتبين ( يعلمون ما تفعلون )، فهذا المعنى من حفظه يقتضي إحاطة علم الله بأحوال العباد كلها ظاهرها وباطنها وكتابتها في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي في أيدي الملائكة ، وعلمه بمقاديرها ، وكمالها ونقصها ، ومقادير جزائها في الثواب والعقاب ثم مجازاته عليها بفضله وعدله .

تأمل في ثقة النبي بالرب العلي لما أخذ غورث بن الحارث سيفه و هم بقتله ما هز ذلك شعرة في جسد النبي – صلى الله عليه و سلم – لما سأله من ينجيك مني الآن قال النبي وهو الواثق بربه الله فعن جابر، أنه غزا مع الرسول  - صلى الله عليه وسلم -  قبل نجد، فلما قفل النبي  - صلى الله عليه وسلم - ، أدركتهم القائلة في واد كثير العضاة، فنزل النبي  - صلى الله عليه وسلم -  وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونزل النبي  - صلى الله عليه وسلم -  تحت سمرة، وعلق بها سيفه، ونمنا نومة، فإذا النبي،  - صلى الله عليه وسلم - ، يدعونا، وإذا عنده أعرابي، فقال:  « إن هذا اخترط على سيفي، وأنا نائم فاستيقظت، وهو في يده صلتا » ، فقال: من يمنعك منى؟ قلت:  « الله، ثلاثا » ، فشام السيف ولم يعاقبه، وجلس.([9])

وفي هذه القصة دليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وفرط شجاعته وقوة يقينه وصبره على الأذى وحِلْمه على الجهال، وفيها جواز تفرق العسكر في النزول ونومهم إذا لم يكن هناك ما يخافون منه([10]).

تسخير الله العقرب لدفع أذي الحية عن نائم

هو المنعم بما يتصور جنسه من العباد ، حكي عن إبراهيم بن أدهم أنه قال كنت ضيفاً لبعض القوم فقدم المائدة ، فنزل غراب وسلب رغيفاً ، فاتبعته تعجباً ، فنزل في بعض التلال ، وإذا هو برجل مقيد مشدود اليدين فألقى الغراب ذلك الرغيف على وجهه . وروى ذي النون أنه قال : كنت في البيت إذ وقعت ولولة في قلبي ، وصرت بحيث ما ملكت نفسي ، فخرجت من البيت وانتهيت إلى شط النيل ، فرأيت عقرباً قوياً يعدو فتبعته فوصل إلى طرف النيل فرأيت ضفدعاً واقفاً على طرف الوادي ، فوثب العقرب على ظهر الضفدع وأخذ الضفدع يسبح ويذهب ، فركبت السفينة وتبعته فوصل الضفدع إلى الطرف الآخر من النيل ، ونزل العقرب من ظهره ، وأخذ يعدو فتبعته ، فرأيت شاباً نائماً تحت شجرة ،

ورأيت أفعى يقصده فلما قربت الأفعى من ذلك الشاب وصل العقرب إلى الأفعى فوثب العقرب على الأفعى فلدغه ، والأفعى أيضاً لدغ العقرب ، فماتا معاً ، وسلم ذلك الإنسان منهما . ويحكى أن ولد الغراب كما يخرج من قشر البيضة يخرج من غير ريش فيكون كأنه قطعة لحم أحمر ، والغراب يفر منه ولا يقوم بتربيته ، ثم أن البعوض يجتمع عليه لأنه يشبه قطعة لحم ميت ، فإذا وصلت البعوض إليه التقم تلك البعوض واغتذى بها ، ولا يزال على هذه الحال إلى أن يقوى وينبت ريشه ويخفى لحمه تحت ريشه ، فعند ذلك تعود أمه إليه ، ولهذا السبب جاء في أدعية العرب : يا رازق النعاب في عشه ، فظهر بهذه الأمثلة أن فضل الله عام ، وإحسانه شامل ، ورحمته واسعة .([11])قصة سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الحافظ الطبراني أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ركبت البحر فانكسرت سفينتي التي كنت فيها فركبت لوحا من ألواحها فطرحني اللوح في أجَمة فيها الأسد فأقبل إليَّ يريدني فقلت : يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فطأطأ رأسه وأقبل إليَّ فدفعني بمنكبه حتى أخرجني من الأجمة ووضعني على الطريق, وهَمْهم, فظننت أنه يودعني فكان ذلك آخر عهدي به )([12]). اليقين بسعة رحمة الله و مغفرته 

 اعلم علمني الله و إياك : أن من مواطن اليقين التي لا ينفك عنها العبد المؤمن بحال  من الأحوال اليقين في سعة رحمة الله و انه يغر الذنوب جميعا فإذا تجرد العبد من ذلك الموطن وقع في دائرة اليأس و القنوط التي تجره بعد ذلك إلى الكفر بالله تعالى

سعة مغفرة الله تعالى عن أنس بن مالك رضي عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة )([13])

بين يدينا حديث يأسر القلب ، ويأخذ بمجامع النفس ، يستمطر الدمع ، ويهيّج في الوجدان مشاعر التوبة والرجاء ، لتتلاشى معه أسباب اليأس والقنوط ، إنه هتاف سماويٌّ لو تردد في جنباتنا لأفاض عليها شوقا وحنينا إلى خير من مُدّت إليه الأيادي ، ولهجت بذكره الألسنة ، فيالها من موعظة ، ويا لها من تذكرة . لقد جاء الحديث ، ليزفّ إلى الناس البشرى ، فرحمة الله واسعة ، وفضله عظيم ، لا يقف عند حدّ ، ولا يحصيه عدّ ، فغدا هذا الحديث إبهاجا للتائبين ، وأملاً للمذنبين ، وفرصة لمن أسرف على نفسه بالمعصية ، أو فرّط فيما مضى من حياته فلا ييأس العبد من رحمة ربه و ليكن عنده يقين بعفو رب العالمين ، وقد حثنا الله تعالى على الدعاء في عدّة مواضع من كتابه ، فقال تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } ( غافر : 60 ) ، وقال سبحانه : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } ( البقرة : 186 )

و تأمل أرجى آية للمذنبين هي قوله سبحانه و تعالى { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)  [الزمر/53، 54]}

صور تجلى فيها اليقين بالتوبة لله رب العالمين

أخي المسلم أختي المسلمة  :هيا لنرى صورا تجلى فيها اليقين  برحمة رب العالمين و مغفرته التي و سعة السماوات والأرض لان فيها من العظات و العبر  التي ترسخ قدم المسلم في يقينه بربه عز وجل و مع الموقف الأول

آدام عليه السلام        

    مع آدم عليه السلام ,من خلقه الله بيده , واسجد له ملائكته واسكنه جنته , وعلمه الأسماء كلها , لما أمر الله أدم أن يسكن الجنة ونهاه أن يأكل من شجرة يقول المولى سبحانه وتعالى  

  { وقلنا يا أدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كان فيه * وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين * فتلقى أدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم } ( البقرة 35/37)

  وفي سورة طه { فآكلا منها فبدت لهما سؤ اتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى أدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى } ( طه 121 / 122 )

  وتأمل حالهما  و خوفهما من عذاب الله وعقابه بقولهما { ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين }

  وروى ابن حاتم عن أبى كعب قال : قال رسول الله - r - قال آدم عليه السلام : أرأيت يا رب إن تبت ورجعت أعائدي إلى الجنة ؟ قال نعم , فذلك قوله " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه "([14])

  وروى الحاكم في مستدركه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه } قال : قال أدم يا رب : ألم تخلقني بيدك ؟ قيل له بلى , ونفخت فيّ روحك ؟ قيل له بلى , وكتبت على أن اعمل هذا ؟ قيل له بلى , قال : أفرأيت أن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة ؟ قال : نعم . نعم " قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ([15])

يقول ابن الجوزى رحمه الله وقد حذرت قصة آدم من الذنوب وخوفت عواقبها , كان بعض السلف يقول : غرقت السفينة ونحن نيام ! آدم لم يسامح بلقمة , ولا داود بنظرة , ونحن على ما نحن فيه !!

  طوبى لمن قرن ذنبه بالاعتذار وتلافاه باستغفار إناء الليل وأطراف النهار , والويل كل الويل لمن احكم الإصرار , أيها العاصي تفكر في حال أبيك وتذكر ما جرى له ويكفيك , ابعد بعد القرب من ربه اهبط من الجنة لشؤم ذنبه , و آسره العدو بخديعته ويسعى في هلاكك فاعتبر به و فرحم الله امرأ تأهب لمحاربة عدوه في رواحه وغدوه فانه مراصده في القول والعمل , ويحسن له بالمكر والتسويف الأمل , ويذكره الهوى وينسيه الآجل فليلبس أحصن الجنن فالرامي يطلب الخلل ([16])

 

[1] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (ج 1 / ص 11)

[2] - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - (ج 2 / ص 37)

 

[3] - مدارج السالكين ج3 ص 413

[4] -  أخرجه البخاري ح 3328

[5] - أخرجه البخاري ( 2 / 3 08 و 332 - 333 و 4 / 25 1 ) ومسلم ( 8 / 4 4 ) وأبو داود ( 47 58 ) والترمذي ( 2 / 19 - 25 ) وابن ماجه ( 76 )

[6] - قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 865 : رواه أبو بكر الحداد في " المنتخب من فوائد ابن علويه القطان " ( 168 / 1

[7] - تفسير حقي - (ج 10 / ص 355)

 

[8] سورة هود الآية 57

[9] - أخرجه البخاري في الجهاد وفى المغازى (33: 2). ومسلم (4: 1) راجع تحفة الأشراف (2/849).

([10]) انظر: فتح الباري (15/317) نقلا عن السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص427.

[11] - تفسير الرازي - (ج 1 / ص 212)

[12] - أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي

[13] - أخرجه الترمذي ح 3540 و حسنه الألباني في صحيح الجامع ح43381

[14] - أخرجه الحاكم ح 545و قال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وابن جرير

[15] -- أخرجه الحاكم ج 2 ص 245 وابن  عساكر ج 7  ص 433 وقال الحاكم  صحيح الإسناد ووافقه الذهبي

[16] - التبصرة ج 2 ص 23

المرفقات

اليقين-في-نفوس-المؤمنين

اليقين-في-نفوس-المؤمنين-1

اليقين-في-نفوس-المؤمنين-1

المشاهدات 2218 | التعليقات 0