بناء الكنائس في بلاد المسلمين - للشيخ د. ناصر بن محمد الأحمد
الفريق العلمي
إن الحمد لله…
أما بعد:
أيها المسلمون: إن كل دين غير دين الإسلام هو كفر وضلال، وكل مكان للعبادة على غير دين الإسلام هو بيت كفر وضلال؛ إذ لا تجوز عبادة الله إلا بما شرع سبحانه في الإسلام، وشريعة الإسلام خاتمة الشرائع، عامة للثقلين الجن والإنس، وناسخة لما قبلها، وهذا مجمع عليه بحمد الله تعالى، ومن زعم أن اليهود على حق، أو النصارى على حق -سواء أكان منهم أو من غيرهم- فهو مكذب لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وإجماع الأمة، وهو مرتد عن الإسلام -إن كان يدَّعي الإسلام- بعد إقامة الحجة عليه، إن كان مثله ممن يخفى عليه ذلك، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) [سبأ: 28]، وقال -عزّ شأنه-: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) [الأعراف: 158]، وقال سبحانه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران: 19]، وقال -جل وعلا-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران: 85]، وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) [البينة: 6]، وثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة”، ولهذا صار من ضروريات الدين تحريم الكفر الذي يقتضي تحريم التعبد لله على خلاف ما جاء في شريعة الإسلام.
أيها المسلمون: يتردد كثيرًا هذه الأيام في المحافل والمؤتمرات، وما يسمى بمنظمات الحقوق العالمية، وتقارير وزارة الخارجية الأمريكية وغيرها، الدعوة لبناء الكنائس في البلاد الإسلامية وفي الجزيرة العربية، يغيظهم كونها حرم الإسلام ومعقله وقاعدته الأولى، ويردد ذلك معهم في بعض وسائل الإعلام من أعاروا عقولهم لغيرهم، وأثاروا الشبهات والشكوك حول هذه المسألة القطعية من دين الإسلام.
إن من ضروريات دين الإسلام تحريم بناء معابد وفق شرائع منسوخة يهودية أو نصرانية أو غيرهما؛ لأن تلك المعابد -سواء أكانت كنيسة أم غيرها- تعد معابد كفرية؛ لأن العبادات التي تؤدى فيها على خلاف شريعة الإسلام الناسخة لجميع الشرائع قبلها والمبطلة لها، والله تعالى يقول عن الكفار وأعمالهم: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان: 23].
ولهذا أجمع العلماء على تحريم بناء المعابد الكفرية، مثل الكنائس في بلاد المسلمين، وأنه لا يجوز اجتماع قبلتين في بلد واحد من بلاد الإسلام، وأن لا يكون فيها شيء من شعائر الكفار، لا كنائس ولا غيرها، وأجمعوا على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد الكفرية إذا أُحدثت في أرض الإسلام.
وأجمع العلماء -رحمهم الله تعالى- على أن بناء المعابد الكفرية -ومنها الكنائس في جزيرة العرب- أشد إثمًا وأعظم جرمًا؛ للأحاديث الصحيحة الصريحة بخصوص النهي عن اجتماع دينين في جزيرة العرب، منها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لا يجتمع دينان في جزيرة العرب”. رواه الإمام مالك وغيره، وأصله في الصحيحين.
وجزيرة العرب يحدها غربًا: بحر القلْزم، وهو المعروف الآن باسم: البحر الأحمر، وجنوبًا: بحر العرب، ويقال له: بحر اليمن، وشرقًا: الخليج العربي، ويحدها شمالاً: ساحلُ البحرِ الأحمر الشرقيُّ الشماليُّ، وما على مسامتته شرقًا، من مشارف الشام والأردن والعراق، وعليه فالأردُن، وسوريا، والعراقُ: ليست في محدود جزيرة العرب، وهو ما حرره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، وهذا يعني أن دول مجلس التعاون كلها، واليمن، داخلة تحت مسمى الجزيرة العربية، على الراجح من أقوال العلماء.
فجزيرة العرب حرم الإسلام، وقاعدته التي لا يجوز السماح أو الإذن لكافر باختراقها، ولا التجنس بجنسيتها، ولا التملك فيها، فضلاً عن إقامة كنيسة فيها لعُبَّاد الصليب، فلا يجتمع فيها دينان، إلا دين واحد، هو دين الإسلام، الذي بعث الله به نبيه ورسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، ولا يكون فيها قبلتان، إلا قبلة واحدة، هي قبلة المسلمين إلى البيت العتيق.
وإلى الله المشتكى مما جلبه أعداء الإسلام من المعابد الكفرية من الكنائس وغيرها في كثير من بلاد المسلمين. نسأل الله أن يحفظ الإسلام من كيدهم ومكرهم.
وبهذا يُعلم أن السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية -مثل الكنائس-، أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام من أعظم الإعانة على الكفر، وإظهار شعائره، والله عزّ شأنه يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].
أيها المسلمون: ومن أقوال العلماء في ذلك:
– قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: “من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، وأن الله يُعبَد فيها، أو أن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة لرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة أو طاعة، فهو كافر”.
– وقال أيضًا: “من اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد، وإن جهل أن ذلك محرم عُرّف ذلك، فإن أصر صار مرتدًّا”.
– وقال أيضًا: “اتفق المسلمون على أن ما بناه المسلمون من المدائن لم يكن لأهل الذمة أن يحدثوا فيها كنيسة، والمدينة التي يسكنها المسلمون، والقرية التي يسكنها المسلمون -وفيها مساجد المسلمين- لا يجوز أن يظهر فيها شيء من شعائر الكفر، لا كنائس ولا غيرها”.
– وقال الإمام محمد بن الحسن: “ليس ينبغي أن تترك في أرض العرب كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار”.
– وقال الإمام الشافعي: “ولا يحدثوا في أمصار المسلمين كنيسة، ولا مجتمعًا لصلواتهم”.
– وقال الإمام أحمد: “ليس لليهود ولا للنصارى أن يحدثوا في مِصْرٍ مَصَّرَهُ المسلمون بيعة ولا كنيسة، ولا يضربوا فيه بناقوس”.
– وقال الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: “لقد صح أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا يجتمع في الجزيرة دينان”. وصح عنه أيضًا أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من الجزيرة، وأمر أن لا يبقى فيها إلا مسلم، وأوصى عند موته -صلى الله عليه وسلم- بإخراج المشركين من الجزيرة، فهذا أمر ثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليس فيه شك. والواجب على الحكام أن ينفذوا هذه الوصية، كما نفَّذها خليفة المسلمين عمر -رضي الله عنه- بإخراج اليهود من خيبر وإجلائهم، فعلى الحكام في جميع أجزاء الجزيرة، عليهم جميعًا أن يجتهدوا كثيرًا في إخراج النصارى والبوذيين والوثنيين والهندوس وغيرهم من الكفرة، وأن لا يستقدموا إلا المسلمين، هذا هو الواجب، وهو مبين بيانًا جليًّا في قواعد الشرع الحنيف، فالمقصود والواجب إخراج الكفار من الجزيرة، وأن لا يستعمل فيها إلا المسلمون من بلاد الله، ثم إن عليهم أيضًا أن يختاروا من المسلمين، فالمسلمون فيهم من هو مسلم بالادعاء لا بالحقيقة، وعنده من الشر ما عنده، فيجب على من يحتاج إلى مسلمين ليستأجرهم أن يسأل أهل المعرفة؛ حتى لا يستقدم إلا المسلمين الطيبين المعروفين بالمحافظة على الصلاة والاستقامة. أما الكفار فلا يستخدمهم أبدًا إلا عند الضرورة الشرعية، أي التي يقدرها ولاة الأمر، وفق شرع الإسلام وحده. ولا يجوز أن يُبنى في الجزيرة معابد للكفرة، لا النصارى ولا غيرهم، وما بني فيها يجب أن يُهدَم مع القدرة، وعلى ولي الأمر أن يهدمها ويزيلها، ولا يُبقِي في الجزيرة مبادئ أو معاقل للشرك، ولا كنائس ولا معابد، بل يجب أن تزال من الجزيرة، حتى لا يبقى فيها إلا المساجد والمسلمون”. اهـ.
– وقال أيضًا: “أجمع العلماء -رحمهم الله- على تحريم بناء الكنائس في البلاد الإسلامية، وعلى وجوب هدمها إذا أُحدثت، وعلى أن بناءها في الجزيرة العربية كنجد والحجاز وبلدان الخليج واليمن أشد إثمًا وأعظم جرمًا؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب، ونهى أن يجتمع فيها دينان، وتبعه أصحابه في ذلك، ولما استُخْلِفَ عمر -رضي الله عنه- أجلى اليهود من خيبر؛ عملاً بهذه السنة؛ ولأن الجزيرة العربية هي مهد الإسلام، ومنطلق الدعاة إليه، ومحل قبلة المسلمين، فلا يجوز أن ينشأ فيها بيت لعبادة غير الله سبحانه، كما لا يجوز أن يقر فيها من يعبد غيره”.
– وقال الشيخ عبد الرحمن البراك -حفظه الله-: “ومما يؤسف له أن بعض المسلمين استجابوا للكفار في بناء الكنائس، فها هي بعض البلاد الإسلامية في أطراف الجزيرة العربية -جزيرة الإسلام- ها هم أذِنوا للنصارى في بناء معابدهم، وقد جاء في الحديث: “لا تكون في أرض قبلتان”. فلا تجتمع قبلة اليهود والنصارى مع قبلة المسلمين”.
وهكذا فأنت ترى أن علماء المسلمين وفقهاءهم قديمًا وحديثًا أجمعوا على حرمة بناء الكنائس في البلدان الإسلامية، وأنها في جزيرة العرب أشد إثمًا؛ لما تمتاز به هذه الجزيرة من خصائص، فهي وقف في الإسلام على أهل الإسلام، وهي وديعة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أمته، التي استحفظهم عليها في آخر ما عهده النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهي دارٌ طيبة، لا يقطنها إلا طيب، ولما كان المشرك خبيثًا بشركه، حُرِّمت عليه جزيرة العرب، وإنه إذا ما اعتَبَرَت يومًا نفسَها مثل أي قطرٍ من الأقطار، ترضى بمداخلة ما هو أجنبي عن الإسلام، فإنها تعمل على إسقاط نفسها من سجل التاريخ، وتقضي على ميزتها البارزة في خريطة العالم، فيخفت احترام العالم الإسلامي لها، وتفقد رهبة شراذم الكفر منها، وتفتح مجالاً فسيحًا للقوى الشريرة العاتية.
وإن المتعيِّن على أهل هذه الجزيرةِ، وعلى من بسط اللهُ يده عليهم وعليها، المحافظةُ على هذه الميزات والخصائصِ الشرعية؛ ليَظهر تميُّزُها، وتبقى الجزيرةُ وأهلُها مصدرَ الإشعاعِ لنور الإسلام على العالم، وليُعلَم أنه كلما قَوِيَ هذا النورُ امتدَّ هذا الإشعاعُ، وكلما ضَعُفَ وتضاءَلَ في هذه الجزيرةِ وأهلِها تقاصرَ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. عائذين بالله من الحَوْر بعد الكَوْر، ومن الضلالة بعد الهداية.
وليحذر المسلم أن يكون له نصيب من قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 25-28].
نفعني الله…
الخطبة الثانية:
الحمد لله…
أما بعد:
أيها المسلمون: ومما يثيره اليوم الجهلة تارة، والمغرضون تارة أخرى، في وسائل الإعلام وغيرها، قولهم: كيف لا نسمح لهم ببناء الكنائس في بلادنا وقد سمحوا لنا ببناء المساجد في بلادهم؟! ولو منعناهم من ذلك فسيمنعون المسلمين من بناء المساجد والصلاة فيها، وأنه ينبغي أن نعطي رعاياهم حريتهم الدينية كما أعطوا رعايا المسلمين حريتهم الدينية، وأن من العلماء المعاصرين من أفتى بجواز ذلك. والردُّ على هذه الشُّبَه من وجوه:
أولاً: أنَّ المساجدَ دورٌ يُعبد فيها الله -عز وجل- وحده، أما الكنائس فهي معابدُ كفرية، يُكفر فيها بالله -عز وجل- ويعبد معه غيره، المسيح وأمه، فهل يستويان؟! (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص: 28].
ثانيًا: أن دعوى منحهم المسلمين الحرية في ممارسة تعاليمهم الدينية عارية عن الصحة، فهاهم يمنعون المسلمين من أقل حقوقهم الشخصية: كتعدد الزوجات، ولبس الحجاب، وإنشاء بنوك إسلامية، وتطبيق أحكام الإسلام عليهم، وغير ذلك، بحجة أنَّ أنظمة البلد العلمانية تمنع ذلك، أفلا يحق للمسلمين أن يمنعوهم من بناء الكنائس لأن تعاليم دينهم الإسلامي تمنع ذلك؟!
ثالثًا: أن مواطني الدول الغربية قد اعتنق كثيرٌ منهم الإسلام، فالمساجد عندهم من حقوق المواطنة وليست للوافدين من المسلمين، أما دول الجزيرة العربية فالأصل أن مواطنيها كلهم مسلمون، ومن تنصَّرَ منهم فهو مرتَّدٌ عن دين الله، وحكمه في الشرع أن تضرب عنقه، فلمن تبنى الكنائس؟! أللعمالة الوافدة غير المستقرة؟! ما لكم كيف تحكمون؟!
رابعًا: أنَّ الإذنَ لهم ببناء كنائس في ديار الإسلام بحجة سماحهم للمسلمين ببناء المساجد في بلادهم يقودنا إلى قضية أخرى، وهي الإذن لهم بالدعوة للنصرانية بين المسلمين، بحجة أنهم يسمحون للمسلمين بأن يدعوا إلى الإسلام في بلادهم، فهل يقول بذلك مسلم؟! بل من يجوِّز ذلك بحجة ما يسمى بحرية الاعتقاد فهو كافر مرتد، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم.
كما أنه يقودنا إلى قضية أخرى: وهي الإذن لأصحاب الديانات الأخرى -كالبوذية والهندوسية وغيرها- ببناء معابد لهم، بل قد يكون أتباع هذه الملل في بعض دول الخليج من العمالة الوافدة أكثر من النصارى، فتصبح الجزيرة العربية مسرحًا لديانات الكفر والشرك، وهي التي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لا يكون فيها دينان.
خامسًا: أنه لو ترتَّب على منعِ بناء الكنائس في بلاد المسلمين منعُ بناء المساجد في بلاد الكفار، فإنَّ درء مفسدة تلويث بلاد المسلمين وجزيرة العرب -خاصة بدين النصارى المنسوخ- أولى من المحافظة على مصلحة مكاسب بعض المسلمين في بلاد الكفر، وعلى المسلمين القادرين على الهجرة أن يهاجروا، وعلى العاجزين أن يُصَلُّوا في بيوتهم.
سادسًا: أنَّ مما يدل على اعتبار الخصوصية ومراعاتها، وأنها قاعدة معتمدة عند العقلاء من كل ملة، أنَّ دولة الفاتيكان تمنع من بناء معابد غير الكنيسة فيه، وذلك لما يرونه من كون الفاتيكان معقلاً للنصرانية وملاذاً لأهلها، فالجزيرة العربية -وفيها البلد الحرام والكعبة المشرفة- أولى بذلك، كيف لا، وهي ملاذ المسلمين، ومنتهى مقاصدهم؟! وعلى هذا الأصل الذي يقِرُّ به عقلاءُ كل ملة، جاءتِ النصوصُ النبوية في بيان كون هذه الجزيرة جزيرة الإسلام لا يجتمع فيها دينان. ولكن لو سمح الفاتيكان ببناء المساجد فيه، هل يكون هذا مسوِّغًا لنا في الإذن ببناء الكنائس في جزيرة العرب؟!
الجواب: لا، فلسنا تبعًا للفاتيكان، إنْ مَنَعَ مَنَعْنَا، وإن بنى بنينا! فالإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، وقد تقدَّم أنَّ التسوية بين دور التوحيد ومعابد الكفر، سفهٌ وضلال، نعيذ منه كل مسلم.
وأخيرًا: وبناءً على جميع ما تقدم، فإنه ليس لكافر إحداث كنيسة في جزيرة العرب، ولا صومعة، ولا بيت نار، ولا نَصْبِ صنمٍ، تطهيرًا لها عن الدين الباطل، ولعموم الأحاديث، وعليه فليس للإمام الإذن بشيء منها، ولا الإبقاء عليه محدثًا كان أو قديمًا.
اللهم…
الخطبة في الموقع:
https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/173540