بناء الأسرة في الإسلام

محمد بن خالد الخضير
1445/05/07 - 2023/11/21 13:04PM

الخطبة الأولى

إن الْحَمْد لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أما بعد

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموا أمره ولا تعصوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)

عباد الله: في رحاب الأسرة الهادئة والعائلة المتماسكة تنمو الخلال الطيبة، وتستحكم التقاليد الشريفة، ويتكون الرجال الذين يؤتمنون على أعظم الأمانات، وتتربى النساء اللائي يقمن على أعرق البيوت، ولا غرو أن يهتم الإسلام بأحوال الأسرة، وأن يتعاهد نماءها بالوصايا التي تجعل امتدادها خيرًا ونعمة.

وفي كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أوامر مؤكدة بين أفراد الأسرة كلهم، من والد ووالدة وذي رحم قريب أو بعيد تزجي مسيرة الأسرة نحو البناء والسعادة.

وقد نوَّه القرآن الكريم بجلال النعمة السارية في أوصال هذه القطعة من المجتمع الكبير، فقال سبحانه: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) [النحل: 72].

إن الزوجين وما بينهما من علاقة، أو الوالدين وما يترعرع في أحضانهما من بنين وبنات، لا يمثلان أنفسهما فحسب، بل يمثلان حاضر أمة ومستقبلها؛ ومن ثم فإن الشيطان حين يفلح في فك روابط الأسرة لا يهدم بيتًا واحدًا ولا يصنع شرًا محدودًا، إنما يوقع الأمة جمعاء في شر بعيد المدى.

وتأمل هذا الحديث لتعرف أن فساد الأسرة قرة عين الشيطان، عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنَّ إبليسَ يضعُ عرشَه على الماءِ ثم يبعثُ سراياه، فأدناهُم منهُ منزلةً أعظمُهم فتنة؛ يجيء أحدُهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، ثم يجيءُ أحدُهم فيقول: ما تركتُه حتى فرقتُ بينه وبين امرأتِه؛ فيُدنِيه منه ويقول: نِعْمَ أنت؛ فيلتزمه". رواه مسلم.

أيها المسلمون: السكن والطمأنينة في البيوت نعمة لا يقدرها حق قدرها إلا المشردون الذين لا بيوت لهم ولا سكن ولا طمأنينة، والتذكير بالسكن يمس المشاعر الغافلة عن قيمة هذه النعمة.

(وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً) [النحل: 80]، هكذا يريد الإسلام البيت مكانًا للسكينة القلبية والاطمئنان النفسي، هكذا يريده مريحًا تطمئن إليه النفس وتسكن وتأمن، سواء بكفايته المادية للسكنى والراحة، أم باطمئنان من فيه بعضهم ببعض، وبسكن من فيه كل إلى الآخر، فليس البيت مكانًا للنزاع والشقاق والخصام، إنما هو مبيت وسكن وأمن واطمئنان وسلام؛ وهذا السكن معناه الاستقرار واطمئنان المرء إلى أنه مع شخص يزيد به، ويستريح معه، ويهدأ في كنفه عند القلق، ويلتمس البشاشة معه عند الضيق.

وفهم الزواج على أنه رباط جسدي وحسب سقوط في التفكير وسقوط في الشعور.

إن العلاقات بين الزوجين عميقة الجذور بعيدة الآماد، إنها تشبه من القوة صلة المرء بنفسه؛ ومن ثم عني الإسلام بالمحافظة عليها والارتفاع بجوهرها وصيانة ظاهرها وباطنها: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) [البقرة: 187].

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ مِن أشرِّ الناسِ عند الله منزلةً يوم القيامة: الرجُل يُفضِي إلى امرأتِه وتفضي إليه ثم ينشرُ سرَّها". رواه مسلم.وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الدُّنيا متاع، وخيرُ متاعِ الدنيا المرأةُ الصَّالحة". رواه مسلم.

وبهذا النصح أُفهم الرجل أن من أفضل ما يستصحبه في حياته ويستعين به على واجباته الزوجة اللطيفة العشرة القويمة الخلق، أو التي وصفها في حديث آخر بقوله: "التي تَسُرُّه إذا نظَر، وتطيعُه إذا أمَر، ولا تخالفُه في نفسِها ولا مالِه بما يكرَه". أخرجه النسائي وصححه الألباني.

إن هذه الزوجة هي دعامة البيت السعيد وركنه العتيد، وإن رابطة هذه الأسرة تعلو في البقاء، فإذا انتهت هذه الدنيا وتركها أهلها فرادى أو جماعات التأم شملهم مرة أخرى هناك في الدار الآخرة: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) [الرعد: 23].

وفي سبيل جمع الشمل يلتحق الأبناء المقصرون بآبائهم المجدين: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ...) [الطور: 21].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.

أما بعد:عباد الله، ولن توجد بيئة أزكى ولا أجدى من الأسرة في تربية الأولاد، ففي ظل الأمومة الحانية والأبوة الكادحة -وهما من أوثق وأعمق المشاعر الإنسانية- تتم كفالتهم، وتتفتق براعمهم، وتستوي أعوادهم، وترتقب ثمارهم؛ لذلك كانت حماية الأسرة من أعظم الواجبات، وكان تمهيد الطريق أمامها من أفضل القربات، ولقد جاءت توجيهات الإسلام لبناء الأسر البناء الصحيح منذ البداية؛ فأمر الله بالزواج وحث عليه، وجعله من سنن المرسلين وهدي الصالحين، وأمر بتزويج البنات والبنين، وإعانة من لا يقدر على الزواج، وحث على تيسيره وتسهيل طريقه، ونهى عن كل ما يعوق تمامه ويعكر صفوه.وفي الاختيار وجه بما فيه المصلحة التامة الخلق والدين، وفي حرية الاختيار الاستئذان والاستئمار؛ فلا الرجل يُكره على أخذ من يكره، ولا الفتاة ترغم على قبول من تبغض، وقرر الإسلام مبادئ وتعاليم تفصل حق الرجل على المرأة وحق المرأة على الرجل، قاعدتها: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].وهي تعاليم وفرت من الخير للأسر ما يملأ أرجاءها برًّا وتقوى وودًّا وتعاونًا، وفيها ضمانات موثقة للحياة الزوجية واستقرارها، وضمانات أعظم لتسعد الحياة وينبت الأولاد نباتًا حسنًا، وينالوا من حظوظ الصحة النفسية ما يجعلهم أصلح بالاً وأسعد حالاً، وجعلت على كل واحد من الزوجين تكاليف تناسبه ومسئوليات توائمه.

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله، فقد أمركم الله بذلك حيث يقول جل في علاه:) إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً (

اللّهمّ صلِّ وسلِّم وزد وبارك على عبدِك ورسولك محمّد وعلى آلِه وصحبه أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي مرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم احفظ على بلادنا دينها ومقدساتها وأمنها وولاة أمرها؛ اللهم من أراد بلادنا بسوء فأشغله بنفسه،ورد كيده في نحره،واجعل تدبيره تدميرًا عليه.اللهم إنا أستودعناك جنودنا ورجال أمننا فأحرسهم بعينك التي لاتنام وأعنهم وأنصرهم.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات

 رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا , اللَّهُمَّ احْمِهِمْ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَاحْفَظْهُمْ مِنْ كُلِّ سُوءٍ , وَاجْعَلْهُمْ هُدَاةً مُهْتَدِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك،وتحوّل عافيتك،وفجاءة نقمتك،وجميع سخطك

سبحان ربِّك ربِّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين

المرفقات

1700561040_بناء الأسرة في الإسلام.pdf

المشاهدات 1009 | التعليقات 0