بمناسبة اليوم الوطني د.عصام هاشم الجفري
أبو عبد الرحمن
1432/10/25 - 2011/09/23 04:40AM
بمناسبة اليوم الوطني
اللهم لك الحمد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت،لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت،لا مذل لمن أعززت ولا معز لمن أذللت،لا غالب لمن نصرت ولا ناصر لمن خذلت،لا مفقر لمن أغنيت ولا مغني لمن أفقرت،لامسكّن لما حركت ولا محرك لما سكّنت لا ضال لمن هديت ولا هادي لمن أضللت،العبد عبدك والأمر أمرك والحكم حكمك ولا إله غيرك.أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعد من نصر دينه بالنصر والعز والتمكين فقال:{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} ووعد من حاد دينه بالكبت والخذلان فقال:{ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ(5)}المجادلة،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً ، وهادياً إلى الله بأمره وسراجاً منيرا. أما بعد:
فأوصيكم عباد الله ونفسي القاصرة المذنبة أولاً بسبب قبول الأعمال ألا وهي تقوى الله : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ(27)}المائدة،عباد الله مرت بنا خلال الأسبوع الماضي ذكرى توحيد هذه البلاد على يد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه،ولي مع هذه الذكرى وقفات:
أولها: مع قصة توحيد هذه البلاد، فإن فيها عبرة للمعتبرين،وردا على كل ناعق يزعم أن التخلف والذل هي من سمات الدين فوفقاً للمقاييس المادية لم يكن يتسنى للملك عبد العزيز ومن معه من الرجال أن يوحدوا أرض الجزيرة وأن يخضعوا قبائلها المتناحرة تحت راية واحدة،لكن لما قام بمساندة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والتي تدعو إلى محاربة الشرك ونشر التوحيد،سانده الله ومكن له وتلك سنة إلهية وضعها الباري لنا في آيات تتلى إلى يوم القيامة حيث يقول:{..وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40)}الحج،ويقول جلَّ شأنه:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(55)}النور .
ثانيها: مع كل ذكرى لتوحيد هذه البلاد المباركة بإذن الله ينبغي أن يتذكر الأجيال نعمة الله عليهم ويجعلونها حاضرة في أذهانهم،فمن أعظم نعم الله علينا في توحيد هذه البلاد أنها بفضل من الله قامت على أساس الدين،فأصبح الناس يؤدون عباداتهم في يسر وسهولة وحرية لا يجدون مضايقة في ذلك،لكن لا سمح الله لو قامت هذه البلاد على غير الدين لما أمن الإنسان على نفسه من أن يفتن في دينه والعياذ بالله،و ولله لأن يبتلى الإنسان في نفسه أو ماله أو ولده وكل شيء عنده،أهون من أن يبتلى في دينه فإن الدنيا فانية ، ومن يبتلى في دينه يخسر دينه ودنياه،ويعجب الإنسان من أن هناك في بلدان أخرى من يتمنى أن يؤدي شعائر الدين علانية وأن يتقيد بالسنة فلا يستطيع،وهنا لا يقف أمامه حائل في ذلك وهو يفرط فيه،يعجب ممن يتمسك بدينه تحت الحديد والنار،ومن يعيش في نعمة وعافية فيكون أهون ما عليه التفريط وعدم الاهتمام بواجباته الدينية .
ثالثها: مع نعمة الأمن والأمان،وهي نعمة كبرى لا يعرفها إلا من فقدها عياذاً بالله،فبعد أن كانت أرض الجزيرة أرض خوف واضطراب،بعد أن كانت عبارة عن قبائل متناحرة يسطوا بعضها على بعض وينهب بعضها بعضاً،وبعد أن كان الرجل لايأمن على نفسه الخروج إلى أطراف المدينة،وبعد أن كان دم الرجل المسلم لا يساوي ثمن رصاصة لدى قاطع الطريق؛حيث يقتل الرجل فإن لم يجد معه شيء تندم على رصاصته التي ذهبت هدرا،بعد كل ذلك تحولت أرض الجزيرة إلى مضرب المثل في الأمن والأمان وما ذلك إلا بعد توفيق الله لولاة الأمر وهدايتهم إلى الحرص على تطبيق شرع الله {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} وإذا شك أحدٌ في ذلك فلينظر إلى الدول التي لا تستمد دستورها من شرع الله ليجد أنه كل دقائق معدودة تقع بها جريمة،وكم هي جريمة دول حرمت شعوبها نعمة الأمن والأمان يوم أن أعرضت عن تطبيق منهج الله فيهم ، يقول اللطيف الخبير:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا(125)قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى(126)وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى(127)أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُوْلِي النُّهَى(128)}طه.
رابعها: بعد أن توحدت هذه الدولة كانت دولة فقيرة ليس لديها من المقومات الاقتصادية ما تقوم عليه دولة ، فالشعب تنتشر فيه الأمية والجهل،والأرض صحراء قاحلة،لكن من بيده خزائن السموات والأرض وعد من استقام على دينه بالرزق والحياة الطيبة حيث يقول سبحانه:{وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا(16)}الجن،ويقول جلًّ شأنه:{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(96)}الأعراف،فأذن الله لمخلوقته الأرض أن تخرج شيئاً من بركاتها ، فإذا بالرزق يأتي من مكان لم يكن يخطر على بال،من تحت رمال الصحراء القاحلة،كانت أبار النفط المصدر الرئيس للطاقة ، وإذا بهذه الدولة الفقيرة تلفت إليها أعناق العالم حيث صنفت ضمن أكبر الدول التي تمتلك احتياطياً نفطياً في العالم،لماذا لم تكتشف تلك الآبار من قبل؟لاشك أن لانتشار معصية الباري في معظم أرض الجزيرة أثره في ذلك،فلما ظهرت دعوة التوحيد واستقام الناس على ذلك تفضل عليهم المنعم المتفضل بتلك النعمة،ووفق ولاة الأمر للاستفادة من عوائد النفط في تنمية البلد،فظهرت الرقعة الخضراء وأخذت في الزيادة،وعمرت المدن،وامتدت شبكات الطرق،فإذا عرفنا أيها الأحبة في الله أن بحبوحة العيش التي متعنا الله بها إنما هي بفضل نشر دعوة التوحيد في هذه البلاد والاستقامة عليها ، فلنعلم أنه ليس لأحد عند الله عهد أن لا يسلبه النعمة،فإن حافظنا عليها بالاستقامة على هدى الدين أكرمنا الرزاق وزادنا من فضله ، وإن أعرضنا عياذاً بالله فقد يحرمنا الله فضله،يقول سبحانه:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112)}النحل،ووالله إنا لنعيش عيشة رغداً فإذا نزل أحدنا للسوق يجد أصنافاً من اللحوم،وأصنافاً من الأرز وأصنافاً،وأصنافاً من كذا،وأصنافاً من كذا، وقد تجد سلعاً لا يجدها أهل البلد التي صدرتها إليك،تجد أصناف الفواكه على مدار العام،فلنحافظ على هذه النعمة وليكن كل منا عين ساهرة عليها بالأمر بالمعروف والسعي في تغيير المنكر،فإن كل صاحب معصية إنما هو مصدر خطر على هذه النعمة .وقد قامت الدولة بإنشاء هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودعمها ليكون ثمرة من ثمراتها المحافظة على هذه النعمة ونشر الفضيلة وقمع الرذيلة،وكم من دولة استبدلت ذلك ببوليس للآداب أو الشرطة،ففشلت وعم بها الفساد ونزل بها عياذاً بالله العقاب،لأنه شتان بين من يتعبد الله بذلك الأمر وبين من يتخذها وظيفة رسمية يؤدي ساعاتها ويقبض في نهاية الشهر مرتبها.اللهم إنا نعوذ بك من تحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك،اللهم عرفنا نعمك بزيادتها ولا تعرفنا نعمك بزوالها يا أرحم الراحمين،اللهم إنا نعوذ بجلالك أن نكون ممن انشغل بنعمك عنك واجعلنا يا رب ممن اتخذ من نعمك سلماً لرضوانك،وسبيلا إلى جناتك،ووسيلة إلى حنانك وإحسانك يا سميع الدعاء يا رب العالمين .أعوذ بالله من الشيطان الرجيم{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ(11)}الرعد
الخطبة الثانية
الحمد لله خالق الوجود الذي إذا أعطى فليس لعطائه حدود،وإذا جاد فليس بعد جوده جود،أحمده سبحانه وأشكره على عظيم عطاءه الممدود،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من ضيق اللحود،ومرتع الدود ، والفوز بجنات الخلود مع المقربين الشهود الركع السجود الموفين بالعهود،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نشر الله به ملة التوحيد،ودحر به أهل الكفر والجحود ، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عدد ما خلق الله في الوجود .أما بعد: فيا أيها الأحبة في الله ومما يحمد لولاة أمر هذه البلاد سعيهم إلى نشر الدين وغرسه في نفوس الناس على المستويين الداخلي والخارجي،ولعل من أبرز ذلك بث إذاعة القرآن الكريم،تلك الإذاعة التي مُلئت بالخير،لكن مع الأسف كم من الناس أعرض عنها إما بحجة أنه يريد الحديث في الدنيا فيغلق القرآن ليقدم حديث الدنيا عليه،وإما عياذاً بالله لانشغاله بسماع اللهو من الغناء ومزامير الشيطان بدلاً من كلام الرحيم الرحمان،و والله لو استمع الإنسان إليها على الأقل أثناء تواجده بالسيارة لوجد خيراً كثيراً،ولو حرصت المرأة على سماعها أثناء تأديتها لواجباتها المنزلية لعرفت كثيرا من أمور دينها وحقوق ربها وزوجها وبيتها وأولادها فسعدت وسعد بها زوجها وبيتها،ومن ذلك أيضاً مركز طباعة المصحف الشريف الذي وزعت نسخه على مختلف أنحاء العالم،ومنها المساهمة في بناء ودعم المراكز الإسلامية ،ودعم المنكوبين من المسلمين في أقطار الأرض،وغير ذلك الكثير مما نرجو من الله العلي القدير أن يجعله سبباً في حفظ النعمة على هذه البلاد وأهلها.
أمة الإسلام إن من منهج الإسلام أن يُعرف لأهل الفضل فضلهم،ويثنى عليهم به،فلنعرف نعم الله الجليلة علينا وعلى بلادنا ولنذكر بذلك أبنائنا وبناتنا حتى لا تنشأ ناشئة على النعمة فتنسى فضل الله عليها وكيف بدل الله حال آبائهم من حال إلى حال،فيكونون عياذاً بالله سبباً في زوال النعم ونزول النقم لما يتربوا عليه من الترف و العيش والنعيم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا(16)}الإسراء.