بقيَّتان بعد الحج والثج
راشد بن عبد الرحمن البداح
15/12/1440هـ. الحمد لله على مضاعفة الحسنات في العشر المباركات، والحمد لله على إشراق نفوسنا في أيام تشريقنا، والحمد لله على إمداد الأعمار، والأمن في الديار، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له الملك الديان، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ، أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله؛ فإن تقواه أحسنُ عاقبةٍ في معاد: {إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}.
هل انتهت أحكام الحج والأضحية؟!
الجواب: لا، فهناك أمران مهمان يتعلقان بهما، قد أوصانا ربنا بهما في قوله سبحانه: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} يعني: فإذا فرغتم من حجكم، فذبحتم نسائككم، بإهراقة دماء الهدي والأضاحي: (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ) قال ابن عباس: اذكروا الله كذكر الأطفال آباءَهم وأمهاتِهم، كما كنتم تفعلون في حال صِغَرِكم بآبائكم([1]).
أرأيتم كيف أن ذكر الله ودعاءه محبوبان لله مستديمان على الدوام، ما تعاقبت الأيام؟!
فيا كل من حج أو من أقام فضحى: أكثرا من أمرين:
- أكثرا من ذكر الله، لا سيما عقيب الطاعات.
- أكثرا من الدعاء، وأجمعُه قول: [اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار].
ولهذا مدح من يسأله الدنيا والأخرى فقال: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ فجمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا وصرفت كل شر فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي..ولذا كان النبي r يكثر أن يردد هذا الدعاء الجامع. وقد قيل لأنس بن مالك لما زاره نفر من أصحابه: إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم فقال: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. فقالوا: يا أبا حمزة إن إخوانك يريدون القيام فادع الله لهم، فقال: أتريدون أن أشقِّق لكم الأمور؟ إذا آتاكم الله في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة ووقاكم عذاب النار؛ فقد آتاكم الخير كلَّه([2]).
وروى مسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r عَادَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ، فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: سُبْحَانَ اللَّهِ! لاَ تُطِيقُهُ، أَفَلاَ قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ؟ قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ([3]).
أمَا وقد عاد كثير من الحجاج وقضوا نسكهم، وذبح المقيمون نسائكهم، وعاش معاشرُ المسلمين عَشرهم، فلنَذكُر نعمة الله علينا، ولنحتسب عند ربنا أن هذا الموسم الذي شهدناه شهده معنا شُعْثٌ غُبْر لا يعرفون ولا يؤبه لهم، ولو أقسم أحدهم على الله لأبره، فقبلهم الله وقبلنا معهم برحمته لا بعملنا، وأبشروا وأملوا خيراً - أيها العائدون من مكة حجاجاً والمهريقون لله دماً ثجاجاً -،
ويا أيها الواقف بعرفة أو الصائم عرفة: استأنفا عملكما فقد كُفيتما ما مضى، وإنما الشأن فيما بقي.
لقد كنا نتذاكر قبل شهرين كيف أن السلف يسألون الله القبول لرمضان ستة أشهر بعده، وكذلك الشأن في الحج والأضاحي وصوم عرفة والعشر، وسائر الصالحات التي ترفع وتكفِّر السيئات، ولنحذر أن نمُنَّ بها على موليها الذي شرح صدورنا لها يوم ضاقت بها صدور قوم آخرين. {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. ولنسأل الله بعدها أن يقبل منا بفضله أعمالنا اليسيرة، ويكمل نقصها بمكرماته الكبيرة.
قال ابن القيم –رحمه الله- وما أحسن ما قال: (ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تُحصر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه..وأكثر الناس ما عندهم خبر من السيئات التي تحبط الحسنات..فمعرفة ما يفسد الأعمال في حال وقوعها ويبطلها بعد وقوعها من أهم ما ينبغي أن يفتش عليه العبد ويحذره)([4]).
- تقبل الله حجنا وثجنا وصومنا وسائر ما قدمنا لأنفسنا من خير.
- اللهم وأعد علينا بركة هذه الأيام المباركات السالفات.
- اللهم لك الحمد أنعمت علينا بالمال فحججنا وضحينا، وأعنتنا على ذكرك وشكرك فسجدنا لك وحدك وصلينا. فاللهم زدنا ولا تنقصنا من فضلك. اللهم ومن لم يحج أو لم يضح فبفضلك وعفوك قد عذرته، فلك الحمد.
- اللهم كما أجبتك دعوات بيوم عرفات أنت أعلم بحصرها، اللهم اجعل لنا بكرمك من إجابة تلك الدعوات أوفر النصيب.
- ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا وأن نعمل صالحًا ترضاه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. اللهم ابسط على والدينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك. اللهم ألبسهما العافية.
- الَّلهم ارزقنا ووالدينا وأهلينا عيشًا قارَّا، ورزقًا دارَّا وعملًا بارًا.
- اللهم اجعل مليكنا ونائبه وسائر ولاة أمرنا وجنودنا وأولادنا وأهلينا وحجاجنا في ضمانك وأمانك وإحسانك.
المرفقات
بعد-الحج-والثج
بعد-الحج-والثج