بعض صفات النبي صلى الله عليه وسلم, وبدعة المولد
طلال شنيف الصبحي
صفات النبي صلى الله عليه وسلم وبدعة المولد 8 / 3 / 1440ه
الحمد لله رب العالمين، لك اللهم الحمد لا نحصي ثناء عليك، جعلتنا مسلمين، وأكملت لنا بفضلك معالم الدين، وشرفتنا فجعلتنا من أمة سيد المرسلين. وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين. وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، اصطفاه لحمل رسالته، وتأدية أمانته، فبلغَّ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله: الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث عن العظماء. والحديث عن العظماء تقف دونه العبارات فقد هدانا الله بنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور، وأوجب على العباد محبته وتعزيره وتوقيره. حديثنا عن نبي حنَّ إليه جذع نخلة، وعرفه الشجر، وأشرقت الأرض بطلعته، وسلَّم عليه الحجر. أدَّبه ربه فأحسن تأديبه، اختاره الله على علم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم". فهو خيار من خيار، شرح الله صدره حساً ومعنى، فهو المثال الصادق لمن عرف حقيقة الإيمان، حيث كان خلقه القرآن. خيَّره ربه بين أن يكون عبداً رسولاً أو ملِكاً رسولاً. فاختار العبودية مع الرسالة، اختار الآخرة على الدنيا، والباقية على العاجلة. كانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها في عبادة وتعليم، وجهاد وتنظيم، أمضى أربعين سنة قبل البعثة لا يعرفه قومه إلا بالصادق الأمين، ثم أتاه الروح من أمر ربه: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا) فنبئ بـ(إقرأ)، وأرسل بالمدثر: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ثم عمَّ قومه أجمعين، وبقي في مكة داعياً إلى ربه ثلاث عشرة سنة، فلاقى هو وأصحابه من أذى المعاندين للدعوة الشيء الكثير، استهزئ به ورمي بالتهم، حاصرهم المشركون في شعب أبي طالب، حتى أجهدهم الجوع. توفي عمه أبو طالب وزوجه خديجة، وهما عضداه في الدعوة، فصبر واحتسب. حتى كاده قومه, فأرادوا حبسه أو قتله أو طرده: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) فأذن له ربه بالهجرة ومفارقة أهله وبلده، فخرج مهاجراً خائفاً يترقب إلى المدينة، خرج حيث أمره الله إلى قوم بايعوه على النصرة، والحماية مما يحمون منه أولادهم ونساءهم، فأظهره الله، وكتب له تمكيناً في المدينة، وهو مع هذا لم يفارقه البلاء والتمحيص له ولإتباعه، فهو بين أذية المنافقين، ومن ورائهم من اليهود الحاسدين، وبين مناوشات المشركين، وتحزبهم حرباً لرب العالمين. أوذي في الله ولم يؤذ أحد، شجَّ وجهه، وكسرت رباعيته، وتسلط عليه سفهاء من قومه، رمي بالحجارة حتَّى أدمي عقبه، تطاول عليه أحفاد القردة والخنازير؛ فخططت يهود لقتله، ودسَّت له يهودية سُمَّا في لحم شاة؛ ففضحها الله، وحمى نبيه من ضر سمِّها. كل هذه وغيرها، لم تفت في عزمه صلى الله عليه وسلم ، بل كانت حياته عليه الصلاة والسلام كلها جدُّ ونشاط، لم يعرف العجز إليه سبيلاً، ولا الكسل لنفسه مدخلا. كان يقومُ مِن الليل حتى تتورَمَ قدماه، ويقول لعائشة رضي الله عنها (أفلا أكون عبداً شكوراً) وكان يبادر أصحابه بما يأتيه من الصدقات والغنائم، يوزعها عليهم، ويبالغ في عطاء من يتألفهم. وكان يصوم، حتى يقال: إنه لا يفطر. وأما أخلاقه وجميل صفاته صلى الله عليه وسلم، فقد زكاه ربه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فلقد كان عليه الصلاة والسلام, أحلم الناس، وأشجعهم، وأعدلهم، وأعفهم. وكان غاية في التواضع، وحسن العشرة، يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدم في مهنة أهله. وكان أشدَّ الناس حياء؛ لا يثبت بصره في وجه أحد، يقبل الهدية ويثيب عليها، يجيب دعوة العبد والحر، يغضب لربه، ولا يغضب لنفسه، يقبل عذر المعتذر ويمازح أصحابه، ولا يقول إلا حقاً، -فصلوات ربي وسلامه عليه-. عباد الله: إنَّ من هذه بعض أوصافه حقُّ على النفوس أن تحبه فطرة، قبل أن تحبه شرعة. وأن تقدمه على كل أحد فليس قبل محبته إلا محبة الله الذي منَّ علينا ببعثته: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ) وكيف لا تحبه وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) وكيف لا تحبه وهو رحمة للعالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) ثم لما بلغ صلى الله عليه وسلم أجله المكتوب شُدّد عليه، فعانى من سكرات الموت ما لم يعان غيرُه، ومع هذا في هذه اللحظات الحرجة كان يوص أمته، ويحذرهم أن يتخذوا قبره مسجداً، يحذر طريقة اليهود، وأوصاهم آخر ما أوصاهم بالصلاة وما ملكت أيمانهم، فكان يقول عليه الصلاة والسلام: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم". ثم وافى ربه رافعاً بأصبعه شاخصاً ببصره، راضياً مرضياً عند ربه، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
الخطبة الثانية:
عباد الله: من النقص على الأمة الإسلامية ما تسمعونه وربما تشاهدونه عبر وسائل الإعلام من اشتغال كثير من المسلمين في كثير من البلدان الإسلامية بما يسمى بالمولد النبوي، يعنون بذلك مولد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيحيون ليلة الثاني عشر من شهر ربيع الأول باحتفالات يجتمعون عليها ينشدون فيها المدائح النبوية، وربما كان في بعضها شركيات، وتوسلات محرمة، ويزعمون بذلك تعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم-. فاعلموا -رحمكم الله-: أنَّ الاحتفال بالمولد النبوي أمر بدعي لا يجوز؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ". وهذه الاحتفالات لم يفعلها النبي -صلى الله غليه وسلم- ولا الصحابة من بعدهم، وإنما أحدثها من أحدثها في القرن السابع الهجري لإشغال المسلمين عن شعائر عن دينهم الصحيح، ومشابهة للنصارى في عيد المسيح. ومن كان يحب النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنَّ محبته تكون بطاعته، واتباع سنته، (قل إن كنتم الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم). اللهم إنا نسألك المحبة الصادقة لرسولك -صلى الله عليه وسلم-. اللهم حبب إلينا سنته، واتباعه ظاهراً وباطناً...
المرفقات
النبي-صلى-الله-عليه-وسلم-وبدعة-المولد
النبي-صلى-الله-عليه-وسلم-وبدعة-المولد