بعض أحكام صلاة العيد والعبادات قبله..
عبد الله بن علي الطريف
1435/09/26 - 2014/07/23 14:01PM
بعض أحكام صلاة العيد والعبادات قبله.. 27/9/1435هـ
أيها الأحبة: هكذا الدنيا، وهكذا أيام الشهر تتقضَّى وتذهب، وكأنها لم تمر، وسوق التقرب إلى الله في هذه الأيام قد راجت، وأبواب عطائه قد فتحت، فهلَّا وَلَجْنَا، ولبابه قرَعنا، ومن هموم الدنيا تجردنا، وللكسل والخمول طرحنا، ولعظيم جوده تعرَّضْنا، وبصالح الأعمال لشهرنا ختمنا.. فلم يبق من الشهر إلا يومين أو ثلاثة فبادروها بالعمل فالعبرة بالختام..
واعلموا -وفقني الله وإياكم- أن الله قد شرع لنا في ختام الشهر عباداتٍ جليلةً نزداد بها إيمانًا، وتكمل بها عبادتُنا؛ شرع لنا زكاةَ الفطرِ، والتكبيرَ، وصلاةَ العيد.
أما زكاةُ الفطر فقد فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، وما فرضه رسول الله فله حكم ما فرضه الله -سبحانه- أو أمر به، قال الله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7].
وقَالَ عَبدُ الله بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ". متفق عليه.
والواجب في الفطرة أن تخرج من طعام الآدميين من تمر أو بر أو أرز. ومقدارها صاع، ومقدار الصاع النبوي كيلوان وأربعون غرامًا، ويجب على المسلم أن يخرجها عن نفسه وعن كل من تلزمه نفقته من زوجة أو قريب، إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم؛ فإن استطاعوا -كأنْ يكون لهم راتب أو مال- فالأولى أن يخرجوها عن أنفسهم؛ لأنهم المخاطبون بها أصلاً، ومن أخرجها عن خَدَمِهِ فعليه أن يستأذنهم في ذلك.
وتجب بغروب الشمس ليلة العيد، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، ومن أخرجها بعد صلاة العيد بلا عذر فهي صدقة من الصدقات، لا تبرأ بها ذمته إلا أن يكون معذورًا؛ لأنه خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة: ادفعوها إلى فقراء المكان الذي أنتم فيه وقت الإخراج، سواء أكان محل الإقامة أم غيره من بلاد المسلمين، لاسيما إن كان مكانًا فاضلاً كمكة أو المدينة، أو كان فقراؤه أشد حاجة.
والأفضل أن يدفعها الإنسان بنفسه، فإن لم يستطع أو لم يعرف الفقراء فجمعية البر الخيرية بعنيزة تستقبلها في مواقع متعددة من البلد وتقوم بدفعها للفقراء.
وحسِّنوها وكملوها، ولتكن من أطيب أموالكم الذي تجدون، فـ(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران:92]، (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة: 267].
أيها الأحبة: ومما يشرع لكم بعد إكمال العدة التكبير، ووقته من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال الله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185]، أي: يشكرون الله -تعالى- عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعباده، وبالتكبير عند انقضائه، ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال إلى فراغ خطبة العيد. وصيغة التكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وإن قال: الله أكبر- ثلاثًا فلا بأس، ويسن الجهر به للرجال في المساجد والأسواق والبيوت، إعلانًا لتعظيم الله، وإظهارًا لعبادته وشكره. ويُسِرُّ به النساء؛ لأنهن مأمورات بالتستر والإسرار بالصوت، إلا إن كنَّ في مكان لا يسمعه الرجال غير المحارم.
الله أكبر! يا عباد الله: ما أجمل حال الناس وهم يكبرون الله تعظيمًا وإجلالاً في كل مكان عند انتهاء صومهم! فتمتلئ الآفاق تكبيرًا وتحميدًا وتهليلاً رجاءَ رحمةِ اللهِ، وخوفَ عذابه، وإحياءً لسنة نبيهم.
أيها الإخوة: أما صلاة العيد فقال عن حكمها شيخنا محمد العثيمين رحمه الله: أنها فرض عين على كل أحد، وأنه يجب على جميع المسلمين أن يصلوا صلاة العيد، ومن تخلف فهو آثم، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
واستدل هؤلاء بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أمر النساء حتى الْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ أن يخرجنَ إلى المصلى لِيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ» وهذا يدل على أنها فرض عين؛ لأنها لو كانت فرض كفاية لكان الرجال قد قاموا بها، وهذا عندي أقرب الأقوال وهو الراجح. أ-هـ [الممتع شرح الزاد] ومن الأدلة على الوجوب كذلك: أمر الله تعالى بها فقال: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر:2] والأمر يقتضي الوجوب وكذلك لما قال النساءُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قَالَ: «لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا» وفي رواية «فَلْتُعِرْها أختُها من جَلَابِيْبِها» متفق عليه.
وقال في المغني: ومما يدل على وجوبها كذلك أنها من أعلام الدين الظاهرة، وأعلام الدين الظاهرة فرض كالأذان وغيره.
وقال شيخ الإسلام: وَلِهَذَا رَجَّحْنَا أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ... وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا تَجِبُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَالنَّاسُ يَجْتَمِعُونَ لَهَا أَعْظَمَ مِنْ الْجُمُعَةِ وَقَدْ شُرِعَ فِيهَا التَّكْبِيرُ.. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ لَا يَنْضَبِطُ فَإِنَّهُ لَوْ حَضَرَهَا فِي الْمِصْرِ الْعَظِيمِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِحُضُورِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ.. أ-هـ [الفتاوى] والقول بالوجوب قول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: والصحيح أن صلاة العيد فرض عين، والدليل الذي استدلوا به على فرضِ الكفايةِ هو دليل على أنها فرض عين.. وقال: ولولا رجحان مصلحتها على كثير من الواجبات لم يَحُضْ أمته هذا الحض عليها، فدل على أنها من آكد فروض الأعيان. أ-هـ [المختارات الجلية]
أيها الأحبة: وعلى هذا القول فإن المفرطين في حضورها آثمون خاسرون في يوم الفرح والجوائز..
أيها الإخوة: وتتميز صلاة العيد عن غيرها من الصلوات بأن كل ركعة من ركعتيها تبدأ بعدد من التكبيرات ففي الركعة الأولى يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يقرأ دعاء الاستفتاح، ثم يكبر ست تكبيرات، وفي الثانية يكبر خمساً بعد تكبيرة الانتقال، والسنة أن يكبر الْمَأْمُومُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، والسنة للمأموم عدم رفع الصوت في التكبير.. وإذا حضر المأموم وقد فاتته بعض التكبيرات الزوائد فإنه يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يكبر مع الإمام ما بقي منها، ويسقط عنه ما فاته من التكبيرات.. ومن أدرك جزء من صلاة العيد مع الإمام أتمها على صفتها، أما من فاتته صلاة العيد كلها فقال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله: من فاتته صلاة العيد، فلا يسنّ له أن يقضيها؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ ولأنها صلاة ذات اجتماع معين، فلا تشرع إلا على هذا الوجه.. وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية.
اخرجوا إلى صلاة العيد متنظفين متطيبين، والبسوا أحسن الثياب، وأخرجوا لها نساءكم وأطفالكم ومَن تحت أيديكم، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، قالت أم عطية: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُخْرجهن في الفطر والأضحى، أي العواتق والحُيَّض وذوات الخدور، أما الحُيض فيعتزلن المصلى، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين.
اخرجوا أيها الإخوة: امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتغاء الخير، ودعوة المسلمين، فكم في ذلك المصلى من خيرات تنزل، وجوائز من الرب الكريم تحصل، ودعوات طيبات تقبل..
والسنة أن يأكل قبل الخروج إلى المصلى تمراتٍ وتْرًا، ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر إن أحب ويقطعهن على وتر؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
واخرجوا إلى هذه الصلاة مشيًا إلا من عذرٍ كعجز أو بُعد؛ لقول علي -رضي الله عنه: من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيًا.
وستقام الصلاة إن شاء الله الساعة الخامسة وخمسين دقيقة، فأدوها بخشوع وحضور قلب، وتذكروا بجمعكم اجتماع الناس في يوم الجمع الأكبر: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89].. بلَّغَنا الله يوم العيد من عمر مديد بطاعة الله، ومنَّ علينا بالقبول، إنه جواد كريم.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
أحبتي: يومين أو ثلاثة ونودع هذا الشهر العظيم، وقد يدب الفتور إلينا، خصوصاً في آخر العمل ولذلك حثنا رسولنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مغالبة النفس وحملها على الخير؛ من أجل دحر الفتور؛ فعن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي. رواه مسلم أجل غالب نفسك ومشاغلك في هاتين الليلتين أو الثلاث لتضفر بالخير العظيم..
أيها الأحبة: بالجملة ينبغي للمسلم أن يزيد في الأعمال الصالحة في الأيام والليالي الفضلة رجاء فضلها.. قال الإمام الغزالي رحمه الله: فإن الله سبحانه إذا أحب عبدا استعمله في الأوقات الفاضلة بفواضل الأعمال.. وإذا مقته استعمله في الأوقات الفاضلة بسيئ الأعمال ليكون ذلك أوجع في عقابه، وأشد لمقته لحرمانه بركة الوقت، وانتهاكه حرمة الوقت.
وإذا لم نحسن الاستقبال فلنحسن الوداع فالعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات.. والأعمال بالخواتيم.. يقول الحسن البصري: أحسن فيما بقى يغفر لك ما مضى.. واغتنم ما بقي، فلا تدري متى تدرك رحمة الله، ربما تكون في آخر ساعة من رمضان اللهم اختم لنا رمضان بالغفران.
أيها الأحبة: من نعم الله علينا في هذا الشهر المبارك بأن عُمرت المساجد فيه بالتراويح والقيام؛ وتعطرت لياليه بتلاوة القرآن والذكر والدعاء، ورفعت فيه أكف الضراعة إلى الله بالدعاء والثناء، وأمَّ المسلمين فيها شبابٌ من أبنائهم تحملوا المسؤولية وآثروا نفع عباد الله، واحتسبوا الأجر بالإمامة، واطَّرحوا الكسل، وفازوا بالمبادرة والأجر إن شاء الله.
وتوافد المسلمون إليهم زرافات ووحدانًا، صغارًا وكبارًا، رجالاً ونساءً، يأتمُّون بهم، ويسمعون كلام الله يتلى عليهم غضًّا طريًّا، فيستشعرون وعده ووعيده، فما أعظمه من عمل! وما أجمله من بذل للخير! حق لهم علينا الدعاء.. نسأل الله أن يجز كل من أم المسلمين في هذا الشهر وغيره خير الجزاء وأن يبارك بأعمالهم وأعمارهم ويجعلهم هداة مهتدين... وصلُّوا...
أيها الأحبة: هكذا الدنيا، وهكذا أيام الشهر تتقضَّى وتذهب، وكأنها لم تمر، وسوق التقرب إلى الله في هذه الأيام قد راجت، وأبواب عطائه قد فتحت، فهلَّا وَلَجْنَا، ولبابه قرَعنا، ومن هموم الدنيا تجردنا، وللكسل والخمول طرحنا، ولعظيم جوده تعرَّضْنا، وبصالح الأعمال لشهرنا ختمنا.. فلم يبق من الشهر إلا يومين أو ثلاثة فبادروها بالعمل فالعبرة بالختام..
واعلموا -وفقني الله وإياكم- أن الله قد شرع لنا في ختام الشهر عباداتٍ جليلةً نزداد بها إيمانًا، وتكمل بها عبادتُنا؛ شرع لنا زكاةَ الفطرِ، والتكبيرَ، وصلاةَ العيد.
أما زكاةُ الفطر فقد فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، وما فرضه رسول الله فله حكم ما فرضه الله -سبحانه- أو أمر به، قال الله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7].
وقَالَ عَبدُ الله بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ". متفق عليه.
والواجب في الفطرة أن تخرج من طعام الآدميين من تمر أو بر أو أرز. ومقدارها صاع، ومقدار الصاع النبوي كيلوان وأربعون غرامًا، ويجب على المسلم أن يخرجها عن نفسه وعن كل من تلزمه نفقته من زوجة أو قريب، إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم؛ فإن استطاعوا -كأنْ يكون لهم راتب أو مال- فالأولى أن يخرجوها عن أنفسهم؛ لأنهم المخاطبون بها أصلاً، ومن أخرجها عن خَدَمِهِ فعليه أن يستأذنهم في ذلك.
وتجب بغروب الشمس ليلة العيد، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، ومن أخرجها بعد صلاة العيد بلا عذر فهي صدقة من الصدقات، لا تبرأ بها ذمته إلا أن يكون معذورًا؛ لأنه خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة: ادفعوها إلى فقراء المكان الذي أنتم فيه وقت الإخراج، سواء أكان محل الإقامة أم غيره من بلاد المسلمين، لاسيما إن كان مكانًا فاضلاً كمكة أو المدينة، أو كان فقراؤه أشد حاجة.
والأفضل أن يدفعها الإنسان بنفسه، فإن لم يستطع أو لم يعرف الفقراء فجمعية البر الخيرية بعنيزة تستقبلها في مواقع متعددة من البلد وتقوم بدفعها للفقراء.
وحسِّنوها وكملوها، ولتكن من أطيب أموالكم الذي تجدون، فـ(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران:92]، (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة: 267].
أيها الأحبة: ومما يشرع لكم بعد إكمال العدة التكبير، ووقته من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال الله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185]، أي: يشكرون الله -تعالى- عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعباده، وبالتكبير عند انقضائه، ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال إلى فراغ خطبة العيد. وصيغة التكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وإن قال: الله أكبر- ثلاثًا فلا بأس، ويسن الجهر به للرجال في المساجد والأسواق والبيوت، إعلانًا لتعظيم الله، وإظهارًا لعبادته وشكره. ويُسِرُّ به النساء؛ لأنهن مأمورات بالتستر والإسرار بالصوت، إلا إن كنَّ في مكان لا يسمعه الرجال غير المحارم.
الله أكبر! يا عباد الله: ما أجمل حال الناس وهم يكبرون الله تعظيمًا وإجلالاً في كل مكان عند انتهاء صومهم! فتمتلئ الآفاق تكبيرًا وتحميدًا وتهليلاً رجاءَ رحمةِ اللهِ، وخوفَ عذابه، وإحياءً لسنة نبيهم.
أيها الإخوة: أما صلاة العيد فقال عن حكمها شيخنا محمد العثيمين رحمه الله: أنها فرض عين على كل أحد، وأنه يجب على جميع المسلمين أن يصلوا صلاة العيد، ومن تخلف فهو آثم، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
واستدل هؤلاء بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أمر النساء حتى الْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ أن يخرجنَ إلى المصلى لِيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ» وهذا يدل على أنها فرض عين؛ لأنها لو كانت فرض كفاية لكان الرجال قد قاموا بها، وهذا عندي أقرب الأقوال وهو الراجح. أ-هـ [الممتع شرح الزاد] ومن الأدلة على الوجوب كذلك: أمر الله تعالى بها فقال: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر:2] والأمر يقتضي الوجوب وكذلك لما قال النساءُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قَالَ: «لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا» وفي رواية «فَلْتُعِرْها أختُها من جَلَابِيْبِها» متفق عليه.
وقال في المغني: ومما يدل على وجوبها كذلك أنها من أعلام الدين الظاهرة، وأعلام الدين الظاهرة فرض كالأذان وغيره.
وقال شيخ الإسلام: وَلِهَذَا رَجَّحْنَا أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ... وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا تَجِبُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَالنَّاسُ يَجْتَمِعُونَ لَهَا أَعْظَمَ مِنْ الْجُمُعَةِ وَقَدْ شُرِعَ فِيهَا التَّكْبِيرُ.. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ لَا يَنْضَبِطُ فَإِنَّهُ لَوْ حَضَرَهَا فِي الْمِصْرِ الْعَظِيمِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِحُضُورِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ.. أ-هـ [الفتاوى] والقول بالوجوب قول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: والصحيح أن صلاة العيد فرض عين، والدليل الذي استدلوا به على فرضِ الكفايةِ هو دليل على أنها فرض عين.. وقال: ولولا رجحان مصلحتها على كثير من الواجبات لم يَحُضْ أمته هذا الحض عليها، فدل على أنها من آكد فروض الأعيان. أ-هـ [المختارات الجلية]
أيها الأحبة: وعلى هذا القول فإن المفرطين في حضورها آثمون خاسرون في يوم الفرح والجوائز..
أيها الإخوة: وتتميز صلاة العيد عن غيرها من الصلوات بأن كل ركعة من ركعتيها تبدأ بعدد من التكبيرات ففي الركعة الأولى يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يقرأ دعاء الاستفتاح، ثم يكبر ست تكبيرات، وفي الثانية يكبر خمساً بعد تكبيرة الانتقال، والسنة أن يكبر الْمَأْمُومُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، والسنة للمأموم عدم رفع الصوت في التكبير.. وإذا حضر المأموم وقد فاتته بعض التكبيرات الزوائد فإنه يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يكبر مع الإمام ما بقي منها، ويسقط عنه ما فاته من التكبيرات.. ومن أدرك جزء من صلاة العيد مع الإمام أتمها على صفتها، أما من فاتته صلاة العيد كلها فقال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله: من فاتته صلاة العيد، فلا يسنّ له أن يقضيها؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ ولأنها صلاة ذات اجتماع معين، فلا تشرع إلا على هذا الوجه.. وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية.
اخرجوا إلى صلاة العيد متنظفين متطيبين، والبسوا أحسن الثياب، وأخرجوا لها نساءكم وأطفالكم ومَن تحت أيديكم، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، قالت أم عطية: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُخْرجهن في الفطر والأضحى، أي العواتق والحُيَّض وذوات الخدور، أما الحُيض فيعتزلن المصلى، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين.
اخرجوا أيها الإخوة: امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتغاء الخير، ودعوة المسلمين، فكم في ذلك المصلى من خيرات تنزل، وجوائز من الرب الكريم تحصل، ودعوات طيبات تقبل..
والسنة أن يأكل قبل الخروج إلى المصلى تمراتٍ وتْرًا، ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر إن أحب ويقطعهن على وتر؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
واخرجوا إلى هذه الصلاة مشيًا إلا من عذرٍ كعجز أو بُعد؛ لقول علي -رضي الله عنه: من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيًا.
وستقام الصلاة إن شاء الله الساعة الخامسة وخمسين دقيقة، فأدوها بخشوع وحضور قلب، وتذكروا بجمعكم اجتماع الناس في يوم الجمع الأكبر: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89].. بلَّغَنا الله يوم العيد من عمر مديد بطاعة الله، ومنَّ علينا بالقبول، إنه جواد كريم.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
أحبتي: يومين أو ثلاثة ونودع هذا الشهر العظيم، وقد يدب الفتور إلينا، خصوصاً في آخر العمل ولذلك حثنا رسولنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مغالبة النفس وحملها على الخير؛ من أجل دحر الفتور؛ فعن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي. رواه مسلم أجل غالب نفسك ومشاغلك في هاتين الليلتين أو الثلاث لتضفر بالخير العظيم..
أيها الأحبة: بالجملة ينبغي للمسلم أن يزيد في الأعمال الصالحة في الأيام والليالي الفضلة رجاء فضلها.. قال الإمام الغزالي رحمه الله: فإن الله سبحانه إذا أحب عبدا استعمله في الأوقات الفاضلة بفواضل الأعمال.. وإذا مقته استعمله في الأوقات الفاضلة بسيئ الأعمال ليكون ذلك أوجع في عقابه، وأشد لمقته لحرمانه بركة الوقت، وانتهاكه حرمة الوقت.
وإذا لم نحسن الاستقبال فلنحسن الوداع فالعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات.. والأعمال بالخواتيم.. يقول الحسن البصري: أحسن فيما بقى يغفر لك ما مضى.. واغتنم ما بقي، فلا تدري متى تدرك رحمة الله، ربما تكون في آخر ساعة من رمضان اللهم اختم لنا رمضان بالغفران.
أيها الأحبة: من نعم الله علينا في هذا الشهر المبارك بأن عُمرت المساجد فيه بالتراويح والقيام؛ وتعطرت لياليه بتلاوة القرآن والذكر والدعاء، ورفعت فيه أكف الضراعة إلى الله بالدعاء والثناء، وأمَّ المسلمين فيها شبابٌ من أبنائهم تحملوا المسؤولية وآثروا نفع عباد الله، واحتسبوا الأجر بالإمامة، واطَّرحوا الكسل، وفازوا بالمبادرة والأجر إن شاء الله.
وتوافد المسلمون إليهم زرافات ووحدانًا، صغارًا وكبارًا، رجالاً ونساءً، يأتمُّون بهم، ويسمعون كلام الله يتلى عليهم غضًّا طريًّا، فيستشعرون وعده ووعيده، فما أعظمه من عمل! وما أجمله من بذل للخير! حق لهم علينا الدعاء.. نسأل الله أن يجز كل من أم المسلمين في هذا الشهر وغيره خير الجزاء وأن يبارك بأعمالهم وأعمارهم ويجعلهم هداة مهتدين... وصلُّوا...
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق