بعد أمريكا...العنصرية في "إسرائيل" / د. عامر الهوشان

احمد ابوبكر
1436/07/16 - 2015/05/05 06:19AM
[align=justify]"كل إناء بالذي فيه ينضح" مثل عربي يعبر عن حال ما يحدث في كل من أمريكا - من خلال تزايد مظاهر العنصرية المقيتة ضد السود هناك - وفي الكيان الصهيوني "إسرائيل" منذ أيام وحتى الآن , حيث المظاهرات التي عمت القدس وتل أبيب احتجاجا على العنصرية ضد السود أيضا .

فلا يمكن لمجتمع تعشعش فيه العنصرية منذ نشوئه وظهوره , وتتغلغل فيه الطبقية ومشاعر الكراهية بسبب استغلال بعض فئات المجتمع للبعض الآخر , إلا أن يفيض مع مرور الأيام والأعوام بالعنصرية بكافة مظاهرها وأشكالها , والاحتجاج على هذه العنصرية بكل السبل والوسائل المتاحة .

كانت بداية القصة – في الكيان الصهيوني هذه المرة بعد أمريكا - مع بث تسجيل فيديو ظهر فيه رجلان من جيش الاحتلال يضربان جنديا "إسرائيليا" من أصل إثيوبي , الأمر الذي دفع اليهود من أصول إثيوبية "السود" للخروج في من تظاهرة غاضبة في مدينة القدس قبل ثلاثة أيام ، تخللتها صدامات أصيب فيها عشرة متظاهرين وثلاثة جنود بجروح .

ولم تتوقف الاحتجاجات والصدامات عند مدينة القدس , بل انتقلت إلى تل أبيب , حيث أصيب أكثر من 50 شخصا بجروح - من عناصر جيش الاحتلال ومحتجين - في صدامات دارت في وسط "تل أبيب" مساء أمس الأحد، إثر تظاهرة احتجاجية على عنف جيش الاحتلال والتمييز العنصري الذي يتعرض له "الإسرائيليون" من أصول إثيوبية.

وقد حاول جيش الاحتلال التقليل من أهمية ما جرى من خلال تقدير عدد المشاركين في التظاهرة بنحو ثلاثة آلاف شخص فقط ، بيما الحقيقة التي نقلتها وسائل الإعلام عن منظمي الاحتجاجات تؤكد أن عدد المتظاهرين بلغ عشرة آلاف.

كما حاول رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" لملمة القضية فوعد بأنه "سيتم درس كل الشكاوى المقدمة ضد الشرطة , مؤكدا أنه ليس هناك أي مكان للعنف , كما أصدر بيانا اليوم الاثنين، أعلن فيه أنه سيلتقي الجندي "داماس باكادا" الذي تعرض للضرب كما سيلتقي ممثلين آخرين للمجتمع الإثيوبي.

وكما هي العادة فإن الإجراء التقليدي المتبع في مثل هذه الحالات في كل من أمريكا من قبل , و "إسرائيل" اليوم هو توقيف المتهمين بالممارسة العنصرية عن مزاولة العمل , وذلك تخفيفا لحدة المظاهرات والاحتجاجات , وحفظا لماء وجه ما يزعمونه من مساواة وعدالة وتعايش بين الأعراق والأجناس المختلفة في كيانهم المصطنع , ثم لا يكون هناك أي إجراء عقابي ضدهم يُشعر المضطهدين بنوع من العدالة أو المساواة .

ومما يؤكد أن تظاهرات القدس وتل أبيب تعبر عن مدى الاستياء من تنامي العنصرية في الداخل "الإسرائيلي" , اعتراف وزير الداخلية "يتسحاق اهرونوفيتش" بعدم وجود قادة للتحرك يمكن التحاور معهم , مما يعني أنها تعبير عن شعور ينتاب كل يهودي أسود في فلسطين المحتلة .

والحقيقة أن شكوى اليهود السود في الكيان الصهيوني هي نفس شكوى الأمريكيين السود في الولايات المتحدة , إنه الشعور بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية , أو ربما الثالثة والرابعة , فلا وجود للمساواة أبدا بينهم وبين البيض , لا في السياسة والمناصب الحكومية , ولا حتى في مجال التعليم أو في الحياة الاجتماعية .

ومما يشير إلى ذلك ما عبر عنه "إيدي ماكونين" أحد المتظاهرين الذي يبلغ من العمر 43 عاما حيث قال : "لأنني أسود فإنني أتظاهر اليوم .... فالعنف يستهدف مجتمعي الذي يجب أن أدعمه ....إن المحتجين يريدون محاكمة رجال الشرطة العنيفين ومعالجة مشاكل عدم المساواة الاجتماعية" .

فعلى الرغم من أن أكثر من 135 ألف إثيوبي يهودي يعيشون في "إسرائيل" التي هاجروا إليها في موجتي عامي 1984 و1991، إلا أنهم يجدون صعوبة في الاندماج في المجتمع "الإسرائيلي" بسبب العنصرية المقيتة ضدهم .

ليست العنصرية وليدة اليوم أو الأمس في الكيان الصهيوني المصطنع , بل هي متجذرة في هذا الكيان منذ إعلان قيام دولته المزعومة عام 1948 , "فالسفارديم" أو "يهود الشرق" يُعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية أمام "الأشكناز" أو "اليهود الغربيين" الذين يعتبرون أنفسهم من الدرجة الأولى .

وعلى الرغم من أن اليهود الشرقيين شكلوا نحو 54% من عدد المهاجرين إلى "إسرائيل" في الخمسينيات ، لكن السلطة ظلت في يد اليهود الأشكناز الذين طبقوا سياسة تمييز في حق جماعات اليهود الشرقيين جعلتهم في مرتبة أدنى .
وفي دراسة نشرها د. "شلومو سبيرسكي" قبل أشهر من انتخابات الكنيست عام 1981 , أكد فيها أن : "في إسرائيل توزيع العمل على أساس طبقي، فالبرجوازية "الإسرائيلية" أشكنازية في أساسها ، بينما البروليتاريا اليهودية في "إسرائيل" شرقية " .

إن البرجوازية الأشكنازية هي من أقامت الحركة الصهيونية السياسية ، وهم الذين وجهوا ونظموا تيار الهجرة الجماهيرية ، ومن هنا لم يكن أمام الجيل الثاني والثالث من الشرقيين سوى أن يكونوا عمالا وموظفين في المراتب الدنيا ، في مقابل سيطرة مفتوحة للجيل الثاني والثالث من الأشكناز على مراكز الإدارة .

ولا شك أن مظاهر العنصرية الواضحة والفاضحة في الكيان الصهيوني , أدى إلى انفجار حركات تمرد واحتجاج كبيرة لليهود الشرقيين , كان أهمها على الإطلاق التمرد الذي قام به "الفهود السود" في مطلع السبعينيات , فقد تظاهر عشرات الآلاف في أيار عام 1971م , فقمعت بالقوة وتم اعتقال 170 ناشطا وجرح أكثر من 70 شرطيا .

ورغم مرور أكثر من خمس وستين عاما على إعلان قيام الكيان الصهيوني , إلا أن تركيبة المجتمع "الإسرائيلي" القائمة على العنصرية , والمتمثلة بإعطاء اليهود الأشكناز الموقع الأول والمرتبة الأولى ، وتمييزهم عن الشرقيين ..... لم تتغير .

وهو ما يعني بعبارة أخرى , أن نظرية ما يسمى "بوتقة الصهر" التي نادت بها الصهيونية قد فشلت فشلا ذريعا ، وأن بناء المجتمع اليهودي الأمثل الذي كانت تحلم به قد بات مستحيلا , فما بني على باطل فهو باطل .

المصدر: المسلم
[/align]
المشاهدات 938 | التعليقات 0