بشاعةُ داءِ الكبر, وذكر العلامات الدَّالّة عليه 26/4/1437
أحمد بن ناصر الطيار
1437/04/25 - 2016/02/04 11:29AM
الحمد لله ذي العظمة والكبرياء, ذلَّت لعظمته أنوفُ العظماء, ودانت لجبروته الْمُلوكُ والرؤساء, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, مَن نازعه الكبر صيَّره من الأذلاء, ومن تواضع لأجله أنزله منازل السعداء , وأشهد أن نبينا محمدا عبدُ الله ورسوله, سيدُ المتواضعين, يكره ويبغض الجَبَابِرَةَ المتكبرين, صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين, والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين, وسلم تسليما كثيرا, أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنَّ لِله تعالى صفاتٍ تفرَّد بها عن خلقه, لا يجوز لأحدٍ الاتصاف بها, ومن هذه الصفات: الكبر. قال الله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
فلا يليق بالمخلوق الضعيف أن يتكبر على الناسِ, ولا أن يدخلَه العُجْب والغرور.
فالكِبْرُ والعُجْب داءان مُهْلكان, لا يتحلى بهما إلا أراذل الناس.
الكِبْرُ -عباد الله- حمقٌ ورداءةُ عقل, قيل لبعضهم : ما الكِبر ؟ قال : حُمْقٌ لم يَدْرِ صاحبُه أين يضعُه.
ولا يتكبر أحدٌ إلا لِشُعوره بالنقص في داخله, فالمتكبر ناقصٌ مهزوز الثقة بنفسه, يرى أنَّ فيه عيبًا ونقصًا, لا يُزيله إلا بإظهارِه للناس عكسَ ذلك, فَيَتَصَنَّعُ الكبر والغرور, فيرى أنه بهذا قد كمُل, وهو عند الناس في غاية الحقارة والمقت.
وقد ذم الله الكبر في مواضع من كتابه, وذم كل جبار متكبر, فقال تعالى:سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.
فالمتكبر مصروفٌ عن الحق والهدى, لأنه أقلُّ وأَحْقَرُ من أنْ يُعطاه.
وقال تعالى كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ.
فالمتكبر مطبوعٌ على قلبه, مختومٌ على فؤاده, والمسكينُ لا يشعر بذلك أبدا.
والمتكبرون هم أهل النار وحطامُها, قال : (تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ, فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ, وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ, فقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي, أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي, وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي, أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي, وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكمَا مِلْؤُهَا ) متفق عليه
والكبر مختص بالله وحده, فويلٌ لمن أراد أن يكون شريْكًا لله بصافته, قَالَ الله تعالى في الحديث القدسي : (الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ).
والمتكبر مُتوّعَّدٌ بعدم دخول الجنة, قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ). رواه مسلم
وما عَصَى إبليسُ ربَّه وهو أولُ العاصين, إلا لِمَا اَسْتقرَّ في قلبه من الكبر, (قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ).
بل إنَّ الكبرَ أشرُّ وأخطرُ من الشرك!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: التكبر شَرٌّ من الشرك، فإن المتكبر يتكبر عن عبادة الله تعالى، والمشرك يعبد الله وغيره. ا.ه
يا مظهرَ الكِبر إِعجاباً بصورتِه ... انظرْ خلاءكَ إِنَّ النتنَ تَثْريبُ
لو فكَّرَ الناسُ فيما في بطونِهمُ ... ما اسْتشعرَ الكبرَ شُبَّانٌ ولا شيبُ
هل في ابنِ آدمَ غيرُ الرأسِ مَكرُمَةً ... وَفيهِ خَمْسٌ مِن الأقذارِ مضروبُ
أنفٌ يسيلُ وأذْنٌ ريحُها نتِنٌ... والعينُ مُغْمَصَةٌ والثغرُ مَلْعوبُ
يابنَ الترابِ ومأكولَ الترابِ غداً ... أَقصرْ فإِنكَ مأكولٌ ومَشْروبُ
ويا مَن يدّب في قلبِه كبرٌ أو غرور, هل تعلم مِنْ أيِّ شيءٍ خُلِقْتَ؟ خُلِقْتَ مِن نُطْفةٍ حقيرة, {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فسوى}.
وكنت أوّلَ أمرك بين أحشاءِ أُمّك, وخرجتَ من مَجْرى بولِها.
قال الأحنفُ بنُ قيس رحمه الله: عجبتُ لمن يجري في مَجرى البَول مرَّتين، كيف يتكبَّر!
هكذا كنتَ فكيف تتكبر؟ {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ * مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}.
مرَّ الأميرُ المهلبُ بنُ أبي صفرة, على مالك بن دينارٍ رحمه الله متبختراً، فقال له: أما علمتَ أنها مِشيةٌ يكرهها الله إلا بينَ الصَّفينِ؟ فقال المهلَّبُ: أما تعرفني؟ قال: بلى، أوَّلُك نُطفة مَذِرَة، وآخِرُك جيفةٌ قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمِل العَذِرَة, فانكسر، وقال: الآن عَرَفْتَنِي حقَّ المعرفة.
ومن تكبر لنسبه وحسبه, فهذا من جهله وقلَّة عقله, حيث تعزز وافتخر بكمال غيره, ولذلك قيل :
لئن فخرتَ بآباءٍ ذوي شرف ... لقد صدقت ولكنْ بئس ما وَلدوا
فالمتكبر بالنسب: إنْ كان خسيساً في صفاته, فكيف يَجْبُرُ خِسَّتَهُ بكمال غيره؟ وبأمرٍ ليس مِن عملِه وكسبِه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين, جعل الرفعة لعباده المتواضعين، والذِّلَّ والصغار على المتكبرين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون, إنَّ الكبرَ له علاماتٌ, فَبِها يَعرف أحدُنا أنه متكبر أو لا, فالكلُّ يدعي أنه بريء من الكبر والغرور, وأنه من المتواضعينَ غايةَ التواضع, فلْيسمع كلُّ واحدٍ مِنَّا هذهِ العلاماتِ حتى يجتنبَها:
أولاً: أنْ ترى لك فضلاً على من هو دونك من المسلمين.
قال بعض السلف: كفى بك من الكبر أن ترى لك فضلاً على من هو دونك.
وقال بعض السلف: من رأى أنه خير من غيره فقد استكبر، وذلك أنَّ إبليس إنما منعه من السجود لآدم عليه السلام، شُعورُه بأنه أفضل وأرفع منه.
فاحذر أن تظن أنك خيرٌ من أحدٍ من المسلمين, وأنك أفضل منه, وأعلم وأتقى منه, ولو لم يكن ظاهرُه الصلاحَ والتقى, فالله تعالى يقول: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى).
ثانيًا: رَدُّ الحق إذا جاء من صغير أو حقير, وعدمُ قبوله لازْدِراِءِ أو بُغْضِ قائله.
وقد سئل الفضيلُ رحمه الله عن التواضع ما هو؟ فقال: أنْ تخضع للحق, وتنقاد له, ولو سمعته من صبي قبلته, ولو سمعته من أجهل الناس قبلته.
ثالثًا: احتقار الناس وازدراؤهم, قَالَ صلى الله عليه وسلم « الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ » رواه مسلم
بَطَرُ الْحَقِّ: أي التكبر على الحق فلا يقبله , وَغَمْطُ النَّاسِ: احتقارهم والاستهانة بهم.
فالمتكبر يحتقرُ الفقراءَ والْمُعْوِزين, ويأنفُ أن يأكلَ أو يجلسَ معهم.
واسْألْ نفسك: هل طلبتَ ولو مرةً واحدةً من خادمك وعاملك: أن يأكل أو يجلِسَ معك؟
ولْتَسْأَلِ المرأةُ نفسها: كم مرةٍ طلبت من خادمتِها أن تشاركها الطعام, وكم مرةٍ شاركتها الحديث والكلام, أم أنها تأنفُ من ذلك وتستقبحه. فإن لم يسمى هذا كبرًا فما يسمى؟
نسأل الله تعالى أنْ يُعيذنَا من الكبر, وأنْ يُجعلَنَا من عبادِه المتواضعين, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنَّ لِله تعالى صفاتٍ تفرَّد بها عن خلقه, لا يجوز لأحدٍ الاتصاف بها, ومن هذه الصفات: الكبر. قال الله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
فلا يليق بالمخلوق الضعيف أن يتكبر على الناسِ, ولا أن يدخلَه العُجْب والغرور.
فالكِبْرُ والعُجْب داءان مُهْلكان, لا يتحلى بهما إلا أراذل الناس.
الكِبْرُ -عباد الله- حمقٌ ورداءةُ عقل, قيل لبعضهم : ما الكِبر ؟ قال : حُمْقٌ لم يَدْرِ صاحبُه أين يضعُه.
ولا يتكبر أحدٌ إلا لِشُعوره بالنقص في داخله, فالمتكبر ناقصٌ مهزوز الثقة بنفسه, يرى أنَّ فيه عيبًا ونقصًا, لا يُزيله إلا بإظهارِه للناس عكسَ ذلك, فَيَتَصَنَّعُ الكبر والغرور, فيرى أنه بهذا قد كمُل, وهو عند الناس في غاية الحقارة والمقت.
وقد ذم الله الكبر في مواضع من كتابه, وذم كل جبار متكبر, فقال تعالى:سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.
فالمتكبر مصروفٌ عن الحق والهدى, لأنه أقلُّ وأَحْقَرُ من أنْ يُعطاه.
وقال تعالى كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ.
فالمتكبر مطبوعٌ على قلبه, مختومٌ على فؤاده, والمسكينُ لا يشعر بذلك أبدا.
والمتكبرون هم أهل النار وحطامُها, قال : (تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ, فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ, وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ, فقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي, أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي, وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي, أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي, وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكمَا مِلْؤُهَا ) متفق عليه
والكبر مختص بالله وحده, فويلٌ لمن أراد أن يكون شريْكًا لله بصافته, قَالَ الله تعالى في الحديث القدسي : (الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ).
والمتكبر مُتوّعَّدٌ بعدم دخول الجنة, قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ). رواه مسلم
وما عَصَى إبليسُ ربَّه وهو أولُ العاصين, إلا لِمَا اَسْتقرَّ في قلبه من الكبر, (قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ).
بل إنَّ الكبرَ أشرُّ وأخطرُ من الشرك!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: التكبر شَرٌّ من الشرك، فإن المتكبر يتكبر عن عبادة الله تعالى، والمشرك يعبد الله وغيره. ا.ه
يا مظهرَ الكِبر إِعجاباً بصورتِه ... انظرْ خلاءكَ إِنَّ النتنَ تَثْريبُ
لو فكَّرَ الناسُ فيما في بطونِهمُ ... ما اسْتشعرَ الكبرَ شُبَّانٌ ولا شيبُ
هل في ابنِ آدمَ غيرُ الرأسِ مَكرُمَةً ... وَفيهِ خَمْسٌ مِن الأقذارِ مضروبُ
أنفٌ يسيلُ وأذْنٌ ريحُها نتِنٌ... والعينُ مُغْمَصَةٌ والثغرُ مَلْعوبُ
يابنَ الترابِ ومأكولَ الترابِ غداً ... أَقصرْ فإِنكَ مأكولٌ ومَشْروبُ
ويا مَن يدّب في قلبِه كبرٌ أو غرور, هل تعلم مِنْ أيِّ شيءٍ خُلِقْتَ؟ خُلِقْتَ مِن نُطْفةٍ حقيرة, {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فسوى}.
وكنت أوّلَ أمرك بين أحشاءِ أُمّك, وخرجتَ من مَجْرى بولِها.
قال الأحنفُ بنُ قيس رحمه الله: عجبتُ لمن يجري في مَجرى البَول مرَّتين، كيف يتكبَّر!
هكذا كنتَ فكيف تتكبر؟ {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ * مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}.
مرَّ الأميرُ المهلبُ بنُ أبي صفرة, على مالك بن دينارٍ رحمه الله متبختراً، فقال له: أما علمتَ أنها مِشيةٌ يكرهها الله إلا بينَ الصَّفينِ؟ فقال المهلَّبُ: أما تعرفني؟ قال: بلى، أوَّلُك نُطفة مَذِرَة، وآخِرُك جيفةٌ قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمِل العَذِرَة, فانكسر، وقال: الآن عَرَفْتَنِي حقَّ المعرفة.
ومن تكبر لنسبه وحسبه, فهذا من جهله وقلَّة عقله, حيث تعزز وافتخر بكمال غيره, ولذلك قيل :
لئن فخرتَ بآباءٍ ذوي شرف ... لقد صدقت ولكنْ بئس ما وَلدوا
فالمتكبر بالنسب: إنْ كان خسيساً في صفاته, فكيف يَجْبُرُ خِسَّتَهُ بكمال غيره؟ وبأمرٍ ليس مِن عملِه وكسبِه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين, جعل الرفعة لعباده المتواضعين، والذِّلَّ والصغار على المتكبرين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون, إنَّ الكبرَ له علاماتٌ, فَبِها يَعرف أحدُنا أنه متكبر أو لا, فالكلُّ يدعي أنه بريء من الكبر والغرور, وأنه من المتواضعينَ غايةَ التواضع, فلْيسمع كلُّ واحدٍ مِنَّا هذهِ العلاماتِ حتى يجتنبَها:
أولاً: أنْ ترى لك فضلاً على من هو دونك من المسلمين.
قال بعض السلف: كفى بك من الكبر أن ترى لك فضلاً على من هو دونك.
وقال بعض السلف: من رأى أنه خير من غيره فقد استكبر، وذلك أنَّ إبليس إنما منعه من السجود لآدم عليه السلام، شُعورُه بأنه أفضل وأرفع منه.
فاحذر أن تظن أنك خيرٌ من أحدٍ من المسلمين, وأنك أفضل منه, وأعلم وأتقى منه, ولو لم يكن ظاهرُه الصلاحَ والتقى, فالله تعالى يقول: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى).
ثانيًا: رَدُّ الحق إذا جاء من صغير أو حقير, وعدمُ قبوله لازْدِراِءِ أو بُغْضِ قائله.
وقد سئل الفضيلُ رحمه الله عن التواضع ما هو؟ فقال: أنْ تخضع للحق, وتنقاد له, ولو سمعته من صبي قبلته, ولو سمعته من أجهل الناس قبلته.
ثالثًا: احتقار الناس وازدراؤهم, قَالَ صلى الله عليه وسلم « الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ » رواه مسلم
بَطَرُ الْحَقِّ: أي التكبر على الحق فلا يقبله , وَغَمْطُ النَّاسِ: احتقارهم والاستهانة بهم.
فالمتكبر يحتقرُ الفقراءَ والْمُعْوِزين, ويأنفُ أن يأكلَ أو يجلسَ معهم.
واسْألْ نفسك: هل طلبتَ ولو مرةً واحدةً من خادمك وعاملك: أن يأكل أو يجلِسَ معك؟
ولْتَسْأَلِ المرأةُ نفسها: كم مرةٍ طلبت من خادمتِها أن تشاركها الطعام, وكم مرةٍ شاركتها الحديث والكلام, أم أنها تأنفُ من ذلك وتستقبحه. فإن لم يسمى هذا كبرًا فما يسمى؟
نسأل الله تعالى أنْ يُعيذنَا من الكبر, وأنْ يُجعلَنَا من عبادِه المتواضعين, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
المشاهدات 2411 | التعليقات 3
بارك الله فيك شيخنا ابا ناصر ونفع الله بعلمك وقلمك
لدي ملاحظة صغيرة
الخطبة جميلة في بابها ولكن قد يخطر بذهن المتلقي التعارض من ذم الكبر ثم نسبته الى الله تعالى من الكبر المذموم علوا كبيرا
فلو تم بيان ماهية الكبر المنسوب لله تعالى لكان أكمل وأجمل بحيث يقال أن ماينسب الى الله تعالى ليس الكبر المذموم وإنما هو عظمة تليق بجلاله وعظمته
وكما قيل إن المتكبر من الكبرياء الذي هو عظمة الله، لا من الكبر الذي هو مذموم في الخلق.
والله أعلم وأحكم
شكر الله لك شيخ راشد الناصر, وتنبيهك في محله, وقد أخذت بما تفضلت به, لا عدمني الله أمثالك الناصحين المخلصين.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق