بر الوالدين (أحي والداك؟؟)
صالح عبد الرحمن
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
أيها المسلمون: تَتَصَافَى نُفُوسٌ، وَتَتَقَارَبُ قُلُوبٌ، وتَتَآلَفُ أَرْواح "والأَرْوَاحُ جُنُوْدٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْها اخْتَلَفَ"، ومَا طَابَتِ الحياةُ بِمِثلِ اجْتِمَاعِ شَمْلٍ والتِئامِ شَتات. وفي الفِراقِ وَقْعٌ أَلِيْمٌ، وفي الفِراقِ خَطْبٌ وكَرْبُ. فِراقُ الحَبِيبِ يُحْدِثُ صَدْعاً، وفَقْدُ العزيزِ ذاكَ المُصابُ.
وَمَا مِنْ جَمْعٍ إِلا سَيُكَدِّرُ المَوْتُ صَفَاءَه، وما مِنْ أُلْفَةٍ إِلا سُتُنَغِصُ المَنِيَّةُ هَناءَها. فالموتُ يَخْطِفُ أَروحاً ويَقْبِضُها، ويَطْوِيْ أَعْمَاراً وَيَقْطَعُها..
وكُلُّ راحِلٍ، فإِنَّما أَثَرُ رَحِيْلِهِ على نَفْسِه، والأَحياءُ مِنْ بَعِدِ أَمْوَاتِهِم، سَيَنْجَلِي عَنْهُمُ المُصابُ وسَيَسْلَونَ، وسَيَزُولُ عَنهم الأَلَم وسَيَنْسَون، وسَينهَمِكُونَ في مَشَاغِلِ الحياةِ وسَيَمْضُوْنَ في مآرِبِهم، وكَأَن مَنْ كانَ مَعَهُمْ بالأَمسِ مُؤَانِساً لَمْ يَكُنْ.
وثَمَّة راحِلٌ مِن الناسِ لَهُ شأَنٌ آخَر، رَحِيلُهُ لَه أَلَمٌ يَطول، وموتُهُ لَهُ أَثَرٌ يَمْتَدّ. رَاحِلُ مِنَ النَّاسِ لِرَحِيْلِهِ قَسْوَةٌ ولِفراقِهِ أَرَق.. رَاحِلٌ، بِرَحِيْلِهِ يَرْتَحِلُ بَرِيْقُ الحياةِ، وبِمَوتِهِ تَنْطَفِئُ مَصابِيْحُ البَهْجَةِ.. رَاحِلٌ، تَغِيْبُ بِغِيَابِهِ مَعَانٍ للسَّعَادَةِ كانَتْ حَاضِرَة، وتُهْجَرُ مَنازِلُ للأُنْسِ كانَتْ عامِرَة..
والِدٌ ووالِدَة، حياتُهُما للأَولادِ حِضْنُ سَعادَةٍ، وساحَةُ طُهرٍ بالهناءِ تَطِيبُ.. والِدٌ ووالِدَة، نَهْرٌ مِن الحسناتِ غَمْرٌ. وفَيْضٌ مِنَ الحَسَناتِ جَارٍِ. حياةُ الوالدينِ ذُخْرٌ وبِرٌّ. حياةُ الوالدينِ عِزُّ التِجارة..
وما فُقِدَ مَفْقُودٌ كوالِدٍ أَو والِدَة. هُما ذِكْرياتُ الصِبا وهُما حَنِينُ الطفولةِ، هُما أُنْسُ الشَبابِ وهُما عَطْفُ الكُهولَة. هُما فَيْضُ المودَةِ وهُما بَحْرُ العَطاءَ، هُما حِضْنُ السَكِيْنَةِ وهُما كَفُّ الوَفاءَ.. هُما هُما البابانِ للرضوانِ، هُما هُما فَيضٌ مِن الرحمنِ.
وَوَصِيَّةٌ حُفِظَتْ بأَحْكَمِ مُنْزَلٍ، مِنْ خالِقِ الثَّقَلَينِ والأَكوانِ.. قُرِنَتْ حُقُوقُهُما بِحَقِ إِلهنا، في بِضْعِ آياتٍ مِن القُرآنِ: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[النساء:36]؛ (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[الإسراء: 23]، (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[الأنعام:151]، (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)[لقمان:14].
حُقوقُ الوَالِدَيْن لا يُدانِيْهِما بَعدَ حَقِّ اللهِ ورَسُولِه حَقٌّ.. فَحياةُ الوَالِدَيْن، رَصِيْدُ تَجارَةٍ في سُوْقِ رِبْحٍ، وأَغَنَى النَّاسِ مَنْ كَسِبُ التِّجارَة.
"أَحَيٌّ وَالدَاكَ؟"؛ أَحَيٌّ والدَك؟ فَدَتْكَ دُنيا، تَدارَكَ عُمْرَك الزَّاهِي تَدَارَك، تَدارَك بِرَّ أُمٍّ قَدْ غَذَتْكَ، تدَارَك بِرَّ وَالِدِكَ المُبارَك.. أَحَيٌّ وَالدَاكَ؟ فأَنتَ مَوْفُوْرُ النَّصِيب. "أَحَيٌّ وَالدَاكَ؟" فَسَعْيُكَ فِي رِضَاهُمْ لا يَخِيْب..
"أَحَيٌّ وَالدَاكَ؟"؛ سُؤَالٌ قالَهُ يومًا رَسُولُك: "جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- يَسْتَأْذِنُهُ في الجِهَادِ فَقالَ: "أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟"؛ قالَ: نَعَمْ، قالَ: "فَفِيهِما فَجَاهِدْ"(متفق عليه).
وقالَ عبدُ اللهِ بنُ عَمروٍ -رضي الله عنهما-: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلى نَبِيِّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- فقالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الهِجْرَةِ والجِهَادِ أَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ الله، قالَ: "فَهَلْ مِنْ وَالدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟"، قالَ: نَعَمْ، بَلْ كَلاهُمَا، قَالَ: "فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ الله؟"، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَارْجِعْ إِلى وَالدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا"(رواه البخاري ومسلم).
أَحَيٌّ وَالدَاكَ؟ أَقِمْ للمَجْدِ صَرْحًا.. فَصَرْحُ المجدِ يُعْلَى مِنْ هُنالِك. أَحَيٌّ وَالدَاكَ؟ فَجَاهِد فِيهِما، أَحْسِنْ وأَحْسِنْ. ففي الإحسانِ تَلْقَى ما هَنَا لَكْ.. أَحَيٌّ وَالدَاكَ؟ تَقَلَّب في رِياضِ البِرِّ وانْعَمْ، فَرَوْضُ البِرِّ أَنْعَمُ ما صَفا لَك.
أَحَيٌّ وَالدَاكَ؟ فأَنتَ مَوْفُوْرُ النَّصِيْب.. يُدْرِكُ الوَلَدُ حَيَاةَ وَالدَيْهِ، فَلا يَزَالُ يُحْسِنُ صُحْبَتَهُما، جَناحُ الذُّلِّ قَدْ خُفِضَ لِمَنْ بالقَلْبِ مَرْفُوعُ (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء:24]؛ بِأَمْرِهِما يأَتَمِر، وَبِحاجَاتِهما قَوَّام، لا ضَجَرَ ولا تَسَخُّطَ، ولا تأَفُفَ ولا انْتِهار.. لِسَانٌ بحُسن القَولِ عَذبٌ، ونَفْسُ بالرضا دَوماً تَطِيْبُ.
مالُهُ لَهما ممدودٌ، وكَفُّهُ لَهُما مَبْسُوط. لا هَناءَ لَهُ دُونَ هنائِهِما، ولا راحَةَ لَه دُونَ رَاحَتِهِما، صَابِرٌ على قَسْوَتِهِما إِنْ قَسَيا، وعلى أَوامِرِهِما إَنْ أَكْثَرا. يَنْشُدُ لَهما السعادَةَ في كُلِّ أَمرٍ، ويَطْلُبُ لهما الراحَةَ في كُلِّ حال. يَتَحَسَّسُ حوائِجَهُما بِخَفاءَ، ويَقْضِي مَطَالِبِهِما بانْشِراح، لا يُلْجئُهُمَا لِذُلِّ سُؤَالٍ، ولا يُضْطَرُّهُما لِبذلِ طَلَب. هُما لَه الصَّدِيقُ المُقَدَّمُ، وهُما لَه الرفيقُ المؤانِس..
هُما أَحَقُّ الناسِ بِالصُّحْبَةِ، وهُما أَولَى الأَصْحَابِ بالوَفاءَ: جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ! مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: "أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ"(رواه البخاري ومسلم).
أَحَيٌّ وَالدَاكَ؟ أَحَيُّ أَحدُهُما؟ فأَنتَ تَجْنِي مِنْ جَنا الجنةِ ما اشْتَهَيْتَ. وتَعْقِدُ لِلتَّوْفِيْقِ أَوثَقَ أَسْبَابِه، وَتَطْرُقُ للسعَادَةِ أَوسعَ أَبوابِها.. شَابٌّ في عَهْدِ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَسْكُنُ أَرْضَ اليَمَن، أَدْرَكَ حياةَ والدَتِهِ فقامَ بِبِرِّها أَتَمَّ قِيام.. لَمْ يَرَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-، ولكِنَّ جِبْرِيلَ بالخَبَرِ أَتاه. اللهم إنا ارزقنا البر بوالدينا أحياء وأمواتا.
بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون.
أيها المسلمون: لا يَزَالُ الوَلَدُ في رِيَاضِ البِرِّ يَتَقَلَّب، حَتَّى يُدْرِكَ مِنْ رِيَاضِ الجنَّةِ أَكرَمَ مُنْقَلَب.. وهَلْ دَرَى طَالِبُ الآخِرَةِ، أَنَّ بِرَّ الوالدَينِ مِنْ أَعظَمِ القُرُباتِ عِندَ اللهِ ذُخْرًا؟ قالَ عبدُ اللَّه بنُ مسعودٍ -رضي اللَّه عنه-: سأَلتُ النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: أَيُّ الْعملِ أَحبُّ إلى اللَّهِ -تَعالى-؟ قَالَ: "الصَّلاةُ على وقْتِهَا" قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قالَ: "بِرُّ الْوَالِديْنِ"، قلتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قال: "الجِهَادُ في سبِيِل اللَّهِ"(متفقٌ عليه).
بِرُّ الوالِدَينِ دَرَجَاتٌ ومَنازِل. والعُقُوقُ دَرَكاتٌ وَحَسَرَات.. وأَولُ وأَكرَمُ وأَعلى منازِلِ البِرِّ، صَلاحٌ يَسْتَقِيمُ عليه الوَلَدُ. والوَلَدُ الصالِحُ: هو القائِمُ بَحقوقِ اللهِ، وحُقُوقِ والديهِ وحُقُوقِ النَّاس.. يَسْتَبْشِرُ الوالدانِ إِنْ رأَيا مِن ولَدِهِما صلاحًا واستقامة. ويُسَاءَانِ وَيَحزنانِ إِنْ رأَيا من الولَدِ جُنوحًا وانحرافًا.
بِرُّ الوالِدَينِ إِحسانٌ ورِفْقٌ وتَوَدُّدٌ، ومُلاطَفَةٌ ومُجالَسَةٌ وانْبِساط. بِرُّ الوالِدَينِ لِينٌ وتَوَاضُعٌ وَقُرْبٌ وَرِفْقٌ ومُداراةُ خَواطِر.
بِرُّ الوالِدَينِ، صُحْبَةُ وَفاءَ، ورِحْلَةُ عَطاءَ، وصِدْقُ مَوَدَّة. تَضْحِيَةٌ بِكُلِّ هَوَىً يُخالِفُ هواهما، وانْفِكاكٌ عَنْ كُلِّ رَغْبَةٍ تُكَدِّرُ صَفْوَهما.. بِرُّ الوالِدَينِ، فَنٌّ وذَوْقٌ وَسِيَاسَة، وصَبْرٌ وتَحَمُّلٌ وجِهاد.
بِرُّ الوالِدَينِ مَشْرُوعُ حياةٍ، وقَدْ يَلْقَى الوَلَدُ في طَرِيْقِ البِرِّ شِدَّة. والشَّدائِدُ كاشِفَةٌ للحقائقِ مُظْهِرَةٌ للعَزَمات. وكَمْ مِنْ وَالِدٍ لَهُ طَبْعٌ شَدِيْدٌ، وقَلْبهُ بَيْنَ الجَوانِحِ يَحْنو ويَتَأَلَّم.. فَرَحِمَ اللهُ ولَداً رَحِمَ ضَعْفَ والِدَيهِ، فَرَعَاهُمَا وَرَعَاهُما وقال في دُعائِه ما وَصَّاهُ اللهُ بِه: (رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء:24].
ورَغِمَ أَنْفُ وَلَدٍ قَلْبُهُ عَلى والِدَيْهِ يَجْفُو وَيَتَحَجَّر. عَنْ أَبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- قَال: "رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ"، قِيلَ: مَنْ؟ يَا رَسولَ اللهِ، قالَ: "مَنْ أَدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ أحَدَهُما أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ"(رواه مسلم).
أَحَيٌّ وَالدَاكَ؟ وَلَئِنْ كَانَا مِنَ الحَيَاةِ قَدْ رَحَلا، فَدُونَكَ بَابٌ مِنَ البَرِّ بَعْدَ المَوتِ لَمْ يُوصَد. دُعاءٌ لَهُما واسْتِغْفار، وتَرَضٍّ للهِ عَنْهُما آناءَ الليلِ وآناءَ النَّهَارْ "إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له"(رواه مسلم).
لَئِن كَانَا مِنَ الحَيَاةِ قَدْ رَحَلا، فَدُونَكَ بابٌ مِنَ البَرِّ بَعْدَ المَوتِ لَمْ يُوصَد، صَدَقَةٌ تَتَعاهَدُهُما بِثَوابِها، قال سَعدُ بنُ عبادَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-: "يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيءٌ إنْ تَصَدَّقْتُ به عَنْهَا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فإنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا"(رواه البخاري).
لَئِن كَانَا مِنَ الحَيَاةِ قَدْ رَحَلا، فَدُونَكَ بابٌ مِنَ البَرِّ بَعْدَ المَوتِ لَمْ يُوصَد، قالَ عبدُ الله بنُ عُمَرَ -رضي اللَّه عنهما-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- يقولُ: "إنَّ مِن أَبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ"(رواه مسلم).
وأَقرَبُ أَهلِ الوُدِّ لَوالِدَيْكَ: أُخْتُكَ وأَخُوك، وعَمُّكَ وعَمَّتُك، وخالُكَ وخالَتُك. وكُلُّ صَدِيْقٍ وحَمِيْمٍ لَوالِدَيْكَ في الحياة. أَحْسِنْ صِلَتَهما، فَذاكَ مِنْ أَبَرِّ البِرّ لوالِدَيكَ بَعدَ مَوتِهما
ووفاءُ الدَّيْنِ عَن الوالِدَيْن، وإِنفاذُ وَصِيَّتِهِما، مِنْ أَصْدَقِ البِرِّ وأَوفاه.
رَبّنا أَوْزِعْنَا أَنْ نَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَينا وَعَلَى وَالِدَيْنا، وَأَنْ نَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لنا فِي ذُرِّيَّتِا؛ إِنَّا تُبْنا إِلَيْكَ وَإِنَّا مِنَ الْمُسْلِمِين.