بر الوالدين...

خالد الذيابي
1435/02/17 - 2013/12/20 07:33AM
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله..
(ياأيها الذين امنوا اتقوالله حق تقاته ولا تموتن ألا وأنتم مسلمون)
(ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء وتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا)
(ياأيها الذين امنوا اتقوالله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم ويغفرلكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
أما بعد...
فيا أيها المسلمون إن من أعظم الحقوق التي أوجبها الله على عباده وربط الأمر بالأمر بعبادته ،وجعل قرين النهي عن الإشراك في طاعته(وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لاتعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا) (قل تعالوا اتلوا ماحرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا)
بر الوالدين طاعة جليلة ومنقبة عظيمه من أجل القربات وعظيم الطاعات, خلق الانبياء, ودأب الصالحين, من أعظم أسباب دخول الجنان والنجاة من حر النيران
سأل ابن مسعود رضي الله عنه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_فقال:أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم:الصلاة على وقتها,قال ثم أي؟ قال بر الوالدين.(1)
بر الوالدين من أعظم أسباب زيادة العمر،وبسط الرزق وتحصيل السعادة، وانشراح الصدر ،وطيب الحياة، أخرج الامام الترمذي رضي الله عنه_عن سلمان الفارسي_رضي الله عنه _أن النبي صلى الله عليه وسلم قال))لا يرد القضاء الا الدعاء،ولا يزيد في العمر الا البر)) (2)
((من سره أن يمد له في عمره،ويزاد في رزقه، فليبر والديه،وليصل رحمه))كما قال نبيكم صلى الله عليه وسلم..
بر الوالدين من أسباب تفريج الكربات،وإجابة الدعوات،والقرب من رب الأرض والسماوات،((رضا الله من رضا الوالدين،وسخط الله من سخط الوالدين)) (3)
وورد في كتب السنة أن ثلاث نفر ذهبوا إلى غار فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم فما كان منهم إلا أن تقربوا إلى الله بأعمال صالحة كانت لهم،فأحدهم تقرب إلى الله بترك الزنا بعد الإمكان،وآخر تقرب إلى الله بدفع أجرة أجيره بعد رحيله ومضي سنين من الزمان،والآخر تقرب إلى الله ببر الوالدين فقال:اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والدان ،وكنت احلب لهما في إنائهما،فإذا أتيتهما وهما نائمان قمت على رأسهما حتى يستيقظا،فإذا استيقظا شربا ،فأن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك،وخشية عذابك ،فافرج عنا،فزالت عنهم الصخرة وخرجوا يتماشون.
بر الوالدين ، دليل على صدق الإيمان،وقرب من العليم الديان،اخرج الإمام مسلم أن عمر ـرضي الله عنه ـ كان إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر ؟حتى أتى على أويس ،فقال أنت أويس بن عامر؟ قال:نعم
قال:من مراد ثم من قرن؟ قال:نعم ، قال أفكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم ، قال: نعم، قال ألك والدة: قال نعم ،قال سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعتم أن يستغفر لك فافعل ، قال عمر لأويس:فاستغفر لي،فاستغفر له
وكان أويس ـرحمه الله ـفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يلتقي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ولم يمنعه من ذلك إلا بره بأمه،قال اصبغ بن زيد ـرحمه الله ـإنما منع أويس أن يقدم على النبي صلى الله عليه وسلم بره بأمه.
بر الوالدين من أعظم أسباب دخول الجنة والنجاة من النار قال طلحة بن معاوية السلمي ـ رضي الله عنه ـ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله! إني أريد الجهاد في سبيل الله فقال صلى الله عليه وسلم ((أمك حيه؟!)) قلت:نعم.قال: ((إلزم رجلها فثم الجنه))(4)
وذكر الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـفي السلسلة الصحيحة حديثا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الجنة فسم قراءة فقال من هذا؟ فقيل :حارثه بن النعمان،فقال صلى الله عليه وسلم:كذلكم البر ، كذلكم البر، وكان حارثه بن النعمان من أبر الناس بأمه..
بر الوالدين ،شأنه في الدين عظيم ،جعله الله قرين التوحيد،وجعل العقوق قرين الشرك واتخاذ النديد،((وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ـ إما يبلغنا عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ـ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا))
قضى الله سبحانه في كتابه ووصى وأمر عباده بطاعة الوالدين والبر بهم ((ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا))فكم من نهار كده أبوك لسد جوعتك،وكسو عورتك
وكم من ليلة باتتها أمك سهرا من أجل رعايتك‘وتطيب علتك،وتهدئة وتسكين صجتك ولجتك..
يذكر أن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ مر عليه رجل وهو يطوف حاملا أمه على ظهره فقال لإبن عمر :أتراني أوفيتها حقها
فقال ابن عمر قولته :ولا زفرة من زفراتها،نعم لم تؤدي حق زفرة من زفراتها..
لأمــك حق لو علمت كبــــــــير
كثيرك يا هــــذا لديه يسير

فكم من ليلــــه باتت بثقلك تشتكي
لها من جواها أنة وزفــــــــير
وفي الوضع لو تدري عليك مشقة
فكم غصص منها الفؤاد يــطير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها
ومن ثديها شرب لديك نمـــــير
وكم من مرة جاعت وأعطتك
حنوا وإشفاقا وأنت صــــــغير
فضيعتها لما أسئت جهــــــالة
وطـــال عليك الأمر وهو قصير
فدونك فارغب في عميم دعائها
فأنت لما تدعوا إليه فقـــــير
((ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا....))
أيها الأخوة:
إن بر الوالدين ،دليل على حسن الوفاء،ورد الحقوق لأهل الحقوق..ورحم الله الشيخ علي الطنطاوي رحمة واسعة إذ قال : إن الإنسان يربي كلبا فيفي الكلب له.ويربي حمار فتجد الحمار لا يرفسه ،ويطعم قطا فلا يعضه ،بل إن من الناس من يتألف صغار الأسود والنمور وأنواع الوحش فتأنس به وتأوي إليه وتلمس يده كل ذلك وفاء لتربيته ، وتجد من الإنسان ضد ذلك ،فيفني الوالدان نفسيهما في الولد،فينسى فضلهما ويجحدهما يا عجبا أن يكون الكلب والحمار والقط والنمر أوفى من الأنسان!!!!!!!!!
والوالدين أطعهما دوما وقل ربي ارحمها كما ربياني
أيها الأحبة:.
وإن من أكبر الكبائر ،وعظيم الذنوب ،عقوق الوالدين، فمن عق فقد حلت عليه اللعنة ،وحرمت عليه الجنة ،وهو من سخط الله قريب ،ومن رحمة الله بعيد، قال أنس ـرضي الله عنهـ ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الكبائر :.
((فقال الشرك بالله وعقوق الوالدين)) (5)
((ثلاثة حرم الله عليهم الجنة :مدمن خمر ،والعاق ،والديوث الذي يقر الخبث فى أهله )) (6)
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :يارسول الله! شهدت أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ،وصليت الخمس ،وأديت زكاة مالي، وصمت رمضان؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:.(( من مات على هكان مع النبين والصديقين والشهداء يوم القيامه هكذا ـ نصب إصبعيه ـ مالم يعق والديه))
وقال صلى الله عليه وسلم ((ملعون من عق والديه))
إن عقوق الوالدين من سخط رب العالمين ،فسخط الله من سخط الوالدين بل إنه مجابة لدعائهما الذي لايرد، ويذكر أن رجلا اسمه منازل كان مكبا على اللهو واللعب ،وكان له والد صاحب دين ،كثير ما يعظ هذا الابن ويقول له : يابني ،احذر سطوة الله ونقمته ،وكان إذا ألح عليه زاد الابن في العقوق، ولما كان ربما ألح الأب على ابنه بالنصح فمد الابن يده على أبيه فلطمه فقال الأب :والله لآتين البيت الحرام فأتعلق بأستار الكعبة فأدعو الله على ولدي
فجاء حتى تعلق بأستار الكعبة فقال:
يامن إليه أتى الحجاج قد قطعوا
عرض المهامة من قرب ومن يعد
إني أتيتك يامن لايخيب من
يدعوه مبتهلا بالواحد الصـــــمد
هذا من منازل لا يرتد من عققي
فخذ بحقي يا رحمن من ولــدي
وشل منه لحول منك جانبه
يامن تقدس لم يولد ولم يــــــلد(7)
فقيل إنه ما استتم كلامه حتى يبس شق ولده الأيمن نعوذ بالله من العقوق وسوء المآل..
وذكر الإمام المنذري ـ رحمه الله ـفي الترغيب والترهيب عن العوام بن حوشب أنه قال :نزلت مرة أحد الأحياء والى جانب ذلك الحي مقبرة فلما كان بعد العصر إنشق فيها قبر ،فخرج رجل رأسه رأس حمار وجسده جسد إنسان،فنهق ثلاث نهقات ثم إنطبق عليه القبر،فإذا عجوز تغزل شعرا وصوفا فقالت امرأة : هل ترى تلك العجوز؟!
قلت مالها ؟ قالت تلك أم هذا. قلت وماكان قصته؟ قالت: كان يشرب الخمر ،فإذا راح تقول أمه :يابني إتقي الله إلى متى تشرب هذا الخمر؟
فيقول لها:إنما أنتي تنهقين كما ينهق الحمار!!! قالت: فمات بعد العصر. قالت فهو ينشق عنه القبر بعد العصر ،كل يوم ينهق ثلاث نهقات، ثم ينطبق عليه القبر..
وقصص العاقين أيها الأحبة كثيرة كما أن قصص البارين كثيرة ولكن يكفينا بيانا عن خطر العقوق أن الله حرم الجنة على كل عاق..
نسأل الله أن يجعلنا من البارين بآبائنا ،اللهم اجعلنا من البارين بآبائنا
وأستغفر الله لي ولكم من ذنب فاستغفروه إنه كان غفارا..







الخطبة الثانية
الحمد لله إله الأولين والآخرين ، والصلاة والسلام على سيد البشرية أجمعين، محمد الصادق الأمين ،وعلى آله وصحبه الطيبين ، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم تبرؤ القرين من القرين..
أما بعد:.
فيا أيها المسلمون لآبائنا علينا حقوق عظام وهي كثيرة ولكن نقف مع بعضها لعل الله أن ينفع بها السامع والمتكلم من حقوق الوالدين طاعتهما ، واجتناب معصيتهما ، ومن ذلك الإحسان لهما، وخفض الجناح لهما، والتودد لهما ،والتحبب إليهما ومن حقوق الوالدين ، التأدب في الكلام معهما ،والسرعة في تلبية ندائهما، والعمل على راحتهما، يقال أن محمد بن المنكدر ـ احد الصالحين ـ كان يغمز قدم أمه في الليل حتى تنام وكان يقول : أحب إلي من قيام تلك الليلة.(8)
ومن حقوق الوالدين صلة رحمهما ومن كلن من أصحابهما ، وهذا ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ لقيه رجل من الأعراب في طريق مكة فسلم عليه عبدالله بن عمر وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه . فقال له :أحد الصحابة : أصلحك الله يا ابن عمر إنه من الأعراب ويرضون باليسير فقال عبد الله بن عمر : إن أبا هذا كان ودا لأبي عمر وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((إن بر البر صلة الولد أهل ود أبيه ))(9)
ومن حقوق الوالدين الدعاء لهما لاسيما بعد موتها فإن الولد من كسب أبيه ـ كما قال صلى الله عليه وسلم ـ فالدعاء لهما بعد موتهما دليل على حسن الوفاء بحقهما ولو كنت مكانهما لاجتهدوا في الدعاء لك بكل خير..
فهما وإن كما قيل
فإذا رحمت فأنــــــــــت أم أو أب
هذان في الدنيا هما الرحمــــــــاء
فاجتهد أخي المبارك في بر الوالدين فهما بطاقتا ربحك وخسارتك في الدنيا والأخرة .قال صلى الله عليه وسلم ((رغم انف من أدرك والديه ولم يدخل الجنة ))

الهوامش

(1) انظر دروس رمضان لمحمد الحمد ص 72
(2) انظر السابق
(3) صحيح الترغيب والترهيب ج2 ص658
(4) صحيح الترغيب والترهيب ص649
(5) صحيح الترغيب الترهيب ص661
(6) انظر السابق ص662
(7) أنظر زاد الداعية والخطيب من الشعر والبيان لأمير المدري
(8) انظر كتاب الحمد ص76
(9) انظر كتاب الحمد ص79
الخطــــــــــبة بعنوان : بــــر الوالدين خــالد بن مسعود الذيابي العتيبي
بمسجد حسن الشهري(ابن باز) بحداء
بتاريخ 12/2/1428هـ...
المرفقات

بر الوالدين.doc

بر الوالدين.doc

المشاهدات 2858 | التعليقات 0