بركات - خطبة صلاة الاستسقاء

عاصم بن محمد الغامدي
1444/04/22 - 2022/11/16 15:07PM

الحمدلله ﴿الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ ‌مِنْ ‌بَعْدِ ‌مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾، وصلى الله وسلم على خير خلقه وخاتم رسله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:

فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله - وأطيعوه، وعظِّموا أمره ولا تعصوه، وتزينوا بلباس التقوى، وتقربوا إليه بما يحب ويرضى، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ ‌مُسْلِمُونَ﴾.

أيها المسلمون: البركة زيادةٌ في الخير، يضعها الله تعالى بحكمتِهِ حيث يشاءُ، فقد بارك على إبراهيمَ وعلى إسحاقَ، ﴿‌وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ﴾، وعيسى عليه السلام يقول عن نفسه: ﴿‌وَجَعَلَنِي ‌مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ﴾.

وكما ترتبط البركة بالأشخاص، فقد ترتبط بأشياء أخرى قال سبحانه: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ‌لَلَّذِي ‌بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾، ومن بركة هذا البيت أن الله سبحانه قدَّر أن يكون داخلُه مثابًا بحسب نيته، وقدَّر لمجاوريه وسكانِ بلدِه أنْ يكونوا محصِّلينَ لزيادةِ الثوابِ، ورفاهيةِ الحالِ، ﴿‌يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾، وأمَرَ بجعْلِ داخلِه آمنًا، وهذه بعضُ صورِ بركةِ البيتِ العتيقِ.

والقرآنُ مباركٌ ﴿‌وَهَذَا ‌كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، وقد جُعِلتْ بركتُه في ألفاظِه، وفي ما أودعه اللهُ لقارئهِ من خيرٍ في الدنيا والآخرة، ولأنَّ الارتباطَ بهِ، والعملَ بما فيهِ يؤدي إلى كمالِ النفسِ وطهارتِها، وقد جَرَتْ سنةُ اللهِ تعالى أنَّ المتمسكَ بهِ يحْصُلُ له عزُّ الدنيا وسعادةُ الآخرةِ.

والبركة قد تكون أمرًا محسوسًا يراه الناس، وقد تكون أمرًا معنويًا يشعرون بآثاره. ومن الأمور المباركة التي جعلها الله سبحانه سببًا لخيرات كثيرة الأمطارُ ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ‌مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾، وتأخرُ نزولها مؤذنٌ بتخلفِ البركة في أمورٍ كثيرة، وفيه إشارةُ تحذيرٍ للمؤمنينَ، لِيتَلَمَّسُوا أسبابَ ذلكَ، حتَّى لا تُمحقَ بركتُهم شيئًا فشيئًا.

إنَّ غيابَ الأمطارِ مظهرٌ منْ مظاهرِ فقدانِ البركةِ، ومن خلاله يتنبه الموفقُ إلى حالِ البركةِ في أمورٍ أخرى كالرزقِ، والوقتِ، والصحةِ، والمالِ، والولدِ، ويبحثُ عن أسبابِ وجودِها ليحقِّقَها، وعن أسبابِ انعدامِها ليتوقَّى منها.

أيها المسلمون: كما باركَ اللهُ سبحانه أنبيائَه، فقد وعد عبادَه بالبركةِ، إنْ آمَنُوا واتَّقَوْا ﴿‌وَلَوْ ‌أَنَّ ‌أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.

وبقدر تحقيق الإيمان والتقوى تحصل البركة، وبقدر البعد عنهما تقل حتى تُمحق.

وغياب البركة في كثيرٍ من مظاهرِ الحياة مصيبةٌ نبهنا ربنا على أسبابها، وطرق علاجها، ﴿‌وَمَا ‌أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾.

فكل مصيبةٍ تقع على البلاد أو العباد، ينبغي أن تكون باعثةً لهم لملاحظة أحوالهم، نحو امتثال رضا خالقهم، ومحاسبةِ أنفسهم فقد يجازي الله قومًا على أعمالهم جزاء في الدنيا مع جزاء الآخرة، وقد يترك قومًا إلى جزاء الآخرة، فهو الأصل الموعود به، وجزاء الدنيا قد يحصل وقد لا يحصل.

أيها المؤمنون الذين أقبلوا على ربهم، طالبين رحمته، ملتمسين عطاءه ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ ‌غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ استغفروه من كل ذنبٍ، وتوبوا إليه من كل خطيئة، واعلموا أنكم تعاملون ربًا رحيمًا، يفرح بتوبة عبده كما يفرح من ضلت دابته بفلاة بعودتها إليه، ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ‌كَتَبَ ‌رَبُّكُمْ ‌عَلَى ‌نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

اللَّهُمَّ أنْتَ اللهُ لا إله إلَّا أنتَ، أَنْتَ الغَنِيُّ ونَحْنُ الفُقَرَاءُ، ‌أنْزِلْ ‌عَلَيْنَا الغَيْثَ وَاجْعَلْ ما أَنْزَلْتَ لنا قُوَّةً وبَلَاغًا إلى حِينٍ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.

المرفقات

1668600443_بركات- خطبة صلاة الاستسقاء.pdf

1668600443_بركات- خطبة صلاة الاستسقاء للجوال.pdf

1668600498_بركات- خطبة صلاة الاستسقاء.docx

المشاهدات 593 | التعليقات 0