براهين وجود الله توجب استحقاقه بالعبادة وحده دونما سواه

حسين بن حمزة حسين
1438/06/07 - 2017/03/06 07:17AM
الخلق والوجود برهان على وجود خالق عظيم قادر ، بيده مقاليد هذا الخلق من بقاء وحياة وانتهاء ، وهو برهانٌ على استحقاق الألوهية للموجد الخالق المدبر وحده دونما سواه ، فكما أنه لا شريك له في خلقه لا شريك له في عبوديته -سبحانه وتعالى -، فهذه المخلوقات العظيمة ، كواكب سيارة ، وأفلاك دوارة ، وشمس تجري لمستقر لها ، وقمر منير ، وبحار زاخرة ، وجبال راسية ، وأرض تُنبِتْ ثمارا مختلفاً أُكُلُها ، وحيوانات برية وبحرية ، وطيور تطير في جو السماء؟ لا بد أن نتساءل : من أوجدها ؟ من يدبر أمرها ، من هو قائم على شؤونها بتنوّع أحوالها وتغيّر ظروفها ، من وراء المرض؟ ومن وراء الشفاء؟ ومن وراء الإعزاز؟ ومن وراء الإذلال؟ ومن وراء الإماتة؟ ومن وراء الإحياء؟ من يدبّر كل هذه الأمور ويصرفها كيف يشاء؟ ، فهذه المخلوقات الكثيرة سابقها ولاحقها عظيمها ودقيقها صغيرها وكبيرها بهذا الإتقان البديع والتناسب المتناهي ، من خلقها وأبدعها ، لا يمكن هذا أن يكون عبثا ، قال تعالى ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) ، قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) ، العدمُ عدمٌ لا يخلق ، والكائنات يستحيل أن تخلق نفسها ، بل أوجدها خالق عظيم مدبر لها وللكون ، وهو الله جل جلاله ، لهذا قال سبحانه في الرد على الكفار والمشركين: ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) ، لما سمع جُبيْر بن مطعم رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور في صلاة المغرب فبلغ هذه الآيات(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ، أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ ، أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ) ، كان جبير يومئذ مشركا قال: (كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي) أخرجه البخاري ، يروى عن أبي حنيفة رحمه الله أن بعض الزنادقة الملحدين سألوه عن وجود الباري تعالى فقال لهم : دعوني فإني مفكر في أمر قد أُخبِرت عنه، ذكروا لي أن سفينة في البحر مملوءة ، فيها أنواع البضائع ، وليس بها أحد يحرسها ولا يقودها ، وهي مع ذلك تذهب وتجيء بنفسها وتخترق الأمواج العظام فتنجو ، وتسير حيث شاءت من غير أن يسوقها أحد ، فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل! فقال: ويحكم، هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت من الأشياء المحكمة ليس لها صانع! فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأسلموا على يديه.
قل للطبيـب تخطفتـه يد الردى: يا طبيب الأمراض، من أرداكا؟
قل للمريض نجا وعوفـي بعدمـا عجزت فنون الطب: من عافاك؟
قل للصحيـح يمـوت لا من علة: مَن بالمنايا يا صحيـح دهاكا؟
وإذا تـرى الثعبـان ينفث سمـه فاسأله: من ذا بالسموم حشاكا؟
واسأله: كيـف تعيش يـا ثعبـان أو تحيـا وهذا السم يملأ فاكا؟
بل سـائل اللبن المصفى كـان بين دم وفرث: مـا الذي صفاكا؟
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهدا وقل للشهد: من حلاكا؟
وإذا رأيـت النخل مشقوق النوى فاسأله: من يا نخل شق نواكا؟
أليس هو الله المستحق للعبادة ؟! أليس هو الخالق المدبر لهذه الأكوان وراء كل هذا؟! الخالق الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والذي أضحك وأبكى، والذي أمات وأحيا، والذي خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى، فتبارك الله أحسن الخالقين ، يقول سبحانه وتعالى: ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ، وقال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُالحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُفَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيلَ سَكَناًوَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البَرِّوَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِيأَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَاالآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءًفَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُمِنْهُ حَباًّ مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌوَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَمُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْلآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ، وقال سبحانه ( قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ) ، بل وأمرنا بالنظر في خلقنا وفي أنفسنا فقال سبحانه( وفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) ، فهذا النظر والتدبر كله يوصلنا إلى الإيمان بالله سبحانه والتسليم له ووجوب طاعته وامتثال أمره ، فالفطرة المغروسة في الإنسان مربوطة بخالقه مجبولةً على الرضوخ والتسليم له ، سئل أحد الصالحين عن دليل وجود الله فقال: أرأيت لو كنت في صحراء فسقطتَ في بئر ولا تجد من ينجدك فماذا تقول؟! قال: أقول: يا الله، قال: هذا دليل وجوده.
فالله قريب من عبيده لو كانوا يعقلون، والقلوب المؤمنة ترى هذا بوضوح ، فإذا غاب القطر وأجدبت الأرض وجف الضرع ونفقت الأنعام وصار النبات هشيما جأرت الدواب إلى خالقها وهرع العبيد إلى مولاهم ورفعوا إليه أكف الضراعة يستسقون ويستغيثون فإذا بالغيث يهل والروح تسري في الأرض وفي الدواب، وإذا استعرض الجنين في بطن أمه وعسرت الولادة وادْلَهمّ الخطبُ وقاربت الأم على الهلاك رفعت بصرها إلى السماء وقالت: يا الله فإذا الأمور تتغير بإذن القادر المقتدر، وإذا العسير يسير، وإذا الأمر كأن لم يكن، والمذنب إذا أذنب وأسرف على نفسه وضاقت عليه الأرض بما رحبت فعفر الوجه في التراب وذرف دموع الندم وأناب ونادى منكسرا: يا الله فإذا بالرحمات تنزل والسكينة تعم القلب، وإذا بالرحمن الرحيم يأخذ بيد عبده إلى طريق النور والتوفيق، فهذا اللجوء إلى الله وهذه الاستجابة الفورية منه سبحانه من دلائل الحس والفطرة على وجود الخالق عز وجل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخطبة الثانية
قال جل جلاله : (وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَمَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمِ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِيالأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍوَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِّلشَّارِبِينَ (66) وَمِن ثَمَرَاتِالنَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِيذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِاتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُمِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّفِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(69)) [النحل]؛ وقال تقدست أسماؤه: ( وَمَا يَسْتَوِي البَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَامِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِياًّ وَتَسْتَخْرِجُونَحِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنفَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [فاطر:12], (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاًأَلْوَانُهَا وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَاوَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌأَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّاللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ(28)) [فاطر], (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْبَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً(41)) [فاطر].
وقال جل وعلا: (أَمْخَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِندَهُمْخَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ) [الطور:35-36], (قَالَتْ رُسُلُهُمْأَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُممِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنتُمْإِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُآبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ)
لا بد أن يتعهد الإنسان إيمانه بالأعمال الصالحة وبالذكر والتدبر حتى يثبت هذا الإيمان ثبات الجبال الرواسي، إيماناً يباشر القلوب ، فيسلّم لخالق هذا الكون ومدبره وخالقه ، إلى مولاه الذي أوجده ، من له ملك السماوات والأرض الغني الجبار ، فلا يَعْبُد سواه ، ولا يَتَوكّل إلا عليه، ولا يستغيث إلا به، فهو النافع والضار، وهو على كل شيء قدير، لا مدبّر للكون إلا هو، ولا شريك له في ذلك ولا ظهير، ولا إله في السماوات والأرض حقيقة يستحق العبادة غيره ، يقول سبحانه: ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) ، فلا يجوز التوجه بشيء من العبادة إلا إليه، ومن صرف شيئا من ذلك لغيره فقد تلبس بالشرك، يقول سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَقال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ...) ، اللهم عمر قلوبنا بالإيمان، واشرح صدورنا للإسلام، واجعلنا من عبادك الصالحين...
المشاهدات 889 | التعليقات 0