براهين محبة خير المرسلين  

عناصر الخطبة:

1/براهين محبة الرسول الأمين 2/بعض ثمار محبة النبي الرؤوف صلى الله عليه وسلم.

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة  وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:

 

أيها المسلمون: فإن من رحمة الله -تعالى- بعباده أن أرسل إليهم رسلا ليكونوا إلى الحق مبشرين وداعين، وعن الباطل منذرين ومحذرين؛ وقد كتب الحق -تبارك وتعالى- على نفسه ألا يعذب أحدا حتى تصله رسالة من الله وبلاغ ومصداق ذلك قوله -سبحانه-: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)[الإسراء: 15]؛ يقول السعدي -رحمه الله-: "والله -تعالى- أعدل العادلين لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ثم يعاند الحجة ومن لم تبلغه حجة الله -تعالى- فإن الله -تعالى- لا يعذبه؛ واستدل بهذه الآية على أن أهل الفترات وأطفال المشركين، لا يعذبهم الله حتى يبعث إليهم رسولا لأنه منزه عن الظلم".

 

وقد أكرم الله هذه الأمة ببعثة أفضل الخلق وأكرمهم على الله  الرحمة المهداة محمد -صلوات ربي وسلامه عليه- فقال -تعالى-: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الفتح:8-9]؛ والمراد في الآية الكريمة؛ كما ذكر بعض أهل التفسير، أي؛ "تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم، وتسبحوا لله أول النهار وآخره، فذكر الله في هذه الآية الحق المشترك بين الله وبين رسوله، وهو الإيمان بهما، والمختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير، والمختص بالله، وهو التسبيح له والتقديس بصلاة أو غيرها".

 

إخوة الإيمان: إن نعمة بعثة النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- لا تضاهيها نعمة فبه عرفنا الدين وبدعوته هُدينا إلى توحيد رب العالمين؛ أفلا نحبه ونعزره ونوقره ونجله؛ كما أمرنا بذلك ربنا في كتابه العزيز ونبرهن على ذلك؛ ألا وإن أعظم تلك البراهين:

الإيمان به والتصديق بالدين الذي جاء به؛ (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[الأعراف: 158]؛ والإيمان به -صلى الله عليه وسلم- أصل من أصول دين الإسلام وركن من أركان الإيمان العظام.

 

ومن براهين محبة الرسول الأمين -صلى الله عليه وسلم-: طاعته في ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر امتثالا لأمر الله -تعالى- في الكتاب الكريم؛ حيث قال -سبحانه-: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)[النور: 54]؛ فلا تتحقق للعبد الطاعة لربه ومولاه إلا بطاعة من أنقذه الله به وهداه ؛ لأنه -سبحانه- أمر عباده بطاعة نبيه الذي اصطفاه وأرسله إليهم، وصدق القائل:

 تَعْصِي الإِله وَأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ***هذا محالٌ في القياس بديعُ

لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ***إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ

في كلِّ يومٍ يبتديكَ بنعمةٍ***منهُ وأنتَ لشكرِ ذاكَ مضيعُ

 

ومن البراهين: اتباع سنة -صلى الله عليه وسلم- فقد أخبر الله أن اتباعه شرط محبته؛ فقال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِي)[آل عمران: 31]، (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[الأعراف: 158].

يقول ابن القيم -رحمه الله-: "فمن صحب الكتاب والسنة، وتغرب عن نفسه وعن الخلق، وهاجر بقلبه إلى الله؛ فهو الصادق المصيب"، ويقول بعض السلف -رحمه الله-: "من ألزم نفسه آداب السنة؛ نور الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه".

ولا يكون الاتباع صحيحا إلا بترك الابتداع في الدين الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ أن الابتداع في الدين مناقض للمحبة الصادقة كونه ليس من فعل النبي الكريم ولا من فعل أصحابه الذين أمرنا بالتزام سبيلهم؛ وكم نشاهد من البدع والمحدثات؛ كالاحتفال بمولده -صلى الله عليه وسلم- الذي لم يثبت في الكتاب أو السنة أو فعل سلف الأمة وليس له أصل في ديننا الحنيف؛ فهو بدعة سيئة؛ إضافة إلى أن مولده -عليه الصلاة والسلام- لم يتفق أهل التاريخ على أنه في الثاني عشر من ربيع الأول.

والعجب العجاب أن المحتفلين بالمولد لا يربطهم برسول الله الأمين إلا هذه المحدثات والبدع؛ بل لو أقسمت أنه لو كان الاحتفال بمولده سنة من سننه لتركوه ما كنت حانثا.

ومما يدعو للغرابة أن أدعياء محبته -صلى الله عليه وسلم- جعلوا الاحتفال بمولده معيارا لمحبته فظنوا أن ذلك علامة صدق المحبة، وأن من لم يشاركهم في هذه البدعة؛ فهو كاذب في محبته -صلى الله عليه وسلم- وكذبوا.

 

ومن براهين صدق المحبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: التحاكم إلى شريعته والرضا بحكمه؛ مصداقا لقول الحق -تبارك و-تعالى-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء: 65].

وكم هو مؤسف أن نجد في زماننا من يدعي محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم لا يتحاكم إلى الدين الذي جاء به والشريعة السمحة التي دعا إليها.

 

ومنها: تقديم محبته على النفس والأهل والمال والناس أجمعين؛ كما روى عبد الله بن هشام -رضي الله عنه- قال: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال له عمر: "يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي"؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك؛ فقال له عمر: "فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي"؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الآن يا عمر"(رواه البخاري).

 

ومنها: محبة أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهم أكرم أهل الأرض بعد الأنبياء وهم الذين اختارهم الله لصحبة نبيه كما أنهم حملة رسالته وأزكى البشرية من أمته، وصدق عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- في وصفهم حيث قال: "إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجلعهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيئ".

فوالله ما أحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من يطعن في صحابته الذين أحبهم وأحبوه ودعاهم للحق فاتبعوه وناصروه.

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

 

عباد الله: وإن من أعظم براهين المحبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: نصرته والدفاع عنه؛ كما نصره الصحابة الكرام؛ يقول -سبحانه-: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 40]؛ ونصرة النبي -صلى الله عليه وسلم- تشمل الدفاع عن شخصه مِن إساءة أعدائه من الكفار والمنافقين، وكذا الدفاع عن دينه وسنته وصحابته وأتباعه وورثته من العلماء والأولياء.

وتتحقق النصرة للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالرجوع إلى الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة، ومقاطعة من أساء إلى نبينا الكريم اقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا وثقافيا.

 

ومن البراهين على محبة خير المرسلين؛ الإكثار من الصلاة والسلام عليه؛ وهذا لا شك حق من حقوقه صلى الله عليه وسلم على أمته؛ فقد أمر الله عباده بالصلاة والسلام على خير الأنام؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

وما أجمل ثناء حسان بن ثابت -رضي الله عنه- على خير البرية وأعظم البشرية:

أغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّة ِخَاتَمٌ***مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ ويُشْهَدُ

وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ***إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ

وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليجلهُ ***فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ

نَبيٌّ أتَانَا بَعْدَ يَأسٍ وَفَتْرَة***منَ الرسلِ والأوثانِ في الأرضِ تعبدُ

فَأمْسَى سِرَاجاً مُسْتَنيراً وَهَادِياً***يَلُوحُ كما لاحَ الصّقِيلُ المُهَنَّدُ

وأنذرنا ناراً، وبشرَ جنة ً***وعلمنا الإسلامَ فاللهَ نحمدُ

 

وختاما -أيها المسلمون- هنيئا لمن صدق في محبته لنبي الهدى -صلوات الله وسلامه عليه- الثمار الوارفة والخيرات الهانئة؛ فمن ذلك التلذذ بحلاوة الإيمان والسكنية والاطمئنان؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان"، وذكر في مقدمتها: "أن يكون الله ورسوله أحبُ إليه مما سواهما".

إضافة إلى مرافقة المحب الصادق للمحبوب -صلى الله عليه وسلم- مصداقا للحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أنسٍ -رضي الله عنه- قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله فقال يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ فقال: حب الله ورسوله، قال: "فإنك مع من أحببت".

 

فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه وأقيموا براهين محبتكم لنبيكم ولا تعصوه.

 

اللهم إنا نسألك حبك وحب نبيك وحب شريعتك وحب كل أمر يقربنا إلى حبك.. يا كريم.

 

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين.

 

وصلوا وسلموا..

المشاهدات 665 | التعليقات 0