بَذْلُ الماعونْ - في صفاتِ (الذين لاخوفٌّ عليهم ولا هم يحزنون)
خالد علي أبا الخيل
بَذْلُ الماعونْ - في صفاتِ
(الذين لاخوفٌّ عليهم ولا هم يحزنون)
التاريخ: الجمعة:12 –جمادي الأول-1440 هـ
الحمد لله، الحمد لله القائل: (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:38) أحمده سبحانه أمَّنا يوم البعث أقوامًا فهم مطمئنون، وبرحمته وعفوه ومغفرته فهم واثقون، وأشهد أن لا إله إلا الله وصف قومًا بأنهم لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المأمون صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه الآمنون.
أما بعد...
فاتقوا الله عباد الله، فالتقوى كنزٌ لا ينفذ، وخلودٌ في جنة الخلد وأمانٌ يوم حشر الأعبد.
عباد الله: القرآن تدبره وتفهُمه هو التجارة الرابحة، والعمل به والتخلق بأخلاقه هو الطريقة الناجحة.
فَتدبَّرِ القُرآنَ إن رُمتَ الهُدى |
|
فالعِلمُ تحتَ تَدبُّر القُرآنِ |
ولقد وصف القرآن المنهج الصحيح والطريق الواضح الفصيح، فثمة صفاتٌ ذكرها القرآن ينبغي أن يتحلى بها الإنسان، ويتصف بأوصاف أهلها علَّه أن يدخل فيما أعد الله لها، ومن هذه الصفات الحميدة، والسمات الجميلة المجيدة ما تمر على أسماعنا بكلام ربنا عند قراءته أو سماعه من إمامنا وهم الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، فلقد ذكر الله ثلاثة عشرة آية في كتابه تضمنت سبعة عشرة صفة، فارعون الأسماع فأنتم في أطهر البقاع فتح الله لي ولكم الأسماع، وطبِّقوا ما تسمعون، واعملوا بما تعلمون تُفلحون وتَفوزون.
والسؤال المطروح مَن هؤلاء؟ وهل نحن منهم؟ وكيف تكون منهم؟ وهل مجرد أن نسمع صفاتهم؟ المؤمن الحصيف الكيِّس العاقل اللطيف هو الذي يحرص على التطبيق والعمل الدؤوب والتحقيق، فيتحلى بهذه الصفات ويُطبِّقها على أرض الواقع.
هذا وليُعلم أن قوله: (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) (يونس:62) أي: بما يستقبلونه من أمر الآخر (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس:62) أي: على ما فاتهم من أمور الدنيا، فلا يحزنون على ما يتركونه ويُخلفونه، فهم محفوظون في الدنيا في أهليهم وأموالهم وأعمالهم ومحفوظون في الآخرة.
ومن أعظم ما يؤمِّله الإنسان ويطمع فيه أن يكون آمنًا يوم القيامة والوقوف بين يدي الله، فالموقف عظيم، والخطب جسيم.
يَومُ القِيامَةِ لَو عَلِمْتَ بِهَولِهِ |
|
لَفَرَرْتَ مِنْ أَهلٍ وَمِنْ أَوْطانِ |
يَومٌ تَشَقَّقَتِ السَماءُ لِهَولِهِ |
|
وَتَشيبُ فيهِ مَفارِقُ الوِلْدانِ |
يَومٌ عَبوسٌ قَمْطَريرٌ شَرُّهُ |
|
في الخَلقِ مُنْتَشِرٌ عَظيمُ الشّانِ |
يَومٌ يَجيءُ المُتَّقونَ لِرَبِّهِم |
|
وَفداً عَلى نُجُبٍ مِنَ العِقْيانِ |
وَيَجيءُ فيهِ المُجرِمونَ إِلى لَظى |
|
يَتَلَمَّظونَ تَلَمُّظَ العَطْشانِ |
وَبِاللِّقَا والْبَعْثُ والنُّشُورِ |
|
وَبِقِيَامِنَا مِنَ القُبُورِ |
غُرْلًا حُفَاةً كَجَرادٍ مُنْتَشِرْ |
|
يَقُولُ ذُو الكُفْرَانِ: ذَا يَوْمٌ عَسِرْ |
في موقفٍ يجل فيه الخطب ويعظُم الهول به والكرب.
الصفة الأولى: اتباع هدي القرآن، قال الرحيم الرحمن: (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:38) يوضح ذلك ويُبينه قوله سبحانه: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) (طه:123).
قال ابن عباسٍ –رضي الله عنه-: فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، فاتباع القرآن وتحكيمه والعمل به وتقديمه، وتلاوته وتعليمه، وتدبره وتفهيمه من أعظم أسباب أمان الآخرة، وصلاح الدنيا والسريرة.
وبالتَّدبُرِ والتَّرْتِيْلِ فاتْلُ كِتَابَ |
|
اللهِ لا سِيَّمَا في حِنْدِسِ الظُلَمِ |
حَكِّمْ بَرَاهِيْنَهُ وَاعْمَلْ بمُحْكَمِهِ |
|
حِلاً وَحظْرًا وَما قَدْ حَدَّهُ أقِمِ |
واطْلُبْ مَعَانِيْهِ بالنَّقْلِ الصَّريْحِ ولا |
|
تخُضْ بِرَأُيِكَ واحْذَرْ بَطْشَ مُنْتَقِمِ |
وعن مَنَاهِيْهِ كُنْ يَا صَاحِ مُنْزَجِرًا |
|
والأمْرَ مِنْهُ بلاَ تَرْدَادٍ فالْتَزِمِ |
الصفة الثانية والثالثة والرابعة: الإيمان بالله واليوم الآخر، والعمل الصالح، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62).
فالإيمان بالله؛ هو الإيمان به وحده وأنه لا يستحق العبادة إلا هو، وفي سورة المائدة: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (المائدة:69).
فالمؤمنون هم الآمنون (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82).
والإيمان ركائزه ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكُتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرِّه.
وأما اليوم الآخر فهو: ما يقع من الموت والاحتضار ونعيم القبر وعذابه وما بعده من الأهوال، والشفاعة والصراط والميزان، والبعث والحوض وغير ذلك من الأحوال، فالإيمان باليوم الآخر يدعو الإنسان إلى الخوف من هذا اليوم، فيعمل الصالحات ويترك المنهيات، فيُورث الخوف والوجل والإشفاق، ويبتعد المرء عن الذنوب والآثام والشقاق.
والعمل الصالح ما جمع وصفين: الإخلاص والمتابعة، فالأعمال الصالحة والتجارة الرابحة سبب الأمان يوم القيامة، والأعمال بحمد الله كثيرة، وطرقها كبيرة فاعمل بالواجبات والمستحبات تنال الأمن يوم العرصات.
الصفة الخامسة والسادسة: الإخلاص والمتابعة، قال سبحانه: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:112).
أسلم وجهه لله، أخلص العمل لله وحده لا شريك له وهو محسنٌ متبعٌ فيه الرسول ﷺ.
ومنه قوله: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) (آل عمران:20).
والإخلاص والمتابعة ركنٌ في كل عبادة.
شَرْطُ قَبُولِ السَّعْي أنْ يَجْتَمِعَا |
|
فِيهِ إصَابَةٌ وإخْلاَصٌ مَعَا |
للهِ رَبَّ العَرْشِ لا سِوَاهُ |
|
مُوَافِقُ الشَّرْعِ الَّذِي ارْتَضَاهُ |
وَكُلُّ مَا خَالَفَ لِلوَحْيَيْنِ |
|
فَإنَّهُ رَدٌّ بِغَيْرِ مَيْنِ |
فإن للعمل المتقبَّل شرطين:
أحدهما: أن يكون خالصًا لله وحده.
والثاني: أن يكون صوابًا موافقًا على الشريعة.
فمن قام بهما حق القيام أمن واطمأن يوم المقام بين القدوس السلام، فالمخلصون الصائبون ضمن لهم تحصيل الأجور، وأمَّنهم مما يخافون من المحظور، فلا خوفٌ عليهم فيما يستقبلونه، ولا هم يحزنون على ما مضى مما يتركونه.
الصفة السابعة: من أنفق لله بدون منٍّ أو أذىً لعباد الله قال المولى عزَّ وجلَّ: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:262) فالله مدح وأثنى الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله خالصةً له، ثم لا يُتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات منًّا على ما أعطوه، فلا يمنون به على أحدٍ ولا يمنون به لا بقولٍ ولا فعلٍ ولا أذى، لا يفعلون مع من أحسن إليه مكروهًا يُحبطون به ما سلف من الإحسان، فوعدهم الجزاء الجميل، والثواب الجميل، فلا خوفٌ عليهم فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة ولا هم يحزنون على ما خلَّفوه من الأولاد وما فاتهم من الحياة الدنيا وزهرتها لا يأسفون عليها؛ لأنهم قد صاروا إلى ما هو خيرٌ لهم من ذلك.
الصفة الثامنة: من أنفق لله سرًّا وعلانية قال سبحانه: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:274) هذا مدحٌ منه تعالى للمنفقين في سبيله وابتغاء مرضاته في جميع الأوقات من ليلٍ أو نهار والأحوال من سرٍّ وجهار، ويدخل في ذلك النفقة على الأهل والبيت والنفس ففي الصحيحين قال لسعد بن وقاص: (إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهَا دَرَجَةً وَرِفْعَةً حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَي امْرَأَتِكَ).
وعندهما: (إن المُسْلِمُ إِذَا أنْفَقَ عَلَى أهْلِهِ نَفَقَةً يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً).
فمن كانت هذه صفته فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، والفرق بين هذه الصفة والتي قبلها: أن التي قبلها في التعامل مع الخَلق بعدم المن والأذى، وإنما بطيب النفس والتواضع والهنا، وهذه الصفة في التعامل مع الحق بالإنفاق لله في السر والجهر خالصًا لله.
الصفة التاسعة والعاشرة: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، قال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:277).
فمدح الله المؤمنين بربهم، المطيعين أمره، المؤدين شكره، المحسنين على خلقه في إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة مُخبرًا عمَّا أعد لهم من الكرامة، وأنهم يوم القيامة من التبعات آمنون.
وإقام الصلاة يشمل: القيام بطهارتها، وأوقاتها، وشروطها، وأركانها، وواجباتها، وسُننها، ومكانها، وكذا إعطاء الزكاة وأداؤها كما أمر الله به في هاتين الصفتين، فتفقَّد حالك في هاتين الصفتين علَّك أن تكون من الصنفين.
والصلاة والزكاة أختان لا تفترقان، والصلاة زكاة الأبدان، والزكاة زكاة الأموال والنفوس، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة تُفلحوا وتفوزوا، وتُصلِحوا وتَصلَحوا، ومُروا أولادكم واصبروا.
وهذه الصفات العشر مذكورةٌ في سورة البقرة، فتدبر القرآن وافهم خبره.
قلت ما سمعتم وأستعفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ولي التوفيق، أحمده سبحانه على ما علَّم من جليلٍ ودقيق، وبعد عباد الله...
الصفة الحادية عشرة: المقتول في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله، قال الواحد الأحد الفرد الصمد: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (آل عمران:169-170).
قال ابن كثيرٍ $: يُخبر سبحانه عن الشهداء بأنهم وإن قُتِلوا في هذه الدار فإن أرواحهم حيَّةٌ مرزوقةٌ في دار القرار (فَرِحِينَ) أي: الشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله أحياءٌ عند الله وهم فرحون مما هم فيه من النعمة والغبطة، ومستبشرون بإخوانهم الذين يُقتلون بعدهم في سبيل الله أنهم يقدمون عليهم، وأنهم لا خوفٌ مما أمامهم، ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم. انتهى.
الصفة الثانية عشرة: من آمن بالله وأصلح، قال تعالى: (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأنعام:48) فمن آمن قلبه بالله، وأصلح عمله لله، واتبع رسل الله.
قال ابن كثيرٍ: (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ) أي: فمن آمن قلبه بما جاؤوا به، وأصلح عمله باتباعه إياهم (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) أي: بالنسبة إلى ما يستقبلونه (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي: بالنسبة إلى ما فاتهم وتركوه وراء ظهورهم من أمر الدنيا وصنيعتها، الله وليهم فيما خلَّفوه، وحافظهم مما تركوه. انتهى.
الصفة الثالثة عشرة: تقوى الله، قال جلَّ في عُلاه: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأعراف:35) فمن ترك ما حرَّم الله من المحرمات، وفعل المأمورات والطاعات أمَّنه الله يوم الحسرات.
وداوم على تقــوى الإلــه فــإنـها |
|
أمانٌ من الأهــوال في موقف الحشر |
والتقوى ترك ما حرَّم الله، وفعل ما أوجب الله، فالمتقون هم الآمنون المطمئنون وفي العرصات فائزون.
الصفة الرابعة عشرة: أولياء الله كما قال سبحانه جلَّ في علاه: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس:62) أولياؤه كما وصفهم سبحانه الذين آمنوا وكانوا يتقون، فكل من كان تقيًّا كان لله وليًّا لا خوفٌ عليهم فيما يستقبلونه من أهوال القيامة، ولا هم يحزنون على ما وراءهم في الدنيا.
وصفة أولياء الله هم المؤمنون المتقون، المنقادون المتبعون، وأحسن من تكلم على أولياء الله والفرق بينهم وبين أولياء الشيطان شيخ الإسلام ابن تيمية $ في كتابه النفيس الثمين (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) فما أكثر من يدعي الولاية وهو من أولياء الشيطان، يتعلق بالشرك والقبور والأولياء والبهتان.
الصفة الخامسة عشرة: الاستقامة على دين الله، قال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأحقاف:13) فمن استقام على الطاعة ولزم الجماعة، واعتقد معتقد أهل السُّنَّة والجماعة أمَّنه الله يوم الساعة، فالمستقيمون لا خوفٌ عليهم فيما يستقبلون ولا هم يحزنون على ما يُخلِّفون، والاستقامة هي لزوم الطاعة، ومعها السعادة والكرامة والأمان والاطمئنان يوم الحسرة والندامة.
الصفة السادسة عشرة: عدم استحقار الآخرين وازدرائهم، قال الله في حق أصحاب الأعراف: (أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (الأعراف:49) أي: أهؤلاء الضعفاء الذين أقسمتم وحلفتم لا ينالهم الله برحمته، وأنهم لا يدخلون الجنة، يُقال لهم: ادخلوا الجنة (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ).
الصفة السابعة عشرة وهي الأخيرة: المؤمنون المصدقون بآيات الله، المسلمون حقًّا لله، قال سبحانه: (يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ) (الزخرف:68-69).
قال ابن كثير: آمنت قلوبهم وبواطنهم، وانقادت لشرع الله جوارحهم وظواهرهم.
قال المعتمر بن سليمان عن أبيه: إذا كان يوم القيامة فإن الناس يُبعثون لا يبقى أحدٌ منهم إلا فزع، فيُنادي منادٍ (يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (الزخرف:68) فيرجوها الناس كلهم، قال: فيتبعها (الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ) (الزخرف:69) قال: فييأس الناس منها غير المؤمنين. انتهى.
فمن أسلم واستسلم أمِن من الفزع يوم المغنم.
فهذه سبعة عشرة صفة في ثلاثة عشرة آية، احرص عليها أيها المسلم أن تتصف بأكمل الأوصاف فتبوء بالخيرات والألطاف.
هذا وصلوا وسلموا على من أُمِرتم بالصلاة والسلام عليه (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب:56).