بِدايَةِ العَامِ الدِّرَاسِيِّ 12 صَفَر 1446 هـ - موافقة للتعميم مختصرة ومستفادة

مبارك آل بخيتان
1446/02/12 - 2024/08/16 00:19AM

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ على إمدادِ الآجالِ، وتَعاقُبِ الأجيالِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ وهو شديدُ المحالِ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الذاكرُ ربَّهُ في كلِ حالٍ، فصلى اللهُ عليهِ وسلمَ تسليمًا كثيرًا في الغُدوِّ والآصالِ، أما بعدُ:

فاتقُوا اللهَ؛ فتقوَى اللهِ ما    جاورَتْ قلبَ امرئٍ إلا وَصَلْ

إليكمْ قصةَ أفضلِ معلمٍ مع أحدِ تلاميذِهِ، حيثُ سلكَ معه أسلوبًا تربويًا فائقًا رائقًا. ولذا قالَ ذلك التلميذُ النجيبُ مادِحاً معلِّمَهُ: مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ!

فهلْ عرفتُمْ مَنْ ذلكمُ المعلمُ؟

 إنه نبيُنا محمدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!

والتلميذُ هوَ الصحابيُ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ –رضيَ اللهُ عنهُ- حيثُ قَالَ في قصتِهِ:

بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ! فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. رواهُ مسلمٌ1).

أرأيتمْ كيفَ رَوعةُ التعليمِ مع بَراعةِ التربيةِ؟!

وإن المجتمعَ يريدُ معلمًا يعامِلُ طالبَهُ وكأنَه يُعامِلُ رجلًا له كرامتُهُ، بل كصاحبٍ له يَرعاهُ ويُراعيهِ. فارفعُوا -أيُها المعلمون الأجلاءُ- رايةَ التربيةِ والتحفيزِ والتوجيهِ، ونكِّسُوا رايةَ اللومِ والتحقيقِ والتعنيفِ، وراعُوا فيهمُ اختلافَ المَداركِ والفُهومِ، والخِبراتِ والعلومِ.

وهنيئاً لكَم أيها المعلمون استغفارُ الكونِ لكَم، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ).

فأنتَم تقومُ بوظيفةِ الأنبياءِ، ومهنةِ العُلماءِ، فمن ذا ينسى فضلكَم على الأبناءِ، ومن ذا لا يعرفُ جُهدَكم والعطاءَ، فأنتَم الشَّمعةُ التي تُنيرُ الدُّروبَ، وكلماتُكَم يُحيي اللهُ بها القلوبَ،

فيا أيها المعلم .. كم من جاهلٍ علَّمتَه، وكم من غافلٍ نبَّهتَه، فاللهَ اللهَ في أبنائنا، فنحنُ أولياءُ الأمورِ معكَ، وهم أمانةٌ بين يديكَ، وأنتَ أهلٌّ للأمانةِ.

أَنتَ المعلمُ أَصلُ كلِّ فَضيلةٍ *** أنتَ الإمامُ سَبقتَ بالإحسانِ

إنَّا نُعانقُ بالوفاءِ جهودَكم *** سَتظلُّ دُستوراً مَدى الأزمانِ

فجزاكم الله أيها المعلمون عن أبنائنا خير الجزاء ..

وأنت أيُها الأبُ الكريم: ها قدْ وفرتَ لأولادِكَ مستلزماتِهم المدرسيةَ، والتي ربما أرهقَتكَ مادياً، لكنْ هلِ استحضرتَ واحتسبتَ أنكَ بهذا مأجورٌ إذا لم تُسرفْ، ولم تَمْنُنْ ولم تتأفَّفْ، فالنبيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ؛ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ. رواهُ مسلمٌ().

فجزاكم الله أيها الآباء عن أبنائكم خير الجزاء ..

وأخلف عليكم خيراً مما أنفقتموه لهم ..

اجتهدوا أيها الآباء في تعليم ابنائكم واحتسبوا الاجر في ذلك .. فانتم مسؤول عن رعيتكم التي استرعاها لكم الله ..

ثم أنتم أَيُّها الأبناء الطلابُ ؛ جِدُّوا في مَنَابِرِ العِلم والطَّلَبِ، وإنَّما الأُمَمُ بعُلُومِها، والمرْءُ بمعارِفِهِ، وإنما يَسْمُو عَقْلُ الرجُلِ ويَسْعَدُ بما معه مِنَ المعارِفِ، وقَدْرُ كلِّ امْرِئٍ ما كان يَعْلمهُ، وبالعِلم يَزْكُو العقلُ، وتَتَهَذَّبُ الروحُ وتفرحُ، وتَرْتَفِعُ عن أدرانِ الجَهْلِ والسَّفَهِ.

أيُّها الطلبةُ: أَقْبِلُوا على مدارِسِكُمْ وجامِعاتِكُمْ بِرُوحٍ مُتَوَقِّدَةٍ، ونَفْسٍ تَسْتَسْهِلُ الصعبَ؛ بل وتَسْتَمْتِعُ به، ارْفَعُوا هِمَمَكُمْ، ضَعُوا حَدًّا للكَسَلِ، وانْفُضُوا عنكم لُوثَةَ([13]) الاستهتارِ بالتعليم وتَحْصِيلِ المجْدِ، أَقْبِلُوا على دِرَاسَتِكُمْ، واجْتَهِدُوا في التعَلم، وانْوُوا النيةَ الطيبةَ في دراستِكُمْ بأنْ تَخْدِمُوا دِينَكُمْ وبَلَدَكُمْ ومُجْتَمَعَكُمْ، واجْمَعُوا خَيْرَيِ الدنيا والآخرةِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة:201، 202].

 

العِلْمُ كَنْزٌ وَذُخْرٌ لَا نَفَادَ لَهُ *** نِعْمَ القَرِينُ إِذَا مَا صَاحِبٌ صَحِبَا

يَا جَامِعَ العِلْمِ نِعْمَ الذُّخْرُ تَجْمَعُهُ *** لَا تَعْدِلَنَّ بِهِ دُرًّا وَلَا ذَهَبَا

 

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يا فوز المستغفرين

الخطبة الثانية :

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، الرَّحمنِ الرحيمِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه ومن اهتدى بهديه إلى يومِ الدِّينِ وسَلمَ تسليماً كثيراً، أما بعد:

فها نحنُ نعودُ مجدداً يوم الأحد بعدَ إجازةٍ طويلةٍ، لنقفَ على أبوابِ العلمِ والثَّقافةِ، فعوداً حميداً لِمَقَاعدِ الدِّراسةِ.

فيا أيها الآباء ويا أيها الأبناء ..

إن ما يسمى بالأسبوع الميت درج عند الكثيرين وأفقدهم بريق النشاط والهمة في البدايات .. وحرمهم لذة المبادرة للخير ..

فإياكم ثم إياكم التهاون والكسل وجدو واجتهدوا .. وكونوا من الأوائل المبكرين

·      فاللهم لكَ الحمدُ كالذي تقولُ وخيرًا مما نقولُ.

·       ربنا أوزعنا شكرَ نعمِك الظاهرةِ والباطنةِ.

·      اللهم وفقْ طلابَنا وطالباتِنا ومعلمِينا ومعلماتِنا، وقادةَ التعليمِ للسدادِ والرشادِ.

·       ربَّنا أوزعنا أن نشكرَ نعمتَك التي أنعمتَ علينا وعلى والدَينا وأن نعملَ صالحًا ترضاهُ وأدخلْنا برحمتِك في عبادِك الصالحينَ.

·       اللهم ارزقْنا برَّهما أحياءً وأمواتًا.

·       اللهم وفقْ مليكَنا ووليَ عهدِه، وسددْهم في أقوالِهم وأعمالِهم، واجعلهُم وجنودَنا في ضمانِك وأمانِك.

·      اللهم صلِ وسلمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المشاهدات 1037 | التعليقات 0