بحث مختصر في مسألة "دعاء الخطيب على المنبر يوم الجمعة

احمد ابوبكر
1434/04/29 - 2013/03/11 04:02AM
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد:
فهذا بحث مختصر في مسألة "دعاء الخطيب على المنبر يوم الجمعة ، فهل له أصل في السنة وأقوال الأئمة أم أنه من البدع والمحدثات التي أضيفت إلى كثير من العبادات" ، فأقول وبالله التوفيق.

- قد جاء في هذه المسألة ثلاثة أحاديث:
1- عن عمار بن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال عمارة: قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشرا بأصبعه المسبحة . وله عن عمارة طريقان:
أ- عن حصين عنه به ورواه عن حصين عدة ثقات بزيادة في آخره عن بعضهم:

1- عبد الله بن إدريس عنه به: رواه ابن أبي شيبة (2/ص55) ومن طريقه مسلم في الصحيح (6/2013) والإمام أحمد في المسند وابن خزيمة (2/1451) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/1581) ولفظه ما تقدم.

2- أبو عوانة عنه: رواه مسلم (6/2014) ولفظه ما تقدم وأبو عوانة هو : وضاح اليشكري كما في التقريب (7407).
3- شعبة: رواه أبو داود الطيالسي في مسنده (ص179) والبيهقي في الكبرى (3/ص210) ولفظه :" رأى بشر رافعا يديه يدعو على المنبر يوم الجمعة ... " .
4- سفيان عنه : رواه الإمام أحمد (4/136) والنسائي في الصغرى (3/180) والدارمي (1/ص390) وابن أبي عاصم (3/1582) ولفظه مثل لفظ شعبة.
5- زائدة عن حصين به : رواه أبو داود في سننه (3/1100 – عون المعبود ) والطيالسي (ص179) ولفظه كسابقه.
6- عن هشيم عنه به : رواه الترمذي (3/ص47 تحفه) وقال: حديث حسن صحيح ورواه البغوي في شرح السنة (4/255).
- ورواه زهير بن معاوية بن حصين ولكن قال في آخره في كلام عمارة رضي الله عنه: لعن الله هاتين اليدين رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يدعو وهو يشير بأصبعه. رواه الإمام أحمد في المسند (4/136).

- وزهير هو ابن معاوية بن حديج الكوفي أبو خثيمة الجعفي نزيل الجزيرة : ثقة ثبت روى عنه الجماعة (2051 تقريب).
- ولم ينفرد زهير بهذه الزيادة فقد تابعه ابن فضيل عليها رواه الإمام أحمد (4/261)
- وابن فضيل : هو محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي : صدوق عارف رمي بالتشيع روى له الجماعة ( 6227 تقريب).

قلت : فهذه الزيادة صحيحة إن شاء الله وقد صححها كثير من المخرجين المعاصرين كالأرنؤوط وغيره.


ب- الطريق الثانية : عن أبي بكر بن عمارة بن رويبة عن أبيه عمارة به نحو حديث ابن أبي شيبة رواه ابن أبي عاصم في الآحاد (3/1583) وأبو بكر : مقبول كما في التقريب أي : عند المتابعة وإلا فليس الحديث وقد تابعه حصين وسبق.

الحديث الثاني:
- عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه قط يدعو على منبره ولا غيره ما كان يدعو إلا يضع يده حذو منكبه ويشير بأصبعه إشارة وفي لفظ ( وأشار بالسبابة وعقد الوسطى والإبهام).

رواه الإمام أحمد (5/337) وابن أبي شيبة (2/ص370) وأبو داود في السنة (3/1101-عون المعبود) وأبو يعلى في المسند (13/7551) وفيه " بإصبعه السبابة من يده اليمنى فقوسها " وابن حبان في صحيحه (3/883) وابن خزيمة (2/1450) والبيهقي في الكبرى (3/ص210) والطبراني في الكبير (6/6023) والروياني في مسنده (2/1122) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن معاوية عن ابن أبي ذباب عن سهل فذكره.

قال الهيثمي رحمه الله في مجمع الزوائد (10/167 ) : رواه أحمد وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الزرقي المدني وثقه ابن حبان وضعفه مالك والجمهور و رجاله ثقات.

قلت: عبد الرحمن بن إسحاق قال عنه ابن عدي في الكامل (4/ص304): وفي حديثه بعض النكرة ولا يتابع عليه والأكثر منه صحاح وهو صالح الحديث كما قال أحمد بن حنبل وفي التقريب : صدوق , فالضعف ليس من جهته وإنما من جهة عبد الرحمن بن معاوية قال في التقريب: صدوق سيء الحفظ بالإرجاء ( ترجمة 4011).

فالحديث بهذا السند فيه ضعف ولذا قال عنه الشيخ الألباني : ضعيف ( ضعيف أبي داود ص109 رقم 240 – 1105 ) وقال عنه في تعليقه على صحيح ابن خزيمة :" فيه ضعف من أصل عبد الرحمن بن معاوية فإنه صدوق سيء الحفظ " ( 2/ص351 تعليق رقم 1450 ).

- والحديث صححه ابن حبان والحاكم (1/535) ووافقه الذهبي , ولعل ذلك لأن حديث عمارة رضي الله عنه السابق يشهد له شهادة قوية واضحة فإن معناهما واحداً وقد صححه بعض المخرجين المعاصرين من أصل ذلك , وذكر شعيب الأرنؤوط أنه يشهد له حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يشير بإصبعيه في التشهد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أحد أحد "

قلت: وهذا فيه نظر والظاهر أنه لا يشهد له وذلك أننا إن صححنا حديث سهل رضي الله عنه بشهادة هذا الحديث قد أثبتنا حكماً شرعيا وهو شرعية دعاء الإمام يوم الجمعة على المنبر وهذا لم يدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه إذ هو في الإشارة عند التشهد في الصلاة والله أعلم.

الحديث الثالث:
- عن سمرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات في كل جمعة .

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/109) : رواه البزار والطبراني في الكبير وقال البزار : لا نعلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد وفي إسناد البزار يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف اهـ.
وقال الحافظ في بلوغ المرام ص103 : رواه البزار بإسناد لين.

قلت: عند قراءة حديث عمارة رضي الله عنه الصحيح وحديث سهل رضي الله عنه الذي صححه بعضهم بشهادة حديث عمارة له يتبين لكل أحد أن بشر بن مروان دعا على المنبر يوم الجمعة ورفع يديه في هذا الدعاء فأنكر عليه عمارة – رضي الله عنه – رفعه ليديه وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير فقط فعمارة رضي الله عنه لم ينكر على بشر الدعاء وإنما رفعه ليديه ولو كان الدعاء من أصله ممنوعا أو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعله لأنكر عمارة رضي الله عنه ذلك على بشر ولما اكتفى بإنكار رفع اليدين فعمارة رضي الله عنه قد أقرَّ بشرا على الدعاء .
وبهذا يتبين أن دعاء الخطيب على المنبر يوم الجمعة له أصل في السنة وأن عليه الصلاة والسلام كان يدعو على منبره في خطبة الجمعة وهذا الفهم بل منطوق حديث عمارة وسهل رضي الله عنهما قال به الجمع الكبير من أئمة أهل الحديث والفقه وهذه عباراتهم:

- ذكر كلام أهل العلم على هذه الأحاديث:
1- أما المحدثون:
- فقد بوب الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة " في رفع الأيدي في الدعاء يوم الجمعة " وأورد حديث عمارة رضي الله عنه.
- وبوب مرتب صحيح ابن حبان " باب ذكر وصف الإشارة للمرء بأصبعه عند إرادته الدعاء لله كل وعلا " وأورد حديث عمارة وسهل رضي الله عنهما.
- وبوب الإمام ابن خزيمة " باب إشارة الخاطب بالسبابة على المنبر عند الدعاء يوم الجمعة " وذكر حديث سهل رضي الله عنه.
- وبوب البيهقي في سننه الكبرى " باب ما يستدل به على أنه يدعو في خطبته " وأورد حديث عمارة وسهل رضي الله عنهما.
- وبوب الهيثمي في المجمع " باب الإشارة في الدعاء ورفع اليدين " وأورد حديث سهل رضي الله عنه.

قلت: وهؤلاء العلماء الأكابر, رحمهم الله تعالى قد رووا حديث عمارة رضي الله عنه من غير زيادة زهير وابن فضيل في آخره وهي أن عمارة رضي الله عنه قال" رأيت رسول الله على المنبر يدعو " وأنما رووه بلفظ " رأى بشراً على المنبر رافعاً يديه فقال قبح ...الحديث ، فلم يرووا أن بشراً كان يدعو أو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو وقد فهموا من الحديث أن عمارة أنكر على بشر رفع اليدين حال الدعاء على المنبر ولم ينكر عليه الدعاء وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويشير فقط ولذلك بوبوا هذه التبويبات السابقة الذكر فالحديث من غير الزيادة تلك دال على ما ذكر من شرعيه الدعاء على المنبر يوم الجمعة وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في ذلك اليوم.

- وأيضا قد ذكر ذلك شُراح السنن والأحاديث:
- قال الإمام الشوكاني رحمه الله : والحديثان المذكوران في الباب يدلان على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء وأنه بدعة. نيل الأوطار (3/322).

- قال العلامة المباركفوري في تحفة الأحوذي (3/47) : " والحديث يدل على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء ا.هـ. قلت: ويلاحظ أن الترمذي لم يرو زيادة الدعاء من كلام عمارة وقد فهم ذلك المباركفوري دونهاكما هنا.

- وأما الفقهاء رحمهم الله :
- فقد نقل المرداوي في الإنصاف : أنه يسن أن يدعو للمسلمين بلا نزاع وأشار ابن عبدالهادي في مغني ذوي الأفهام إلى أن هذا بإتفاق الأئمة الأربعة كما في غاية المرام للعلامة عبدالمحسن العبيكان (7/216).

- قال العلامة ابن عابدين الحنفي رحمه الله: " لا مانع من استحبابه- أي الدعاء للسلطان- فيها كما يدعي لعموم المسلمين فإن في صلاحه صلاح العالم.... على أنه ثبت أن أبا موسى الأشعري وهو أمير الكوفة كان يدعو لعمر قبل الصديق فأنكر عليه تقديم عمر فشكا إليه فاستحضر المنكر فقال : إنما أنكرت تقديمك على أبي بكر فبكى واستغفره ولم ينكر أحد منهم الدعاء بل التقديم فقط والصحابة حينئذ متوفرون لا يسكتون عن بدعة إلا إذا شهدت لها تواعد الشرع ولم ينكر أحد منهم الدعاء بل التقديم فقط وأيضا فإن الدعاء للسلطان على المنابر قد صار الآن من شعار السلطنة فمن تركه يخشى عليه ولذا قال بعض العلماء: لو قيل إن الدعاء له واصب لما في تركه من الفتنة غالباً لم يبعد كما قيل به في قيام الناس بعضهم لبعض ...ا.هـ. (3/22).

- وفي المدونة للإمام مالك (1/231) : قال رحمه الله : " من سنة الإمام ومن شأن الإمام أن يقول إذا فرغ من خطبته : يغفر الله لنا ولكم فقلت يا أبا عبدالله : فإن الأئمة يقولون اليوم أذكروا الله يذكركم قال: وهذا حسن وكأني رأيته يرى الأول أصوب ا.هـ. القائل هو ابن القاسم.

- وذكر صاحب كتاب " الفقه المالكي وأدلته " (1/263) في المندوبات المؤكدة للجمعة : " وختم الثانية بيغفر الله لنا ولكم أو بأذكروا الله يذكركم " .
- وذكر الشافعية أن الدعاء من شروط الخطبة :
قال صاحب المنهاج - وهو يعدد شروط الخطبة - :"الخامس: ما يقع عليه اسم دعاء للمؤمنين في الثانية وقيل لا يجب ".(1)
قال شارحه العلامة الخطيب الشربيني :" لنقل الخلف له عن السلف ... ويستحب الدعاء لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والإعانة على الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك " اهـ

- وأما الحنابلة :
فقال الشيخ أبو محمد بن قدامة رحمه الله :" ويستحب أن يدعو للمؤمنين والمؤمنات والحاضرين وإن دعا لسلطان المسلمين بالصلاح فحسن وقد روي منبه بن محسن أن أبا موسى كان إذا خطب فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي يدعو لعمر وأبي بكر وأنكر عليه منبه البداءة بعمر قبل الدعاء لأبي بكر ورفع ذلك لعمر فقال لمنبه :" أنت أوثق منه وأرشد ... ولأن سلطان المسلمين إذا صلح كان فيه صلاح لهم ففي الدعاء له دعاء لهم وذلك مستحبٌ غير مكروه اهـ.

وقال العلامة الزركشي عند شرحه لقول المؤلف :" وإن أراد أن يدعو لإنسان دعا "
قال رحمه الله :" أي للسلطان ونحوه لأن صلاحه صلاح للمسلمين ولأن الدعاء لمعين يجوز في الصلاة على الصحيح فكيف بالخطبة اهـ (2/182).

وفي كلام الإمام ابن حزم في المحلى ما يدل على مشروعية الدعاء
فقال رحمه الله :" وفرض على كل من حضر الجمعة ..... والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام إذا أمَّن الخطيب بالصلاة عليه والتأمين على الدعاء ثم قال : فإن أدخل الخطيب في خطبته ما ليس من ذكر الله تعالى ولا من الدعاء المأمور به فالكلام حينئذ مباح " (5/61).
وقال في (5/64) :" وأما إذا أدخل الإمام في خطبته مدح من لا حاجة بالمسلمين إلى مدحه أو دعاء فيه بغي أو ذم من لا يستحق فليس هذا من الخطبة فلا يجوز الإنصات لذلك بل تغيير واجب إن أمكن اهـ.

وقال شيخ الإسلام في الاختيارات (148) :" إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه إذا دعا ".
وقال العلامة ابن القيم :" وكان يشير بإصبعه السبابة في خطبته عند ذكر الله تعالى ودعائه " (1/428) زاد المعاد.

وقال العلامة الصنعاني في شرح حديث سمرة :" وفيه دليل على مشروعية ذلك للخطيب لأنها موضع دعاء ... "(2/ص68 سبل السلام).

وقال العلامة الشيخ عبد الله أبا بطين – عند ذكر مسألة الدعاء للوالي في الخطبة - :" الدعاء حسن يدعى له بأن الله يصلحه ويسدده ويصلح به وينصره على الكفار وأهل الفساد بخلاف ما في بعض الخطب من الثناء والمدح والكذب وولي الأمر يُدعى له لا يمدح لاسيما بما ليس فيه اهـ . الدرر السنية (3/230).

وقالـت اللجنة الدائمة :" الأفضل إذا دعا الخطيب أن يعم بدعوته حكام المسلمين ورعيتهم .. ".

وقال الإمام الشيخ عبد العزيز بن باز :" وفيه الدعاء للمؤمنين وإن كان في إسناده لين (1) لكن له شواهد فيأخذ منها شرعية الدعاء للمسلمين ...".

وقال العلامة الفقيه الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :" ويسن أن يدعو للمسلمين بما فيه صلاح دينهم ودنياهم ويدعو لإمام المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والتوفيق وكان الدعاء لولاة الأمور في الخطبة معروفا عند المسلمين وعليه عملهم .. ".

وأما العلامة الإمام الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله تعالى – فقد ذكر هذه المسألة بمبحث مهم يدل على دقة نظره وثاقب فهمه رحمه الله حيث قال :" وينبغي أيضا في الخطبة أن يدعو للمسلمين الرعية والرعاة لأن في ذلك الوقت ساعة ترجى الإصابة والدعاء للمسلمين لا شك أنه خير فلهذا استحبوا أن يدعو للمسلمين ولكن قد يقول قائل :
كون هذه الساعة مما ترجى في الإجابة وكون الدعاء للمسلمين فيه مصلحة عظيمة موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وما وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فتركه هو السنة إذ لو كان شرعا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم فلابد من دليل خاص يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمسلمين فإن لم يوجد دليل خاص فإننا لا نأخذ به ولا نقول إنه من سنن الخطبة وغاية ما نقول إنه من الجائز لكن قد يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للمؤمنين في كل جمعة فإن صح هذا الحديث فهو أصل في الموضوع وحينئذ لنا أن نقول إن الدعاء سنة أما إذا لم يصح فنقول إن الدعاء جائز وحينئذ لا يتخذ سنة راتبة يواظب عليه لأنه إذا اتخذ سنة راتبة يواظب عليها فهم الناس أنه سنة وكل شيء يوجب أن يفهم الناس منه خلاف حقيقة الواقع فإنه ينبغي تجنبه اهـ من الشرح الممتع.

قلت : وقد ثبت حديث عمارة رضي الله عنه والشيخ قال :" إن ثبت قلنا إنه سنة " فلذا نقول : إن الدعاء في خطبة الجمعة سنة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فينبغي الاقتداء به في ذلك.

وقد خالف هؤلاء الأئمة في فهمهم شرعية الدعاء من حديث عمارة رضي الله عنه كل من العلامة الطيبي والعظيم آبادي والشيخ السندي رحمهم الله تعالى .

فقال الأول عن حديث عمارة من لفظ المسند :" رأيت رسول الله على المنبر يدعو وهو يشير بإصبع " قال:" قول "رافعا يديه" أي عند التكلم كما هو أدب الوعاظ إذا جمعوا يشهد له قوله الآتي وأشار بأصبعه المسبحة اهـ.

وقال العظيم آبادي :" وهل المراد في حديث عمارة بالرفع المذكور رفع اليدين عند الدعاء على المنبر أو المراد رفع اليدين لا وقت الدعاء بل عند التكلم كما هو دأب الوعاظ والقصاص أنهم يحركون أيديهم يمينا وشمالا ينبهون السامعين على الاستماع فحديث عمارة يدور إسناده على حصين بن عبد الرحمن ورواته اختلفوا عليه فرواية عبد الله ابن إدريس وأبي عوانة وسفيان كلهم عن حصين تدل على المعنى الثاني ، ولذا بوّب النسائي باب الإشارة في الخطبة وبوب ابن أبي شيبة " الرجل يشير بيده وهكذا فهم الطيبي ".
ورواية هشيم وزائدة وابن فضيل كلهم عن حصين تدل على المعنى الأول وهكذا فهم النووي وأما ترجمة المؤلف وكذا الترمذي فتتحمل المعنيين ، وعندي للمعنى الثاني ترجيح من وجهين :

الأول: أن أبا عوانة الوضاح وسفيان الثوري وعبد الله ابن إدريس أوثق وأثبت من هشيم بن بشير ومحمد بن فضيل وإن كان زائدة بن قدامة مثل هؤلاء الثلاثة في الحفظ فتعارض رواية هؤلاء الثلاثة الحفاظ برواية زائدة بن قدامة والعدد الكثير أولى بالحفظ.

الثاني : أن قوله الآتي لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ما يزيد على هذه يعني السبابة التي تلي الإبهام يؤيد هذا المعنى الأخير لأن رفع اليدين في الدعاء ليس مأثورا بهذه الصفة بل أراد الراوي أن رفع اليدين كلتيهما لتخاطب السامعين ليس من دأب النبي صلى الله عليه وسلم بل إنما بأصبعه السبابة اهـ.

وقال العلامة السندي رحمه الله في حاشيته على النسائي (3/ص108) عند قول عُمارة رضي الله عنه :" يشير بأصبعه" قال: كأنه يرفعها عند التشهد اهـ وكذا قال مثله القرطبي في شرحه لمسلم (2/504).

قلت : وما ذكره هؤلاء العلماء رحمهم الله تعالى مع مخالفته لكلام أئمة الإسلام وفقهائه الأعلام : يجاب عنه أيضا من وجهين :

الوجه الأول : قولهم رحمهم الله تعالى أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك عند الموعظة غير متفق بتاتا مع لفظ الحديث فعمارة رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على المنبر " فالحديث نص صريح أنه صلى الله عليه وسلم كان يشير عند الدعاء ولم يأتِ بالحديث ذكر للموعظة أو التشهد وهذا أيضا هو ما فسره به رواة الحديث كابن حبان وابن أبي شيبة وابن خزيمة والبيهقي والقاعدة : أن الراوي أعلم وأدق لفهم مرويه من غيره . وانظر تعليق العلامة زكريا الكاندهلوي على كتاب بذل المجهود للسهارنفوري ( / 9.

الوجه الثاني : وأما الوجهين اللذين أيد العظيم آبادي قوله بهما فليس فيهما حجة.
فالوجه الأول : قول إن سفيان وابن إدريس و أبو عوانة خالفوا هشيما وزائدة وابن فضيل وروايتهم أثبت.
فالجواب: أن الأمر ليس كما ذكر فقد رواه بالزيادة كل من شعبة وزائدة وزهير بن معاوية وهشيم وابن فضيل بل حتى سفيان الثوري قد رواه بالزيادة كما في ص1 من البحث فروايتهم هي التي تقدم كما قال هو نفسه رحمه الله :" والعدد الكثير أولى بالحفظ".
وأيضا: فلا يصح أن نقول إن الرواة مختلفين فأي مخالفة في ذلك وإنما هو تفسير منهم للمعنى يؤيده سياق الحديث ولفظه.

وأما الوجه الثاني: فقوله رحمه الله :" إن رفع اليدين في الدعاء ليس مأثورا بهذه الصفة بل أراد الراوي أن رفع اليدين كلتيهما لتخاطب السامعين .."
فأقول: ليته عكس كلامه رحمه الله فإن رفع اليدين لمخاطبة السامعين ليس بمأثور بهذه الصفة وليس بمتصور عرفا ولا عقلا.

وأخيرا : نعلم بهذا أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في خطبة الجمعة غير دعاء الاستسقاء المروي في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه.

وأيضا : ففي الأحاديث السابقة وكلام أهل العلم سنية دعاء الخطيب ووقوعه لا استمراره فالظاهر أن دعاء الخطيب يوم الجمعة سنة لكن ليس على سبيل الاستمرار والديمومة في كل خطبة فينبغي أن تترك أحيانا وأن تكون جزءا من الخطبة الثانية لا أن تُجعل هي الخطبة الثانية كما يفعل بعض الخطباء – أصلحنا الله وإياهم -


كتبه/ نايف الوقاد
المشاهدات 4785 | التعليقات 0