بالقرآن نحيا 1445/2/16ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
أيُّها الكِرِامُ : يقولُ تَعَالَى : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِي تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } والله مَا طَابَتِ حَيَاةٌ إِلَّا بالقرآن، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا بِالِاسْتِمْسَاكِ بِه، فهُوَ أَصْدَقُ الْحَدِيثِ، وَأَشْرَفُ الذِّكْر، وَفَضْلُهُ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ ، فهو الْكِتَابُ الْمُبِينُ، وَالْحِصْنُ الْحَصِينُ، وَالْحِرْزُ الْمَكِينُ مِنَ الْأَبَالِسَةِ وَالشَّيَاطِينِ، فِيهِ عَجَائِبُ لَا تَنْقَضِي، لَا يَمَلُّ مِنْهُ قَارِئُوهُ، وَلَا يَسْأَمُ مِنْهُ سَامِعُوهُ ، فَخَيْرُ النَّاسِ فِي الدُنْيَا أَهْلُ الْقُرْآن، تِلَاوَتُهُ كُلُّهَا خَيْرٌ، وَلَا تَأْتِي إِلَّا بِالخَيْرٍ و { الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ فَلَهُ أَجْرَانِ“، مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَة، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا“.
أيُّها الكِرِامُ : القرآنُ الْكَرِيمُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِه، اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ سورةَ الْبَقَرَةَ وآلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكُهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ“ ، قال تعالى : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)
أيُّها الكِرِامُ : فَهَذَا الْكِتَابُ الْعَظِيمُ وَصَفَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ مُبَارَكٌ، وَبَرَكَتُهُ عَامَّةٌ، وَمِنْ بَرَكَته : مَا يَنْعَكِسُ أَثَرُهُ عَلَى حَمَلَتِهِ، وَلِذَا تَجِدُ أَهْلَ الْقُرْآنِ أَكْثَرَ النَّاسِ اطْمِئْنَانًا، وَأَوْضَحَهُمْ صَلَاحًا، وَأَحْسَنَهُمْ أَخْلَاقًا وَقَدْ صَحَّ عِنْد اَلتِّرْمِذِي مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اَللَّهْ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، لَا أَقُولُ : أَلَمٌ حَرْفٌ وَلَكِنْ،أَلَّفٌ حَرْفٌ ولَامٌ حَرْفٌ ومِيمٌ حَرْفٌ ).
الخطبة الثانية
أيُّها الكِرِامُ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” اَلْجَوْفُ اَلَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ اَلْقُرْآنِ ، كَالْبَيْتِ اَلْخَرِبِ “ ، تَخَيَّلْ مَعِي هَذَا اَلتَّشْبِيهَ اَلرَّائِعَ مِنْ سَيِّدِ اَلْفُصَحَاءِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اَلْجَوْفُ اَلَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ اَلْقُرْآنِ ، كَالْبَيْتِ اَلْخَرِبِ!! وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اَلْبَيْتَ اَلْخَرِبَ لَا جُدْرَانَ لَهُ تَحْمِيهُ ، وَلَا بَابَ لَهُ يَقِيهِ ، وَلَا مَتَاعَ لَهُ يُزَيِّنُهُ ، وَكَذَلِكَ جَوْفُ مَنْ هَجَرَ اَلْقُرْآنَ ، اَلَّذِي يَهجُرُ اَلْقُرْآنَ يَكُونُ مُسْتَبَاحَ ، الفِكْرِ مُسْتَبَاحٌ بِكُلِّ اَلْأَفْكَارِ اَلضَّالَّةِ ، وَنَفْسُهُ مُسْتَبَاحَةٌ لِكُلِّ اَلشَّهَوَاتِ وَالرَّغَبَاتِ وَالْمَلَذَّاتِ ، وَلَا حِمَايَةً لَهُ بِهَذِهِ اَلْمُهْلِكَاتِ كُلِّهَا إِلَّا أَنْ يَحْتَمِيَ بِالْقُرْآنِ . فَهُوَ اَلْحِصْنُ اَلْحَصِينُ ، وَهُوَ اَلسُّورُ اَلْعَالِي اَلْحَافِظْ ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ أَجْزَاءُ اَلْقُرْآنِ بِالسُّورَةِ ، مَأْخُوذَةً مِنْ اَلسُّورِ ، وَالسُّورُ هُوَ ذَلِكَ اَلْحَائِطُ اَلْعَالِي اَلْحَافِظُ ، يَحْمِي اَلْمُدُنَ مِنْ شَرِّ أَعْدَاءَهَا .
أيُّها الكِرِامُ : قَالَ تَعَالَى : ” وَأَنَّهُ لِذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ” أَيْ إِنَّهُ لَشَرَفٌ لَكَ يَا مُحَمَّدُ وَلِقَوْمِكَ ، يَعْنِي اَلْقُرْآنُ هُوَ اَلْحَامِي ، اَلَّذِي يَحْمِي كُلَّ مَنْ اِحْتَمَى بِهِ ، فَكُلُّ سُورَةٍ مِنْ اَلسُّورِ هِيَ تَحْمِيكَ مِنْ ضَلَالَةٍ مِنْ اَلضَّلَالَاتِ ، أَوْ شُبْهَةٍ مِنْ اَلشُّبُهَاتِ ، أَوْ شَهْوَةٍ مِنْ اَلشَّهَوَاتِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ . . وَبِالتَّالِي فَإِنَّ سُبُلَ اَلْبَاطِلِ كَثِيرَةٌ ، حَتَّى أَنَّهَا لَا تَسْتَوْعِبُ ، وَأَمَّا سَبِيل اَللَّهِ وَاحِدٍ وَصِرَاطِهِ اَلْمُسْتَقِيمِ وَاحِدٍ ، قَالَ تَعَالَى : ” وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ، وَلَا تَتَبَّعُوا اَلسُّبُلُ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ “.