بالشكر والإيمان.. تدوم النعم في الأوطان

عبدالرحمن اللهيبي
1445/03/06 - 2023/09/21 17:49PM

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن حَقِّ اللهِ عَلَينَا أَن نَشكُرَ نِعَمَهُ ، وقد وَعَدَنَا عَلَى الشُّكرِ بِالمَزيَدِ فَقَالَ : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم "

أَلا وَإِنَّ مِن أَجَلِّ نِعَمِهِ عَلَينَا في هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ أَنْ بَسَطَ عَلَينَا أمننا ، وَوَسَّعَ لَنَا في أرزاقنا ، وَتَابَعَ عَلَينَا خيراتنا ، وأكرمنا بوحدة صفنا، واجتماع كلمتنا ، وتجبى إلينا الثمرات والخيرات من كل مكان إلينا ، والناس يُتخطفون من حولنا ..

فَحَافِظُوا يا عباد الله على هذه النعم العظيمة بفعل الطاعات، ومجانبة المعاصي والمنكرات، وَسَلُوا اللهَ العَافِيَةَ؛ فَإِنَّهُ لم يُؤتَ أَحَدٌ بَعدَ اليَقِينِ خَيرًا مِنَ المُعَافَاةِ .. قال ﷺ: " مَن أَصبَحَ مِنكُم آمِنًا في سِربِهِ ، مُعَافىً في جَسَدِهِ عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَت لَهُ الدُّنيَا بِحَذَافِيرِهَا "

فاحذروا يا عباد الله من موجبات الفرقة والشقاق، وتمسكوا بدينكم وثوابتكم ، وعَضُّوا عليه بالنواجذ ، فإن دينكم هو أغلى ما تملكون، فبه أمنكم ونجاتكم، في دنياكم وأخراكم ، وكونوا عَلَى يَقَظَةٍ تَامَّةٍ مما يراد بكم من أعدائكم ، فَكَم مِن مُتَرَبِّصٍ يُرِيدُ تَفتِيتَ وِحدَتِكم ، وَتَمزِيقَ شَملِكم ، وذهاب أمنكم ، وإفساد دينكم ..

وإن الله تعالى قد أمر بالاعتصام بالكتاب المبين، والتمسك بسنة سيد المرسلين، ونهى عن التفرق في الدين، وأمر بلزوم جماعة المسلمين، قال تعالى: ((وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا )) ، فالزموا يا عباد الله جماعة المسلمين وإمامهم، وعليكم بحب الخير والدعاء لهم ، وبذل النصح لكل مسلم ، واجتهدوا في اتباع سبيل المصلحين، وإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

فإن الاعتصامُ بالكتاب والسنَّة من أعظمُ فرائض الدين، وبه تتحقَّقُ للأمة العصمةُ والنجاة للمسلمين، فمِنْ كِتَابِ رَبِّنَا نَسْتَمِدُّ وَحْدَتَنَا الإِيَمانِيَّةَ، وَنَسْتَنْهِضُ قُوَّتَنَا الإِسْلامِيَّةَ، ((إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ))

وقد قص الله تعالى علينا ما وقعت فيه بنو إسرائيل من الفرقة والاختلاف ؛ لئلا نسير سيرتهم، ولكي نحذر مسلكهم وطريقتهم، فقال تعالى: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا ..)) قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: (أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة)

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : "والاجتماع والائتلاف من أعظم الأمور التي أوجبها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم"

ألا فاتقوا اللهَ عبادَ الله، واشكروا نعمة ربكم ، واحفظوا أمنَكم ووحدتَكم، ووطنَكم وبلادَكم، واحذروا مُفارقةَ الجماعة، وخذوا العبرةَ ممن حولكم، ممن فقدوا أمنُهم، وتفرَّق شملُهم، وحل بهم القتل والخوف والجوع والدمار

وأنتم ترفلون في النعم والأمن والخيرات  ، فاشكروا ربكم وأطيعوه ولا تعصوه.. فإن مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يُحْسِنُ حِفْظَ النِّعْمَةِ، ولَا يَشْكُرُ وَاهِبَ المِنَّةِ، وقَدْ عَمَّتْ هَذِهِ البَلِيَّةُ بِشَكْلٍ يَسْتَرْعِي التَّنْبِيهَ والتَّوْجِيهَ، والنُّصْحَ والتَّذْكِيرَ، فَالتَّعْبِيرُ عَنْ حُبِّ الوَطَنِ هُوَ أَنْ نَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللهِ تعالَى وطَاعَةِ رَسُولِهِ ، وَأَنْ نَحْذَرَ مِنْ كُفْرِ نِعَمِهِ بِالعَمَلِ بِمَا لَا يَرْضَاهُ

إن حب الوطن يقوم على تعظيم هذه الشريعة التي أسست عليها هذه البلاد..

إن حبَّ الوطن يكون بالقيام بمسؤولياته وواجباته، وحفظ أماناته وممتلكاته ومقدراته ، إن حب الوطن يكون بحفظ أمنه ونظامه، والمساهمة في إصلاح أهله والنصح له، فَنَحْنُ في مُجْتَمَعٍ وَاحِدٍ كَسَفِينَةٍ تُبْحِرُ في بَحْرٍ مُتَلَاطِمِ الأَمْوَاجِ، وَأَيُّ خَرْقٍ لِهَذِهِ السَّفِينَةِ مِنْ أَيّ واحد مِنْ رُكَّابِهَا، فَإِنَّمَا هُوَ إِعْلَامٌ بِغَرَقِهَا ، أَلَا فَلْنَلْزَمِ الشُّكْرَ؛ فَإِنَّهُ حافظ النِّعمِ، وَضَمَانَةُ بَقَائِهَا، وَسَبَبُ ازْدِيَادِهَا، تقول هندُ بنتُ المهلب: إذا رأيتمُ النعيمَ مستدرا فبادروه بالشكرِ قبل الزوال. .... أقول ما تسمعون

أيها الناس: اجتماعُ كلمة المسلمين، وتآلفُ قلوبهم، وتعاونُهم على البر والتقوى، وتناهيهم عن الإثم والعدوان، وتواصيهم بالحق ، وتناصحهم بالأمر بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، لهو من أعظم أسباب اتقاء العقوبات الربانية فإن أكثر ما جاءت به النصوص في أسباب الهلاك الدمار ، وحلول النقم بالديار سببان:

أولها: الخروج على الوِلاة

وثانيها: السكوت على المنكرات

فإن بالخروج على الولاة تراق الدماء ، وتنتهك الأعراض، وتسلب الأموال ، وتَخرب الديار..

وإن بالمجاهرة بالمنكرات وعدم إنكارها تحل بالناس النقم والبليات ، وترفع عنهم النعم والخيرات ، وتنقص فيهم الأرزاق والثمرات ، فقد قال تعالى (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا).

وقال صلى الله عليه وسلم : (في هذه الأمةِ خَسفٌ ومَسخٌ وقَذفٌ)، قيل: ومتى ذاك؟ قال: (إذا ظهرَت القَيناتُ والمعازِف، وشُرِبَت الخُمور) رواه الترمذي.

فَاحذَرُوا يا عباد الله من أسبابَ البلايا والنقم ، واعلموا أنَّ الأمةَ إذا أرادت دوام النعم، وأسباب النجاة ، فعليها بالعودةِ إلى ربها، والتمسك بدينها ، والمحافظة على قيمها، فكم مِنْ أمةٍ كانتْ آمنةً مُطمئنَّةً تُجبَى إليها ثمراتُ كلِّ شيءٍ، ويأتيها رزقُها رغدًا مِنْ كلِّ مكانٍ... انقلبَت أحوالُها في طَرفةِ عينٍ، فزالت منها النِّعم، وحلَّت بها البلايا والنِّقم.. فلا نجاةَ إلا بطاعته، ولا فلاحَ إلا باتباع شريعتِه..  قال تعالى : (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ.. فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ.. فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون).

حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، ورد كيد الكافرين والمفسدين على أعقابهم خاسرين

إنه سميع قريب مجيب. وصلوا وسلموا على نبيكم…

المشاهدات 1341 | التعليقات 0