بادرْ إلى الحجِ-9-11-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
محمد محمد
بادرْ إلى الحجِ-9-11-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
اسمعوا إلى مِثالٍ قريبٍ من المخاطرِ التي كانتْ تواجهُ الحجَّاجَ، كانَ الذَّاهبُ منهم مفقودٌ، والرَّاجعُ منهم مولودٌ، قَبلَ أكثرَ من خَمسينَ عامًا، خرجَ الحاجُ عثمانُ-رحمَه اللهُ-من جُمهوريةِ جَامبيا في أَقصى غَربِ قَارةِ أَفريقيا، خَرَجَ إلى بيتِ اللهِ الحرامِ، مَشيًا على قَدميهِ مع أربعةٍ من أهلِ قريتِه، لم يركبوا فيها إلا مَرَّاتٍ يسيرةً على بعضِ الدَّوابِ، ومعهم قوتٌ يكفيهم أسبوعًا واحدًا فَقط، والهدفُ هو الحجُ، وأصابَهم في طريقِهم من المشقةِ والضيقِ والكَربِ ما اللهُ به عليمٌ، فكم من ليلةٍ باتوا فيها على الجوعِ، وكمْ من ليلةٍ طَاردتهم السِّباعُ وفَارقهم النومُ، وكم من ليلةٍ أحاطَ بهم الخوفُ، فقُطَّاعُ الطرقِ يَتعرضونَ للمسافرينَ في كلِّ مكانٍ.
كانَ الشَّوقُ للوصولِ إلى مكةَ رفيقَهم في كلِّ الأحوالِ، يخففُ عنهم آلامَ السفرِ ومشاقَ الطريقِ والمخاطرَ، ماتَ ثلاثةٌ منهم في الطريقِ، كانَ آخرُهم في عُرْضِ (وَسَطِ) البحرِ، قَالَ الحاجُّ عثمانُ: لمَّا ماتَ صاحبُنا الثالثُ، نزلني همٌّ شديدٌ وغمٌّ عظيمٌ، وكانَ ذلك أشدَّ ما لاقيتُ في رحلتي؛ فقد كانَ أكثرَنا صبرًا وقوةً، وخشيتُ أن أموتَ قبلَ أن أنعمَ بالوصولِ إلى المسجدِ الحرامِ، فكنتُ أحسِبُ الأيامَ والساعاتِ على أحرَّ من الجمرِ، فلما وصلنا إلى جُدةَ مَرضتُ مرضًا شديدًا، وخشيتُ أن أموتَ قبل أن أصلَ إلى مكةَ المكرمةِ، فأوصيتُ صاحبي إذا مِتُّ أن يُكَفِّنَني في إحرامي، ويقرَبَني قَدرَ طاقتِه إلى مكةَ، لعلَّ اللهَ أنْ يضاعفَ ليَ الأجرَ، ويتقبلَني في الصَّالحين، فمكثنا في جُدةَ أيامًا، ثم واصلنا طريقَنا إلى مَكةَ، كانت أنفاسي تتسارعُ، والبِشْرُ يملأُ وجهي، والشَّوقُ يهزني ويَشدني، إلى أن وصلنا إلى المسجدِ الحرامِ، يقولُ الحاجُّ عثمانُ بعدَ أنْ مسحَ دموعَه: أُقسمُ باللهِ-تعالى-أَنَّني لم أرَ لذةً في حَياتي كتلكَ اللذةِ التي غَمرتْ قلبي لـمَّا رأيتُ الكعبةَ المشرَّفةَ، فسَجدتُ شكرًا للهِ، وأخذتُ أبكي من شِدةِ الرهبةِ والهيبةِ كما يَبكي الأطفالُ، فما أَشرفَه من بيتٍ! وما أعظمَه من مكانٍ! ثم تذكرتُ أَصحابي الذين لم ماتوا في الطريقِ، فحمدتُ اللهَ-تعالى-على نعمتِه وفضلِه عليَّ، ثم سألتُه-سبحانَه-أنْ يكتبَ خُطواتِهم، وألا يحرمَهم الأجرَ، وأن يجمعَنا بهم في الجنةِ.
وَأَنتَ مَا هو عذرُكَ يا من تستطيعُ الحجَّ وما حججتَ؟ ما هو عذرُكَ وقد أعطاكَ اللهُ صِحةً وغِنًى؟ ما هو عذركَ وقد أصبحتْ الطُّرقُ أكثرَ أَمنًا، وأقصرَ مسافةً، والمناسكُ يسيرةً؟ قالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَمَ-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ قَد فَرَضَ عَلَيكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا"، فماذا تنتظرُ يا مَن لم يحجَّ؟ قَالَ السَّريُّ السَّقَطيُّ-رحمَهُ اللهُ-: خرجتُ إلى الحجِّ، فلقيتُ جاريةً حَبَشيةً، فقلتُ: إلى أينَ يا جاريةُ؟ فقالتْ: إلى مَكةَ، فقلتُ: إنَّ الطَّريقَ بَعيدٌ، فأَنشدتْ تَقولُ:
بعيدٌ على الكسلانِ أو ذِي مَلالةٍ*
وأمَّا على المُشتاقِ فهو قَريبُ
فَهَلْ ننتظرُ بتسويفِنا وتأجيلِنا للحجِّ إِلَّا موتًا أو مرضًا، أو فقرًا أو شُغْلًا؟! يقول النبيُ-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ، فَإِنَّهُ قَدْ يـَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ".
مَن مِنَّا يُريدُ فتحَ صفحةٍ جديدةٍ لِعُمرِه؟ يستدركُ فيها ما كانَ من خطإٍ، ويعوِّضُ فيها ما كانَ من تقصيرٍ، ويُجدِّدُ أعمالَهُ ونيتَهُ مع اللهِ-تعالى-، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، أيامٌ معدوداتٌ، تـَمْحُو سنينًا من الخطيئاتِ، فيصبحُ الواحدُ بعدَها كطفلٍ وَليدٍ، فماذا عسى أن تفعلَ بعُمرِكَ الجديدِ؟
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فمَا نَراهُ اليَومَ من تَيسيرِ الحجِّ شَيءٌ عَجيبٌ، يبدَأُ مَسَارُ الحَجِّ في بَلَدِ الحَاجِّ، ويُنهي جَميعَ الإجراءاتِ بِسُهولةٍ وَسَلامٍ، ثُمَّ يُستَقبلُ في هَذهِ البِلادِ بِحَفاوةٍ وإكرامٍ، ويَتَنَقلُ في مَشاعِرِ الحَجِّ بأمنٍ وَأَمانٍ، عِبادةٌ واطمئنانٌ، وسعادةٌ وأمانٌ، وصدقَ اللهُ-سبحانَه-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ).
وأما خِدمةُ الحُجَّاجِ فَشيءٌ لا يوصفُ، استنفارٌ للجميعِ، حكومةً وشعبًا وعلى رأسِهم المَلكُ ووليُ عهدِهِ-حفظهم اللهُ-، أجهزةُ الأمنُ بجميعِ قطاعاتِها، والصِّحةُ بكلِّ أقسامِها، والدوائرُ الحكوميةُ بسائرِ خَدماتـِها، فأمنُ الحُجاجِ خطٌ أحمرُ، وراحتُهم غايةٌ عظمى، إرشادٌ وعِنايةٌ، إطعامٌ وسِقايةٌ، معالمُ التَّوحيدِ ظاهرةٌ، ومظاهرُ الشِّركِ داحرةٌ، وأمرٌ بالمعروفِ، ونهيٌ عن الـمنكرِ، اجتماعُ الملايينِ من بلادٍ مُختلفةٍ، وعاداتٍ مُختلفةٍ، في مكانٍ واحدٍ، وفي وقتٍ واحدٍ، وتفويجُهم بينَ المَناسكِ بانسيابيَّةٍ تامَّةٍ، وعنايةٍ فائقةٍ، فحُقَّ لهذا البلدِ أنْ يفخرَ بشرفِ خدمةِ البيتِ، وشرفِ ضيافةِ الحاجِّ، حتى يَرجعَ إلى أهلِه غَانـِمًا، قد حازَ الأجرَ وأدَّى فريضةَ اللهِ-تَعالى-.
فَهَل يُعقَلُ أَن نَفسِدَ هَذا التَرتيبَ العَظيمَ، بالحَجِّ العَشوائيِّ دُونَ تَصريحٍ أو تَنظيمٍ؟! فَتَحدثَ الفَوضى في المواصلاتِ، والافتراشَ في الطُرُقاتِ، والتَّدافعَ في الجَمَراتِ، ويُضايَقَ الحُجَّاجُ والمسؤولونَ، وتـُخَالَفَ الأنظَمةُ والقوانينَ، وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَمْ يُصِبْهُ!
اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.
اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1715966418_بادر إلى الحج-9-11-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1715966418_بادر إلى الحج-9-11-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf