اول خطبة بعد رمضان

محمود الطائي
1432/10/05 - 2011/09/03 21:22PM
خطبة الحاجة ...
عباد الله : إن الله سبحانه وتعالى هو خالق البشر، وهو سبحانه خالق الزمان، وهو عز وجل جعل البشر يعيشون في هذا الزمان بأعمار وآجال قدرها سبحانه وتعالى، وهو سبحانه من يبارك في أعمار من شاء فيعملون في الزمن القليل أعمالاً صالحة كثيرة ، وتُمحق البركة من أعمار آخرين فلا يكون لهم رصيد رغم أنهم عمروا في الدنيا طويلاً ، وهو سبحانه المتصرف في الزمان فيمده إذا شاء ، ويقصره إذا شاء ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الساعة لا تقوم حتى يتقارب الزمان ، ومن معاني تقارب الزمان سرعة مروره؛ فما تكاد شمس يوم تشرق إلا وتغرب، ولا يهل شهر إلا ويدبر، ولا تبدأ سنة إلا وتنتهي ، وهذا المعنى من تقارب الزمان يحسه الناس في زماننا هذا، ويشاهدون سرعة مرور الأيام عن ذي قبل ، مع أن الساعة هي الساعة، واليوم هو اليوم ، والشهر هو الشهر ، فسبحان من دبر ذلك وقضاه على كيفية لا يُدرِكُها العباد ، ولا يصلون إلى سببها وإن أحسوا بها، وقد جاء بيان سرعة انقضاء الزمن في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الامام احمد من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعْفَةِ ».
صدقت والله يارسول الله فهذا رمضان مرَ سريعا ًوَاللهِ لَكَأَنَّنَا نَتَذَكَّرُ يَومَ أمسِ كيف هلَّ هِلالُه ، وَشمَّ النَّاسُ نَسِيمَهُ وتفيأوا َظِلالُهُ ، وَهَا هِيَ سَفِينَتُهُ اليَومَ قد سارت سَرِيعًا ، وَسَاعَاتُهُ مضت جَمِيعًا .
فاللهم لك الحمد والشكر ان بلغتنا شهر رمضان وأعنتنا على صيامه وقيامه ، في هذه الأيام شديدة الحر ، فكم منا من كان لا يتوقع انه يستطيع الصيام فأعنته ، وكم منا ظنَّ انه لا يستطيع القيام فقويته وكم منا شك انه لا يستطيع اكماله فثبته ، فاللهم لك الحمد ولك الشكر حتى ترضى ولك الحمد ولك الشكر اذا رضيت ولك الحمد ولك الشكر بعد الرضا ، أن عِظم فضل الشكر، ورفعة شأنه أمرٌ لا ريب فيه ، شكر الله تبارك وتعالى على نعمه المتوالية، وعطاياه المتتالية ، وقد أمر الله تبارك وتعالى به في كتابه، ونهى عن ضده وأثنى على أهله ووصف به خواص خلقه، وجعله غاية خلقه وأمره فقال الله تعالى: ﴿ تَعْبُدُونَ ﴾ ووعد أهله بأحسن جزائه، وجعله سببا للمزيد من فضله وعطائه، وحارسا وحافظا لنعمه وآلائه ، فقال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ , فالشكر معه المزيد أبدا ، ولذا قيل : فمتى لم ترَ حالك في مزيد فاستقبل الشكر .
والشكر هو الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع والذل والمحبة، فمن لم يعرف النعمة، بل كان جاهلا بها لم يشكرها، ومن عرف النعمة ولم يعرف المنعم بها لم يشكرها، ومن عرف النعمة والمنعم ولكن جحدها كما يجحد المنكر لنعمته المنعم عليه بها فقد كفرها، ومن عرف النعمة والمنعم وأقر بها ولم يجحدها, ولكن لم يخضع له ويحبه ويرضى به وعنه لم يشكرها أيضا، ومن عرفها وعرف المنعم بها وخضع له وأحبه ورضي به وعنه واستعملها في وطاعته فهذا هو الشاكر لها .
وبهذا عباد الله يتبين أن الشكر مبني على قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له, واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وألا يستعملها فيما يكره.
فهذه هي أساس الشكر وبناؤه عليها، فمتى عدم منها واحدة اختل من قواعد الشكر قاعدة، وهو يكون بالقلب واللسان والجوارح، يكون بالقلب خضوعا واستكانة ومحبة ، وباللسان ثناء واعترافا، وبالجوارح طاعة وانقيادا.
و إن شكر الله على نعمه واجب على كل مسلم ومتعين على كل مؤمن وهو السبيل لبقاء النعم ودوامها، كما أن عدم الشكر سبب زوالها واضمحلالها ، فإذا لم يشكر المرء عرض النعمة للزوال، وقد قيل : الشكر قيد للنعم الموجودة وصيد للنعم المفقودة ، وكانوا يسمون الشكر الحافظ لأنه يحفظ النِّعم الموجودة ، ويسمونه الجالب لأنه يجلب النعم المفقودة ، وقيل أيضا: النعمة إذا شُكرت قرَّت وإذا كفرت فرَّت .
عباد الله بعد اداء العبادات واداء شكرها لا بد من وقفة نحاسب بها انفسنا ونعالج بها نوايانا ، فهل قبل العمل منا أم لا؟
كان السلف الصالحيجتهدون في إكمال العمل وإتمامه وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون منرده ، يقول الله سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْوَجِلَةٌ (
يعطي ويخشى أن لا يقبل منه يتصدق ويخشىأن ترد عليه يصوم ويقوم ويخشى أن لا يكتب له الأجر. وكانوا لقبول العمل اشد منه اهتماما بالعمل ذاته .
وعنفضالة ابن عبيد قال لأن أن أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي منالدنيا وما فيهالأن الله يقول :إِنَّمَا يَتَقَبَّلُاللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ
وقال عبد العزيز بن أبي رواد - رحمه الله -: أدركتهميجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا؟،
وكانوا يقولون في آخر ليلة منرمضان : ياليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه ، هذا كان ديدنهم وليكن هذا ديدننا ، ذلة وانكسار وندم وافتقار ، وان لا نعجب ونغتر بصيامنا وقيامنا وهذا معنى قول بعض السلف : ان العبد يعمل الذنب يدخل به الجنة ويعمل الحسنة يدخل بها النار قالو وكيف ذلك ؟ قال : يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه خائفا منه مشفقا وجلا باكيا نادما مستحيا من ربه ناكس الراس بين يديه منكسر القلب له فيكون هذا الذنب انفع له من طاعات كثيرة بما ترتب عبيه من هذه الامور التي بها سعادة العبد وفلاحه حتى يكون ذلك الذنب سبب دخول الجنة .
ويفعل الحسنة فلا يزال يمن بها على ربه ويتكبر بها ويرى نفسه ويعجب بها وستطيل بها ويقول : فعلت وفعلت فيورث منها العجب والكبر ما يكون سبب هلاكه ، وقد يكون قاضيا على الناس فيدخل هذا الجنة ويقذف ذاك في النار ، بل ويتأله على الله فيزكي نفسا ويوبق اخرى ولايدري انه يوبق نفسه ولا حول ولا قوة الا بالله ، فمن اراد الله به خيرا فتح له بابا الذل والانكسار ودوام اللجوء اليه والافتقار ، ورؤية عيوبيه نفسه والانشغال بها والبكاء عليها ، فالشيطان يوسوس ويقول لقد فعلت أشياء كثيرة وطاعات عظيمة خرجت منرمضانبحسنات أمثال الجبال فرصيدك في غاية الارتفاع صحائفحسناتك مملوءة فلا عليك بعد ذلك ما عملتولكن آية من كتاب الله تمحو ذلك كله وتوقفه عند حده وتبين له حقيقة الأمر، وهي قول الله تعالى ( وَلا تَمْنُنْتَسْتَكْثِرُ ) ويتخيل أن أعماله كثيرة فإن الرسول - صلى الله عليهوسلم - قال في الحديث الحسن: "لو أن رجلا يجر على وجهه من يومولد إلى يوم يموت هرما في مرضاة الله - تعالى- لحقره يوم القيامة "لجاء يوم القيامة فرآه قليلا ضعيفا حقيرا لا يساوي شيئا فإنه لوقارنه بنعمة واحدة من النعم كنعمة البصر أو كغيرها لصار هذا قليلا لا يساوي شيئا لميكد يعمل شيئا و لذلك فإن الناس لا يدخلون الجنة بأعمالهم وإنما يدخلونها برحمةالله - تعالى- ليست الأعمال ثمنا للجنة لكنها سبب لدخول الجنة فالذي لا يعمل صالحالا يدخل الجنة فهي سبب لكنها ليست الثمن .
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية :
الحمد لله معيدالجمع والأعياد ومبيد الأمم والأجناد وراد الناس إلى معاد, إنه لا يخلفالميعاد, والصلاة والسلام على صفوة العباد, اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابهوأتباعه إلى يوم التناد أما بعد :
معشر الأحبة: ما بال النفوس تفرح برمضان, ما بال الناس يفرحون بمقدمهويحزنون بفراقه, إن ذلك لأنهم يتقربون فيه من الله , نعم لقدجاعت بطونكم وربما تعبت من القيام أبدانكم, ولكن السعادة مع كل هذا كانت تغمرقلوبكم , ولعمري فهذه هي لذة الطاعة التي يبحث عنها كل مسلم, لا توجد في لذائذالدنيا كلها, فإن أردت أن تذوق لذتها ويدوم معك طعمها فدم على العهد مع الله , وتقلببين العبادات بين فرض ونافلة
فأستأذنكم اخوتي في الله في وداع شهر رمضان فإن وداع الحبيب يثير الشجون ويبكي العيون ، كيف لا وهو شهر العبادات واقامة الصلوات وتلاوة الايات والكف عن المحرمات وحبس النفس عن الشهوات ، فيه تزداد الحسنات وتتطاير السيئات ، ووالله ان في فراقك يارمضان لتسكب العبرات ، وتهل الدمعات ، وتطلق الزفرات ، بالحزن واللآهات
فواداعا ياشهر رمضان وداعاً ياشهر الذكر وقرآة القران وداعا ياشهر الصيام والقيام ، سلامٌ عليك يارمضان سلامٌ يوم نادى المنادي ياباغي الخير اقبل وياباغي الشر اقصر السلام عليك يوم حللت ديار المؤمنين فنورتها بالقران وقربت قلوبنا للواحد الديان ، كم معرض عن الله عاد فيك الى الله وكم مذنب رجع الى كنف الله ، وكم عاصٍ اقلع وتاب الى الله ، كم مضيع للصلوات اصبح متمسك بها وكم مضيع للجماعات اصبح مداوم عليها وكم تارك للمساجد اصبح من عمَّارها ...

سَلامٌ مِنَ الرَّحمَنِ كُلَّ أَوَانِ ، عَلَى خَيرِ شَهرٍ قَد مَضَى وَزَمَانِ
سَلامٌ عَلَى شَهرِ الصِّيَامِ فَإِنَّهُ ، أَمَانٌ مِنَ الرَّحمَنِ كُلَّ أَمَانِ
لَئِن فَنِيَت أَيَّامُكَ الغُرُّ بَغتَةً ، فَمَا الحُزنُ مِن قَلبي عَلَيكَ بِفَانِ

عباد الله أنالذي يتقي الله حق تقاته يواصل على الطاعة والعبادة والله - تعالى- لما ذكر صفاتالمؤمنين لم يقيدها بوقت ولم يخصها بزمان .
قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْخَاشِعُونَ) (المؤمنون) خاشعون دائما (وَالَّذِينَ هُمْعَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون:3) ليسوا معرضون فيرمضانفقط (وَالَّذِينَ هُمْلِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) (المؤمنون:4) متى ما دار الحول يزكي فيرمضانأو في غيره وبعض الناس إذا حال الحول فيرمضانزكى ويهمل الزكاة في الأموال التي يحول عليها الحولفي غيررمضانفانتبهوا لهذه المسألة (وَالَّذِينَهُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) (المؤمنون:5) ليس فيرمضانفقط في غيررمضانأيضا (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَاخَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) (الفرقان:63) دائما يكون هكذا مشيهموإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما هكذا هم في العادة (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَلِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً) ،
هم باستمرار يفعلون ذلكوليس في قيامرمضانفقط، وهكذا في سائر صفاتالمؤمنين
والسبب إننا مطالبون بالعمل إلى الموت بأمر من الله - تعالى اذ يقول -: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99) واليقين هو الموت وقال الله - تعالى-: (فَاعْبُدْهُوَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ..) (مريم:65) فلا بد من الصبر والمصابرة علىالطاعة .
وهذه وقفة مهمة جدا في قضية الاستمرار على الطاعةولعله لهذا السبب شرع لنا صيام الست من شوال بعدرمضانحتى لا تنقطع العبادة الجميلة وهي عبادة الصيام
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صام ستأيام بعد الفطر كانت تمام السنة"(مَنْ جَاءَبِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا..) (الأنعام:160)
هكذايقول الله - تعالى- وفي رواية جعل الله الحسنة بعشر أمثالها وفي رواية شهر بعشرةأشهر وفي رواية صيام شهررمضانبعشر أشهر وصيام الستأيام بشهرين فذلك صيام السنة، وفضل الله عظيم وكرمه واسع وهباته مستمرة وعطاؤه لاينقطع ولكن أين العاملون؟ ومن فعل ذلك دائما فكأنما صام عمرهكله وله أجر صيامالدهر .
فإن منأهم ما يشغل بالَ كل مطيع أن يدوم على الطاعة بعد رحيل الشهر, فلئن انتهت رحلةرمضان فإن أبواب الحسنات وطرق الخيرات ومواسم الطاعات تترى وباقية
يا من ترددتللمساجد دم على ذلك ولا تفرط في الصلوات , يا من زكت نفسه بقراءة القرآن وقلب ناظريهفي كلام المنان حذار أن تلطخ عينك بعد ذلك بالنظر للحرام , يا من ترطب لسانه بالذكر, فلا تعود بعد الطهر للغيبة وساقط الكلام , يا من اعتقت رقابهم من النار, وتعرضوالنفحات الغفار, لا يراكم الله في مواطن المعصية بعد أن حطت عنكم الأوزار ،قيام الليل مشروع كل العام والقرآن ينتظر منكمالاستمرار والدوام , مجالات الانفاق تننظر منكم الإقدام , أيتها المرأة المسلمة: كم يسرّ المرء يوم أن يرى جموع النساءقد أممن بيوت الله مصليات ولله مطيعات , في حينِ يُسخِّر أهل الشر كافة قواهم فيسبيل إفساد المرأة وإشغالها بالتوافه ، فيا من ترددتي على المسجد يا من زكّيت نفسكفي شهر الخير بالقرآن والصيام والطاعات والقيام إن أعظم دورٍ تقومين به في خدمةالدين وأنكى جرح في نفوس أهل الشر هو صلاحك وتمسكك بدينك
أيتهاالفاضلة : لباسك وحجابك ليس عادة بل هو عبادة تتقربين به لذي الجلال , أمر به من أمركبالصلاة والصيام , زوجك جنتك أو نارك فاسعي لمرضاته وتقربي بذلك لله , صلاح البيت بلالمجتمع وانحرافه يبدأ منكِ فإذا صلحت المرأة نشأ الأبناء على الصلاح وأثرت هي علىزوجها فماذا أنتِ صانعه ؟...
اللهم ردنا الى دينك ردا جميلا ....
المشاهدات 8121 | التعليقات 1

لاتنسونا من صالح دعائكم