انقضاء الإجازة

صالح العويد
1432/10/10 - 2011/09/08 17:35PM
الحمد لله الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، أحمده سبحانه وفَّق أولي الأبصار إلى محاسبة النفس والنأي عن سُبل كل شيطان رجيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، خير من أرشد الأمة إلى سلوك كل طريق قويم، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمابعد
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، فبالتقوى ترفع الدرجات، وتقال العثرات.
أيها المسلمون: خلق الله الخلق في هذه الحياة، وقدر لهم أقداراً، وضرب لهم آجالاً، ليل يدبر، وصبح يتنفس، يخلق أقوام، ويقبض آخرون، والحياة سائرة بسننها وحِكمها، والناس فيها يغدون ويروحون، مطيع عليها وعاص، مؤمن وكافر، وها هي الإجازة قد تصرمت أيامها، وتفرقت أوصالها، وحوت بين جنبيها حكماً وعبراً وأحداثاً، شقي فيها خلق، وسعد فيها آخرون، وفي تقلب أيامها مزدجر، وفي تنوع أحوالها مدّكر، أمور تطرأ تزيد العاقل عظة وعبرة، وتنبه الجاهل من سبات الغفلة.
قيل للربيع: كيف أصبحت؟ قال: أصبحنا ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا، وننتظر آجالنا.
وتقلبات الدهر وتصرم الأيام، ومضي المناسبات يجب أن تكون مواقف محاسبة ومساءلة، وعلى المرء أن يقف وقفة صدق مع نفسه وزمنه، فكل الناس عند ربهم موقوفون، وجميعهم بين يديه مسؤولون، الرسل وأممهم مسؤولون فَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ [الأعراف:6].
وأهل الصدق مسؤولون لِّيَسْأَلَ ٱلصَّـٰدِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ [الأحزاب:8]. وذوو النعمة مسؤولون وعن النعيم محاسبون ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ [التكاثر:8].
والأيام تطوى، والأعمار تفنى، والليل والنهار يدنيان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، وفي سرعة مضيها ما يذكر اللبيب بسرعة تصرم عمره، وقرب حلول أجله، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسب نفسك في الرخاء، قبل حساب يوم الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء، عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة).
ألم تروا إلى التاجر الأريب كيف يقف بين الفينة والفينة متأملاً سير تجارته، متفحصاً مبلغ ربحه وخسارته، متفكراً في أسباب ذلك، باحثاً عن بواعثه، كَلِفاً بعوامل رقيه، حذراً من تقهقره وتدهوره.
إنه مَثل كل عبد يقظٍ من عباد الله، يجعل لنفسه وهو يسعى في حياته الدنيا ويقطع مراحلها وقفات يقفها عقب كل شوط من أشواطها، وعند نهاية كل مرحلة من مراحلها، فيُرسل نظرات فاحصة متأملة في كل ما يصدر عنه من الأقوال والأعمال، فيحاسبها أدق الحساب، ويعاتبها أكمل العتاب،
أيها المسلمون:
صفحات من الإجازة طواها دهر اليوم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل الناس يغدو، فبائع نفسه: فمعتقها أو موبقها)).
فصنف من الناس أمضوها سيراإلى الله في أجل القربات،وأنواع من الطاعات ، فاجتهدوا في طلب مرضات ربهم واستعذبوا المشقة في سيرهم، طووا فراش التواني والكسل، فنالوا من الفضائل المزيد، عليهم بهاء الطاعة، وأنوار العبادة، آثروا الفاني على الباقي، وهؤلاء هم الأتقياء،
وممن ابتغى طرق الخير ورياض الجنة من دعا إلى الله على بصيرة، بحكمة وموعظة حسنة، ملتزماً بالكتاب والسنة، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ناصحاً لمن ولاه الله أمره، حافظاً أمانة الله فيهم، ساعياً في إصلاحهم، ليكونوا عوناً له في الحياة، وذخراً له بعد الممات، فهذا قد تمطى ركائب المجد، ورام الخير لنفسه، والسلامة لدينه، قال عز وجل: وَمَنْ أَرَادَ ٱلاْخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا [الإسراء:19].
وصنف أحدق بصره، وأسلم قلبه بمرئيات ذوات أطباق، عاش معها خيالاً، وطلب فيها محالاً، أفنى عمره بالندم، وقواه بالحسرة، فهذا كما بدأت عنده الإجازة انتهت، لا لدنيا جمع، ولا لآخرة ارتفع.
وآخرون أفلت شمس عودتهم من سفر محرّم، من ديار تحمل في طياتها أخطاراً على العقيدة والأخلاق، فهؤلاء مغبونون خاسرون، ذلك أن منهم من لوث معتقده، ودنّس ولاءه وبراءه، وبعثر أمواله في المنكرات والمحرمات، ومنهم من أوغل في الظُلم، فاستصحب معه نساءه، ومن تحت يده من بنين وبنات ممن نشأ على الفطرة ليذيقهم حظهم من الشقاء، وتستمرئ نفوسهم الاستخفاف بالمعاصي، من أفعال تسقط المروءة، وتقضي على الفضيلة، في ديار تلاطمت فيها أمواج الفتن، واشرأبت فيها مهاوي الرذيلة، النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن التطلع إلى الفتن، والاستشراف إليها، وذا ينغمس بأهله وولده في بحرها ودركها، فضيّع الأمانة، وفرّط في الرعاية، قال تعالى: لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآء مَا يَزِرُونَ [النحل:25].
ما هكذا تُقابل نعمة المال والعافية والبنين، بالجحود والنكرات. إن المأمول من الآباء السعي إلى إصلاح ذويهم، لا الزجّ بهم في أماكن الفتن، وتعريض قلوبهم للظلمة والانحراف عند أدنى محنة، والضلال عند أول فتنة.
قال أهل العلم: فالشبهات والشهوات أصل فساد العبد وشقائه في معاشه ومآله.
ومنهم من إذا عاد من هناك تراه ينزع جلباب الحياء لما اقترفته جوارحه من محرمات، فيهتك ستر الله عليه، ويرغب السامع في تلك الآثام ويحسّنها له، ويمدحها عنده، فيتفاحش ذنبه.
إن الافتخار بالمعصية أمارة على موت القلب وفساد الفطرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين)) [متفق عليه].
أيها المسلمون:
ما ظهرت معصية على نعمة إلا سلبتها، ولا تمكنت من قلبٍ إلا أفسدته، تزيل النعم الحاصلة، وتمنع الآلاء المقبلة، فاحرص على محاسبة نفسك، واحذر مزالق الهوى ونزغات الشيطان، وسوء الخاتمة، فقد أحصيت عليك اللفظة والنظرة، وعاتب نفسك على التقصير، واحمد الله أن فسح لك في الأجل، وبادر بتوبة نصوح، فإن الله يفرح بتوبة التائب، وإياك والتسويف، فمن استعمل التسويف، والمنى لم ينبعث إلى العمل.
من وصايا لقمان: يا بني لا تؤخر التوبة، فإن الموت يأتي بغتة، فالسعيد من أخذ من نفسه لنفسه، ومهد لها قبل يوم رمسه.
يقول وهب بن منبّه: من جعل شهوته تحت قدميه فزع الشيطان من ظله. فاستلب الزمن، وغالب الهوى، وحاسب النفس، وامحُ القبيح، واستعد لملمات الممات، واستدرك هفوات الفوات، فالترحل من الدنيا قد دنا، والتحوّل منها قد أزف، ومن أصلح ما بقي غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وبما بقي، والأيام مطايا، والأنفاس خطوات، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا وَيُحَذّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَءوفُ بِٱلْعِبَادِ [آل عمران:30].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم







إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون، في دورة اللحظات والأيام وفي توالي الشهور والأعوام تتجدّد أمام نواظرنا معالم العبر، وتهز أعماقنا أيادي العظات، فأين منا الناظرون المتبصرون؟! وأين منا المتأثرون المتذكرون؟! إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].
إذا كان لنا بالأمس موعد وداع لعام دراسي راحل، فلنا غدًا موعد آخر لاستقبال عام دراسي حالّ، وهكذا تمضي بنا الحياة، ونبقى بين موقفَي وداع الزمان واستقباله، وشروقه وغروبه، وبدايته ونهايته، نبقى أغراضًا لسهام المنايا، وما كثرة صرعى المنايا عن اليمين منا والشمال ومن الأمام والخلف إلا دليل صدق على قرب إصابتها المقتل منا.
ألا أيها الغرَض المصاب، أدرك نفسك قبل أن يكون موتك الجواب، وقبل مفارقة الأحباب ومعاينة الحساب وسكنى التراب، قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة:8].
أيها المسلمون، إن الاستعدادَ الكبير من أغلب الناس لاستقبال أول أيام الدراسة وما يصحبه من تغيير في جداول وأنماط حياة كثير من الأسر ليدعونا بلسان الصدق إلى أن نتعلم كيف نستعدّ صادقين للآخرة، وكيف نجتهد لتذليل كافة العقبات والصعاب في سبيل بلوغ الغاية التي يريدها لنا الله
أيها الإخوة المؤمنون، إذا كان أول أيام الدراسة هو الصفحة النقية الأولى من كتاب العام يهتمّ النجباء لأن يسجّلوا فيها ما ينفعهم ويفيدهم، وما يُعلي منازلَهم ودرجاتِهم في النهاية، ألا يليق بنا أن نمحو بالتوبة إلى الله ما سوّدت المعاصي من صفحات أعمارنا؟! ألا نجعل حياتَنا صفحاتٍ بيضاءَ نقيةً في سجلات أعمارنا؟! ألا يليق بنا أن نكون ذلك النجيب الذي لا يسجّل إلا ما ينفعه، ويعلي مكانته، ويرفع درجاته، لنلقى الله بيض الوجوه؟! يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:106، 107].
ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله، فقد أمرتم بذلك من كتاب الله، حيث قال سبحانه: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وزدوبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والصحابة والتابعين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، ودمر أعداء الدين، وسائر الطغاة والمفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحد صفوفهم، وأصلح قادتهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر المجاهدين لنصر دينك وإعلاء كلمتك في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين على اليهودالغاصبين، اللهم عليك باليهود الطاغين، اللهم اشدد وطأتك على اليهود، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه واجعل تدبيره تدميره يا رب العالمين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ووفق أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا وهيئ له البطانة الصالحة ووفقه لما تحب وترضى يا سميع الدعاء،اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، وأجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا، واختم بالصالحات أعمالنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا،اللهم اغفرللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياءمنهم والأموات ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ. [النحل:90 ، 91]
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المشاهدات 2705 | التعليقات 2

جئتكم ببضاعة مزجاة لعله يأتي

من يوفي لي بالدعاء أويتصدق علينا


أسأل الله أن يوفقني وإياكم لكل خير