انصروا إخوانكم بدعائِكم

الخطبة الأولى :

إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.

أمّا بعد عباد الله:

اتقُوا اللهَ تعالى, واعلمُوا أنه قَدْ تَقَرَّحَتْ أَكْبَادُ الصَّالِحِينَ، وَدَمَعَتْ أَعْيُنُ النَّاظِرِينَ، مِمَّا يَجْرِي مِنْ قَتْلٍ لِلْمسلمينَ المُسْتَضْعَفِينَ فِي فِلَسْطِينَ، عَلَى أَيْدِي الْيَهُودِ الْغَاصِبِينَ، أَحْدَاثٌ وَأَدْوَارٌ، وَقَتْلٌ وَدَمَارٌ، واعتداءٌ وَحِصَارٌ، أَحْدَاثٌ دَامِيَةٌ، وَمَنَاظِرُ مَأْسَاوِيَّةٌ، تَتَفَطَّرُ لَهَا الْقُلُوبُ، وَتَدْمَعُ لَهَا الْعُيُونُ.

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مَا يَفْعَلُهُ أَعْدَاءُ هَذَا الدِّينِ؛ مِنْ قَتْلٍ، وَتَعْذِيبٍ، وَاعْتِدَاءٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي فِلَسْطِينَ، وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، مَا هُوَ إِلَّا صِرَاعٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَرَغْبَةً مِنْهُمْ فِي كَيْدِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَرَدِّهِمْ عَنْ هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ، وَاللَّهُ تعالى يقول: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ وَمِنْ سُنَنِ اللَّهِ الْكَوْنِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ لِيُمَحِّصَهُمْ، وَلِيَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، قَبْلَ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ .

إخوتي في اللهِ: إنَّ النَّصْرَ وَالْأَمْنَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ سِوَاهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَالِكُ الْمُلْكِ، وَمُدَبِّرُ الْأَمْرِ، وَكَاتِبُ النَّصْرِ، وَمُسَخِّرُ الْجُنْدِ؛ ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ فَمَنْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ النَّصْرَ فَلَنْ يُهَزَمَ مَهْمَا بَدَا ضَعِيفًا، وَمَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ فَلَنْ يُنْصَرَ وَإِنْ بَدَا قَوِيًّا، قَال سُبْحَانَهُ: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ .

أَيها المؤمنون: علينا أن نوقِنَ أَنَّهُ مَهْمَا سَاءَ وَاقِعُ الْأُمَّةِ، وَمَهْمَا امْتَدَّ كَيْدُ الْأَعْدَاءِ وَطَالَ لَيْلُ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّ الْمُسْتَقْبَلَ لِهَذَا الدِّينِ، وَالْعِزَّةَ لِأَوْلِيَائِهِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، وَتَشْهَدُ بِذَلِكَ نُصُوصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ وَقَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ وَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّصْرَ لِهَذَا الدِّينِ، وَالتَّمْكِينَ لِأَهْلِهِ رَغْمًا عَنْ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ؛ فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، قَالَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ» .

وَبَشَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصْرِ لِهَذَا الدِّينِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: « لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ » .

فَفِي هَذِهِ النُّصُوصِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ أَنْ يَنْصُرَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْ يُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مَتَى قَامُوا بِنَصْرِ دِينِهِ وَسَعَوْا لِذَلِكَ، وَلَئِنْ تَأَخَّرَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ، أَوْ بَعْضِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَحْوَالِ، فَمَا هِيَ إِلَّا لِحِكْمَةٍ يُرِيدُهَا اللَّهُ، وَالْقَاعِدَةُ الشرعيةُ أَنَّ النَّصْرَ لِمَنْ يَنْصُرُ دِينَ اللَّهِ.

وَمَهْمَا كَادَ أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ لِدِينِ اللَّهِ، وَمَهْمَا بَذَلُوا لِمُحَارَبَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ.

اللَّهُمَّ انْصُرْ مَنْ نَصَرَ الدِّينَ، وَاحْفَظِ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّ الْأَشْرَارِ، وَكَيْدِ الْفُجَّارِ، يا عزيزُ يا جَبَّار.

باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

الخطبة الثانية :

 الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً.

أَمّا بَعدُ عبادَ الله:

اتقوا اللهَ، واعلموا أنّنا نحنُ الْمُسْلِمِينَ نَمْلِكُ سِلَاحًا نَسْتَجْلِبُ بِهِ نَصْرَ اللَّهِ، وهُو الدُّعَاءُ، سِلَاحُ الْمُرْسَلِينَ وَأَتْبَاعِهِمُ الصَّالِحِينَ، فَاللَّهَ اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، لَا تَنْسَوْا إِخْوَانَكُمُ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُمْ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، وَعَلَى عَدُوِّهِمْ بِالْهَزِيمَةِ وَالْخُسْرَانِ الْمُبِينِ، وَأَلِحُّوا فِي دُعَائِكُمْ وَتَحَرَّوْا أَوْقَاتَ الْإِجَابَةِ، كَمَا بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَفِي سُجُودِكُمْ، وَفِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ، وَفِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ عَصْرِ يَوْمِ الجُمُعَةِ؛ فَقَدْ عَظُمَ الْخَطْبُ وَاشْتَدَّ الْكَرْبُ، وَلَيْسَ مِن نَاصِرٍ إِلَّا اللَّهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ، فَادْعُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، وَأَمِّنُوا وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، فَلَعَلَّ مِنْ بَيْنِنا مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، وَلَعَلَّ مِنْ بَيْنِنا مَنْ هُوَ مُسْتَجَابُ الدَّعْوَةِ:

اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَلَكَ الْحَمْدُ إِذَا رَضِيتَ، وَلَكَ الْحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَى، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ يَا نَاصِرَ الْمَظْلُومِينَ، وَيَا جَابِرَ كَسْرِ الْمُنْكَسِرِينَ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا مَنْ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ الْمُبِينُ؛ ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا أَهْلَ السُّنَّةِ فِي فِلَسْطِينَ، اللَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ مُؤَيِّدًا وَنَصِيرًا، وَمُعِينًا وَظَهِيرًا، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْهِمْ مِنْ بَرَكَاتِكَ وَنَصِرْكَ أَضْعَافَ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ ضَعْفَهُمْ، واجْبُرْ كَسْرَهُمْ، وثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنْزِلِ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، اللَّهُمَّ اهْزِمِ الْيَهُودَ الْغَاصِبِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَكَ، اللَّهُمَّ شَتِّتْ شَمْلَهُمْ، وَفَرِّقْ جَمْعَهُمْ، وَزَلْزِلِ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِهِمْ، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَى الْيَهُودِ الْغَاصِبِينَ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِهِمْ وَمَنْ نَاصَرَهُمْ وَأَعَانَهُمْ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْهِمْ عَذَابَكَ وَرِجْزَكَ إِلَهَ الْحَقِّ.                                                                                        

اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلَادَ الْحَرَمَيْنِ الشريفينِ بِحِفْظِكَ وَجَمِيعَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِكُلِّ خَيْرٍ، وَأَعِنْهُمْ، وَاصْرِفْ عَنْ بِلَادِنَا كُلَّ سُوءٍ وَفِتْنَةٍ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.