انصروا أمتكم في أنفسكم
أبو عبد الله الأنصاري
1433/09/16 - 2012/08/04 06:18AM
[align=justify]معاشر المؤمنين : ابتلاء الله للمؤمنين سنة ماضية تتميز به الصفوف وتمحص من خلاله القلوب ويمتحن الله به خبايا النفوس ، يُخرج مخبوءات الضمائر من مستقراتها ، سواءً كانت يقيناً راسخاً وإيماناً شامخاً في قلوب الصالحين ، أو كانت نفاقاً كاذباً وضعفاً سافلاً في صدور الهالكين ، وكل ذلك يحتاج إلى معامع الابتلاءات التي يجري بها قضاء الله وقدره : ( ألم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)، هناك في هذه المحن تتجلى المواقف وتنكشف الدخائل ..
لكن ثمة درس هو أعمق من ذلك وأنفع ألا وهو اتعاظ الأمة مما يجري لها واستعتابها من نفسها ، وأن يأخذ المسلم في هذه الظروف المؤلمة لربه تعالى من نفسه فيراجع دينه ويحاسب نفسه .
ألا إنه ما من مسلم غيور على وجه الأرض يرى الأمور على ما هي عليه في سوريا إلا ويكاد قلبه أن يتفطر ، وتضيق عليه الأرض بما رحبت من عظيم ما يقع من الجرائم وخطير ما ينتهك من المحارم ، وقد تفنن الإعلام في نقل تلك الفضائع بالصوت والصورة ، فتحمس الجميع رددت الهتافات وتعالت الدعوات وتوالت الصرخات، وما زالت الأوضاع كما هي والظالمون ينتهكون الحرمات والعالم يستغفل المسلمين ويمد للمجرم ليواصل جرائمه دون خوف أو وجل والنتيجة هي استمرار المأساة وتضاعف الكارثة ؟!! والواقع أن الله سلط على هذه الأمة من يسومها سوء العذاب وما الذي نعيشه في أوضاعنا من المآسي في عدد من بلداننا إلا جزء من ذلك وقد كان أسلافنا يقولون : ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة .
يا معاشر الناس : إنَّ أحداث سوريا الدامية وغيرها من مآسي العالم الإسلامي كلّه لتدعُو كلَّ مسلمٍ إلى محاسبةِ نفسه والإقلاعِ من ذنوبه ، فوالله ما وقع كربٌ ولا حربٌ إلا بذنبٍ، ولا ارتفع إلا بتوبة.
يا مسلمون: إنَّ عقابَ الله لا يُدفع بقوةٍ ماديةٍ ولا بجهود بشرية، وإنَّ الفتنَ لا تدرأ بالحيل ولا بالتمادي وإنما بالالتجاء إلى الله، والعودة لدين الله، والاستقامة على طاعته.
يا قومنا إنَّ أحداث سوريا وغيرها دعوةٌ لكل مسلمٍ مصر على عصيان اللهَ وأمَّتُه تُذل، ومولغ في الشهوات وأخوه يُغل ، وغارق في سكرة الهوى ودماءٌ إخوانه وأخواته تُراق ، دعوة له للتوبة وتصيح المسار ، ولسان حال الأمة لكل غافل عاص من أبنائها : أن من قبلك أتينا وبسببك بلينا.
إن التباكي على مآسي المسلمين وجراحاتهم دون إصلاح للنفس ومجاهدة على التوبة الصادقة لا يمكن أن يستجلب نصراً ، ولا يعيد أثرًا ، لأننا لم نغير ما بأنفسنا فكيف يغير الله ما بنا ، ولله در القائل:
ما لي ألوم زماني كلما نزلت *** بي المصائب أو أرميه بالتهم
أو أدعي أبداً أني البريء وما *** حملت في النفس إلا سقطة اللمم
أنا الملوم فعهد الله أحمله *** وليس يحمله غيري من الأمم
يا أهل الشام! إذا كانت مساجدُكم خلتْ من المصلين؛ خوفًا من بطش زبانية النظام، وقد حالوا بينكم وبينها، فإن مساجدنا تشكو الهاجرين المتخلفين في سائر الصلوات وفي الفجر بالذات، رغم ما ينعمون به من أمن وصحة وعافية .
يا أهل الشام! إذا كانت تزعج مسامعَكم أصواتُ القاذفات والراجمات، فإننا نشتكي إلأى الله من مزامير الشيطان تصدح في البيوت والأعراس والحفلات والمهرجانات.
يا أهل الشام! إذا كنتم أدركتم خطرَ الرافضةِ والباطنيةِ والملاحدة، فإننا نشتكي من غفلة أمتنا وغيبة وعينا واختلاط أمورنا .
ألا سألت نفسك ماذا دهى أمتنا الكريمة على الله الخيرة بتزكية الله حتى أصابها ما أصابها ؟! ولماذا مكَّن الله عدوها منها ؟! وسلطه عليها ؟! هل كان الله ليفعل ذلك بأمة محمد صلى الله عليه وسلم لو أنها حافظت على عهد محمد ونهج محمد وسنة محمد صلى الله على محمد وآل محمد ؟! إن ما أصاب الأمة إنما هو بتضييعها لعنصر عزتها ومكمن كرامتها وهو دينها وعقيدتها ومنهجها وهذا ما رد الله به على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم عندما استغربوا الهزيمة في أُحد فأنزل الله تعالى قوله : ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ؟! ) كيف تهزم أمة فيها محمد صلى الله عليه وسلم ؟! وكيف يسلط الله عليها أعداءه من الكفار والمشركين ؟! هكذا استغرب الصحابة ، فجاء رد الله واضحاً : ( قل هو من عند أنفسكم ) ، تماماً كما قال تعالى : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليصيبهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) قال الحسن البصري رضي الله عنهما : أفسدهم الله بذنوبهم في بر الأرض وبحرها بأعمالهم الخبيثة .
إن سنن الله وقوانينه في هذا الكون لا تحابي أحداً ، وإن من أجل وأقدس سنن الله أن الله جعل العز في طاعته وموالاته ، وجعل الذل والمهانة في معصيته وموالاة أعدائه ، ولا ينبغي لمسلم أن يشك في أن ما ينال أمتنا من النكبات والمآسي إنما هو بسبب منها .
قال جبير بن نفير: ولما فتحت قبرس ونهب منها السبي نظرت إلى أبي الدرداء يبكي فقلت: ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله وأذل فيه الكفر وأهله؟ قال: فضرب منكبي بيده وقال: ثكلتك أمك يا جبير ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك إذا تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى فسلط عليهم السباء، وإذا سلط السباء على قوم فليس له فيهم حاجة.
تأملوا وانظروا في بلاد المسلمين كم يوجد فيها من مظاهر الانحراف عن الدين ، وصور البعد والغفلة عن الاستقامة ، كم من ضريح ميت يُعبَد من دون الله ، ويُطاف عليه ويُستغاث بصاحبه في أكثر بلدان المسلمين ؟! كم من كاهن دجال مفتر على الله ودينه يعيش في بلادنا يعبث بعقائد الناس ويتلصص على أموالهم ؟! كم هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله في أنفسهم ومجتمعاتهم بل يتحاكمون إلى الطاغوت ؟! كم من بدعة تُقام في ديار المسلمين صباح مساء وتنسب إلى الدين ، كم من فاحشة تُنتهك في ظلام الليل؟! كم من إنسان يبخس الكيل والميزان، ولا يصدق في المعاملة مع ربه ومع الناس ؟! كم من صرح ربوي في بلاد الإسلام يجاهر الله بالمحاربة ؟! كم هم الناس المعرضون عن دين الله وحكمه وكتابه، والمقبلون على الملاهي والخمور ؟! كم هم الناس الذين لا يصلون ويدّعون بأنهم مسلمون ؟! وإذا صلوا فصلاة الجمعة فقط أو بعض صلوات وحسب ؟! وإذا صلوا جميع الصلوات فصلوات أبدان بلا أرواح وجثامين بلا قلوب ؟! لا خشوع ولا خضوع إلا من رحم الله وقليلٌ ما هم .
انظروا إلى شوارعنا لتروا ما يغلب عليها من مظاهر التبرج ومظاهر الفساد والمعاكسات وما يتبعها من الفواحش العظيمة المهلكة ، من يقدر أن ينكر انتشار فاحشة اللواط الخبيثة في الكثير من مجتمعات المسلمين وأنها باتت ممارسة من الكثير من شباب المسلمين ، أما الزنا والعلاقات المحرمة بين الرجال والنساء فحدث عن فشوها وكثرتها وللأسف ، أما إذا نظرتم إلى معاملات المسلمين فيما بينهم فسترون العجب العجاب من غش وتدليس وكذب وخديعة ، ونقض للعهود ، وإخلاف للوعود ، وأكل للحقوق ، بل من المسلمين من يأكل أموال الناس باسم الدين ..
كل هذا موجود في بلاد المسلمين إلا من رحم ربك ، وبهذا أظلمت القلوب وفسدت الأخلاق وانتهكت الحدود وتعدي على الحقوق ثم مع هذا نريد نصر الله وأن يهزم عدونا، ويكف شره ويكبت أمره ..!!!ألا ما أصدق قول الله تعالى ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "كنت عاشر عشرة من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل علينا بوجهه ، وقال: "يا معشر المهاجرين: خمس خصال إذا ابتليتم بهنَّ -وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ -: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتَّى أعلنوها إلا ابتلاهم الله بالسنين –يعني بالجفاف والقحط- وشدَّة المؤنة وجور السلطان، ولا منع قوم الزكاة إلا مُنِعُوا القطر من السماء ؛ ولولا البهائم لم يُمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلِّط عليهم العدو فأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بما أنزل الله عز وجل في كتابه إلا جعل بأسهم بينهم" أخرجه الحاكم و البيهقي بسندٍ صحيح .
كل هذه المخالفات فينا وكل هذه العقوبات المرتبطة بها حلت بوادينا ( جَزَاءً وِفَاقًا ) ( وما ربك بظلام للعبيد ) فنفسك لُمْ ولا تَلُمْ المطايا .
الخطبة الثانية
معاشر المسلمين : ورد في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( حد يُقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحًا"، وقد علق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على هذا الحديث بقوله: "وهذا لأن المعاصي سبب لنقص الرزق والخوف من العدو كما يدل عليه الكتاب والسنة فإذا أقيمت الحدود وظهرت طاعة الله ونقصت معصية الله حصل الرزق والنصر" انتهى كلامه رحمه الله.
ألا ما أفقه الصاحب المبارك أبا الدرداء حين كان يقول للغزاة: "يا أيها الناس! اعملوا الصالح قبل الغزو، فإنما تقاتلون بأعمالكم".
ولله در الفضيل بن عياض حين قال - للمجاهدين عندما أرادوا الخروج لقتال عدوهم -: "عليكم بالتوبة ؛ فإنها ترد عنكم ما ترده السيوف".
وقد روت لنا كتب التاريخ أنه في أعقاب معركة اليرموك الشهيرة وقف ملك الروم يساءل فلول جيشه المهزوم والمرارة تعتصر في قلبه والغيظ يملأ صدره قال لهم: "ويلكم! أخبروني عن هؤلاء الذين يقاتلونكم أليسوا بشرًا مثلكم؟ قالوا: بلى أيها الملك، قال: أأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: نحن أكثر منهم في كل موطن، قال: فما بالكم إذاً تنهزمون؟ فأجابه شيخ من عظمائهم: إنهم يهزموننا لأنهم يقومون الليل ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويتناصفون ببينهم، أقاموا العدل فيما بينهم" ذكره ابن كثير في البداية والنهاية .
كانوا يُنصَرُون لأنهم كانوا يحملون همّ الدين، واليوم اسأل كل مسلم من المسلمين، سله من صباحه إلى مسائه فيم يفكر؟ ما الذي يشغل قلبه؟ وما الهم الذي يحمله ؟ ستجد أن الهم الذي يحمله الناس في الغالب : هموم ديناهم ومصالح معايشهم ، هذا هم العقلاء فينا، أما السفهاء فلهم هموم أخرى لا تستحق أن تُذكر، هذا هو الهمّ في الغالب.
أين هو المسلم الصالح الغيور الذي يألم لمصاب أمته ؟! ألا يحزنك الظلم والتجبر الواقع على أمتك في أكثر بلادها وشعوبها ؟! وسوريا خير دليل وأصدق شاهد !! ألا يحزنك ويفطر قلبك هذا القتل الجماعي والاغتصاب الجماعي والتواطؤ والتآمر الجماعي والخذلان الجماعي، ألا يحزنك هذا؟ ألا يحز في صدرك؟ ألا يمنع النوم من عينيك؟ ألا يحزنك المد الشيعي الخبيث اللعين الذي أصبح يحدق بالمسلمين بتمكين وتآمر من الشرق والغرب ..
إن أهم درس يجب أن يستوعبه المسلمون من هذه المآسي والمحن هو أن يدركوا أنهم إنما أتوا من قبل أنفسهم ، وأن ما نزل بهم إنما هو تسليط من الله عليهم بإعراضهم وعقوبة منه لهم بتوليهم وذلك البلاء وتلك المحن هي سوط الله الذي يلهب بآلامه قلوب المسلمين ليفيقوا من غفلتهم ويرجعوا إلى ربهم تماماً كما قال سبحانه : ( ليذيقهم بعض الذي عملوا ) لماذا ( لعلهم يرجعون ) ، فلنرجع إلى ربنا ، ولنصطلح مع مولانا ، ولنقبل على ديننا ، ولنتمسك بعقيدتنا ، ولنعض على سنة نبينا ، كفى استهاراً بفرائض الله ، وكفى تعدياً على حدود الله ، وكفى جرأة على حرمات الله ، أدرك أيها المسلم يا من أنت فرد من أفراد هذه الأمة أنك تتحمل جزءاً من المسؤولية فيما يأتي على أمتك من عز أو ذل ، لأن بصلاح الأفراد صلاح الأمة وقوتها ، وبفساد الأفراد فساد الأمة وهوانها .
ألا إن استقامتك - أيها المسلم - على دينك في نفسك هو نصر منك لأمتك ، ومعصيتك لربك هو إسهام منك في هزيمتها ، إن كل معصية ترتكبها فأنت تضعف بها أمتك .
[/align]
لكن ثمة درس هو أعمق من ذلك وأنفع ألا وهو اتعاظ الأمة مما يجري لها واستعتابها من نفسها ، وأن يأخذ المسلم في هذه الظروف المؤلمة لربه تعالى من نفسه فيراجع دينه ويحاسب نفسه .
ألا إنه ما من مسلم غيور على وجه الأرض يرى الأمور على ما هي عليه في سوريا إلا ويكاد قلبه أن يتفطر ، وتضيق عليه الأرض بما رحبت من عظيم ما يقع من الجرائم وخطير ما ينتهك من المحارم ، وقد تفنن الإعلام في نقل تلك الفضائع بالصوت والصورة ، فتحمس الجميع رددت الهتافات وتعالت الدعوات وتوالت الصرخات، وما زالت الأوضاع كما هي والظالمون ينتهكون الحرمات والعالم يستغفل المسلمين ويمد للمجرم ليواصل جرائمه دون خوف أو وجل والنتيجة هي استمرار المأساة وتضاعف الكارثة ؟!! والواقع أن الله سلط على هذه الأمة من يسومها سوء العذاب وما الذي نعيشه في أوضاعنا من المآسي في عدد من بلداننا إلا جزء من ذلك وقد كان أسلافنا يقولون : ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة .
يا معاشر الناس : إنَّ أحداث سوريا الدامية وغيرها من مآسي العالم الإسلامي كلّه لتدعُو كلَّ مسلمٍ إلى محاسبةِ نفسه والإقلاعِ من ذنوبه ، فوالله ما وقع كربٌ ولا حربٌ إلا بذنبٍ، ولا ارتفع إلا بتوبة.
يا مسلمون: إنَّ عقابَ الله لا يُدفع بقوةٍ ماديةٍ ولا بجهود بشرية، وإنَّ الفتنَ لا تدرأ بالحيل ولا بالتمادي وإنما بالالتجاء إلى الله، والعودة لدين الله، والاستقامة على طاعته.
يا قومنا إنَّ أحداث سوريا وغيرها دعوةٌ لكل مسلمٍ مصر على عصيان اللهَ وأمَّتُه تُذل، ومولغ في الشهوات وأخوه يُغل ، وغارق في سكرة الهوى ودماءٌ إخوانه وأخواته تُراق ، دعوة له للتوبة وتصيح المسار ، ولسان حال الأمة لكل غافل عاص من أبنائها : أن من قبلك أتينا وبسببك بلينا.
إن التباكي على مآسي المسلمين وجراحاتهم دون إصلاح للنفس ومجاهدة على التوبة الصادقة لا يمكن أن يستجلب نصراً ، ولا يعيد أثرًا ، لأننا لم نغير ما بأنفسنا فكيف يغير الله ما بنا ، ولله در القائل:
ما لي ألوم زماني كلما نزلت *** بي المصائب أو أرميه بالتهم
أو أدعي أبداً أني البريء وما *** حملت في النفس إلا سقطة اللمم
أنا الملوم فعهد الله أحمله *** وليس يحمله غيري من الأمم
يا أهل الشام! إذا كانت مساجدُكم خلتْ من المصلين؛ خوفًا من بطش زبانية النظام، وقد حالوا بينكم وبينها، فإن مساجدنا تشكو الهاجرين المتخلفين في سائر الصلوات وفي الفجر بالذات، رغم ما ينعمون به من أمن وصحة وعافية .
يا أهل الشام! إذا كانت تزعج مسامعَكم أصواتُ القاذفات والراجمات، فإننا نشتكي إلأى الله من مزامير الشيطان تصدح في البيوت والأعراس والحفلات والمهرجانات.
يا أهل الشام! إذا كنتم أدركتم خطرَ الرافضةِ والباطنيةِ والملاحدة، فإننا نشتكي من غفلة أمتنا وغيبة وعينا واختلاط أمورنا .
ألا سألت نفسك ماذا دهى أمتنا الكريمة على الله الخيرة بتزكية الله حتى أصابها ما أصابها ؟! ولماذا مكَّن الله عدوها منها ؟! وسلطه عليها ؟! هل كان الله ليفعل ذلك بأمة محمد صلى الله عليه وسلم لو أنها حافظت على عهد محمد ونهج محمد وسنة محمد صلى الله على محمد وآل محمد ؟! إن ما أصاب الأمة إنما هو بتضييعها لعنصر عزتها ومكمن كرامتها وهو دينها وعقيدتها ومنهجها وهذا ما رد الله به على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم عندما استغربوا الهزيمة في أُحد فأنزل الله تعالى قوله : ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ؟! ) كيف تهزم أمة فيها محمد صلى الله عليه وسلم ؟! وكيف يسلط الله عليها أعداءه من الكفار والمشركين ؟! هكذا استغرب الصحابة ، فجاء رد الله واضحاً : ( قل هو من عند أنفسكم ) ، تماماً كما قال تعالى : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليصيبهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) قال الحسن البصري رضي الله عنهما : أفسدهم الله بذنوبهم في بر الأرض وبحرها بأعمالهم الخبيثة .
إن سنن الله وقوانينه في هذا الكون لا تحابي أحداً ، وإن من أجل وأقدس سنن الله أن الله جعل العز في طاعته وموالاته ، وجعل الذل والمهانة في معصيته وموالاة أعدائه ، ولا ينبغي لمسلم أن يشك في أن ما ينال أمتنا من النكبات والمآسي إنما هو بسبب منها .
قال جبير بن نفير: ولما فتحت قبرس ونهب منها السبي نظرت إلى أبي الدرداء يبكي فقلت: ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله وأذل فيه الكفر وأهله؟ قال: فضرب منكبي بيده وقال: ثكلتك أمك يا جبير ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك إذا تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى فسلط عليهم السباء، وإذا سلط السباء على قوم فليس له فيهم حاجة.
تأملوا وانظروا في بلاد المسلمين كم يوجد فيها من مظاهر الانحراف عن الدين ، وصور البعد والغفلة عن الاستقامة ، كم من ضريح ميت يُعبَد من دون الله ، ويُطاف عليه ويُستغاث بصاحبه في أكثر بلدان المسلمين ؟! كم من كاهن دجال مفتر على الله ودينه يعيش في بلادنا يعبث بعقائد الناس ويتلصص على أموالهم ؟! كم هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله في أنفسهم ومجتمعاتهم بل يتحاكمون إلى الطاغوت ؟! كم من بدعة تُقام في ديار المسلمين صباح مساء وتنسب إلى الدين ، كم من فاحشة تُنتهك في ظلام الليل؟! كم من إنسان يبخس الكيل والميزان، ولا يصدق في المعاملة مع ربه ومع الناس ؟! كم من صرح ربوي في بلاد الإسلام يجاهر الله بالمحاربة ؟! كم هم الناس المعرضون عن دين الله وحكمه وكتابه، والمقبلون على الملاهي والخمور ؟! كم هم الناس الذين لا يصلون ويدّعون بأنهم مسلمون ؟! وإذا صلوا فصلاة الجمعة فقط أو بعض صلوات وحسب ؟! وإذا صلوا جميع الصلوات فصلوات أبدان بلا أرواح وجثامين بلا قلوب ؟! لا خشوع ولا خضوع إلا من رحم الله وقليلٌ ما هم .
انظروا إلى شوارعنا لتروا ما يغلب عليها من مظاهر التبرج ومظاهر الفساد والمعاكسات وما يتبعها من الفواحش العظيمة المهلكة ، من يقدر أن ينكر انتشار فاحشة اللواط الخبيثة في الكثير من مجتمعات المسلمين وأنها باتت ممارسة من الكثير من شباب المسلمين ، أما الزنا والعلاقات المحرمة بين الرجال والنساء فحدث عن فشوها وكثرتها وللأسف ، أما إذا نظرتم إلى معاملات المسلمين فيما بينهم فسترون العجب العجاب من غش وتدليس وكذب وخديعة ، ونقض للعهود ، وإخلاف للوعود ، وأكل للحقوق ، بل من المسلمين من يأكل أموال الناس باسم الدين ..
كل هذا موجود في بلاد المسلمين إلا من رحم ربك ، وبهذا أظلمت القلوب وفسدت الأخلاق وانتهكت الحدود وتعدي على الحقوق ثم مع هذا نريد نصر الله وأن يهزم عدونا، ويكف شره ويكبت أمره ..!!!ألا ما أصدق قول الله تعالى ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "كنت عاشر عشرة من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل علينا بوجهه ، وقال: "يا معشر المهاجرين: خمس خصال إذا ابتليتم بهنَّ -وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ -: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتَّى أعلنوها إلا ابتلاهم الله بالسنين –يعني بالجفاف والقحط- وشدَّة المؤنة وجور السلطان، ولا منع قوم الزكاة إلا مُنِعُوا القطر من السماء ؛ ولولا البهائم لم يُمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلِّط عليهم العدو فأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بما أنزل الله عز وجل في كتابه إلا جعل بأسهم بينهم" أخرجه الحاكم و البيهقي بسندٍ صحيح .
كل هذه المخالفات فينا وكل هذه العقوبات المرتبطة بها حلت بوادينا ( جَزَاءً وِفَاقًا ) ( وما ربك بظلام للعبيد ) فنفسك لُمْ ولا تَلُمْ المطايا .
الخطبة الثانية
معاشر المسلمين : ورد في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( حد يُقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحًا"، وقد علق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على هذا الحديث بقوله: "وهذا لأن المعاصي سبب لنقص الرزق والخوف من العدو كما يدل عليه الكتاب والسنة فإذا أقيمت الحدود وظهرت طاعة الله ونقصت معصية الله حصل الرزق والنصر" انتهى كلامه رحمه الله.
ألا ما أفقه الصاحب المبارك أبا الدرداء حين كان يقول للغزاة: "يا أيها الناس! اعملوا الصالح قبل الغزو، فإنما تقاتلون بأعمالكم".
ولله در الفضيل بن عياض حين قال - للمجاهدين عندما أرادوا الخروج لقتال عدوهم -: "عليكم بالتوبة ؛ فإنها ترد عنكم ما ترده السيوف".
وقد روت لنا كتب التاريخ أنه في أعقاب معركة اليرموك الشهيرة وقف ملك الروم يساءل فلول جيشه المهزوم والمرارة تعتصر في قلبه والغيظ يملأ صدره قال لهم: "ويلكم! أخبروني عن هؤلاء الذين يقاتلونكم أليسوا بشرًا مثلكم؟ قالوا: بلى أيها الملك، قال: أأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: نحن أكثر منهم في كل موطن، قال: فما بالكم إذاً تنهزمون؟ فأجابه شيخ من عظمائهم: إنهم يهزموننا لأنهم يقومون الليل ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويتناصفون ببينهم، أقاموا العدل فيما بينهم" ذكره ابن كثير في البداية والنهاية .
كانوا يُنصَرُون لأنهم كانوا يحملون همّ الدين، واليوم اسأل كل مسلم من المسلمين، سله من صباحه إلى مسائه فيم يفكر؟ ما الذي يشغل قلبه؟ وما الهم الذي يحمله ؟ ستجد أن الهم الذي يحمله الناس في الغالب : هموم ديناهم ومصالح معايشهم ، هذا هم العقلاء فينا، أما السفهاء فلهم هموم أخرى لا تستحق أن تُذكر، هذا هو الهمّ في الغالب.
أين هو المسلم الصالح الغيور الذي يألم لمصاب أمته ؟! ألا يحزنك الظلم والتجبر الواقع على أمتك في أكثر بلادها وشعوبها ؟! وسوريا خير دليل وأصدق شاهد !! ألا يحزنك ويفطر قلبك هذا القتل الجماعي والاغتصاب الجماعي والتواطؤ والتآمر الجماعي والخذلان الجماعي، ألا يحزنك هذا؟ ألا يحز في صدرك؟ ألا يمنع النوم من عينيك؟ ألا يحزنك المد الشيعي الخبيث اللعين الذي أصبح يحدق بالمسلمين بتمكين وتآمر من الشرق والغرب ..
إن أهم درس يجب أن يستوعبه المسلمون من هذه المآسي والمحن هو أن يدركوا أنهم إنما أتوا من قبل أنفسهم ، وأن ما نزل بهم إنما هو تسليط من الله عليهم بإعراضهم وعقوبة منه لهم بتوليهم وذلك البلاء وتلك المحن هي سوط الله الذي يلهب بآلامه قلوب المسلمين ليفيقوا من غفلتهم ويرجعوا إلى ربهم تماماً كما قال سبحانه : ( ليذيقهم بعض الذي عملوا ) لماذا ( لعلهم يرجعون ) ، فلنرجع إلى ربنا ، ولنصطلح مع مولانا ، ولنقبل على ديننا ، ولنتمسك بعقيدتنا ، ولنعض على سنة نبينا ، كفى استهاراً بفرائض الله ، وكفى تعدياً على حدود الله ، وكفى جرأة على حرمات الله ، أدرك أيها المسلم يا من أنت فرد من أفراد هذه الأمة أنك تتحمل جزءاً من المسؤولية فيما يأتي على أمتك من عز أو ذل ، لأن بصلاح الأفراد صلاح الأمة وقوتها ، وبفساد الأفراد فساد الأمة وهوانها .
ألا إن استقامتك - أيها المسلم - على دينك في نفسك هو نصر منك لأمتك ، ومعصيتك لربك هو إسهام منك في هزيمتها ، إن كل معصية ترتكبها فأنت تضعف بها أمتك .
[/align]