انتبه لا تُلدغ مرتين!! ( 1442/5/24هـ )
يوسف العوض
الخطبة الأولى
أيُّها المُؤمنُون : جاء مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (لا يُلْدَغُ المؤمنُ مِن جُحْرٍ مرتين) .رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
هذا حَدِيثٌ نبويٌّ وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَقَدْ جَرَى مَجْرَى الْمَثَلِ : لَكِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَالَهُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْمَقْصُود بِهِ : أنَّ الْمُؤْمِنَ الْكَامِلَ يَكُون حَذِراً حَازِماً ، وواعياً يَقظاً ذَا خِبرةٍ ، يَكْتَسِبُهَا ممَّا وَقَعَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا مَا خُدعَ مَرَّةً مِنْ جِهَةٍ مُعيَّنةٍ فَإِنَّهُ لَا يُخْدَعُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ مَرَّةً أُخْرَى ، وَإِلَّا فَقَدْ يُخْدَعُ فِي حَيَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ ، لَكِنْ مِنْ جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَفِي أَوْقَاتٍ مُتَبَاعِدَةٍ ، وقُلْنَا : إنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْكَامِلَ هَذَا شَأْنُهُ ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ المُغفَّلَ كثيراً مَا يَنْخَدِع وَرُبَّمَا مِنَّ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْإِيمَانِ .
أَمَّا سَبَبُ وُرُودِ هَذَا الْحَدِيثِ فقد رُوي فِي السِيَرِ كَسِيرة ابنِ هشامٍ أَنَّ شاعراً مشركاً يُدْعَى أَبَا عزَّة الجُمَحي ، خَرَجَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ فَأَسَرَه الصَّحَابَةُ ، فَجَعَل يَشْكُو الْفَقْرَ وَكَثْرَةَ الْعِيَال فمنَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَطْلَقَه بِلَا فِدَاءٍ ، وَلَكِنَّ هَذَا الْمُشْرِكَ عَادَ إلَى مُحَارَبَةِ الْمُسْلِمِين ، فظفروا بِهِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ ، فَعَاد يتوسَّلُ ويِشكو الْحَاجَةَ وَالْعِيَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مَنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مرتين) ثُمَّ قَالَ لَهُ : لَا تَمْسَحُ عَارِضَيْك بِمَكَّةَ وَتَقُولُ : سَخِرْت بِمُحَمّدٍ مَرّتَيْنِ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ).
أيُّها المُؤمنُون : قد يُؤتى ويُخدعُ بَعْضُ الصَّالِحِينَ بِسَبَبِ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ لِلشَّرِّ وَأَهْلِه ، وتراهم راضين بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَيَرَوْن أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى طِيبِ النَّفْسِ وَسَلَامَةِ الصَّدْرِ ، وَلَوْ رَجَعَ أُولَئِك الصَّالِحُون لِأَقْوَال السَّلَفِ وَأَحْوَالِهِمْ لَعَلِمُوا أَنَّ الْأَمْرَ خِلَافُ مَا يَعْتَقِدُونَ ، فَسَلَامُةُ الصَّدْرِ وَطِيبُ النَّفْسِ أَمَرٌ مَحْمُودٌ ، أَمَّا الْغَفْلَةُ وَالْجَهْلُ بمكرِ الْمَاكِرِين وَشَرِّهِم ووسائلِهم فَهُوَ مِمَّا يُذم وَلَا يُمدح.
وَقَدْ كَانَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : "كان النَّاسُ يَسْأَلُونَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَأَسْأَلُه عَنْ الشَّرِّ ، مَخَافَةَ أَنْ أَقَعَ فيه" ، وقِيلَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَن فلاناً لَا يَعْرَفُ الشَّرَّ ، فَقَال : "فذلك أَحْرَى أَنْ يَقَعَ فيه" .
عَرَفْت الشَّـــرَّ لَا لِلشَّــــرِّ لَكِن لِتَوَقِّـــيه *** وَمَنْ لَا يَعْرَفِ الشَّرَّ مِنْ الخَيرِ يَقَعْ فِيهِ
الخطبة الثانية
أيُّها المُؤمنُون : ويُـبـيِّن شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَهَمِّيَّةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، فَيَقُول:" القلبُ السَّلِيمُ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُرِيدُ الْخَيْرَ لَا الشَّرَّ ، وَكَمَالُ ذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ الْخَيْرَ وَالشَّرِّ ، فَأَمَّا مَنْ لَا يَعْرَفُ الشَّرَّ فَذَاك نَقْصٌ فِيهِ لَا يُمدح به" .
وَيُؤَكِّد ابْنُ الْقَيِّمِ مَا قَالَهُ شَيْخُهُ بِتَفْصِيلٍ وتأصيلٍ فَيَقُول رَحِمَهُ اللَّهُ : "فالعالمون بِاَللَّه وَكِتَابَهِ وَدِينِه عَرَفُوا سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ مَعْرِفَةً تَفْصِيلِيَّةً ، وَسَبِيلَ الْمُجْرِمِين مَعْرِفَةً تَفْصِيلِيَّةً ، فاستبانت لَهُم السَّبِيلَانِ كَمَا يستبـينُ لِلسَّالِكِ الطَّرِيقَ الْمُوَصِّلَ إلَى مَقْصُودِهِ وَالطَّرِيقَ الْمُوصِلُ إلَى الْهَلَكَةِ ، فَهَؤُلَاء أَعْلَمُ الْخَلْقِ وأنفعُهم لِلنَّاسِ وأنصحُهم لَهُم ، وَهُم الْأدِّلَاءُ الْهُدَاةُ ، وَبِذَلِك بَرَز الصَّحَابَةُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ أَتَى بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .. إلَى أَنْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُحبُ أَن تُعرفَ سَبِيلُ أَعْدَائِه لتُجتـنب وتُبغض ، كَمَا يُحبُ أَنْ تُعْرِفَ سَبِيلُ أَوْلِيَائِه لتُحبَ وتُسلك ، وَفِي هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ الْفَوَائِدِ وَالْإِسْرَار مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا الله".
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق