اليوم تودعون عاما مضى

محسن الشامي
1432/12/28 - 2011/11/24 18:50PM
الحمد لله الرحيم التواب يحي ويميت وإليه المآب جعل الدنيا دار عملٍ واكتساب والآخرةَ دار جزاء وثواب أحمده سبحانه وأشكره على جزيل نعمه وترادفِ مننه وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ شهادةً أدَّخِرُها ليومِ لا ينفع فيه مال ولا بنون وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله سيد الأنام وبدر التمام ومسك الختام صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله البررة الكرام وصحبه الأئمة الأعلام والتابعين ومن تبعهم بإحسان اما بعد عباد الله أُوصيكُم ونفسي بتقوى الله؛ فإنّ تقوى اللهِ مَنْجاةٌ مِن كلِّ هَلَكةوعِصمةٌ مِن كلِّ ضَلالة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
إخوة الإيمان إن مرور الليالي والأيام وانقضاءَ الشهور والأعوام مؤذن بزوال الدنيا وخرابها وعلامةٌ على فناء جميع مافيها فالأعمارُ تطوى والآجالُ تفنى و ها أنتم اليومَ تودعون عاما شارف على الرحيل وجمعتكم هذه هي آخرُ جمعةِ فيه فيا سعادةَ المتقي لربه يوم أن يلقاه ويا حسرة من شقي يوم ينظر المرء ما قدمت يداه هكذا تنقضي الأعمار كما انقضت أيامُ هذا العام ومهما عشت يا ابن آدم فإلى الثمانين أو التسعين وهبك بلغت المائتين فما أقصرها والله من مدة وما أقله من عمر فاتقوا الله يا أمة محمد. وتَبَصّروا في هذه الأيام والليالي، فإنها والله مراحلٌ تقطعونها إلى الدار الآخرة حتى تنتهوا إلى آخر سفركم. وكلُّ يوم يمر بكم فإنه يبعدكم عن الدنيا ويقربكم من الآخرة.فطوبى لعبد اغتنم أيامَ عمره بما يقرّبه إلى ربه جل وعلا.
تَمُرُّ سـاعـاتُ أَيّـَامي بِلا نَدَمٍ ولا بُكاءٍ ولا خوف ولا حـَزَنِ
أَنَـا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي
يَـا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَبَتْ يَـا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني
دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدِبُـهـا وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيـرِ وَالحَزَنِ
دعني اسح دموعا لاانقطاع لها.. فهل عسى عبرةٌ منها تخلصني
أيها المؤمنون لا يحسن والله بعاقل أن يضيع شيئا من عمره بلا فائدةٍ ولابصيرة بما ينفعه
وما يضره فيكون شبيها بالبهائم لايفكر في أعماله ولا أقواله
معاشر المسلمين هاهي الأعوام تتجدد عاماً بعد عام وهانحن اليوم نودع عاماً شهيداً علينا ونستقبل عاماً جديداً مقبلاً إلينا فليقف كل منا مع نفسه محاسباً ماذا عمل في عامه الماضي فإن كان خيراً فليحمد الله وليزداد وإن يكن غير ذلك أقلع وأناب ليحاسب َكل منا نفسه عن فرائض الإسلام وأدائها و عن حقوق المخلوقين والتخلص منها وليحاسبَ كل منا نفسه عن أمواله التي جمعها من أين جاءت وكيف ينفقها؟ فحاسبوا أنفسكم اليوم فإنكم لا تدرون ما يأتي به الغد حاسبوها في جميع أيامكم؛ فإن هذه الأيام خزائنٌ تحفظُ لكم أعمالكم، وعما قريب تُفتح لكم فترون ما أودعتم فيها عن ابن عباس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أيُّها الناس إنّ لكم معالِمَ فانتهُوا إلى مَعَالمكمْ، وإنّ لكم نهايةً فانتهوا إلى نهايتكم، إنّ المؤمنَ بين مخافتين: بين أجلٍ قد مَضَى لا يدري ما اللَّه صانعٌ به، وبين أجلٍ قد بَقِيَ لا يدري ما اللُّهُ قاضٍ فيه، فليأخُذ العبدُ من نفسه لنفسه، ومن دُنياه لآخرته، ومن الشّبيبة قبل الهرم ومن الحياة قبل الموت، فوالذي نَفسُ محمَّدٍ بيده ما بَعْدَ الموت من مُسْتَعْتَبِ، ولا بَعد الدُّنيا من دارٍ، إلاَّ الجنَّة أو النار( ".فاعلموا رحمني الله وإياكم أن الله سيحاسبنا على كل شيء على الصغير والكبير والفتيل والقطمير ((وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)) وقال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) تأمل يا عبد الله هذه الآية التي أشارت إلى تقوى الله فيما مضى من عمرك من أعمال والنظر والمحاسبة فيما قدمت لأخرتك والله خبيرٌ بما تعمل في هذه اللحظة. فاعمل ما شئت ، أقلل أو أكثر حتى إذا مت طُويت صحيفتك فجُعلت في عنقك معك في قبرك ،حتى تُخرجَ يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا ((وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا))
أيها الناس حاسبوا انفسكم قبل أن تحاسبوا وصية الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أيها الناس حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله. (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)" إنها وصية سلفنا الصالح رضي الله عنهم قلت ذنوبهم فحاسبوا انفسهم ونحن كثرت ذنوبنا فلم نستطع ان نحاسب انفسنا فاللهم اغفر لنا وارحمنا إنهم كانوا أصحاب قلوب سليمه وعقول واعية عرفوا أن الله لكل عبد بالمرصاد فعرفوا أنه لن ينجيهم إلا لزوم المحاسبة ومطالبت النفس ومحاسبتها على الأنفاس والحركات فهذا الربيع بن خثيم كان له تحت سريره حفرة كلما رأى من نفسه إقبالاً على الدنيا نزل فيها وكأنه في قبره ويصبح يبكي وكأنه في عداد الموتى ويقول رب ارجعون رب ارجعون ثم يصعد من الحفرة ويقول يانفس هاأنت في الدنيا فاعملي صالحاً ويذكر عن إبراهيم بن أدهم أنه صلى العشاء يوماً من الأيام فراقبه رجل يريد أن يعرف قيامه وتعامله مع ليله، فوضع إبراهيم جنبه على فراشه ولم ينقلب طوال ليله ولم يقم حتى أُذن للفجر، فقام من فراشه وذهب للمسجد بلا وضوء، فقال له الرجل الذي يراقبه: يرحمك الله يا أبا إسحاق راقبتُك البارحة لأعرف قيامك من الليل فوجدتُك نائماً طوال الليل وذهبت إلى الفجر بلا وضوء! قال: والله لولا أن تسيءَ بي الظن ما أخبرتك، اعلم أنني لما وضعتُ جنبي على الفراش تذكرتُ الجنة والنار، فكنتُ أفكر في النار مرة وفي الجنة مرة حتى طلع الفجر، فلم أنم وصليتُ بوضوء العشاء.
اخوة الاسلام إن عجلة الزمن وقطار العمر يمضيان بسرعة مذهلة ترتجف منها القلوب الحية لا يتوقفان عند غافل ولا يحابيان كل ذاهل فكم ودعنا فيما مضى من أخ وقريبٍ؟! وكم واللهفقدنا من عزيز وحبيب، هزنا خبرُه، وفجعنا نبؤه؟ سبقوناللقبور وتركوا عامر الدور والقصورفاللهمأمطر على قبورهم سحائب الرحمة والرضوان، ولا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفرلنا ولهم فراجع نفسك يا عبد الله فلعله لم يبق من عمرك إلا ساعات أو أيام. فاستدرك عمراً قد أضعت أوله فإلى متى الغفلة يا عباد الله؟ماذا ران على قلوبنا؟وماذا غشي أبصارنا وبصائرنا؟! إن الموفق الواعي من سعى لإصلاح حالهليسعُدَ في مآله وإن الكيس الملهم من أدام المحاسبة وأكثر على نفسه المعاتبة وحاذر كل معصية ليحيا حياة السعداء ويبوَّأنزل الشهداءا اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله بارك الله لي ولكم
الحمدلله الملك القدوس السلام، يجري الليالي والأيام، ويجدِّد الشهور والأعوام، أحمده تعالى وأشكره على ما هدانا للإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لهوأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم إلى يوم الدين. أما بعد عباد الله اتقوا الله ،وخافوا عقابه واحذروا سخطه واخشوا يوماتقفون فيه لحسابه، وأعلموا أن نصيب الإنسان من الدنيا عمره؛ فإن أحسن اغتنامه بما ينفعه في دار القرار فقد ربحت تجارته. وإن أساء اغتنامه وأكثر من المعاصي والسيئات بارت بضاعته، والموفق من حاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله واغتنم وقته وعرف دواءه من دائه قال ابن مسعود رضي الله عنه "ما ندمتُ على شيء كندمي على يوم مضى من عمري ولم يزد عملي" . معاشر المسلمين إن جوارحكم هذه ستُسأل عنكم وستجيب بأفصح منطق وأصدق جواب فاحذروا أنتفضحكم يوم الفضائح قال تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْوَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }.وعن أنس بن مالك قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك حتىبدت نواجذه، ثم قال: " أتدرون مم أضحك؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "من مجادلةالعبد ربه يوم القيامة، يقول: رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول:بلى.فيقول لا أجيزعلي إلا شاهدًا من نفسي فيقول كفى بنفسك اليوم عليك حَسيبًا ، وبالكرام الكاتبينشهودا.فيختم على فيه، ويُقال لأركانه: انطقي فتنطق بعمله، ثم يخلى بينه وبينالكلام،فيقول بُعدًا لَكُنَّ وسُحقًا، فعنكنَّ كنتُ أناضل".
اخوة الإيمان أيام العمر ما مضى منها لا يعود إلى يوم القيامة، تطوى أيامه وتطوى صحفه، ويراها الإنسان يوم القيامة حلوها ومرّها. يقول الحسن البصري: "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي ويقول: يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني بعمل صالح فإني لن أعود إلى يوم القيامة". ومن لم يغتنم حياته ندم في موضعين؛ الموضع الأول: في الدنيا عند الموت يقول (رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } وأما الموضع الثاني الذي يندم فيه من لم يغتنم حياته ففي الآخرة قال تعالى: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) ألافحاسبوا أنفسكم، وأصلحوا قلوبكم فإن صلاحالقلب وسلامته بمحاسبة النفس، وفساده وعطبه بإهمال النفس والإسترسال في ملذاتها،وشهواتها ، فو الله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتُجزون بما كنتم تعملون فاللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها. وخير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وأعوامنا وأعمارنا.. يا ذا الجلال والإكرام.واجعل هذا العام الجديد عام خير ونصر وعز للإسلام والمسلمين في كل مكان
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ،
اللهم آمنا في اوطاننا ...... اللهم وفق ولي امرنا خادم الحرمين
اللهم من أراد المسلمين بشر وسوء ، فاجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميراً عليه ، اللهم نكس رأسه ، واجعل الخوف لباسه ، اللهم من كاد بلادنا بسوء فرد كيده عليه ، واخذل مخططاته ومساعيه ، واجعل من بين يديه سداً ومن خلفه سداً
اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان يارب العالمين ، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم احم حوزتهم ، واجمع على الحق كلمتهم ، وثبت أقدامهم ، وسدد أراءهم وسهامهم ، وقوي عزائمهم ، اللهم اربط على قلوبهم ، وانصرهم على من عاداهم ياذا الجلال والإكرا م اللهم تقبل توبتنا واغسل حوبتنا واسلل سخيمة قلوبنا
هذا وصلوا وسلموا على صاحب الحوض المورود واللواء المعقود ، صاحب الوجه الأنور ، والجبين الأزهر ، نبيكم وحبيبكم محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى في علاه : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " اللهم صل وسلم على أفضل رسلك وخير أنبيائك وعلى آله وأزواجه الطيبين الطاهرين ، وعلى الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين
المشاهدات 2081 | التعليقات 0