اليوم الوطني (سعد البريك+ابراهيم الدويش)

د. ماجد بلال
1437/12/22 - 2016/09/23 10:01AM
عنوان الخطبة الوطن والمواطنة / تاريخ الخطبة 7/11/1434 هـ تاريخ النشر
اسم الخطيب سعد بن عبدالله البريك / إبراهيم الدويش
أهداف الخطبة
عناصر الخطبة 1/قيمة الوطن في نفس الإنسان 2/الأخطار المهددة للدولة السعودية 2/قيام الدولة السعودية على التوحيد 3/رغد العيش في المملكة في الوقت الحاضر 4/حال الناس المأسوية قبل قيام الدولة وتوحدها 5/تذكير أبناء المملكة بحال آبائهم وأجدادهم 6/وصايا جامعة نافعة لأبناء المملكة 7/أناس لم يصدقوا في وطنيتهم 8/واجب المملكة نحو العالم 9/لب الوطنية وجوهرها 10/أفعال تتناقض مع الوطنية
الخطبة الأولى:
معاشر المؤمنين: كل واحد منا ومنكم يحب وطنه وبلاده، فنحن نحب وطننا، ونحب بلادنا، الوطن يعدل الروح، وقد شبه الله -عز وجل- إخراج العبد من وطنه بإخراج روحه من جسده، فقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ)[النساء: 66].
فأتى الله بأصعب أمرين إخراج الروح من الجسد، وإخراج الجسد من الوطن، وهذا مما فطرت الأنفس عليه، بل قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ)[البقرة: 84].

فكل هذه دالة على أن قيمة الوطن في داخل الأنفس غالية، ولما أخرجت قريش النبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- وقف بالحزورة على مشارف مكة، والتفت إلى مكة، وقال: "أما والله إني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلي وأكرمها علي الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت".
وقال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ)[الأنفال: 30].

ولشدة حب الوطن في النفس رتب الله الثواب العظيم للمهاجرين الذين هاجروا في سبيل الله، وتركوا أوطانهم في سبيل الله {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)} [الحشر: 8]
وجعل الله لعقوبة الزاني بعد جلده التغريب، والأبعاد عن وطنه إن كان بكرا، فحب الوطن أمر معلوم في الشرع لا تنفيه الملة.
أيها المؤمنون: نعيش هذه الأيام ذكرى توحيد وطننا الحبيب، وبلادنا المملكة العربية السعودية بعد الفرقة والشتات، والمرض والجهل والعصبية والثأر؛ ليتذكر أبناء هذا الوطن الذين ولدوا في النعمة وأحوال الاجتماع والوحدة، وولدوا في أجواء الوعي والعلم والشرع والنظام أن ما هم فيه من نعم لا تعد ولا تحصى.
نعم يجب أن يعرف أبناءنا وناشئتنا وأجيالنا أن دولتهم وبلادهم ووطنهم، المملكة العربية السعودية إنما هو امتداد للدولة السعودية الأولى التي أسسها الإمامان الراحلان/ محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود -عليهم رحمة الله-.
كان ذلك امتداد لدولة التوحيد يوم أسقطها أعداؤها مرتين، فلم تمح من الوجود؛ لأن قوامها، ولأن أساسها وركنها بني على كلمة التوحيد: لا اله الا الله محمد رسول الله

ولذا ولدت الدولة السعودية الثالثة من جديد على منهج عقيدة التوحيد، وشرائع الإسلام النقية من البدع والمحدثات، وحينما نصر الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى دين الله سانده الله ومكن له في الأرض، وتلك سنة إلهية وضعها الباري لنا في آيات تتلى إلى يوم القيامة حيث يقول تعالى:(وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40]. ويقول جلَّ شأنه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) [النور:55].

فيا أبناء هذه البلاد، يا أبناء المملكة العربية السعودية: إن وطنكم وبلادكم هذه إنما هي منحة وهبة من الله -سبحانه وتعالى- أكرمنا الله بها على يدي قائد ورجل ظل ثلاثين عاما على ظهور الخيل، وأكوار الأبل، يستظلون تحت الشجر في حر الهواجر، ويسيرون في الليل، ويسكنون الأودية والكهوف في زمهارير الشتاء، حتى حقق الله دعوة قائدهم/ الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -غفر الله له ورحمه رحمة واسعة.

هتف الصباح لسراة الليل، وتحقق الرجاء والأمل، والدعاء، فتوحدت هذه البلاد المملكة العربية السعودية، بعد أن ذاقت ألوان المرارة من الفقر والجوع المدقع، الذي كان الناس معه يتسابقون في الليل إلى الجيفة الميتة، حتى لا يراهم أحد ليأخذوها، ثم يطبخوها في بيوتهم من شدة الجوع، وتغرب أجدادكم في أنحاء الأرض طلبا للقمة العيش، والنفقة على أهليهم، حتى دالت الأيام دولتها بتدبير الله، فأصبح الناس اليوم يشبعون ويتخمون، وبعضهم لا يشكرون، وبنعمة الله يكفرون.

يا أبناء المملكة العربية السعودية: تذكروا أن أجدادكم كانوا يجدون مشقة بالغة في جلب قربة، أو قربتين من الماء العذب الصافي على ظهور الحمير، وأكتاف الرجال، واليوم ملايين الأمطار المكعبة من المياه المحلاة النقية، يهدرها كثير من الناس في إسراف، لا يحب الله من فعله، فضلا عن وجود الماء في الأنابيب داخل البيوت، عذبا زلالاً، دافئاً في الشتاء، وباردا في الصيف.

تذكروا -يا أبناء المملكة العربية السعودية- وأنتم في المدارس والجامعات: أن أجدادكم من درس منهم وتعلم، فقد خط بأقلام الحطب في محابر السن الأسود، على ألواح الخشب، فكانوا أكثر علما، وأصح إملاءً، وأجود خطا، وأوسع فهما، وأصلح عملا، وأكثر نفعا، ما ضرهم أنهم لم يعرفوا منجزات الحضارة المعاصرة الباهرة .

فيا ليت أجيالنا يعرفون قدر نعمة المعرفة والعلم الذي فتحت أبوابه، وسخرت أسبابه، وقل بحزم طلابه، بعد أن كانوا لا يجدون من يقرأ الرسالة، ويفك الخط، كما يقولون.

يا أبناء المملكة العربية السعودية: تذكروا لتحمدوا الله على ما أنعم به عليكم أن أجدادكم كان الواحد منهم يموت، ويصاب بالعمى، والجدري والشلل، وانفجار الزائدة، وتموت المرأة وهي تلد، وغيرها من الأمراض التي لا تعد خطيرة هذه الايام، ولا يخشى بإذن الله منها، مع ما توفر من أسباب الوعي، والطب والعلاج، والجراحة، واليوم وقد بلغنا منزلة بين دول العالم العربي، باتت مضرب مثل في الطب والجراحة.

يا أبناء المملكة العربية السعودية: عن أي نعمة أحدثكم؟ (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا)[النحل: 18].

لكن أعظم نعمة، وما هو أعظم من كل شيء، وأعظم من هذا كله وقبله، نعمة التوحيد، بعد أن كانت مظاهر الشرك والوثنية قبل تأسيس الدولة ضاربة في أطنابها في أرجاء البلاد، من قبور تعبد، وأشجار تقدس، وأحجار يتبرك بها.

يا أبناء المملكة العربية السعودية: فلتعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من جوع وأمنكم من خوف، من لم يفقه، من لم يعرف، من لم يع، من لم يدر، من لم يتفكر، من لم ينتبه إلى نعمة الأمن أو شك في هذا، فليلتفت كل صباح إلى جثث الناس في العراق والصومال وأفغانستان، وسوريا، وما صنعه الحوثيون في اليمن، وغيرها من البلدان، التي نسأل الله يعجل بالفرج والنصر لهم، لنعرف مقدار نعمة الأمن التي نصبح ونمسي فيها، فاللهم لك الحمد والشكر.

يا أبناء المملكة العربية السعودية: إن حب الوطن، وتعزيز مكانة الوطن في النفوس إنما يكون بحفظ الوطن من الضياع، وضياع الأوطان يكون بتضييع أمر الله، وما أهون الخلق على الله إذا عصوا أمره، فحفظ الأوطان يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 41].

يا أبناء المملكة العربية السعودية: مع واجبنا وشدة حاجاتنا إلى أن ننتج أهم ما نحتاج إليه، في عيشنا وعلمنا، وأمننا، وهو تبلغيهم الإسلام نظيفا نقيا خاليا من شوائب المحدثات، ينتظر منكم بيان العقيدة النقية خالية من الشرك والغلو، ينتظر منكم فقها مستنيرا من وحي المعصوم، من هدي القرآن، وصحيح السنة؛ لتعالجوا به أمراضهم الاجتماعية، بعد أن قتلهم التفكك والعنف الأسري.

ولنعلم أيضا أن طاعة الإمام هي صلة المحكوم بالحاكم، ونسيج متكامل من القيم، وجوهر الوطنية بيعة في العنق، وأداء للحق، وولاء وطاعة، وحب للشعب، وحب للوطن، وغيرة على مقدساته وترابه وأرضه، وما فيه، وعدم الخروج على الجماعة، ومن خرج على الإمام فاقتلوه كائنا من كائن. (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ)[النساء: 59].

إن من خيانة الوطن أن يعصى ولي الأمر، أو أن تخلع يد من بيعته، وإن من خيانة الوطن أن يخون المسئول أي كانت مسئوليته أن يخون الأمانة، أو أن يوظفها لمصالحه الشخصية ومن معه.
ليس من حب الوطن مهاجمة العلماء الذي وضع ولي الأمر ثقته فيهم، ورضيهم المجتمع أمناء على دينه.
وليس من الوطنية أن يتحول الشباب قنبلة غلو تكفيرية موقوته بين أبناء الوطن وجيرانه، ومقومات وطنه، بسبب فكر تدميري تكفيري، تسلل إلينا عبر الحدود، ورام غرس الفتنة بيننا.

فالمواطنة تعني الانقياد للنظام، ومراعاة الجوار، واحترام الكبير، والعطف على الصغير، ومد يد العون للمسلمين، والحرص على المال العام والممتلكات العامة، إذا طبقنا هذا فإننا نترجم حبنا لوطننا في كل دقيقة وثانية، وليس يوم واحدا في السنة فحسب.
بارك الله لي ولكم




الخطبة الثانية:
فأين حب الوطن إذاً من موظف مداهن يرتشي ويعطل معاملات الناس؟ وأين حب الوطن من مدرس أو مهندس أو طبيب لا يراعي الأمانة؟ أين حب الوطن ممن يرمون المخلفات بكل مكان حتى اتسخت المنافع والحدائق والطرقات؟ أين حب الوطن ممن يسرفون بالكهرباء والماء رغم الشح فيهما كمشكلة تهدد العالم أجمع؟ أين حب الوطن من تجار يغالون بالأسعار ويضاعفون أثمان السلع أضعافاً كثيرة جشعاً وتكثراً دون مراعاة لحقوق المواطنين، أو حتى لحال فقير وأرملة ومسكين.
أين حب الوطن من شباب استغلوا هذه المناسبة بتجاوزات شرعية واجتماعية وأخلاقية يؤذى بها البلاد والعباد، ويضيق بها على الناس بمعيشتهم وطرقاتهم، فنحذر من مغبة الفتنة والفوضى والمساس بالأمن، من تجمعات مؤذية، ومخالفات مرورية وأمنية، تتسبب في تعطيل حياة الناس، وإيقاف الشوارع، والاستعراض بالسيارات، وتعريض النفس للتَّهْلُكَة، هذا فضلًا عما يجري في بعض الأسواق! أو في بعض الاحتفالات من مخالفات شرعية وأخلاقية.
ليست الوطنية شعارات، وألوان، ليس فيها إلا كل صخب وصياح، وزحام ومعاكسات، وإيذاء للناس في الطرقات!!
أيها الشباب الوطنية الحقيقية في أن نقدم لأنفسنا ووطننا كل ما نستطيع من بذل وعطاء وتقدم في العلم والصناعة والتقدم والحضارة حتى نكون في مقدمة دول العالم في شتى الميادين.
الوطنية أن نطرد النوم والكسل وأن نجد ونجتهد في العمل النافع لنا ولأمتنا.
الوطنية الحقيقية هي التي يسطرها اخواننا المرابطين على الحدود واخواننا على حرس الحدود والعسكر المنتشرين في الطرقات لحفظ الامن من عبث العابثين، هذه هي الوطنية الحقة، التي يبذل فيها المرء روحة رخيصة لبلاده وحماية وطنه.
حب الوطن مثلها جنودنا في خدمة حجاج بيت الله الحرام على أتم وجه حتى عادوا الى بلدانهم آمنين مطمئنين.
حب الوطن يكون بالدفاع عنه، وعن مقدساته وحرمه ودماء المواطنين، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون أرضه فهو شهيد.

صلوا وسلموا ...
المرفقات

خطبة اليوم الوطني - سعد البريك ابراهيم الدويش.docx

خطبة اليوم الوطني - سعد البريك ابراهيم الدويش.docx

المشاهدات 2136 | التعليقات 0