اليقين بزوال الظالمين

عبدالرحمن اللهيبي
1445/04/26 - 2023/11/10 00:36AM
..من المنقول
 
 
 

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله فإن تقواه أفضلُ مكتسب، وطاعته أعلى نسب، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ

أيها المسلمون، المؤمن مهما تفاقم البلاءُ والشرّ ، ومهما تعاظم القتل والضُرّ ، فإنه يعلم أن ما قُضِي كائن، وما يشأِ الله يكن، يقضي بما يشاء، ويحكم ما يريد ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، لا رافع لما وضع، ولا واضع لما رفع، وما شاء ربُّنا صنع، فنرضى ونسلِّم بلا جزع ، ولا اعتراض ولا هلع، وإنما إيمان وتسليم، وصبرٌ وثبات ويقين، مع فألٍ عظيم بأنَّ لأهل الإسلام عاقبة الفرج والتمكين، ولعدوّهم الذلّة والصغار والخسار المبين، وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ

(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)

أيها المسلمون، إن الأمةَ المسلمةَ بعامة، والمسلمين في غزة خاصة، يواجهون اليومَ قتلاً بعنف، وإبادة بخبث ، وتآمراً بقبحٍ، وحرباً بجبروت، يقودها صهاينة وصليبون لئام، أماطت عنهم اللثام، الأحداثُ والوقائع والأيام، يجرّون الضغائن، ويحملون مسمومَ الدفائن، وما تخفي صدورهم أكبر ، قصفوا غزة ظلما عدواناً، وأشعلوها جحيما ونيرانا، ثم يكذبون علينا عيانا، بأنهم ينشدون فينا سلاماً. فلا تسمع منهم إلا إفكا وافتراء، وتدليسا وادِّعاء، بغطرسة وغرور، وطغيان وفجور ..

إن العالم اليوم باتت تحكمه شريعةُ الغاب، من نُظُمٍ كافرة أُحاديّة، لا تعرف إلا لغة القتل والإرهاب ، وسياسةَ الهيمنة والإرعاب، تتعامل مع الغير معاملةَ السيّد للمسود ، والقائد للمقود، تستهدف الإسلام والمسلمين ، وتروم استئصالهم ببغي وظلم وفجور ، (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)

إنها صورةٌ واضحة المعالم ، نشاهدها اليوم جليّةً في التأييد الغربي للإجرام الإسرائيلي ، وتقديم كل أنواع الدعم له، لارتكاب مزيدٍ من المجازر والقتل والتشريد ، ليكون ذلك شاهداً لنا على شدة الحقد والعداوة للمسلمين، (( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )) ، وقال تعالى : ((مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ ))

أيها المسلمون، لقد بلغ السيل زُباه، والطغيان مداه، والظلم منتهاه، والظلم وريي لن يدوم ، فعن قريب سيَضمحلّ ويزول، وسيعلم الظالمون عاقبة الغرور. فالله لا يحب الظالمين

قال رسول الله ﷺ: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته))، وقرأ ﷺ: (وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) متفق عليه ، وقال تعالى : وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ

أيها المسلمون، إن الله سبحان قد سمع أنينَ المضطهدِين ، ورُفع إليه نداءُ الثكالى والمكروبين ، وأقسم بالله العظيم ، بأن الله عدل رحيم ، وسينتقم من الظالم للمكلومين ، فأنفذ السهام إليه دعوة المظلوم، يرفعها الحيّ القيوم فوق الغيوم، يقول رسول الهدى ﷺ: ((و دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبوابَ السماء، ويقول لها الرب: وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين)) ، قال تعالى : أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرٰتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ .

أيها الناس، إن المحتلَ الصهيونيَ الجائر ، لن يعيش في أمان أبدا، ولن ينعَم بسلام مطلقا، فحياتُه مع المقاومة ستظل في قلق، وعيش شعبه سيبقى أبد الدهر في خطر وأرق؛ سيظلّ المحتل في أرض الإسراء، محاطاً بكلِّ مشاعر العِداء والشحناء، والبراءة والبغضاء، فأنَّا يكون له مستقبلٌ في البقاء ، وهو منغَّص بمكدرات الخوف والرعب وعدمِ الهناء،     وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ  

أيها المسلمون لا يغرّنَكم ما عليه الصهاينة من القوة والسلاح والعتاد، لا يغرنَّكم ما هم فيه من الدعم والاستبداد ((لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ

لا يغرنكم ما لديهم من أموال وإعانة وإمداد (فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ

أيها المسلمون، إنَّ ما أصاب المسلمين من الضعف والذل والهوان ، وما حل بهم من الظلم والبغي والعدوان، إنما هو عاقبة الغفلة والعصيان، قال رسول الله ﷺ: ((يوشك الأممُ أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها))، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوّكم المهابةَ منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوهن))، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: ((حبّ الدنيا وكراهية الموت))

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلَّط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم))

ففي المسلمين اليوم شهواتٌ ومُتع، ودنيا مؤثَرةً وهوًى متَّبع، وأجيالٌ مردت على الشهوات والعبث، ومجتمعاتٌ فشت فيها قنواتٌ وشاشاتٌ تنشر الفساد والخبث، وفي الأمة من الانحراف العقديّ ما يوجب الخذلانَ والحرمان، ففي بلاد المسلمين اليوم أضرحةٌ تُعبَد، وقبورٌ تُحجّ وتُقصَد، ويُذبح لها ويسجَد، ويُطلب منها العون والمدّ، وأفعالٌ تناقض دينَ محمد ﷺ، فعلى الأمة اليوم أن تبذل الجهود والأوقات ، وأن تجنّد طلبة العلم والدعاة ، لنشر عقيدة التوحيد، ومحاربة ألوان الشرك والتنديد، وبهذا تنكشف عن الأمة الغمة، والأحداثُ الملمَّة.

وليعلمْ الداعيةُ إلى الإسلام أن خيرَ ما أسال فيه مدادَه، وأكثرَ فيه نصحه وإرشاده، هو توحيدُ الله بالعبادة، وإفراده بالقصد والإرادة ، وإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونشر عقيدة الولاء والبراء ، وبث روح الاعتزاز بالإسلام، والتمسك بشرائعه الحسان..

أيها المسلمون، إننا نعيش في عافية ونعمة وأمان، تستوجب الشكرَ لِذِي الفضل والإنعام، وإنَّ من حقّ الله علينا وحقّ أجيالنا وأوطاننا أن نكون أوفياءَ للإسلام، وأن نتطهّر من المعاصي والشهوات والآثام، فلن تُصان حمى الأوطان بمثل طاعة الرحمن..

هذا والله هو طريق الخروج من الذل والهوان، هذا سبيل النصر والعز بان، فاستديموا النعم بالطاعات ، واسترشدوا بالعلماء الربانيين، فهم أرفع الناس قدراً، وأسلمُهم فكراً، وأمكنُهم نظراً، واحذروا دُعاةَ الانفتاح والتحرر والتغريب ، ودعاة الإفساد والفتن والفوضى والتخريب ، ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله فإن تقواه أقوى ظهير، وأوفى نصير، وكلُّ أمر عليه يسير، وكل الأمور إليه تصير، وهو السميع البصير، لا يخفى عليه ما وقع على أهل الإسلام من الظلم الكثير ، والجور الكبير، وإنَّ الله على نصرهم لقدير. يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ

أيها المسلمون، كلّ شدّة إلى رخاء، وكل بلية فإلى انجلاء، وإنَّ بَعد الكدر صفوًا، وبعد المطر صحوًا، والشمس تشرق بعد المغيب ، ولله أيامٌ يُنتصر فيها من الباغي، ويَنتقِم الله فيها من الظالم العاثي، فتحلَّوا بالطاعة، والتزموا الجماعة، وإياكم والتشاحن والتطاحن، وإشاعة الرسائل التي تفرق المسلمين ، وتُخَذِّل الناسَ عن نصرة المستضعفين ، وترفع الرايات العُمَّية،  وتستدعي الحمية الجاهلية ، فاحذروا الجدل، وعليكم بالجد والعمل،

عباد الله، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وثلَّث بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه، فقال قولاً كريماً: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين...

 

 
 
 
المشاهدات 1639 | التعليقات 0