اليسرُ بعدَ العسرِ-23-2-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري(مختصرة/للجوال)
محمد بن سامر
اليسرُ بعدَ العسرِ-23-2-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
أما بعد: فعندما تتلو كلامَ اللهِ، وتتأملُ في آياتِه، ستقرأُ قولَه-تعالى-: "يُريدُ اللهُ بكمُ اليسرَ ولا يُريدُ بكمُ العسرَ"، "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا"، "فإنَّ معَ العسرِ يسرًا*إنَّ معَ العسرِ يسرًا "، إنَّه وعدُ الحقِّ منَ اللهِ.
وقالَ النبيُ-عليه وآلِه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا"، وقالَ عبدُاللهِ بنُ مَسعودٍ-رضيَ اللهُ عنه-: "والذي نَفسي بيدِه، لو كَانَ العُسرُ في جُحرٍ، لطَلبَهُ اليُسرُ حتى يَدخلَ عليه، ولن يَغلبَ عُسرٌ يُسرينِ".
إذا أحكمَ العُسرُ قبضتَه، ويئسَ العبدُ مِمَّا في أيدي الخلقِ، رفعَ رأسَه إلى السَّماءِ ونادى (يا اللهُ) إليكَ المشتكى، (يا اللهُ) أنتَ القادرُ على تغييرِ الحالِ وصُنعِ المُحالِ، عِندها يرى اليُسرَ والفَرَجَ، ويتحقَّقُ قولُه-تعالى-: "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ".
إذا اشتملتْ على اليأْسِ القُلوبُ*
وضَاقَ لما به الصَّدرُ الرَّحيبُ
وأوطأتِ المكارهُ واطمأنتْ*
وأرستْ في أماكنِها الخُطوبُ
ولم ترَ لانكشافِ الضُرِّ وَجهًا*
ولا أَغنى بحيلتِه الأَريبُ
أَتاكَ على قُنوطٍ مِنكَ غَوثٌ*
يمنُّ به اللَّطيفُ المُستجيبُ
وكلُّ الحادثاتِ إذا تناهتْ*
فموصولٌ بها الفرجُ القريبُ
أيُّها الحبيبُ: هل شعرتَ يومًا بحزنٍ عميقٍ؟ هل أحسستَ يومًا بيأسِ الغريقِ؟ هل كابدتَ يومًا ثقيلًا مع آلامِ أمراضٍ قاسيةٍ؟ هل سَهِرْتَ ليلًا طويلًا مع همومٍ تَدُكُّ الجبالَ الرَّاسيةَ؟ هل أخفقتَ بعدَ محاولاتٍ فأحسستَ بالفشلِ الذَّريعِ؟ هل أخطأتَ مرةً أو مراتٍ فضاقَ بكَ الفضاءُ الوسيعُ؟ هل أحاطَ بكَ الكَرْبُ فلم تجد لطريقِ الفَرَجِ بابًا؟ هل تغشَّاكَ العُسرُ فلا ترى في سماءِ اليُسرِ سحابًا؟ ألمَّا أصابكَ هذا، فَتَحْتَ المُصحفَ، وقرأتَ: "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا".
قامَ إبراهيمُ-عليه السَّلامُ-يُصلي، فعادتْ زوجتُه سارةُ من عِندِ الملكِ الكافرِ الظالمِ، شريفةً عفيفةً لم يمسسْها سوءٌ، ومعها هاجرُ، قد حفظَها اللهُ الحافظُ الحفيظُ.
والتقى يوسفُ بأبيه يعقوبَ-عليهما السَّلامُ-بعدَ طُولِ زمانٍ، بعدما ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ.
ورجعَ موسى-عليه السَّلامُ-إلى أمِّه بعدَ أن ألقتْه في اليَمِّ، لتَقرَّ عينُها ولا تحزنَ، لأنَّ اللهَ قد وعدَ فَقالَ: "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا".
حُوصِرَ المسلمونَ يَومَ الخَندقِ حِصارًا شَديدًا، "إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا*هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا"، فكانَ اليُسرُ معَ العُسرِ، "وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا".
وأحاطَ العُسرُ بالمؤمنينَ يومَ حُنَينٍ "وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ"، فكانَ اليُسرُ معَ العُسرِ، "ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ".
غزا أبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ-رَضيَ اللهُ عنهُ-الشَّامَ فأصابَهُم جَهْدٌ شديدٌ، فكتب بذلك إلى عُمرَ-رضيَ اللهُ عنهُ-، فكتب إليه عُمرُ: "سَلامٌ عَليكَ، أما بعد: فإنَّهَا لم تكُنْ شِدَّةٌ إلاَّ جعلَ اللهُ بعدَها مَخرجًا، ولنْ يَغْلِبَ عُسرٌ يُسْرَينِ".
قَالَ أبو وَاقدٍ اللَّيثيُّ-رَضيَ اللهُ عنهُ-: "رأيتُ الرَّجُلَ يومَ اليرموكِ من العَدُوِّ يَسقطُ فَيموتُ، فقُلْتُ في نفسي: لَوْ أَنِّي أَضْرِبُ أحَدَهُم بطَرَفِ رِدَائِي ظَنَنْتُ أنَّهُ يَموتُ"، وجَعلَ اللهُ للمُسلمينَ-بعدَ الغَمِّ الشَّدِيدِ الذي كان نَزَلَ بهم-فَرَجًا ومخرجًا.
تَصبَّرْ إنَّ عُقبَى الصَّبرِ خَيرٌ*
ولا تَجـزعْ لِنَائبةٍ تَنـوبُ
فإنَّ اليُسرَ بَعدَ العُسرِ يَأتي*
وعِندَ الضَّيقِ تَنكشفُ الكُروبُ
وكَم جَزعتْ نُفوسٌ من أُمورٍ*
أَتى مِن دُونِها فَرجٌ قَريبٌ
أخبروا الظلامَ أنَّ النورَ يُطاردُه في كلِّ الأرجاءِ، فتُضيءُ منه الأرضُ والسَّماءُ.
وأخبروا الصَّحراءَ أنَّها ستؤوبُ جِنانًا خَضراءَ.
فإنَّ بعدَ الخوفِ أمنًا، وبعدَ القلقِ طُمأنينةً، وبعدَ الحُزنِ سعادةً، وبعدَ المرضِ عافيةً، وبعدَ السَّهرِ نَومًا، وبعدَ الغَمِّ سرورًا، وبعدَ الألمِ راحةً، وبعدَ الدَّمعةِ بسمةً.
-بحولِ اللهِ وقوتِه-سوفَ يُشفى المريضُ، ويَهتدي الضَّالُ، ويعودُ الغائبُ، ويُفكُّ الأسيرُ، ويُقضى الدَّينُ، وينفرجُ الكربُ.
بَشِّرْ المهمومَ بربٍّ عليمٍ رحيمٍ، وبشِّرْ المظلومَ بربِّ قويٍّ عظيمٍ، وبشِّرْ المُحتاجَ بربِّ قادرٍ كريمٍ، لأنَّ اللهَ قد وعدَ فَقالَ: "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا".
أيها الموجوعُ صبرًا*إنَّ بعدَ العُسِرِ يُسرا
إن بعدَ الحُزنِ أمنًا*فاحتسبْ في الحُزنِ أَجْرا
لا يكونُ الدمعُ دومًا*سوفَ تجني السَعْدَ دهرا
أيها الباكي بليلٍ*سوفُ يأتي النورُ فجرا
أيها المكسورُ قل لي*هل يُديمُ اللهُ كسرا؟
يا عزيزَ القلبِ مهلًا*لا تُضِعْ بالضيقِ عُمرا
قُمْ معي فالعجزُ عيبٌ*أنتَ بالإيمانِ أحرى
ليستِ الدنيا بشيءٍ*كي يذوبَ القلبُ قهرا
لا تهُنْ فالدارُ دنيا*لا تضِقْ بَرًا وبحرا
خُذْ من الدنيا سرورًا*لا تَدَعْ في الصدرِ سِرا
اِمْشِ في دنياك هونًا*كلُ شيءٍ كانَ قدْرا
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فقد ينظرُ الغيورُ-اليومَ-إلى الواقعِ نظرةَ يأسٍ وقُنوطٍ، فيَرى شَعائرَ الإسلامِ تُلبسُ غيرَ لباسِها، وينظرُ إلى أحكامِ الشَّريعةِ تُشربُ من غيرِ كأسِها، ويُشاهدُ حالَ المسلمينَ في البلادِ، مُستضعفينَ مَغلوبينَ بينَ ظالمٍ وجلَّادٍ.
أيها الغيورُ على دينِه وأمتِه: سلْ نفسَك: أليسَ لك في التَّاريخِ عِبرةٌ؟
ألم يجتحِ التَّتارُ والمغولُ بِلادَ الإسلامِ، حتى قالَ النَّاسُ لا إسلامَ بعدَ اليومِ؟
ألم يُجبرِ المأمونُ النَّاسَ على أن يقولوا ببدعةِ خلقِ القرآنِ، حتى قالَ النَّاسُ لا سُنَّةَ بعدَ اليومِ؟
ألم ينشرِ الاحتلالُ الأجنبيُ وأذنابُه الفواحشَ في بلادِ المُسلمينَ، حتى قالَ النَّاسُ لا صلاحَ بعدَ اليوم؟
إذا الحادثاتُ بَلَغْنَ الْمَدَى*
وكادتْ تَذوبُ لَهُنَّ الْمُهَج
وحَلَّ البلاءُ وقَلَّ العَزا*
فعندَ التَّناهي يكونُ الفَرَج
فأبشروا يا أهلَ الإسلامِ فإنَّ ربَّكم يسمعُ ويرى، ولا يرضى الظلمَ لنفسِه ولا لخلقِهِ.
لم تُحْرِقِ النَّارُ إبراهيمَ-عليه الصلاةُ والسَّلامُ-لأنَّه خليلُ اللهِ.
لم يبتلعِ الحوتُ يونسَ-عليه الصلاةُ والسَّلامُ-لأنَّه نبيُّ اللهِ.
لم يُغْرِقِ البحرُ موسى-عليه الصلاةُ والسَّلامُ-لأنَّه كليمُ اللهِ.
لم يرَ المشركونَ محمدًا-عليه وآلِه الصلاةُ والسَّلامُ-وأبا بكرٍ-رضيَ اللهُ عنه-في الغارِ لأنَّ معهم اللهَ.
وهكذا في كلِّ زمانٍ ومكانٍ لا يُهزمُ ولا يُذلُّ أولياءُ اللهِ، بل "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا".
أَلاَ فَاصْبِرْ على الحَدَثِ الجَلِيْلِ*
وَدَاوِ جَوَاكَ بالصَّبْرِ الجَميلِ
وَلاَ تَجْزَعْ وإِنْ أَعْسَرْتَ يومًا*
فقد أَيْسَرْتَ في الزمنِ الطويلِ
ولا تَيْأَسْ فإِنَّ اليَأْسَ كُفْرٌ*
لَعَلَّ اللَه يُغنِي مِنْ قليلِ
ولا تَظْنُنْ بِرَبِّكَ غيرَ خَيْرٍ*
فَإِنَّ اللهَ أَوْلَى بالجميلِ
وإِنَّ العُسرَ يَتْبَعُه يَسارٌ*
وقولُ اللهِ أصدقُ كلِّ قيلِ
فكم مِنْ مُؤْمِنٍ قَدْ جَاعَ يَوْمًا*
سَيُروى من رحيقٍ سَلْسَبيلِ
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى.
اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمين.
المرفقات
1694096799_اليسرُ بعدَ العسرِ-23-2-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1694096799_اليسرُ بعدَ العسرِ-23-2-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf