الولاء والبراء
خالد الذيابي
1433/10/13 - 2012/08/31 08:43AM
أيها المسلمون
عقيدة من عقائد المسلمين ، وركن من أركان الدين العظيم ، أكثر الله من ذكره في كتابه ، وقرره النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح بيانه ، عاتب الله نوحا من أجله ، وأثنى من أجله على إبراهيم ومن آمن من قومه ، لن يجد الإنسان من حلاوة الإيمان إلا بتقريره في قلبه ، وتصديقه واقعا في قوله وفعله ..
عقيدة من عقائد المسلمين ، رآها الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم قولا وبيانا ، ونظروها من فعله سرا وبيانا ، فصاغوها صدقا في أقوالهم ، وبرهنوا صدقهم بصادق أفعالهم !!
عقيدة من عقائد المسلمين، أكدَّ القران عليها حتى كادت أن تكون قضيته، وقررتها السنة حتى كانت من أكبر مواضيعها ، من عمل بها كان من أولياء الله المؤمنين ، ومن خالفها خرج من ربقة الإسلام وجماعة المسلمين ..
عقيدة من عقائد المسلمين ، أوثق عرى الإيمان ، ولا سبيل إلى ولاية الله إلا بها ، ولن يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يتمثلها ..
عقيدة من عقائد المسلمين، إنها عقيدة الولاء والبراء ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (المائدة : 57 )
الولاء والبراء !!
الولاء : أن توالي كل من والى الله بأن آمن به وأطاعه واتقاه وذلك بأن تحبه في قلبك وتظهر مودته وقربه
والبراء : أن تعادي كل من عادى الله بأن كفر به وخالف أوامره وعصاه وذلك بأن تبغضه في قلبك وتظهر الكره له وبعده ..
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ (( على المؤمن أن يعادي في الله ويوالي، فإن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه والإكرام لأوليائه والإهانة لأعدائه والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه ..(1)
ويكون كل الدين للرحمن ما
ْ لسواه شيء فيه من إنسان
والحب والبغض اللذان هما
لكل ولاية وعداوة أصلان
والله هذا شطر دين الله
والتحكيــــــــم للمختار شطر ثان (2)
الولاء والبراء ، عاتب الله نوحا من أجله ، فلما أغرق الله ابنه الذي كفر به دعا نوح ربه ((وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) (هود:45)
فعاتبه الله ((قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (هود : 46 )
قال السعدي ـ رحمه الله ـ (إنه عمل غير صالح ) أي الدعاء الذي دعوت به لنجاة كافر لا يؤمن بالله ولا رسوله .
فالدين قرب من كان ذا بعد
والكفر بعد من كان منك قريب (3)
الولاء والبراء أوثق عرى الإيمان قال صلى الله عليه وسلم (( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ))(4)
(( من أحب في الله وابغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك ))كما قال الحبر ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ (5)
يقول أبو الوفاء ابن عقيل ـ رحمه اله (( إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر على زحامهم في أبواب الجوامع ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك ، وإنما أنظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة..
عاش ابن الرواندي والمعريّ عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون كفرا وعاشوا سنين وعظمت قبورهم ، واشتريت تصانيفهم وهذا يدل على برودة الدين في القلب )) والعياذ بالله ..
أتحب أعداء الحبيب وتدعي
حــــبا له ما ذاك في إمكان
الولاء والبراء ، الولاء معناه المحبة والمودة والقرب
والبراء معناه البغض والعداوة والبعد
فالولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم ، ونصرتهم لدينهم ن والإشفاق عليهم والنصح لهم ، والدعاء لهم والسلام عليهم وزيارة مريضهم ، وتشيع ميّتهم ومواساتهم والسؤال عنهم وعن أحوالهم , والبراءة من الكفار تكون ببغضهم وعدم بدئهم بالسلام ، وعدم التذلل لهم والإعجاب بهم ، والحذر من التشبه بهم، وجهادهم بالمال واللسان والسنان ))(6)
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة : 4 )
كرهي لكم يوم أن كــــــفرتم ربكم
ثم العداوة ما أشرت بإصابع وبنان (7)
الولاء والبراء شربه الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه وـــــ
معه في لقائه وخلواته بهم .
فكانوا آيات في موالاتهم ومحبتهم للمؤمنين ، وكانوا معجزات في عداواتهم وبراءتهم للمشركين ، فهذا بلال كانت تفعل به الأفاعيل ، حتى أنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدرة في شدة الحر ، ويأمرونه أن يشرك بالله فيأبى عليهم ويقول أحد أحد أحد ، ويقول والله لو أعلم كلمة أغيظ لكم فيها لقلتها ))(8)
عجبا حتى في هذا الموقف الشديد يبحث عن كلمة يغيظ بها أعداء الله وأعداء رسوله والمؤمنين ..
الولاء و البراء !!
رآه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه ومجالسه فأول ما قدم المدينة والى وآخى بين المهاجرين والأنصار ..
وقد كانوا في مكة يرون نصرته لهم ودعاءه لهم وتأسية لهم حال تعذيب مشركين قريش لبعضهم ، وقد كانوا قبل ذلك يرون براءته من المشركين وكرهه لهم حتى لأقرب الأقربين من آله وأقاربه ..
عن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم ـ جهارا غير سرـ يقول (( إن آل أبي ليسوا بأوليائي إنما وليي الله والمؤمنين ))(9)
وأشدهم عداوة وبغضا للمشركين ، فهذا سعد تبرأ من أمه الكافرة ، وهذا مصعب جر أخاه أسيرا ولم يشفع له قربه ونسبه ، وهذا عبد الله صد أباه المنافق عند دخول المدينة حتى أذن له النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانوا يستشعرون ان الكفار أعداء لهم سواء كانوا قربين أو بعيدين
فالدين قرب من كــــان ذا بعد
والكفر بعد منك كان منك قربي
الولاء والبراء !!
الولاء !! الرحمة والإحسان للمؤمنين ، والتذلل لهم والتعاطف والتسامح والإشفاق عليهم ..
والبراء !! التبرؤ من المشركين والعداوة لكافرين سواء كانوا كفارا أصليين كاليهود والنصارى أو كفارا مرتدين(10) (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) (آل عمران:28)
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : (( نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكفار وأن يتخذوا أولياء يسرون إليه بالمودة من دون المؤمنين ، مع توعد على ذلك فقال ((وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ))
أي من يرتكب
نهى الله ـ من موالاة الكافرين ـ فهو بريء منه الله ))
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة : 51 )
فهذه حقيقة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، وهي أن الكفار دائما وأبدا هم أعداؤنا وخصومنا (لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) (التوبة : 10 )
(مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (البقرة : 105 )
(وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة : 109 )
ولكي يطمئن قلبك انظر إلى ما فعل الكفار بالمسلمين في الماضي وما يفعلونه بهم في الحاضر وما قد سيفعلونه في المستقبل.....أقول قولي هذا وأستغفر الله
الخطبة الثانية
أما بعد :.
فقد بيَّنا أن الولاء والبراء هو أصل هذا الدين ، وقاعدته العظمى فالتوحيد مقرون من الأساس بعقيدة الولاء والبراء يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : (( إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا الله ولا يبغض إلا الله ، ولا يود إلا الله ، ولا يعادي إلا لله ، وأن يحب ما أحبه الله ، ويبغض ما أبغضه الله ))(11)
وشهادة التوحيد أيها الإخوة معناها النفي والإثبات
فلا إله إلا الله ....
(لا إله ) !! يعني نفي الألوهية عمن غير الله وهو يقتضي نفي الشرك والبراءة منه ومن أهله...
( إلا الله ) معناها إثبات الالوهية لله وهو يقتضي محبة دين الإسلام ومحبة أهله وموالاتهم ، وهذا أيها الأحبة يبين لنا اهمية عقيدة الولاء والبراء وخطورتها فقد يقول الإنسان قولا او يعمل عملا ويكون فيها موالاة للمشركين ومعاداة للمسلمين فيخرج من دين الإسلام وهو لا يشعر فمن ظاهر المشركين وعاونهم على المسلمين سواء بالتخطيط أو الإعداد أو العتاد فهو بعيد كل البعد عن الدين ومن لم يكفر المشركين أو توقف في كفرهم أوشك فيه أو صحح مذهبهم فهو منهم لأنه موال لهم بعدم تكفيرهم، ناهيك عمن يدافع عنهم ، أو يصفهم بالأخوة في الإنسانية أو أنهم أشقاؤنا في الديانات السماوية فهم في زعمهم أنهم على ملة إبراهيم الحنيفية وهم في كل البعد عنها ..
(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة : 8 )
(إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة : 9 )......
عقيدة من عقائد المسلمين ، وركن من أركان الدين العظيم ، أكثر الله من ذكره في كتابه ، وقرره النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح بيانه ، عاتب الله نوحا من أجله ، وأثنى من أجله على إبراهيم ومن آمن من قومه ، لن يجد الإنسان من حلاوة الإيمان إلا بتقريره في قلبه ، وتصديقه واقعا في قوله وفعله ..
عقيدة من عقائد المسلمين ، رآها الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم قولا وبيانا ، ونظروها من فعله سرا وبيانا ، فصاغوها صدقا في أقوالهم ، وبرهنوا صدقهم بصادق أفعالهم !!
عقيدة من عقائد المسلمين، أكدَّ القران عليها حتى كادت أن تكون قضيته، وقررتها السنة حتى كانت من أكبر مواضيعها ، من عمل بها كان من أولياء الله المؤمنين ، ومن خالفها خرج من ربقة الإسلام وجماعة المسلمين ..
عقيدة من عقائد المسلمين ، أوثق عرى الإيمان ، ولا سبيل إلى ولاية الله إلا بها ، ولن يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يتمثلها ..
عقيدة من عقائد المسلمين، إنها عقيدة الولاء والبراء ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (المائدة : 57 )
الولاء والبراء !!
الولاء : أن توالي كل من والى الله بأن آمن به وأطاعه واتقاه وذلك بأن تحبه في قلبك وتظهر مودته وقربه
والبراء : أن تعادي كل من عادى الله بأن كفر به وخالف أوامره وعصاه وذلك بأن تبغضه في قلبك وتظهر الكره له وبعده ..
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ (( على المؤمن أن يعادي في الله ويوالي، فإن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه والإكرام لأوليائه والإهانة لأعدائه والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه ..(1)
ويكون كل الدين للرحمن ما
ْ لسواه شيء فيه من إنسان
والحب والبغض اللذان هما
لكل ولاية وعداوة أصلان
والله هذا شطر دين الله
والتحكيــــــــم للمختار شطر ثان (2)
الولاء والبراء ، عاتب الله نوحا من أجله ، فلما أغرق الله ابنه الذي كفر به دعا نوح ربه ((وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) (هود:45)
فعاتبه الله ((قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (هود : 46 )
قال السعدي ـ رحمه الله ـ (إنه عمل غير صالح ) أي الدعاء الذي دعوت به لنجاة كافر لا يؤمن بالله ولا رسوله .
فالدين قرب من كان ذا بعد
والكفر بعد من كان منك قريب (3)
الولاء والبراء أوثق عرى الإيمان قال صلى الله عليه وسلم (( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ))(4)
(( من أحب في الله وابغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك ))كما قال الحبر ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ (5)
يقول أبو الوفاء ابن عقيل ـ رحمه اله (( إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر على زحامهم في أبواب الجوامع ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك ، وإنما أنظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة..
عاش ابن الرواندي والمعريّ عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون كفرا وعاشوا سنين وعظمت قبورهم ، واشتريت تصانيفهم وهذا يدل على برودة الدين في القلب )) والعياذ بالله ..
أتحب أعداء الحبيب وتدعي
حــــبا له ما ذاك في إمكان
الولاء والبراء ، الولاء معناه المحبة والمودة والقرب
والبراء معناه البغض والعداوة والبعد
فالولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم ، ونصرتهم لدينهم ن والإشفاق عليهم والنصح لهم ، والدعاء لهم والسلام عليهم وزيارة مريضهم ، وتشيع ميّتهم ومواساتهم والسؤال عنهم وعن أحوالهم , والبراءة من الكفار تكون ببغضهم وعدم بدئهم بالسلام ، وعدم التذلل لهم والإعجاب بهم ، والحذر من التشبه بهم، وجهادهم بالمال واللسان والسنان ))(6)
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة : 4 )
كرهي لكم يوم أن كــــــفرتم ربكم
ثم العداوة ما أشرت بإصابع وبنان (7)
الولاء والبراء شربه الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه وـــــ
معه في لقائه وخلواته بهم .
فكانوا آيات في موالاتهم ومحبتهم للمؤمنين ، وكانوا معجزات في عداواتهم وبراءتهم للمشركين ، فهذا بلال كانت تفعل به الأفاعيل ، حتى أنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدرة في شدة الحر ، ويأمرونه أن يشرك بالله فيأبى عليهم ويقول أحد أحد أحد ، ويقول والله لو أعلم كلمة أغيظ لكم فيها لقلتها ))(8)
عجبا حتى في هذا الموقف الشديد يبحث عن كلمة يغيظ بها أعداء الله وأعداء رسوله والمؤمنين ..
الولاء و البراء !!
رآه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه ومجالسه فأول ما قدم المدينة والى وآخى بين المهاجرين والأنصار ..
وقد كانوا في مكة يرون نصرته لهم ودعاءه لهم وتأسية لهم حال تعذيب مشركين قريش لبعضهم ، وقد كانوا قبل ذلك يرون براءته من المشركين وكرهه لهم حتى لأقرب الأقربين من آله وأقاربه ..
عن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم ـ جهارا غير سرـ يقول (( إن آل أبي ليسوا بأوليائي إنما وليي الله والمؤمنين ))(9)
وأشدهم عداوة وبغضا للمشركين ، فهذا سعد تبرأ من أمه الكافرة ، وهذا مصعب جر أخاه أسيرا ولم يشفع له قربه ونسبه ، وهذا عبد الله صد أباه المنافق عند دخول المدينة حتى أذن له النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانوا يستشعرون ان الكفار أعداء لهم سواء كانوا قربين أو بعيدين
فالدين قرب من كــــان ذا بعد
والكفر بعد منك كان منك قربي
الولاء والبراء !!
الولاء !! الرحمة والإحسان للمؤمنين ، والتذلل لهم والتعاطف والتسامح والإشفاق عليهم ..
والبراء !! التبرؤ من المشركين والعداوة لكافرين سواء كانوا كفارا أصليين كاليهود والنصارى أو كفارا مرتدين(10) (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) (آل عمران:28)
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : (( نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكفار وأن يتخذوا أولياء يسرون إليه بالمودة من دون المؤمنين ، مع توعد على ذلك فقال ((وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ))
أي من يرتكب
نهى الله ـ من موالاة الكافرين ـ فهو بريء منه الله ))
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة : 51 )
فهذه حقيقة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، وهي أن الكفار دائما وأبدا هم أعداؤنا وخصومنا (لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) (التوبة : 10 )
(مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (البقرة : 105 )
(وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة : 109 )
ولكي يطمئن قلبك انظر إلى ما فعل الكفار بالمسلمين في الماضي وما يفعلونه بهم في الحاضر وما قد سيفعلونه في المستقبل.....أقول قولي هذا وأستغفر الله
الخطبة الثانية
أما بعد :.
فقد بيَّنا أن الولاء والبراء هو أصل هذا الدين ، وقاعدته العظمى فالتوحيد مقرون من الأساس بعقيدة الولاء والبراء يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : (( إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا الله ولا يبغض إلا الله ، ولا يود إلا الله ، ولا يعادي إلا لله ، وأن يحب ما أحبه الله ، ويبغض ما أبغضه الله ))(11)
وشهادة التوحيد أيها الإخوة معناها النفي والإثبات
فلا إله إلا الله ....
(لا إله ) !! يعني نفي الألوهية عمن غير الله وهو يقتضي نفي الشرك والبراءة منه ومن أهله...
( إلا الله ) معناها إثبات الالوهية لله وهو يقتضي محبة دين الإسلام ومحبة أهله وموالاتهم ، وهذا أيها الأحبة يبين لنا اهمية عقيدة الولاء والبراء وخطورتها فقد يقول الإنسان قولا او يعمل عملا ويكون فيها موالاة للمشركين ومعاداة للمسلمين فيخرج من دين الإسلام وهو لا يشعر فمن ظاهر المشركين وعاونهم على المسلمين سواء بالتخطيط أو الإعداد أو العتاد فهو بعيد كل البعد عن الدين ومن لم يكفر المشركين أو توقف في كفرهم أوشك فيه أو صحح مذهبهم فهو منهم لأنه موال لهم بعدم تكفيرهم، ناهيك عمن يدافع عنهم ، أو يصفهم بالأخوة في الإنسانية أو أنهم أشقاؤنا في الديانات السماوية فهم في زعمهم أنهم على ملة إبراهيم الحنيفية وهم في كل البعد عنها ..
(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة : 8 )
(إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة : 9 )......
المرفقات
الولاء والبراء.doc
الولاء والبراء.doc