الوَلَاءُ للمؤْمِنِيْن ــ يَومُ عاشُوراءَ 6 ــ 1 ــ 1446هـ

عبدالعزيز بن محمد
1446/01/05 - 2024/07/11 13:32PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيُّها المُسْلِمُون: تُوَالِيْ القُلُوبُ مَنْ تَهْوَى وتُعادِيْ مَنْ تُبْغِض، وتُصافِيْ مَنْ تَرْضَى وتُجَافِيْ مَنْ تَكْرَه. وللقُلُوبِ إِقْبالٌ وَصَدُّ، وقَبُولٌ ورَدُّ، وَوَلاءٌ وضِدُّ.

وكُلُّ وَلاءٍ لَهُ سَبب.. وَوَلاءُ العَقِيْدَةِ أَوْثَقُ سَبَب. وكُلُّ وَلاءٍ ينْسَلِخُ بانْسِلاخِ مُوْجِبِه.. وَولاءُ العَقِيْدَةِ مِنْ أَقْوَى وأَرْسَخِ المُوْجِبات. وَلاءُ العَقِيْدَةِ.. حَبْلٌ مَتِيْنٌ وعُرْوَةٌ وُثْقَى، وشَرِيْعَةٌ ثابِتَةٌ وصِراطٌ مُسْتَقِيْم.  وَلاءُ العَقِيْدَةِ.. لا تَتَمايَلُ بِهِ الأَهْواءُ ولا تَتَلاعَبُ الحُظُوظ. ولا تُفْسِدُهُ المطَامِعُ ولا تُغَيِّرُهُ المُغْرِيات {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} 

ولاءُ العَقِيْدَةِ.. قَامَ باللهِ وقَامَ لَه. مَحَبَّةٌ لما أَحَبَّ اللهُ وكُرْهٌ لِما كَرِهَ اللهُ.  وَلاءٌ لِمَنْ والى اللهُ، وبراءُةٌ ممن عادى اللهُ. وَلاءٌ يَجْرِي في الأَوْرِدَةِ ويَتَدَفَّقُ في الشَّرَايين. بَاقٍ ما بَقِيَتْ في الجَسَدِ الرُّوحُ.

ولاءُ العَقِيْدَةِ.. حَبْلٌ مَمْدُودٌ ولِواءٌ مَعْقُودٌ.. يَصِلُ أَخِرَ المُؤْمِنينَ بأَوَّلِهِم، وَحَاضِرَهُم بِغائِبِهِم، وعَرَبَهُم بِعَجَمِهِم. وَلاءٌ يَمْتَدُّ في الأَرْجاءِ ويَسري عَبرَ القُرُون، لا تَحُدُّهُ الحُدُودُ، ولا تَـحْجبُهُ السُّدُود. لا يَخْبُو مَعَ تَقادُمِ الزَّمَنِ ولا يضْعُفُ مَع تَعاقُبِ الأَجْيال.  ولاءُ العَقِيْدَةِ.. عَلِيْهِ القُلُوبُ قَدْ عُقِدَت {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} قَالَ السَّعْدِيُّ رحمه الله: (وَهَذَا دُعَاءٌ شَامِلٌ لِجَمِيْعِ المؤْمِنِيْنَ، السَّابِقِيْنَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ قَبْلَهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ الإِيْمانِ.. أَنَّ المؤْمِنِيْنَ يَنْتَفِعُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَيَدْعُوْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، بِسَبَبِ المُشَارَكَةِ في الإِيْمانِ المقْتَضِيْ لِعَقْدِ الأُخُوَّةِ بَيْنَ المُؤْمِنِيْن، التي مِنْ فُرُوْعِهَا أَنْ يَدْعُوَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَأَنْ يُحِبَّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً) أ.هـ

* الوَلاءُ للمؤْمِنِين مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الدِّين{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ ‌أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} عن أَنس بنِ مالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلَّا للَّهِ، وَأَنْ يَكْرَه أَنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ) متفق عليه

* الوَلاءُ للمؤْمِنِين.. قُرْبٌ ومَوَدَّةٌ وإِخاء، ورِفْقٌ وتَوَاضَعٌ وصَفاءَ {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ‌رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}

* الوَلاءُ للمؤْمِنِين.. مُؤَازَرَةٌ ومُناصَرَةٌ وتأَييدٌ، وتَكافُلٌ وتَعاطُفٌ ومَحَبَّة «المؤمنون تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بذِّمَّتِهِم أَدْنَاهُم» قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وفي القُرآنِ قَالَ اللهُ : {وَإِنِ ‌اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ..}

* الوَلاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ.. كَجَسَدٍ يُوالِيْ بَعْضُهُ بَعْضاً. تَتَأَلَمُ مِنْهُ جَارِحَةٌ فَتَدْمَعُ عَيْن، ويَشْكُو مِنْهُ عُضْوٌ فَيطُولُ سَهَر. «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي ‌تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» متفق عليه

* الوَلاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ.. نُصْحٌ وصِدقٌ وإِصْلاحٌ، وأَمْرٌ بالمعروفِ ونَهْيٌ عَنِ المُنْكَر.. {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ..}

* الوَلاءُ للمؤْمِنِين.. عَقِيْدَةٌ قُرِنَتْ بِتَوْحِيْدِ الله، فَمَنْ وَحَّدَ اللهَ وآمَنَ بِرَسُولِهِ.. وَجَبَتِ والوَلايَةُ لَه. ومَنْ كَفَرَ باللهِ وكَذَّبَ بِرَسُولِهِ.. وَجَبَت البَراءَةُ مِنْه. وَمَا أَدْرَكَ حَقِيْقَةَ الإِيْمانِ مَنْ وهَنَ ولاؤُه وضَعُفَ بَراؤُه { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} فَمَنْ آمَنَ باللهِ وَحْدَه.. انْعَقَدَتْ لَهُ الأُخُوَّةُ، ووَجَبَتْ لَهُ الوَلايَة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ: (إِنَّ المؤْمِنِيْنَ أَوْلِيَاءُ اللهِ وَبَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَالكُفَّارُ أَعْدَاءُ اللهِ وَأَعْدَاءُ المؤْمِنِيْنَ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ الموَالاةَ بَيْنَ المؤْمِنِيْنَ، وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ لَوَازِمِ الإِيْمانِ، ونَهَى عَنْ مُوالاةِ الكُفَّارِ وبَيَّنَ أَنْ ذَلِكَ مُنْتَفٍ في حَقِّ المؤْمِنِيْن)ا.هـ { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } وقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: (إِنَّ تَحْقِيْقَ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، يًقْتَضِيْ أَنْ لا يُحَبَّ إلا للهِ، ولا يُبْغَضَ إِلا لله، وَلا يُوَالَي إِلا للهِ، ولا يُعَادَي إِلا للهِ، وأَنْ يُحَبَّ مَا أَحبَّهُ اللهُ، وَيُبْغَضَ ما أَبْغَضَهُ اللهُ) ا.هـ  * الولاءُ للمؤْمِنِين والبراءَةُ من الكافِرِين.. عَقِيْدَةٌ أُرْسِلَ بِها المرسَلُون فَهُمْ بِها يَعْمَلُون. أَنْزَلَ اللهُ في القُرآنِ { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} وهَلْ كانَ أَبُو لَهَبٍ إِلا عَمُّ النَّبِيِّ صَلى الله عليه وسلم   كَفَرَ باللهِ وبِرَسُولِهِ فَوَجَبَتِ البَراءَةُ مِنْه. 

و(النَّجاشِيُّ).. رَجُلٌ بَعِيْدُ الدَّارِ، أَسْوَدُ اللَّونْ، أَعْجَمِيُّ اللِّسان. آمَنَ باللهِ وبِرَسُولِهِ فَوجَبَ الولاءُ لَه. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: نَعَى لَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: النَّجاشِيَّ صَاحِبَ الحَبَشَةِ في اليَومِ الذِيْ مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لأخِيكُمْ) وأَخْبَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه  (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَفَّ بهِمْ بالمُصَلَّى فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أرْبَعًا) رواه البخاري ومسلم

{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}   * والوَلاءُ للمُؤْمِنِيْنَ دَرَجاتٌ.. فَمَنْ كَمُلَ إِيْمانُهُ كَمُل الوَلاءُ لَه. قَالُ ابنُ تَيميَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: (وَمَنْ كَانَ فِيْهِ إِيْمَانٌ وَفِيْهِ فُجُوْرٌ، أُعْطِيَ مِنَ المُوَالاةِ بِحَسَبِ إِيْمَانِهِ، وَمِنْ البُغْضِ بِحَسَبِ فُجُوْرِهِ) ا.هـ {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} بارك الله لي ولكم..

 

الخطبة الثانية
 

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً  أما بعد:  فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون

أيها المسلمون: حَبْلُ العَقِيْدَةِ أَقْوَى مُعْتَصَم، وعُرْوَةُ التَوْحِيْدِ أَقْوَى وِثَاق.  أُخُوَّةُ الدِيْنِ بها القُلُوبُ تَصْفُو، وَبِها الأَرْواحُ تَأَتَلِف. و «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ». وما ائْتَلَفَتْ أَرْواحٌ كما ائْتَلَفَتْ عَلى التُوْحِيد. وَمَا اقْتَرَبَتْ قُلُوبٌ كما اقُتَرَبَتْ في العَقِيْدَة.

فَلا يُوهِنُ ولاءَها دُنْيا، ولا يُضْعِفُ إِلْفَها نأَيُ الدِّيار.

فَأَيْنَمَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ في بَلَدٍ  ** عَدَدْتُ ذَاكَ الحِمَى مِنْ صُلْبِ أَوْطَانِي

والمرْسَلُونَ عليهم السلام أَعْظَمُ مَنْ حَقَقُوا هذا الوَلاءُ {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} وَوَلايَة المُرسَلِينَ لِبَعْضِهِم.. أَصْدَقُ الْوَلايَاتِ وأَوْفاهاَ، وأَخْلَصُها وأَزْكَاها.  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى..) رواه البخاري ومسلم   ولَمَّا قَدِمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ، فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عاشُوراءَ، قالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ؛ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى. فَقالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (فأنَا أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ) فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ. رواه البخاري ومسلم (فأَنا أَحقُّ بِمُوسَى مَنْكُم) فَما لليَهُودِ حَقٌّ بِمُوسَى وقَدْ كَفَرُوا.

* ويَومُ عاشُوراء.. هُو اليَومُ العاشِرُ مِنْ شَهْرِ الله المُحَرَّم.  يَومُ فُرْقانٍ ونَصْرٍ.. يَومُ قَهْرِ الكافِرِين. يَومُ وَعْدٍ قَدْ تَجَلَّى.. يَومُ نَصْرِ الصَّابِرِين  يَومُ شُكْرٍ وَولاءٍ وفَرَح..  وَلاءٌ لأُمَةٍ مُؤْمَنَةٍ سَلَفَتْ. صامَتْ فيهِ شُكْراً للهِ أَنْ أَهْلَكَ فيهِ عَدُوَّها.  

فَشُرِعَ الصِيامُ فيهِ لِهذهِ الأُمَةِ.. تَحقِيْقاً للوَلاءِ، وإبْقاءً للشُّكْرِ، وامْتِداداً للفَرَحِ، واسْتِحْضاراً لِما وَقَعَ في ذلِكَ اليَومِ مِنَ الآياتِ والكَراماتِ والعِبَر.  فَكَم من مَقْهُورٍ مَظْلُومٍ مُسْتَضْعَفٍ.. أَثْخَنَتْهُ الجِراحُ، وأَفْجَعَتْهُ المَظالِمُ، وأَوْجَعَهُ الأَلَم. باتُ يَتْلُو مُتَدَبِراً {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} وَباتَ يَتْلُو مُتَدَبِراً {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}  فَانْجَلَتْ عَنْهُ الهُمُومُ، وانْقَشَعَتْ عَنْهُ الكُرُوبُ، وأَدْرَكَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ آتٍ وأَنَّ لَهُ في تَدْبِيْرِهِ حِكَم. 

شُرِعَ صِيامُ يَومِ عاشُوراءَ. وَضاعَفَ اللهُ للصائِمِين فيه فَضْلَه. عَنْ أَبِيْ قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (وَصِيامُ يَوْمِ عَاشُوراءَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التِي قَبْلَهُ) رواه مسلم  صِيامٌ يَومٍ واحِدٍ.. يُكَفِرُ اللهُ بِهِ سَيئِاتِ سَنَةٍ.. فَما رَغِبَ عَنْ هذا الفَضْلِ إِلا مَغْبُون.   ومُخالَفَةً لليهودِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «لَئِنْ بَقِيتُ إِلى قَابِلٍ ــ أَي السَّنَةَ القادِمَةَ ــ لأَصُوْمَنَّ التَّاسِعَ ــ أَي مَعَ العَاشِرَ ــ» رواه مسلم  ومَنْ أَفْرَدَ يَومَ عاشُوراءَ بالصِّيامِ أَدْرَكَ الفَضْلَ. ولَكِنَّهُ تَرَكَ الأَفْضَل.

شُرِعَ صِيامُ يَومِ عاشُوراءَ.. شُكْراً للهِ وفَرَحاً بِنَصْرَه.  فَما أَشْقَى قَوماً جَعَلُوهُ يَومَ لَطْمٍ وبُكاءٍ ونِياحَة. رَافضَةٌ.. رَفَضُوا هَدْيَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وانْحَرَفُوا عَنْ سُنّتِهِ ورَغِبُوا عَنْ شَرِيْعَتِه. فَهُم في ظُلماتٍ الجَهْلِ لا يَبْرَحُون.

اللهمَّ اهدنا صراطك المستقيم، وثَبِتنا على دينك القويم، واجعلنا من عبادك المفلحين..

المرفقات

1720693927_الوَلَاءُ للمؤْمِنِيْن ــ يَومُ عاشُوراءَ 6 ــ 1 ــ 1446هـ.docx

المشاهدات 711 | التعليقات 1

جزاك الله خير الجزاء