الوفاء بثواب وآداب خدمة المرضى

خالد علي أبا الخيل
1436/11/28 - 2015/09/12 16:48PM
الوفاء بثواب وآداب خدمة المرضى
التاريخ: الجمعة: 20/ 11 /1436 هـ
الحمد لله ذي العطا، والتوفيق والاجتبا، أصاب بالابتلاء، وأعظم الأجر للمرضى، وأثاب القائم على المرضى، والمُرافق والمُحسن لأهل البلاء، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو الكرم جل وعلا، وأشهد أن محمد عبده ورسوله المُجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم اللقاء.
أما بعد،.
فاتقوا المولى، تفوزوا بالدنيا والأُخرى، فالتقوى هي العُروة الوثقى، والحبل الأقوى.
عباد الله: من النعم الكبيرة، والآلاء الكريمة، نعمة الصحة والعافية، فله الحمد على العافية في الأبدان، والصحة في الأجسام والبنان، بيد أن الدنيا دار نصب وابتلاء، والمرء لا ينفك عن هذا الابتلاء، ولهذا جاء الاستعداد: (وخذ من صحتك لمرضك)، و(اغتنم خمساً قبل خمس: ... وصحتك قبل مرضك...)، فهذه سنة الحياة، وفي طيات ذلك تكفير للسيئات، وزيادة في الحسنات، ورفعة في الدرجات، وفي المرض يقول ابن القيم: مائة فائدة. نسأل الله أن يُعظم لمرضنا الأجر والمثوبة والفائدة.
هذا: والحديث إليكم أيها الإخوة عن موضوع ماس، يدور في الخَلَد والإحساس، ولا يخلو منه الناس، وهو شامل لجميع الأطياف والأجناس، يُرغب القائم به، ويُنشط المُوفق له، ويرفع المُتقاعس عنه، لا يخلو منه بيت غالبًا، وكم لباذله عطاءً وإحساناً، إنه -إيها الإخوة- وُجود مريض في البيت، أو عندك مريض، البيُوت والمُستشفيات لا تخلو من معتوه، أو مُصاب، أو مريض، أو مُقعد، أو كبير في السن، أو مجنون، أو مُبتلى، فما هو تجاهنا نحوهم؟ وحالنا معهم؟ وتعاملنا لهم؟
أيها المؤمنون: إن تمريض المريض، ومُرافقة المُصاب والمريض، يجب أن يُذكر فيُعرف، ويُشكر فيُألف، ترغيباً للمُرافقين، وتشويقاً للبارين، وتذكيراً للمُمرضين والعاملين، وإشادة للأطباء والمُستقبلين، وشحذًا للهمم والمُصاحبين، ممن تفرغوا وصبروا، وتركوا أشغالهم ورابطوا، وهجروا فُرشهم وانتبهوا، ولم تُلههم أموالهم ولا أولادهم عن مرضاهم ونسوا، فهذا يخدم وهذا يُساعد، وهذا يستقبل وهذا يُعاضد، وهذا يُعالج وهذا يُصاحب، وهذا يسعى ويُرابط، إن وُجود مريض عندك في بيتك أو بلدك، أو في المستشفى وحولك، أياً كان مرضه ونوعه، وعلته وعقله، سببٌ ساقه الله إليك لعِظم الأُجور، وباب خير مبرور، وكم يدفع الله بهذا المريض أو المُصاب من الشرور؟، إن تمريضه ومُرافقته ومُصاحبته وخِدمته لو علم ما يجنيه القائم من الأجر والثواب ما يفوق الصائم القائم، لبذل وسعه في الخدمة لكل قاعد وقائم.
إن الشريعة السمحة أعطت كل ذي حق حقه، ومن ذلك مرافقة المرضى، بالترغيب والطمع الأوفى، لا سيما إذا كان المريض أو المُصاب أو المُقعد والدًا أو والدة، أو ولدًا أو ابنة، أو قريب أو زوجة، فخدمة المريض عمل نبيل وخُلق جميل، وتعاون وتلاحم، وترابط وتراحم، إن من فضل الله على عبده أن يوفقه لعمل صالح يكتسب من قُربه، وينال من أجره، ويرفع درجته، وهو بين يديه، فما أجمل شعار: في بيتنا مريض، لخدمته ومُرافقته، وإدخال السرور عليه ومصاحبته، فنتفقه في خدمته، ونتثقف في التعامل معه.
القائم على خدمة المريض ليس القريب منه فقط، بل كل من خدم المريض أو الكبير أو المُبتلى من قريب، أو خادم، أو سائق، أو طبيب، أو ممرض، أو صاحب الاستقبال المُيسر له، والمُسهل مُعاملته، والقائم بمُراجعته ومنه الطاقم الطبي، والفريق الصحي، وكذا المقرب مواعيد مُراجعته، بل والمُشير عليه وإليه، كل هؤلاء ونحوهم لهم حظ من الخدمة للمرضى، والثواب والأجر والعطاء، وإنك لترفع أكف الضراعة وتدعو في كل ساعة حينما ترى زوجاً أو زوجة، أو ابنًا أو بنتًا، أو والدًا أو والدة قد صحب مريضه، هذا مُمسك بيده، وآخر يفتح باب سيارته لمريضه، وثالث مُمسك بعربته وسيره، ورابع يفتح الباب للمُصاب، ويوسع الطريق للمُحتاج، فاللهم: أعط كل مُرافق، ومُصاحب، وخادم، ومُسعف لمريضه وقريبه أو من لا يعرفه، ما تمناه، وأسعده في دينه ودنياه، واجعل ذريته يخدمونه لما يُحب ومُبتغاه.
إن من حول المريض أيها المسلمون من زوجة وأبناء، وأهل وأقرباء، يُعانون كما يُعاني المريض، بل ربما أكثر وأكبر؛ لأنهم يرون من يُحبون يتألمون، فيتألمون لألمه، ويتوجعون لوجعه، إن المريض كما يُقال: من عنده مريض. يسهر لسهره، ويتعب لتعبه، ويحزن لحُزنه، ولربما شعر البعض من الضجر، وطول المرض والكدر، وإرهاق المريض، وتعبه الشديد العريض، فاعلم -أيها المُمرض والطبيب والمُرافق والصاحب الحبيب- أن هذا لا يضيع سُدى، ولا يذهب سبهللًا وهدرًا.
إذن: من باب رفع الهِمة، وتذكير الأُمة وبِر المريض، والإحسان إليه والتعريض، بل وتذكير أنفسنا وإخواننا، ممن يُرافقون المرضى، أو عندهم في بيُوتهم المساكين والضُعفاء، وأهل البلاء والمرضى، حتى يستمروا ويُواصلوا، ويُخلصوا ويحتسبوا، نسمع الفضائل لأهل الخِدمة والأوائل:
إن من أزكى الأعمال، وأحبها إلى الكبير المُتعال، الإحسان إلى الضعيف والمريض، والقيام بحوائجهم وشؤونهم وطلباتهم، وهي سُنة نبوية، وحسنة سلفية، فلما مرضت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر زوجها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن يبقى عندها ليُمرضها، ويقوم في عِنايتها، وتخلف عن معرك بدر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه)، رواه البخاري.
ومن الثواب، للقائم على المريض والمُصاب: نيل محبة الله وكفى بها شرفاً وفضلًا. قال المولى جل وعلا: (وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة: 195): فكلما أحسنت أحسن الله إليك وأحبك.
ومن ذلك: الفوز برحمته، والقرب من خيره. (إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف: 56)، ومن كان قريباً إلى ربه أعطاه الله ورزقه.
ومنها: أنه لا يضيع عملك -أيها المُرافق-. وستجده إذا حُقت الحقائق، قال المولى الخالق: (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف: 56)، (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف: 30)، فخدمتك مرصودة، وحسناتك محسوبة، وكذا أن الله يكون في عونك، ويقضي حوائجك، ففي البخاري: (والله في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة أخيه)، وفي مسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
وخامسها: أن هذا من الصدقة والهنا، والمعروف وصرف البلاء. ففي السنة: (كل معروف صدقة)، والصدقة وصنائع المعروف، تقي مصارع السوء وشر الحُتوف.
والسادس -أيها الأخ الكريم الجالس-: أن أفضل الأعمال أن تُدخل السرور على أخيك. لا سيما المريض فهو بحاجة إلى الابتسامة والبشاشة، والكلمة الطيبة، وإدخال التفاؤل والفرحة، والتنفيس في أجله ومرضه، (وتبسمك في وجه أخيك صدقة).
ومنها: الصبر. فالمُحتسب الصابر على مريضه من الأكابر والأصاغر، وتحمل المشاق والمتاعب، والسفر والنصب والأواصب، والعلاج والمُراجعة، والأوبة والرجعة، له أجل الصابرين، ورب العالمين يقول في كتابه المُبين: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر: 10)، فاصبر وصابر، تنال الأجر والمنزل الفاخر.
والثامن –أيها الأخ الآمن-: أن هذا تنفيس للكُربات، وكشف للمُلمات. فكم لك أيها المُرافق من الحسنات وتفريج الكُربات، وفي الحديث: (ومن نفس عن مؤمن كُربة من كُرب الدنيا، نفس الله عنه كُربة من كُرب يوم القيامة، ومن يسر على مُعسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)، فالمريض قد حل به الكرب، واشتد به الخطب، يحتاج لمن يُنفس عنه كُربته، ويُزيل وحشته، ويُسهل ويُيسر علاجه وأمره.
وكذا -لا ننسى أيها الموفق للمُرافقة-: دعوات المريض المكلوم، والمُصاب المحموم. فكم يرفع لمُرافقه ومُعالجه، ومعاونه ومُساعده، من هُتاف الدعوات، وحر العبارات، ما يتمناه كل من سمعه، ودعوة المريض والضعيف والمُبتلى حرية بإجابة الدعاء، وذلك أن المريض يفرح باليسير، ويلهج بالثناء والتذكير، والمشقة التي يُكابدها المُرافق من سهره، ومُراقبته ومُلاطفته، لا يتحملها إلا الجاد الصادق، والمُشفق المُحتسب اللاحق، فلا حرمه الله الدعوات، وجميل العطايا والهبات.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، وأُصلي وأُسلم على من لا نبي بعده.
وبعد:
ومُرافق المريض، والقائم على رعايته والعِناية به، سبب لرحمة الله به، لما عند أبي داوود: (الراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، ولا شك أن تعاملك، ومُرافقتك، وإعانتك، من رحمته والرأفة به، فهنيئاً لمن بذل وقته، وفرغ نفسه، لتقديم العون لمريضه، لا سيما إذا كان والدًا أو قريبًا، فرحمات الله عليك، وخيراته بين يديك، فلا تُفوت فضل الله عليك.
والحادي عشر من تلك الفضائل والجواهر: أن النصر والعز وسعة الرزق في إعانة المُحتاجين. من المرضى والمُراجعين، وتثمين مُهماتهم ومواعيدهم، والرفق بهم، ففي الحديث: (إنما تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم).
والثاني عشر -جعلكم الله خير معشر-: أن هذا علامة الإيمان، والسعي إلى الجِنان، والفوز والرضوان.
والثالث عشر: أن هذا من البِر والصلة. وكم في ذلك من العطاء والمِنة، ومن ذلك: (ذهب المفطرون بالأجر)، فالنفع المُتعدي له ثمرته ونتائجه وحسناته وخيراته.
والخامس عشر -وهو آخرها وخاتمة مسكها-: القاعدة القرآنية: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (الزلزلة: 7)، (إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم ثم أُوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله). فلهذا لا تحقر من الخِدمة شيئًا، عرفته أم لم تعرفه، فلن يضيع عند الله شيء، ولو ابتسامة لطيفة، أو كلمة طيبة خفيفة، أو تسهيل مُعاملة، أو تيسير مُراجعة، أو فتح باب، أو تقديم كبير لكبره، أو تقدير سن لسنه، أو مُناولة دواء، أو دفع أذى، فأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الأُخرى، وكم يدفع الله عنك من المصائب والأذى.
فلا تحقر شيئاً أن تخدم به إخوانك المرضى، أياً كان منصبك، وموقعك، وعملك.
هذا: ولا أنسى أن أُتحفك -أيها المُرافق المُحب الصادق- بوصايا فريدة، وتنبيهات لطيفة، ليكون عملك مقبولًا، وسعيك مشكورًا، وذنبك مغفوراً:
أولاً: عليك بالإخلاص لله. في عملك وتعاملك، وبذلك ومالك، وجُهدك ووقتك، والرحمة والشفقة، والحلم والرأفة، والصبر والاحتساب، والتحمل فيما تسمع وتُصاب.
وكذا: تحلى بالرفق وطيب الكلام، وإدخال السرور وبذل السلام، وتحلى -أيها الموفق المُرافق المُشفق- بالتفاهم والتنفيس، وراحة النفس وأُنس الجليس.
ومن أهمها: تعليم مريضك إن كان عاقلاً أُمور دينه، وكيف يعبد ربه؟. لاسيما الصلاة والطهارة، والوصية وما عليه وما له، احتسب أجرك، ولا تُضيع جُهدك، ولا تتضجر من مُرافقك لا سيما والدك أو والدتك، فتحلى بُحسن المعاملة والأدب والصيانة، تحلى بالابتسامة، ولطيف العبارة، وجميل البشاشة، فالمريض كالطفل الصغير بحاجة إلى حنان، وتلطف وإيمان، تحلى برعايته في جميل منظره، وملبسه، ومأكله، ونظافته، ومجلسه، فالمريض مسكين ضعيف، تُسعده الكلمة وتُرضيه البسمة، واحذر من رمي الكلمات والعبارات القاسيات، والألفاظ المُوجعات، مثل: مرضك غريب، أو علاجك عسير، أو مرضك لا علاج له، أو يؤول إلى الموت والهلاك، أو لا شفاء لهذا المرض، أو الإكثار من ذكر ما يؤلمه ويُزعجه؛ حتى ولو كان على وجه الذكرى والموعظة، أو هذه أمراض مُستعصية، وكوارث مُوجعة، بل عليك بالترغيب والرجاء، والحمد والثناء، وأن الله ما أنزل داءً إلا أنزل له شفاء.
وأخيراً: شكراً على جميل إنصاتكم، وقوة تفاعلكم، تذكر لو كنت أنت المريض والمُحتاج والضعيف والمراجع، ضع نفسك موضع نفسك موضع رفيقك ومريضك، واصنع له ما تُحب أن يصنع بك، فالأيام دول، والليالي حُبلى، (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا)، والجزاء من جنس العمل، و(كما تدين تُدان)، وما تصنعه بغيرك يُفعل بك، جزاءً وِفاقًا، وعطاء مُحققًا، فعامل الناس بما تُحب أن يُعاملوك به، و(من أحب أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يُحب أن يأتي للناس ما يؤتى إليه).
والله أعلم.
المرفقات

3379.docx

خطبة - الوفاء بثواب وأدآب خدمة المرضى - للشيخ خالد بن علي أبا الخيل.doc

خطبة - الوفاء بثواب وأدآب خدمة المرضى - للشيخ خالد بن علي أبا الخيل.doc

المشاهدات 1609 | التعليقات 0